المقدّمة

منذُ أن صدحت صرخة كربلاء الحقّة، وصفعت جبهة الظلم في العاشر من شهر محرّم لسنة (61هـ) حتّى يومنا هذا، ما زالت انعكاساتها ومعطياتها النافعة تُغذّي المجتمع الإسلامي، وتُواكب ما يدور في خَلَده من مُجريات، ولعلَ أهمّ هذه الانعكاسات التي خلُدت بخلود كربلاء، هي ما اتُّفِقَ على تسميته بالخطابة الحسينية، التي غطَّت أغلب المراحل الزمنية التي تلت معركة كربلاء، مذكِّرةً بالأحداث المأساوية التي واجهها الإمام الحسين(عليه السلام).

كما كان لهذه الانعكاسة المهمّة صوتٌ هادرٌ، قد عالج العديد من المشاكل التي عانى منها أتباع أهل البيت(عليهم السلام)؛ ولهذا جاءت دراستنا هذه باحثةً ـ بشكل تحليلي ميداني ـ عن واقع الخطابة الحسينية في العراق خلال الأعوام (2003م ـ 2018م)؛ لِما لهذه السنوات من حسّاسية في تاريخ العراق المعاصر؛ إذ شهدت هذه المدّة تطوّرات كبيرة في الساحة العراقية سنُلمِّحُ إليها في ثنايا البحث.

ولا شكّ في أنّ أهمّ ما يواجه الباحث حول هذا الموضوع، الذي يُعبِّر عن تفاعل اجتماعي عميق في مثل هذه المدّة القريبة، هو قلّة المصادر المطبوعة؛ ولهذا لجأنا بعد الاستفادة من المطبوعات رغم ندرتها، إلى ما نُشر على شبكة الإنترنت من خطابات حسينية، أو مقابلات شخصية أجرتها بعض الوسائل الإعلامية مع الخطباء، كما قمنا بطرح ورقة استبيان انسجاماً مع ما يصبو إليه البحث فقد طرحنا ورقة استبيان؛ لبيان رأي الخطيب والمتلقّي حول ما قدّمته الخطابة الحسينية خلال مدّة الدراسة، فكانت هذه الورقة أيضاً مصدراً هامّاً في استقصاء المعلومات التي ستتبيّن خلال البحث.

ومن هنا؛ فإنّ خطّة البحث التي نسير عليها في هذا المقال تتكوّن من تمهيد يُسلِّط الضوء على بيان المراد من مفردة الخطابة بشكل عامّ، وبيان مراحل نشوء الخطابة الحسينية بشكل خاصّ، ثمّ يليه مبحثان، أحدهما: تحليلي نتطرّق فيه إلى ثلاثة محاور رئيسة، كان المحوران الأوّل والثاني على الترتيب عبارة عن الأُطروحات السياسية والاجتماعية للخطابة الحسينية في العراق ما بين (2003م ـ 2018م)، بينما كان المحور الثالث عبارة عن الخطابة الحسينية ودخول التكنولوجيا الحديثة في العراق. أمّا المبحث الثاني فقد كان مبحثاً ميدانياً عرضنا فيه مجموعة من النسب المرتبطة باستبيان مؤلَّف من ثمانية أسئلة تمّ تقديمه إلى مجموعة من خطباء المنبر الحسيني، ومجموعة من الأشخاص الآخرين من غير شريحة الخطباء، وقد وقفنا من خلال هذا الاستبيان على أهمّ المحاور والإشكاليات التي ترتبط بمستقبل الخطابة الحسينية في العراق.

وأخيراً، لا بدّ من القول إنّ الحساسية الشديدة لهذه المدّة، وقرب وقت الدراسة؛ دعتنا إلى تجنُّب مجموعة من المواضيع التي يمكن أن يكون فيها الباحث عرضةً للميول الشخصية، أو المذهبية، أو عرضةً للتسرُّع بإطلاق الأحكام على جهود خطابية لم تؤتِ ثمارها بعدُ. نسأل الله أن يوفّقنا لِما يحبُّ ويرضى، إنّه وليّ التوفيق والتسديد!

التمهيد:

النقطة الأُولى: بيان المراد من مفردة الخطابة

الخطابة لغةً: جاء في لسان العرب: «الخُطْبَة مَصْدَرُ الخَطِيبِ، وخَطَب الخاطِبُ على المِنْبَر، واخْتَطَب يَخْطُبُ خَطابَةً، واسمُ الكلامِ: الخُطْبَة» [1]، وجاء في مختار الصحاح: «الخَطْب: سبب الأمر، تقول: ما خَطبك؟... وخاطبه بالكلام مُخاطبةً وخطاباً، وَخَطب على المنبر خُطبة، وخطابة، وخَطَبَ المرأة في النكاح خِطبة»[2]، أمّا القاموس المحيط فقد جاء فيه: «الخَطْب: هو الشأن، والأمر صغر أو عظم، والجمع خطوب... وخطب الخاطب على المنبر خَطابة، وذلك الكلام: خُطبة، أو هي: الكلام المنثور المسجَّع ونحوه»[3]، وأخيراً ذكر الفاضل الهندي أنّ الخُطبة (بالضم) هي: اسم للكلام الذي يتحدّث به الخطيب والمتضمِّن وعظاً وإبلاغاً [4].

أمّا الخطابة اصطلاحاً: فقد عُرِّفت بـ: «استمالة مَن تُؤثر استمالته»[5]، وعُرِّفت أيضاً بـ: «فنّ مشافهة الجمهور وإقناعه واستمالته»[6].

وللخطابة حظوة على غيرها من فنون الأدب، فقد ارتبطت الخطابة ببعض الأعمال العبادية، كصلاة العيدين والجمعة اللتين دخلت الخطبة في تشـريعهما[7]، أضف إلى ذلك أنّ رسول الله(صلى الله عليه واله) وأئمّتنا(عليهم السلام) قد حثّوا محبّيهم على الأخلاق الفاضلة، ودحضوا آراء مخالفيهم بمجموعة من الخطب البليغة[8].

وفي الخطبة لا بدّ من توفّر عنصر القناعة، وهذا العنصـر لا يحصل ما لم يتمكّن الخطيب من إقناع الجمهور، والمراد من القناعة هو التصديق بالشيء مع الاعتقاد بعدم إمكان ما ينقضه، أو مع الاعتقاد بإمكان ما ينقضه إلّا أنّ النفس تصير بسبب الطرق المقنِعة أميل إليه من خلافه[9].

أمّا فيما يتعلّق بالخطابة الحسينية التي هي مادّة المنبر الحسيني، فقد وُجِدَت منذُ القرن الأوّل الهجري، وتحديداً بعد معركة كربلاء[10]، وقد كانت في بادئ أمرها عبارة عن إنشاد الشعر في رثاء الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وصحبه من قِبل بعض الشعراء[11].

وخلال القرنين الهجريين الثالث والرابع تطوّر المنبر ـ بعد الكبت الذي عاناه في المدّة التي تلت واقعة الطفّ الأليمة ـ فبرزت المجالس بشكل كبير؛ نظراً لقيام دول موالية لأهل البيت(عليهم السلام)، مثل الأدارسة في شمال أفريقيا، والفاطميين في مصر، والبويهيين في إيران والعراق[12]، وهنا أخذت المجالس الحسينية أشكالاً متعدّدة، فكان الفاطميون ـ مثلاً ـ في يوم عاشوراء يقومون بإطعام الناس، ويكثرون النوح والبكاء، ويُظهرون مظاهر الحزن والأسف[13].

ثمّ إنّه بسبب كثرة مَن يُقيمون المجالس الحسينية مع قلّة الخطباء، ظهرت مرحلة جديدة من الخطابة، كانت عبارة عن وضع مجالس حسينية مكتوبة، يقرأها الخطباء وغير الخطباء، فيُلقي الشخص المجلس لأهله أو منطقته، واشتُهرت هذه الظاهرة في القرنين التاسع والعاشر الهجريين، وعُرِفَت تلك المجالس حينذاك بالروضة، نسبة إلى كتاب (روضة الشهداء) للواعظ حسين الكاشفي المتوفّى سنة (910هـ)، والذي جاءت منه كلمة (روزه خون)، التي أصلها: (روضة خوان) أي: قارئ كتاب روضة الشهداء[14]، واستمر هذا التطوّر في دور المنبر الحسيني خلال الأعوام (914هـ ـ 1114هـ) التي حكم فيها الصفويون العراق[15].

أمّا المدّة الزمنية التي تلت هذه المرحلة فقد اتصفت بحصول تغيّرات كبيرة على المستوى العالمي، كظهور الاستعمار، ووصول تيارات فكرية إلحادية، وغيرها من الأُمور التي أسهمت في إيقاظ المسلمين، وتنبيههم على الأخطار المحيطة بهم، وشمل ذلك بصورة جلية وواضحة المنبر الحسيني[16].

وأخيراً، أسهم التطوّر في قطّاع الاتّصالات بتوصيل المعلومة إلى أوسع نطاق ممكن، واستطاع التلفاز والفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي عِبر الإنترنيت توسيع دائرة وصول الكلمة الحسينية[17]، ممّا جعل نهضة الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء تصبح «حركة اجتماعية إسلامية أُسّست لمنهج جديد في التغيير الاجتماعي، وفي طبيعة التعامل مع السلطة في حال وُجِدَت الظروف الموضوعية المناسبة لأن تُعطي الثورة على الحاكم ثمارها، وأن تُنتج الشجرة المثمرة والوارفة بظلالها على المجتمع»[18].

وهذا التوجُّه نجده واضحاً في السنين التي سبقت سقوط حكم البعث الإجرامي في العراق، فقد كان المنبر الحسيني في حالة ترقُّب لتهيّؤ تلك الظروف الموضوعية، كما كان معالجاً للكثير من القضايا الاجتماعية التي تمسُّ حياة المجتمع بشكل يومي، بل واجه العديد من الخطباء السلطة بصورة علنية، مقتدين بالإمام الحسين(عليه السلام)، وغير معتبرين لأيّ تهديد ووعيد[19]، إلّا أنّ هذا التصدّي أدّى إلى تعرُّض العديد منهم للقتل[20] والتهجير، وجعل الخطابة الحسينية تنتظر ساعة الخلاص من ذلك النظام البوليسـي كانتظار بقية المفردات الأدبية والعلمية والدينية، التي عانت من سطوة جلّادي حزب البعث المقبور.

المبحث الأوّل: الجانب التحليلي

المحور الأوّل: الأُطروحات السياسية للخطابة الحسينية في العراق ما بين عامي (2003 م ـ 2018م)

في هذا المحور سنتناول المواقف التي اتّخذها خطباء المنبر الحسيني في العراق على الصعيد السياسي، بعد عام (2003م)، سواء في مقام نقد الأداء الحكومي لمسؤولي الدولة بعد سقوط نظام البعث في شتّى المجالات، أو في مقام مواجهة احتلال التكفيريين الداعشيين للأراضي العراقية.

أوّلاً: الخطابة الحسينية بعد نهاية حكم البعث

يُعدّ يوم التاسع من شهر نيسان لعام (2003م) من التواريخ المفصلية في تاريخ العراق المعاصر؛ حيث سقوط النظام القمعي الذي جثم على صدر العراق لأكثر من ثلاثة عقود، وقد ترتّبت على هذا الحدث جملة من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولم يقتصـر صدى هذا التغيير على الرقعة الجغرافية للعراق، بل تعدّاها إلى بعض المناطق والدول المجاورة.

ونظراً لجسامة هذا الحدث، وللارتباط الوثيق بين النهضة الحسينية والميدان السياسي، ولزوال المبرّرات التي كانت تمنع عالِم الدين وخطيب المنبر الحسيني من التحدُّث في السياسة[21]؛ فقد وجدت الخطابة الحسينية فرصتها التي انتظرتها عقوداً تحت سطوة الجلّاد الذي واجه الرأي بالسجن والقتل والتهجير، وأسرعت إلى تعويض ما كان يُعانيه العراقيون من الكبت في التعبير عن معتقداتهم، والحرمان من ممارسة طقوسهم الدينية[22].

كما رافق ذلك عودة مَن هُجِّرَ من الخطباء الحسينيين الذين سعوا خلال سنين الهجرة إلى بثّ علوم أهل البيت(عليهم السلام) في بلدان المنفى،فمّما تجدر الإشارة له أنّ نظام الطاغية صدّام، وعقب الانتفاضة الشعبانية عام (1991م) قام بقمع أبناء الشعب العراقي، والتنكيل بهم، ممّا اضطر الكثير منهم ـ خصوصاً أبناء الطائفة الشيعية ـ إلى الهجرة خارج العراق؛ وقد أسهم ذلك في انتشار المآتم الحسينية في العديد من البلدان[23].

ومع هذا، فإنّ التّهجير يكشف عن جانب مهمّ في مراحل المنبر الحسيني داخل العراق، حيث الكلمة الممنوعة، والرثاء الممنوع، والنّقد الممنوع، كلّ ذلك، جعل المنبر الحسيني والخطباء داخل البلد بين القراءة والرثاء المقصور على بعض النعي وغيره، وبين أن يجاهروا ويبرزوا ما في الثورة الحسينية من معانٍ، وهو ما لا ترتضيه السلطة.

هذه المرحلة من الخطابة الحسينية في العراق، انتهت بانتهاء السلطة البعثية الحاكمة، ليدخل المنبر الحسيني مرحلةً جديدة، تتّسم بحرية الخطابة، وحرية إقامة العزاء، ونقد الواقع المشوب بالفساد، إلى غير ذلك مما توافر في الخطابة الحسينية في هذه الفترة، ويمكن القول: إنّ الخطابة الحسينية بعد سقوط حكم البعث قد دخلت في محطّة مفصلية من تاريخها، تمثّلت بالتخلّص من القمع والاضطهاد، وهذا ما سيتّضح بشكل أكبر عندما نتطرّق إلى موقف الخطابة الحسينية من الأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدتها المدّة اللاحقة لسقوط ذلك النظام.

وبالمحصّل: فإنّ هناك مرحلتين ملحوظتين في مسيرة الخطابة الحسينية، (مرحلة ما قبل سقوط النظام البعثي، ومرحلة ما بعدها)؛ فالأُولى: جعلت المنبر الحسيني في حالة ضمور، لا يقوم بكامل أدواره، أمّا المرحلة الثانية: ـ وهي التي تتمثّل بما بعد انتهاء هذا الحكم ـ فكان المنبر الحسيني فيها أحد أهمّ الوسائل التربوية، والنقدية، والتوجيهية. وبعبارة أُخرى: تبوّأ المنبر الحسيني المكانة التي لم تكن مأمّنةً له في السابق، وبهذا اللحاظ تعتبر هذه المرحلة مرحلة مفصلية في واقع المنبر.

ثانياً: الخطابة الحسينية والشدّ الطائفي وفتوى الجهاد الكفائي بعد دخول داعش

1ـ الخطابة الحسينية وزمن الشدّ الطائفي

لم يهنأ العراقيون بطعم الحرية التي تذوّقوها، حتّى نفث المتضـرّرون من تغيير حكم البعث سمومهم الطائفية بين أبناء الوطن الواحد؛ ليدخل العراق حقبة سوداء في تاريخه، أَلا وهي الحرب الطائفية التي دفع فيها أبناء العراق آلاف الشهداء والجرحى والمهجّرين، والتي خلّفت الكثير من الآلام والمآسي.

وفي الحقيقة أنّ هناك اختلافاً حول تسمية ما حصل في العراق بأنّه حرب طائفية أو أهلية، فالبعض رأى أنّها حرب بين مكوِّنات سياسية، قد اتّخذت طابعاً مسلّحاً، أي: بمعنى أنّ السنّي لم يقتل الشيعي لأنّه شيعي، وأنّ الشيعي لم يقتل السنّي؛ لأنّه سنّي، مستدلّين على ذلك بوجود علاقات اجتماعية متداخلة عشائرية وعائلية بين كلا الطائفتين، ومهما يكن الأمر فقد دخل العراق عقب سقوط حكم البعث في أُتون حرب تصارعت فيها جهات مختلفة الطوائف، وانتقلت بفعل ذلك الارتباط الطائفي إلى جميع الفئات الاجتماعية، لتظهر المناطقية الطائفية، خصوصاً في المناطق المتعدّدة المذاهب[24].

وبعيداً عن الخوض في التفاصيل المزعجة التي رافقت تلك الحرب، سنستعرض دور الخطابة الحسينية من ذلك الحدث، وبتعبير أدقّ سنتعرّف على ما إذا كانت الخطابة الحسينية قد قامت بدور إيجابي في المقام، وذلك من خلال التعريف بخطورة هذه الحرب، أو أنّها كانت عاملاً مساعداً فيها؟

وللإجابة عن ذلك نقول: من المؤكّد أنّ السواد الأعظم من الخطباء الحسينيين كانوا من الداعين إلى ضرورة إيقاف هذه الحرب ومآسيها، ومن الساعين إلى تدعيم سيطرة الدولة العراقية على زمام الأُمور، وتغليب المصلحة العامّة، والتمسُّك بأكبر قدر من المشتركات مع الغير[25].

وليس هذا بغريب عن المنبر الحسيني والخطابة الحسينية، فنبذُ الطائفية، والتأكيد على الصلاح والهداية، وأهميّة المحافظة على المصالح العامّة، هو رأي مُتبنَّى حتّى قبل التغيير الذي يرى فيه بعضٌ نجاحاً لفئة دون أُخرى[26]، إلّا أنّ جسامة الأحداث التي حصلت خلال هذه الحرب جعلت الأمر في بعض الأحيان يخرج عن سيطرة الخطابة الحسينية، وكذلك عن سيطرة كلّ الجهات الضابطة للمجتمع.

نعم، قد غلب على ردود الفعل تلك الطابع العفوي الممتزج بالشعور بضرورة الدفاع عن النفس، وكلّ هذا مرتبط بضعف مؤسّسات الدولة التي كان يجب عليها القيام بالدور المنشود، المتمثّل بالحفاظ على السلم الأهلي وصيانته، ومثالنا على تلك الأحداث المأساوية التي خرجت فيها الأُمور عن سيطرة العقلاء هما التفجيران اللذان طالا مرقدي الإمامين العسكريين(عليهما السلام) في سامراء، في اليوم الثاني والعشرين من شهر شباط سنة (2006م)، واليوم الثالث عشر من شهر حزيران سنة (2007م)، وكانا تعبيراً حقيقياً عن جسامة الأحداث التي خُطِّط لها لإشعال الفتنة الطائفية في العراق، وهذا ما حصل عقب ذلك التفجير[27].

وبعد أنّ أصبح الأمر واقعاً قام المنبر الحسيني بالدور المأمول منه، المتمثّل بالحثّ على ضبط النفس، وعدم الانجرار وراء محاولات إثارة الفتنة، والتنبُّه إلى قذارة المخطّطات التي يستخدمها المنتفعون من استمرار هذا التقاتل[28]، ولا شكّ في أنّ هذا التوجّه مستمدٌّ ممّا نصّت عليه المرجعية الدينية العليا عقب أحد هذين التفجيرين، حيث جاء في البيان الصادر عن مكتب المرجع الأعلى سماحة آية الله العظمى السيّد على الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف):

«بسم الله الرحمن الرحيم (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[29]، لقد امتدّت الأيادي الآثمة في صباح هذا اليوم لترتكب جريمة مخزية ما أبشعها وأفضعها، وهي استهداف حرم الإمامين الهادي والعسكري(عليهما السلام)، وتفجير قبّته المباركة، مما أدّى إلى انهدام جزء كبير منها، وحدوث أضرار جسيمة أُخرى. إنّ الكلمات قاصرة عن إدانة هذه الجريمة النكراء التي قصد التكفيريون من ورائها إيقاع الفتنة بين أبناء الشعب العراقي؛ ليُتيح لهم ذلك الوصول إلى أهدافهم الخبيثة. إنّ الحكومة العراقية مدعوّة اليوم أكثر من أيّ وقت مضـى إلى تحمّل مسؤوليّاتها الكاملة في وقف مسلسل الأعمال الإجرامية التي تستهدف الأماكن المقدّسة، وإذا كانت أجهزتها الأمنية عاجزة عن تأمين الحماية اللازمة، فإنّ المؤمنين قادرون على ذلك بعون الله سبحانه وتعالى. إنّنا إذ نُعزّي إمامنا صاحب الزمانf بهذا المصاب الجلل، نُعلن الحداد العامّ لذلك سبعة أيّام، وندعو المؤمنين ليُعبِّروا خلالها بالأساليب السلمية عن احتجاجهم وإدانتهم لانتهاك الحرمات، واستباحة المقدّسات، مؤكّدين على الجميع ـ وهم يعيشون حال الصدمة والمأساة للجريمة المروّعة ـ أن لا يبلغ بهم ذلك مبلغاً يجرّهم إلى اتّخاذ ما يؤدّي إلى ما يُريده الأعداء من فتنة طائفية، طالما عملوا على إدخال العراق في أُتونها. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون»[30].

وتماشياً مع هذا البيان جاءت الخطابات الحسينية مستنكرةً لهذا الحدث الجسيم، وحاثّةً على ضرورة التزام الهدوء وضبط النفس؛ خشية الوقوع في المخطّطات الشـريرة لمنفّذي هذا الفعل.

وفي الحقيقة لا يمكن إخفاء بعض الأصوات التي اتّهمت خطباء المنبر الحسيني بأنّهم يُرسِّخون الطائفية، وهنا لا بدّ من الإجابة عن هذا الرأي على الرغم من وضوح تأدلجه بالأدلجة المستهدفة لدور الخطابة الحسينية، بأنّ المنهج العام المُتّبع عند خطباء المنبر الحسيني هو منهج التسامح، والنُّصح، وبناء الإنسان، وصيانة حقوقه، ووجود بعض الأصوات التي سَمَحت لها الظروف بإلقاء خطابها الطائفي لا يمثّل منهج الخطابة الحسينية، كما أنّ تلك الخطابات المُتّهمة بالتحريض على الطائفية، هي في الحقيقة ليست سوى ردود فعل على خطابات مماثلة أُطلقت خلال تلك الأعوام الأليمة من تاريخ العراق.

2ـ الخطابة الحسينية وفتوى الجهاد الكفائي بعد احتلال تنظيم داعش الإرهابي للمدن العراقية

بعد وصول التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش إلى المناطق المقدّسة والمأهولة بالسكّان، وقتلها الآلاف من العراقيين على أساس طائفي، وعدم وجود قوّات عسكرية نظامية من الجيش والشـرطة قادرة على وقف تقدّم الإرهاب، أدركت المرجعية الدينية خطورة تدهور الوضع الأمني في هذه المناطق، واحتمال انجرار البلاد إلى أُتون الحرب الأهلية الشاملة؛ لذا قامت بتوجيه فتواها للعراقيين بضرورة القيام بفريضة الجهاد الكفائي للدفاع عن الوطن والمقدّسات[31]، وجاء ذلك عبر إذاعة نصّ الفتوى من قِبل وكيل المرجعية الدينية العليا خلال صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف في الرابع عشر من شهر شعبان سنة (1435هـ)[32]. هذا، وقد تلقّى العراقيون هذه الفتوى بتفاعل منقطع النظير؛ استعداداً للتضحية والفداء من أجل الوطن والمقدّسات، وقد هبّت سيول من المتطوّعين في أغلب المدن العراقية، خاصّة في محافظات الوسط والجنوب؛ استجابة لهذه الفتوى المباركة.

وأمام هذه الأحداث المتسارعة نجد أنّ الخطابة الحسينية لم يخفت صوتها، بل كان صوتها عالياً، حاثّاً على ضرورة التفاعل بأكبر قدر ممكن مع ما صدر من المرجعية الدينية العليا على الرغم من كفائية الجهاد المعلن ضدّ تنظيم داعش الإرهابي. كما أنّه لم يقتصر دور الخطباء الحسينيين على الحثّ فقط، بل تقدّم بعض الخطباء صفوف المتطوّعين، كما قام بعضهم برحلات شبه منتظمة إلى مقرّات الحشد الشعبي للدعم والتوجيه، وكانت نتيجة ذلك هي تقديم المنبر الحسيني العديد من الشهداء في هذه المعركة المقدّسة[33].

واللافت خلال هذه المدّة ـ ما دمنا في معرض الحديث الجهادي ـ أنّ الخطابة الحسينية خلال مرحلة الجهاد الكفائي شهدت تطوّراً نوعياً في هذا الجانب؛ إذ أصبح الحديث عن الجانب العسكري أو التكتيكي، وعن اليقظة العسكرية، والدعوة إلى الالتزام بتوجيهات القادة العسكريين محوراً مهمّاً داخل المحاضرة الحسينية[34]، وبهذا يمكن القول: إنّ أهمّ سمتين اتّسمت بهما الخطابة الحسينية خلال هذه المدّة هما: أوّلاً: التصاق دورها بدور المرجعية الدينية العليا، وهذا واضح ممّا تقدّم. وثانياً: دخول الخطابة الحسينية في هذه المدّة مرحلة ربّما هي الأُولى في تاريخها، تتمثّل بدخول الخطباء الحسينيين الميدان العسكري؛ استجابةً لما فرضته التحدّيات التي واجهت الواقع العراقي.

ثالثاً: تعليقات الخطابة الحسينية على ضعف الأداء الحكومي في المدّة ما بين عامي (2003م ـ 2017م)

غير خافٍ على كلّ منصف أنّ النظام السابق للعراق وَرّث من المشاكل ما لا يُعدّ ولا يُحصـى، فإضافة إلى ديون العراق العالية التي التزم بدفعها ضريبة لأخطاء الديكتاتورية البائدة، هنالك آلاف الأُميّين، والأيتام، والمُغيَّبين، إضافة إلى الفقر، والجهل، والتمايز الطبقي، ثمّ إنّه كان المؤمّل عقب سقوط هذا النظام الجائر أن يتمتّع العراقيون بحقوقهم كافّة، وأن ينعموا بما وهب الله تعالى هذه الأرض من خيرات، بعيداً عن الفقر والحرمان، الذي ظنّوا أنّه ولّى إلى غير رجعة، إلّا أنّ جملة من العوامل ـ التي تمّ التطرّق إلى بعضها سلفاً ـ اجتمعت لتحول بينهم وبين ذلك، ممّا ولّد شعوراً بالإحباط عند الطبقات المحرومة، أضف إلى ذلك إنّ النظام السياسي الفتي للعراق قد لازمته بعد التغيير مجموعة من المشاكل المتعلّقة بالصراع حول المنافع، ومحاولة كلّ طرف الاستئثار بالامتيازات على حساب الآخر[35].

وأمام هذا الكمّ الهائل من المشاكل وقف المنبر الحسيني على لسان العديد من الخطباء معلِّقاً على هذا السوء المعيشي، ومحاولاً حثّ كلّ مَعنيّ على النهوض بواقع البلد الخدمي والسياسي، غير أنّ هذه المحاولات لم تجد أُذناً صاغية من قبل أكثر المَعنيين، ممّا ولّد ردوداً أقوى من سابقتها من قِبل الخطباء الحسينيين، الذين لمّحوا في بعض محاضراتهم إلى وجود خطأ سياسي أدّى إلى ضعف في الأداء الخدمي الحكومي، وقد جاء هذا الموقف الممنهج من الخطباء الحسينيين متماشياً مع ما أعلنته المرجعية الدينية العليا في العراق على لسان ممثّلها في كربلاء سماحة السيّد أحمد الصافي، الذي أعلن امتعاضه من عدم استجابة الطبقة الحاكمة لنصائح المرجعية في خطبة صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشـريف بالقول:«لقد بحّت أصواتنا»[36]، ولا شكّ في أنّ المنبر الحسيني بتصـريحاته وتلميحاته هذه قد عبّر عمّا كان يُعانيه العراقيون من معاناة، وحرمان نتيجةً لتلك السياسات الخاطئة، وقدّ تمثّل ذلك بجملة من الخطابات على ألسنة الخطباء المشهورين[37].

المحور الثاني: الأُطروحات الاجتماعية للخطابة الحسينية ما بين عامي (2003ـ 2018م)

كان من نتاج الحرّية التي تمتّع بها الخطباء الحسينيون عقب سقوط حكم البعث في العراق، أن أصبح تطرّقهم للقضايا الاجتماعية ليس بالصورة السابقة التي كان فيها الخطيب مقيّداً بموضوعات محدّدة، ولا تمسُّ بأيّ شكل من الأشكال سلطة الحاكم أو أفكاره، بل أصبح المنبر الحسيني وسيلةً قويةً في التصدّي لكلّ ما من شأنه أن يُخلّ بالأعراف الاجتماعية الصالحة،كما أنّ نصائحه شملت بعض المواضيع المتعلّقة بالشؤون الأُسرية للفرد العراقي، ويمكن تقسيم مقاصد الخطاب الحسيني الاجتماعي خلال مدّة هذه الدراسة إلى محورين، هما:

1ـ الأعراف العشائرية

لا شكّ في أنّ من أهمّ الأهداف التي تسعى لها الخطابة الحسينية في وقتنا الحاضر، هو الهدف المتمثّل بتوثيق الروابط الاجتماعية بين عامّة أبناء الشعب العراقي، وذلك امتداداً لما نهض من أجله الإمام الحسين(عليه السلام) من طلب الإصلاح والصلاح في أُمّة جدّه رسول الله(صلى الله عليه واله)؛ ولهذا أخذ المنبر الحسيني على عاتقه مهمّة التصدّي لكلّ ما يعيب المجتمع ويشينه، وقد ساعدت جملة من العوامل في أن يكون للمنبر في هذا المجال حظوة على غيره من وسائل الضبط الاجتماعي، ففيه تذوب الفوارق الاجتماعية، والعشائرية، ويستمع لخطابه جميع أبناء العشائر، بعيداً عن الفئوية التي تميّزهم في غيره من المواقف[38]؛ ولهذا فلا غرابة في أن تُناشد بعض الأحيان الجهات الحكومية، والمجتمعية خطباء المنبر بضـرورة التصدّي لظاهرة اجتماعية سلبية، كظاهرة إطلاق العيارات النارية العشوائية التي استفحلت في المجتمع[39]، وهنا لا بدّ من التنبيه إلى أنّ المجتمع ومشاكله لم يغبْ عن ذهن الخطباء الحسينيين، إلّا أنّ خروج الأمر عن سيطرة (الحكومة) في بعض الأحيان هو الدافع وراء هذه المناشدات.

هذا، وإنّ شاهِدَنا ـ المؤسف ـ على محلّ البحث في هذه النقطة هو ظاهرة الصـراعات العشائرية، التي تنطلق بين الحين والآخر في بعض المحافظات العراقية[40]،والتي لم يَألُ المنبر الحسيني جهداً في التصدّي لها عِبر العديد من خطاباته، محذِّراً من الحلول السلبية التي تُطبَّق في بعض الأحيان لمعالجة هذه المشاكل، خصوصاً فيما يعرف بـ(زواج الفصلية)[41].

ثمّ إنّ دور المنبر الحسيني في هذا المجال لم يقتصـر على الجانب الإعلامي وحسب، بل حاول الخطباء الحسينيون النزول إلى الواقع، ومعايشة هذه الظاهرة، والتذكير بسلبيّاتها التي تنعكس على المجتمع بصورة عامّة، وهذا واضح للمتتبّع من خلال ملاحظة الجولات الميدانية لعدّة من الخطباء الحسينيين في مناطق متعدّدة من البلاد.

وتماشياً مع هذا الدور الذي تحمّله المنبر الحسيني حضـرت شخصيّات لامعة ومؤثّرة من العلماء والخطباء الحسينيين مراسم توقيع وثيقة هامّة متبنّاة من قِبل المرجعية الدينية العليا في العراق، وقد جرى ذلك في العتبة الحسينية المقدّسة، وبرعاية المتولّي الشرعي لها، وبحضور قرابة مائتي شخصية من شيوخ العشائر من مختلف أنحاء العراق[42]، وقد تضمّنت هذه الوثيقة عدّة بنود داعية إلى الابتعاد عن الصـراعات العشائرية، وعدم الاقتصاص من ذوي الجاني، وعدم إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية، وعدم التعرّض للكوادر التعليمية والطبّية، والابتعاد أيضاً عن ظاهرة النهوة العشائرية، والحثّ على دعم الأجهزة الأمنية وغيرها، وقد جرى التوقيع على هذه الوثيقة بتاريخ 23/5/2017م.

يظهر ممّا سبق أنّ الخطابة الحسينية حقّقت في هذا الجانب إصلاحاً كبيراً، وهذا ما نلمسه من خلال التأثير الكبير لعدّة خطباء حسينيين، تمكّنوا من توجيه الشارع في الكثير من الأحيان؛ ولا شكّ في أنّ ضخامة حجم تلك المشاكل الاجتماعية بحاجة إلى بذل جهد أكبر، وأعمق تأثيراً.

2ـ العلاقات الأُسرية

لا اختلاف في أنّ ما يُصيب الأُسرة العراقية ينعكس بصورة مباشرة على الوضع الاجتماعي العامّ؛ ومن هنا ركّز الخطباء الحسينيون في جهدهم المنبري على تهذيبها، وتطرّقوا إلى أهمّ ما تعرّضت له من مشاكل، هي في الغالب متوارثة من حُقب سالفة، فكانت المرأة وحقوقها من أهمّ اهتمامات الخطباء، خصوصاً في المناطق التي شاعت فيها بعض الأحكام القاسية ضدّها، وتحميلها تبعات أفعال الرجال، فحثّوا على ضرورة احترامها ورعايتها، مذكّرين بقداسة الدور المُناط بها في الشريعة الإسلامية[43].

وقد حقّقت الخطابة الحسينية نجاحاً في تطوير واقع المرأة العراقية ميدانياً، حيث شَرَعَت أبوابها للخطيبات اللواتي يُعوّل عليهنّ في مجال النهوض بواقع المرأة، وشهدت هذه المدّة شيوع المجالس الخاصّة بالنساء، وازدهرت الخطابة النسائية بتخريج دورات خطابية للنساء[44]، أضف إلى ذلك، ظهور مجموعة من كتب الخطابة النسوية التي حوت المواعظ والعبر، بالإضافة إلى تجديد الأحزان على آل البيت(عليهم السلام)[45].

كما كانت قضية انتشار أفكار الانفتاح بين الشباب محور اهتمام الخطباء الحسينيين؛ حيث رافق الانفتاح الكبير في هذه المدّة، وما نتج عن الاستخدام الخاطئ للوسائل التكنلوجية أن زادت نسبة الاختلاط بين الجنسين في المجتمع؛ وهذا ما ولّد العديد من المشاكل التي وقع فيها بعض الشباب، ممّا استدعى تصدّي المنبر الحسيني عِبر مجموعة من الخطب، وحثّه الشباب على أن يسلكوا المسلك الصحيح لاجتياز هذه المرحلة الحرجة[46].

المحور الثالث: الخطابة الحسينية ودخول التكنولوجيا الحديثة إلى العراق

اتّسمت الحقبة التي تلت سقوط حكم البعث في العراق بما يسمّى دخول عصـر التكنلوجيا إلى العراق، فقد سمحت الحرّية الممنوحة للعراقيين بعد التغيير باقتناء الوسائل التي كانت ممنوعة سابقاً، بحيث إنّهم أقبلوا على اقتناء أجهزة الاستقبال الحديثة، ومن ثَمّ دخلت وسائل التواصل الاجتماعي المتطوّرة إلى الساحة العراقية.

ولا شكّ في أنّ هذا الاستخدام نتج عنه مجموعة من النتائج المفيدة للشعب العراقي، إلّا أنّ التأخّر المعرفي الحاصل بفعل سوء سياسة النظام السابق جعل لهذه الوسائل مردودات سلبية على بعض الفئات الاجتماعية، وقد كان للخطباء الحسينيين صولة في هذا المجال، حيث انبرى عدد منهم للتعريف بضـرورة المحافظة على النسيج الاجتماعي من بعض الممارسات الخاطئة لهذه الوسائل التي غدت تُهدِّده، مؤكّدين على أنّ القواعد الإسلامية المتعلّقة بحرمة الاختلاط وغيرها، يجب أنّ تُطبَّق على استخدام هذه الوسائل.

والأمر الأهمّ في قضية دخول التكنولوجيا إلى العراق هو أنّ الطفرة العلمية السـريعة، وتعدّد وسائل المعرفة وتنوّعها، ووجود جهات تحاول زعزعة مبادئ العراقيين من خلال إثارة الشبهات، كل هذه الأُمور قد سمحت بأن تُوجَّه بعض الانتقادات لبعض الخطابات الحسينية في العراق، وعلى الرغم من أنّ هذا التوجّه لم يُحقّق ما كان يصبوا له من أهداف، هي بالتأكيد أكبر من النقد البنّاء، كان الخطباء الحسينيون على يقظة واستعداد تامّين للتصدّي لهذه الانتقادات، وتطوير ما قام به مَن سبقهم، والتذكير بالأدوار التنويرية المهمّة التي تبنّاها المنبر الحسيني، والأبعاد الفكرية والأهداف السامية التي سعى إلى تحقيقها سيّد الشهداء(عليه السلام).

هذا، وقد خلت تلك الانتقادات والآراء من وجود أيّ طرح علمي ومعرفي، وإنّما اعتمد مطلقوها ومثيروها على تقليد ما اصطُلِحَ على تسميته بموجة التحرّر الغربي، الذي لم يُقنع حتّى مواطني البلدان الغربية، والدلائل على ذلك كثيرة، كارتفاع نسب الانتحار التي تُصرِّح بها مؤسّسات حقوق الإنسان العالمية.

كما أنّ التناقض قد بدا واضحاً في كلمات هؤلاء المتأثّرين بالموجة المشار إليها؛ وذلك لأنّهم في الوقت نفسه الذي يتحدّثون فيه باحترام وتقدير عن عقائد وسلوكيّات الآخرين، فينظرون بعين الإعجاب إلى مسيرات التعرّي، أو مهرجانات رمي الطماطم، أو مسابقات الثيران، هم أنفسهم يستنكرون المجالس الحسينية المشتملة على الوعظ، والبكاء ـ الذي هو حالة إنسانية ـ على رمز ضحّى بكلّ ما لديه من أجل تحرير الإنسان من حالة الذلّ والعبودية التي تُصادر كرامته، وتنحدر به إلى ما ينقص من قيمته العليا[47].

أمّا المنشأ الآخر للانتقادات الموجّهة إلى الخطابة الحسينية، فهو عبارة عن وجود الضعف والركاكة في المادّة التي يتمّ طرحها على المنبر الحسيني.

وفي مقام الإجابة عن جملة الانتقادات المُنبثقة من هذا المنشأ، نقول: لنفرض جدلاً وجود بعض الخطابات الحسينية الركيكة، فهل هذا يعني أنّ هذا الكمّ الهائل من الموروث الحسيني النافع لمختلف الطبقات الاجتماعية ـ قبل منفعته للقضية الحسينية نفسها ـ يُهمَل لوجود هكذا آراء، أضف إلى ذلك أنّ الخطابة الحسينية نفسها شخّصت بعض الأخطاء منذُ عهود سابقة لتشخيصات الآخرين، وأدرجت جملة من التوصيات والأخلاقيات التي يجب أن يتحلّى بها الخطيب؛ دفعاً للانتقادات التي قد تتعرّض لها[48].

ولعلّ من أسباب رواج هذه الأفكار المُنتقِدة للخطابة مؤخّراً، هو عدم إدراك الخطيب لمتغيّرات العصر، من انتشار الوسائل التي جعلت الخطبة الملقاة في مكان ما مرئية من قِبل الجميع، فربّما أراد الخطيب بخطابه المختلف إيصال فكرة ما، أو شدَّ المتلقّي إلى مجلسه، أو تبسيط فكرته لمجتمع يعتقد هو ببساطته، إلّا أنّ تأثير وسائل الاتصال والتواصل الحديثة جعله عرضةً للانتقاد بعد أن خرج عن غير قصد عن قاعدة لكلّ مقام مقال.

غير أنّ المتتبِّع للتوجيهات التي تُصدرها المرجعيات الدينية للخطباء الحسينيين، يرى وبشكل جلي أنّ هناك جملة من التوصيات المتعلّقة بالدقّة في النقل، سواء أكان ذلك متعلِّقاً بنقل الآيات القرآنية، أم الروايات، أم الحكايات التاريخية، إضافة إلى التوصيات الأُخرى المتعلّقة بضرورة الابتعاد عن الاستعانة بالأحلام، أو القصص الخيالية، التي تُسيء إلى سمعة المنبر، كما توصي بضـرورة الإعداد الجيّد للخطيب، وأن يكون متمكّناً من مادّته العلمية المطروحة في خطبته، وضرورة إحاطته بالثقافة المعاصرة، وأن يكون منبره منشأً لوحدة الكلمة[49]. كما حثّتهم المرجعيات الدينية كذلك على أن يكون دورهم غير قاصر على طرح المشكلة والتذكير بها فقط، بل يجب أن يشتمل على وضع الحلول الناجعة لها أيضاً[50]، إلى غير ذلك من التوصيات التي أصدرتها المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف لخطباء المنبر الحسيني، في شهر محرّم الحرام لعام 1438هـ[51].

ومن الواضح أنّ هذه التوجيهات تحمل الكثير من معاني صدق النية في توجيه الخطاب الحسيني، ولا تخلو من القسوة والضبط اللذين يتحمّلهما الخطيب الحسيني، وهذا بطبيعة الحال يعني أنّ هنالك منهجاً علميّاً مرناً يتّبعه الخطيب الحسيني؛ ففي ذات الوقت الذي يمتلك الخطيب الحسيني فيه قدراً من الحرّية في اختيار عنوان محاضرته وطريقة طرحه، فإنّه ملزم بالعمل على وفق جملة من المبادئ العامّة التي يجب ألّا يخرج عنها.

وقد بذل خطباء المنبر الحسيني جهوداً كبيرة لكبح جماح تلك الدعوات، جهود تتمثّل بجذب الشباب نحو المنبر الحسيني عِبر التجديد في أساليب الخطاب وموادّه[52]، كما أنّهم حذّروا كذلك من أنّ هذه الآراء تمثّل واحداً من وجوه الاختراقات الثقافية الناتجة عن العولمة وتصدير الثقافات[53].

هذا، ويمكن أن نُشير ـ مضافاً إلى ما تقدّم ـ إلى جملة من الأسباب التي ربّما تكون غائبة عمَّن يُطلقون هذه الآراء الناقدة للمنبر الحسيني، وهي:

1ـ إنّ توسّع حجم الخطابة الحسينية خلال سنوات ما بعد سقوط حزب البعث[54]، وانتشارها في مختلف أرجاء العراق؛ أخرج الكثير من المكبوتات التاريخية التي مُنِعَ التصـريح بها خلال سنوات القمع كما أشرنا، ومن المؤكّد أن يرافق ذلك بعض التطرّف في عرض المعتقدات الدينية، غير أنّ السؤال الأهمّ الذي يجب أن يطرحه منتقدو الخطابة الحسينية في هذا الجانب هو: مَن المسؤول عن هذا التطرّف؟ وبمعنى أدقّ نقول: إنّ التطرّف الذي ينتقده بعضٌ، يتّهم الخطابة الحسينية به، منشؤه سنوات القمع الطويلة التي عانت منها الخطابة الحسينية، وغيرها من التفاعلات الاجتماعية.

2ـ لم يكن الظرف الذي عاشه العراق بعد عام (2003م) ظرفاً مثالياً، بل ـ كما أسلفنا ـ مرَّ العراق باحتلال، وحرب طائفية، وهجوم إرهابي من قِبل تنظيم داعش، ومن الطبيعي أن يُرافق كلّ هذه الأحداث خروج عن المألوف في طبيعة الخطاب الحسيني، وحالة من الانفعال الخارج عن إرادة الإنسان، فعلى سبيل المثال ما زال في الذاكرة الهجوم الذي تعرّضت له حسينية المرحوم داوود العاشور، أشهر حسينيات محافظة البصـرة بتاريخ 26/آب/2011م، أثناء الخطبة الحسينية، فمن المؤكّد أن تكون الردود الداعية إلى تطبيق القانون بحقّ المجرمين ردوداً متشنّجة وخارجة عن الحدّ الطبيعي[55].

3ـ الحالة النفسية للخطيب، لا شكّ في أنّ الإنسان يحتاج إلى عنصر نفسي في مقام تأديته لجميع أعماله بمستواها المألوف، وأنّ هذه الأعمال كلّما ازدادت تعقيداً احتاجت إلى قوّة نفسية مقابلة لها، فالفوز والفشل، والنصر والهزيمة، منبعها هو ذات الإنسان نفسه [56]، ولا شكّ في أنّ هذه الصفات النفسية تختلف بين خطيب وآخر، كما تلعب الصفات الجسمانية ـ خاصّة فيما يتعلَّق بقوّة لسان الخطيب ـ دوراً هامّاً في إيصال رسالته[57]، وهنا يتّضح أنّ هناك مسؤولية أُخرى على الخطيب، وهي تطوير صفاته النفسية والجسمانية؛ لمِا لهذه الصفات من دور مهمّ في نجاح خطابته، وتجنيبه بعض الهفوات التي قد تقع، وتُسبّب له الانتقاد.

وفي نهاية عرضنا لأثر دخول التكنولوجيا في الخطابة الحسينية في العراق لا بدّ من القول: إنّ أغلب أُطروحات الخطباء الحسينيين ما بين عامي (2003م ـ 2018م) امتازت بالطرح العلمي الذي يجمع بين العقل والمقاييس المادّية، إضافةً إلى اهتمامه بالجانب العاطفي والإنساني [58]، كما أنّها اهتمّت كذلك بمراعاة مستويات المتلقّين، واختلاف فئاتهم العمرية[59]، وهذا بلا شكّ يمثّل جهداً علمياً يجمع فيه الخطيب بين البساطة الملائمة للمتلقّي، وبين قداسة النصّ المتعلِّق بمعلومته وثباته.

المبحث الثاني: الجانب الميداني

إنّ ما تمّ التطرّق إليه من تفصيلات وتحليلات في المبحث الأوّل على الرغم من أهمّيتها، تبقى غير معبِّرة بصورة ميدانية دقيقة عن وجهة نظر الخطيب الحسيني والمتلقّي؛ ولهذا تمّ إعداد استمارة استبيان، وُجِّهت من خلالها ثمانية أسئلة تُعبِّر عن أهمّ ما يصبو له البحث في هذا المقال، وقد تمّ من خلال هذه الاستمارة استبيان رأي ثلاثين خطيباً حسينياً، ومثلهم من عامّة أبناء المجتمع من المهتمّين بما يوجّهه المنبر الحسيني، ثمّ أُخضعت جميع الإجابات للدراسة والتحليل؛ لبيان درجة التطابق بين ما يحمله الخطيب الحسيني من أفكار، وما يحمله المتلقّي. وقد مثّلنا الإجابات عن الأسئلة المطروحة بيانياً، بعد استعراض السؤال وعنونته بالجهة المستهدَفة، ليُصبح مجموع الإجابات بالأشكال الآتية:

هل تطوّر واقع الخطابة الحسينية في العراق بعد (عام 2003م) بحسب رأيك؟

هل ترى أنّ الخطابة الحسينية نجحت في معالجة المشاكل الاجتماعية التي برزت خلال المدّة أعلاه؟

هل تؤيّد تدخّل الخطيب الحسيني في الشؤون السياسية (الداخلية، والخارجية)؟

هل اقتصـر دور الخطابة الحسينية برأيك على حلّ المشكلات، أو أنّها ابتكرت بعض التصويبات الهادفة لتوجيه المجتمع نحو غاية ما؟

هل أثّرت وسائل الإعلام في الخطابة الحسينية والخطيب بشكل سلبي، أو أنّ تأثيرها كان إيجابياً؟

هل تجدون عدد الخطباء بعد (عام2003م) كافياً لسدّ حاجة المجتمع؟

ما هي برأيك مقوّمات الخطيب الناجح؟

الخطباء	العامة
الاستقلالية	الشخصية القوية
الموسوعية	عدم التأدلج والتحزُّب
الاهتمام بالجوانب الشخصية للخطيب كالمظهر، وحسن الصوت	الاطّلاع على الأُمور الثقافية والفكرية المعاصرة
	وحدة الموضوع في الخطبة

هل ترى أنّ اختلاف الأساليب والمناهج بين الخطباء الحسينيين يمثّل عامل قوّة للخطابة الحسينية، أو أنّه يمثّل عامل ضعف لها؟

وبهذا ننتهي من استعراض الإجابات المقدّمة عن الأسئلة المطروحة في ورقة الاستبيان، وهي تكشف تارةً عن وجود تباين في العديد منها بين الخطباء وبين عامّة الناس من المهتمّين بالمنبر الحسيني، وأُخرى عن وجود تقارب فيما بين هاتين الشريحتين.

وأخيراً، لا بدّ من التنبيه على أنّ الخطابة في العراق شهدت خلال الأعوام (2003م ـ 2018م) تطوُّراً كبيراً على مختلف الصُّعد، فقد أصبح هنالك مجموعة من المعاهد المختصَّة بتخريج الخطباء الحسينيين، وبمناهج متطوّرة تحاكي متطلّبات العصـر[60]، كما أصبح الاستعداد لمواسم رواج الخطابة الحسينية فيما أسموه الملتقيات التبليغية سمة حاضرة في الأعوام الأخيرة[61]، وعلاوة على ذلك فقد ظهرت محاولات عدّة للتجديد في المنبر الحسيني، أشهرها ما تمّ عقده في شهر آذار من العام (2017م) بالتعاون بين العتبة العبّاسية المقدّسة ومؤسّسة بحر العلوم الخيرية.

كما أنّ الخطباء الحسينيين قد أشاروا ـ في المقام ـ إلى ضرورة أن يكون لهم ما يُمثِّلهم على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وذلك لضمان استمرارية تواصلهم مع جمهورهم، ولكي تكون لهم كذلك مساحة أكبر للردّ على بعض الإثارات التي تُعرض على تلك الوسائل؛ وعليه يكون المنبر الحسيني أو الخطاب الحسيني أدّى ما عليه من مواكبة للأحداث الكبيرة التي حدثت في العراق خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة.

الخاتمة

نودّ في نهاية حديثنا عن الخطابة الحسينية في العراق خلال سنوات ما بعد التغيير أن نوقف القارئ الكريم على أهمّ النتائج التي توصّلنا إليها في المقام، وهي:

1ـ إنّ المدّة ما بين عامي (2003م ـ 2018م) هي وقت دخول الخطابة الحسينية في العراق عصـرها الذهبي، الذي أتاح لكلّ منتهِل الانتهال منها، وقد ساعدت على ذلك مجموعة من العوامل أهمّها: تعطُّش الشعب العراقي للشعائر الحسينية، والتطوّر التكنولوجي الذي سمح بمشاهدة أهمّ المجالس الحسينية عِبر البثّ الحي، أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، أضف إلى ذلك القدر من الحرّية الذي تمتّع به العراقيون في تلك المدّة. وعلى الرغم من كلّ المنافع المتأتّية من هذه الوسائل ظهرت بعض الهفوات التي وقع فيها بعض الخطباء، الذين لم ينتبهوا إلى بعض المحذورات في الخطاب الحسيني الشمولي أو العالمي، الذي ظهر بفضل تلك التقنية.

2ـ لم يغفل الخطيب الحسيني في العراق عن المشاكل التي تعرّض لها البلد بعد التغيير، سواء أكانت تلك المشاكل سياسية أم اجتماعية، بل سعى الخطباء إلى توجيه المجتمع نحو الصلاح، مستمدّين ذلك من توجيهات المرجعية الدينية، ومنتقدين في كثير من الأحيان الهفوات التي لازمت الأداء الحكومي، وزيادةً على ذلك نزل بعض الخطباء الحسينيين إلى الشارع، وعايشوا مشاكله، وهذا ما لمسناه في تطرّقنا للأُطروحة الاجتماعية للخطابة، كما أنّ مجموعة منهم تقدّم صفوف المجاهدين ضدّ داعش، ونال بعضهم شرف الشهادة على تراب هذا الوطن الجريح.

3ـ كشف الجانب الميداني من هذه الدراسة عن وجود تباين بين الخطباء الحسينيين وبين العامّة المهتمّين بالمنبر الحسيني في بعض الأحيان، ووجود تطابق بينهما في أحيان أُخرى، وهذا واضح في التمثيل البياني لإجابات الفئتين المشار إليهما.

المصادر والمراجع

الكتب:

1. أُصول الخطابة الحسينية، ضياء الساري، الطبعة الأُولى، 2002م.

2. أنين المنابر في مجالس العزاء الحسيني، أم نور الحسين، منشورات الفجر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 2008 م.

3. تجاربي مع المنبر، أحمد الوائلي، دار الزهراء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1419هـ.

4. الخطب الخالدة للمعصومين، عباس فاضل عباس، مطبعة النجف الأشرف، النجف الأشرف ـ العراق، الطبعة الثانية، 2013م.

5. ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر (تاريخ ابن خلدون)، عبد الرحمن بن خلدون، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان.

6. سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1403هـ.

7. الشعائر الحسينية في العصـرين الأُموي والعبّاسي، محمّد باقر موسى جعفر، وحدة الدراسات التخصصية في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدّسة، الطبعة الأُولى، 2015م.

8. علي في الكتاب والسنة والأدب، الحاج حسين، تحقيق: فرات الأسدي، الطبعة الأُولى، 1418هـ.

9. فنّ الخطابة، أحمد محمد الحوفي، دار نهضة مصر، 1996م.

10. في بلاغة الخطاب الإقناعي، محمد العمري، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 2002م.

11. القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان.

12. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، علي بن أبي الفتح الإربلي، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان.

13. اللآلئ العبقرية في شرح العينية الحميرية، الفاضل بهاء الدين الهندي الأصبهاني (ت1137هـ)، قدّم له: جعفر السبحاني، مكتبة التوحيد، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1421هـ.

14. لسان العرب، ابن منظور، نشر أدب الحوزة، 1405هـ.

15. مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، دار صادر، بيروت ـ لبنان، 1984م.

16. المنبر الحسيني نشوؤه حاضره وآفاق المستقبل، فيصل الخالدي الكاظمي، دار المحجّة البيضاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 2010م.

17. المنتخب للطريحي (قصائد وكلمات عاشورائية)، محمد سعيد الطريحي، دار المرتضى.

18. المنطق، محمد رضا المظفر، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم ـ إيران.

19. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (الخطط المقريزية)، تقي الدين أحمد بن علي المقريزي، دار صادر، بيروت ـ لبنان.

20. نفثة المصدور بما يتجدّد به حزن يوم عاشور، عباس القمي، المكتبة الحيدرية.

21. النهضة الحسينية بين مقتضيات الواقع الاجتماعي والقيام بالواجب الشرعي، عبد الهادي الفضلي، الطبعة الثانية، 2015م.

المجلات والصحف

1. تطوّر مراحل العزاء والمأتم الحسيني، عبد الرزاق النداوي، مجلّة الإصلاح الحسيني التابعة لمؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، العدد الثاني عشر.

2. الحرب الأهلية في العراق الموجة الثانية، رائد الحامد، جريدة الحياة،30/ نوفمبر2013م.

3. حوار مع الخطيب الحسيني ضياء الزبيدي، مجلّة الهدى، 15/7/2014م.

4. مقابلة مع خطيب المنبر الحسيني السيّد مرتضى القزويني، محمد علي جواد تقي، مجلّة الهدى، 29/11/2012م.

5. مقال بعنوان: أحمد الوائلي(1928ـ 2003م) الجامعة المتنقّلة فوق المنبر، توفيق التميمي، جريدة الصباح، 27/5/2018م.

6. مقال بعنوان: العيارات النارية العشوائية تقليد عراقي يقتل العشرات من الناس، عبد الجبار العتابي، مجلّة إيلاف الألكترونية، الاثنين/24/يناير/2011م.

7. مقال بعنوان: النزاعات العشائرية جنوب العراق حرب النفوذ والمياه والشرف، أكرم القاسم، صحيفة القدس العربي jun، 2017م.

المواقع الألكترونية

1. تاريخ المواكب الحسينية، عبد الحافظ البغدادي، قناة الكوثر الفضائية، 8/نوفمبر/2017م:

http://www.alkawthartv.com/news/102688

2. تنامي دور المرجعية الدينية في الشؤون السياسية في العراق: الأسباب والنتائج، حمد جاسم محمد، شبكة النبأ.

3. خطباء المنبر الحسيني وضرورة الأخذ بوصايا السيّد السيستاني، قناة العالم الأخبارية، 1/اكتوبر/2016م. فتوى الجهاد الكفائي، والرؤية العميقة للمرجعية الدينية،
13/يونيو/2015م.

4. خطبة صلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشـريف المؤرّخة في22/كانون الثاني/2016م.

5. دور المنبر الحسيني في صناعة الوعي السياسي، حسن الصفار، موقع الشيخ الصفّار، 16/ 10/ 2012م.
https://www.saffar.org/?act=artc&id=3061

6. عناصر القوّة في الشعائر الحسينية، أحمد عبد الرحيم، شبكة النبأ المعلوماتية، 4/10/2016م.

7. عنف العراق حرب طائفية أم حرب الآخرين؟ نجاح محمد علي، 17/ يوليو/2006م.
https://www.swissinfo.ch/aram

8. عوامل النجاح في المحاضرة الحسينية، كلمة ألقاها السيّد نصرات قشاقش في مدرسة ابن فهد الحلّي في كربلاء المقدّسة.
http://www.alshirazi.net/news/news/th-gheda1430/07.ht

9. محاضرة بعنوان ضرورة الدين وشبهات الملحدين، زمان الحسناوي،10/رمضان/ 1437هـ. https://www.youtube.com/watch?v=8L73tvGSCvs

10. مراحل تطوّر المنبر الحسيني، نضير الخزرجي، وكالة أنباء براثا، 25/12/ 2012م.

11. المرجعية الدينية العليا تعلن الجهاد الكفائي، قناة bbc عربي، 13/حزيران/2014م. نظرة عامّة حول العراق 19/آذار/2013م.

12. معين القرّاء في أطوار مجالس العزاء، معهد سيّد الشهداء(عليه السلام) للمنبر الحسيني.

13. مقال بعنوان: بتوجيه من المرجعية الدينية العليا العشائر العراقية توقّع وثيقة عهد في حرم الإمام الحسين(عليه السلام)، سلام الطائي، الإعلام الدولي للعتبة الحسينية المقدّسة.

14. مقال بعنوان: زواج الفصلية في عرف عشائري في العراق ضحيته المرأة، قناة dw: https://www.dw.com/ar

15. مقال بعنوان: عندما تقول المرجعية: بُح صوتنا، عبد الحليم الرهيمي، كتابات في الميزان، بتاريخ1/2/2016م:
https://www.kitabat.info/subject.php?id=73913

16. مقال بعنوان: مع شهداء الحوزة العلمية في النجف الأشرف، كريم الحيدري، مؤسّسة الحكمة للثقافة الاسلامية، آب، 2017م:
http://www.alhikmeh.org/news/archives/11164

17. مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيّد علي الحسيني السيستاني:
https://www.sistani.org/arabic/archive/1494

18. المنبر الحسيني ونظرة النخب الثقافية عادل الصويري، 18/تشـرين الأول/2015م.

[1][1] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج1، ص361.

[2] الرازي، محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح: ص180.

[3] الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط: ج1، ص62 ـ 63.

[4] اُنظر: الفاضل الهندي، بهاء الدين الأصبهاني، اللآلئ العبقرية في شرح العينية الحميرية: ص212.

[5] ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، تاريخ ابن خلدون: ج1، ص135.

[6] الحوفي، أحمد محمد، فنّ الخطابة: ص5.

[7] اُنظر: الخزرجي، نضير، مراحل تطوّر المنبر الحسيني: وكالة أنباء براثا، 25/12/ 2012م.

.http://burathanews.com/arabic/studies/179575

[8] كخطبة رسول الله (صلى الله عليه واله) في حجّة الوداع، وخطبة السيّدة الزهراء(عليها السلام). اُنظر: الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج2، ص315. الإربلي، علي بن أبي الفتح، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص 108.

[9] اُنظر: المظفّر، محمد رضا، المنطق: ص425.

[10] اُنظر: الطريحي، محمد سعيد، المنتخب للطريحي: ج1، ص208.

[11] اُنظر: محمد باقر موسى جعفر، الشعائر الحسينية في العصرين الأُموي والعبّاسي: ص362 ـ 365.

[12] اُنظر: الطريحي، محمد سعيد، المنتخب للطريحي: ج1، ص208.

[13] اُنظر: المقريزي، أحمد بن علي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية: ج1، ص490.

[14] وهي كلمة فارسية، والروضة كاصطلاح برز في القرن العاشر للهجرة، وهي مجموعة قصائد على عدد الحروف الهجائية، تشتمل على ذكر الإمام الحسين(عليه السلام) وفاجعته. اُنظر: الطريحي، محمد سعيد، المنتخب للطريحي: ج1، هامش ص208.

[15] الكاظمي، فيصل الخالدي، المنبر الحسيني نشوؤه حاضره وآفاق المستقبل: ص187.

[16] اُنظر: المصدر السابق: ص188ـ 189.

[17] اُنظر: الخزرجي، نضير، مراحل تطوّر المنبر الحسيني: وكالة أنباء براثا، 25/12/ 2012م.

.http://burathanews.com/arabic/studies/179575

[18] الفضلي، عبد الهادي، النهضة الحسينية بين مقتضيات الواقع الاجتماعي والقيام بالواجب الشرعي: ص117.

[19] اُنظر: جواد تقي، محمد علي، حوار مع خطيب المنبر الحسيني السيّد مرتضى القزويني: مجلّة الهدى، العدد 255، بتاريخ 29/ 11/ 2012م.

[20] كأمثال: الخطيب السيّد محمد علي بن محمد حسن بن مهدي بن الخليل الموسوي الملقّب أيضاً بالحكيم الشهرستاني الذي اعتُقِلَ عقب الانتفاضة الشعبانية، ولم يُعلَم خبره حتّى اليوم، وغيره الكثير من الخطباء. اُنظر: الشاكري، حسين، علي في الكتاب والسنّة والأدب: ج5، ص275.

[21] اُنظر: الصفّار، حسن، مقال بعنوان: دور المنبر الحسيني في صناعة الوعي السياسي، 16/10/2012م: .https://www.saffar.org/?act=artc&id=3061

[22] اُنظر: البغدادي، عبد الحافظ، قناة الكوثر الفضائية، تاريخ المواكب الحسينية، 8/نوفمبر/2017م.

.http://www.alkawthartv.com/news/102688

[23] اُنظر: النداوي، عبد الرزاق، مقال بعنوان: تطوّر مراحل العزاء والمأتم الحسيني: مجلّة الإصلاح الحسيني، العدد الثاني عشر، ص172.

[24] اُنظر: الحامد، رائد، الحرب الأهلية في العراق الموجة الثانية: جريدة الحياة، 30 /نوفمبر/2013م.

.http://www.alhayat.com/article/816929

[25] الطالقاني، علي، أزمة التطرّف، الحلقة 14 ضمن سلسلسة حلقات بُثّت على قناة السومرية الفضائية: .https://www.youtube.com/watch?v=4NohVopiWr8

[26] اُنظر: الوائلي، أحمد، تجاربي مع المنبر: ص25.

[27] اُنظر: نجاح محمد علي، عنف العراق حرب طائفية أم حرب الآخرين؟ مقال بتاريخ17/يوليو/2006م: .https://www.swissinfo.ch/ara

[28] اُنظر: بعض المحاضرات التي ألقاها بعض خطباء المنبر الحسيني على الموقع:

.https://www.youtube.com/watch?v=SxdU3z4hHX0

[29] التوبة: آية32.

[30] موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيّد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه).

.https://www.sistani.org/arabic/statement/1494

[31] اُنظر: حمد جاسم محمد، تنامي دور المرجعية الدينية في الشؤون السياسية في العراق الأسباب والنتائج: .https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/3318

[32] اُنظر: موقع قناة العالم الإخبارية، مقال بعنوان: فتوى الجهاد الكفائي، والرؤية العميقة للمرجعية الدينية، نشر بتاريخ 13/يونيو/2015م: .https://www.alalamtv.net/news/1710829/

[33] اُنظر: الحيدري، كريم، مع شهداء الحوزة العلمية في النجف الأشرف: مقال على موقع مؤسّسة الحكمة للثقافة الإسلامية: آب/2017م.

.http://www.alhikmeh.org/news/archives/111641

[34] اُنظر الموقع: .https://www.facebook.com/watch/?v=750048268377737.

[35] نظرة عامّة حول العراق: موقع قناةbbc،20/آذار/2013م.

.http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2013/03/130313ـiraqـ overview

[36] اُنظر: الرهيمي، عبد الحلّيم، مقال بعنوان: عندما تقول المرجعية: بُحّ صوتنا: موقع كتابات في الميزان، بتاريخ 1/2/2016م، https://www.kitabat.info/subject.php?id=73913، وجاء هذا تعليقاً على ما ورد في خطبة صلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف المؤرّخة في22/كانون الثاني/2016م.

[37] اُنظر: محاضرات بعض خطباء المنبر الحسيني على الموقعين:

.https://www.youtube.com/watch?v=ozGOOvG6R5Mhttps

.www.youtube.com/watch?v=Cp4H6ej27wA

[38] اُنظر: موقع قناة العالم الإخبارية، خطباء المنبر الحسيني وضرورة الأخذ بوصايا السيّد السيستاني، 1/اكتوبر/2016م.

[39] اُنظر: العتابي، عبد الجبّار، العيارات النارية العشوائية تقليد عراقي يقتل العشرات من الناس: مقال مجلّة إيلاف الإلكترونية، الإثنين/24/يناير/2011م.

[40] اُنظر: القاسم، أكرم، النزاعات العشائرية جنوب العراق حرب النفوذ والمياه والشرف: مقال في صحيفة القدس العربي، 2/حزيران/2017م.

[41] عرف عشائري ما زال منتشراً في بعض المناطق، الخصومات الناشئة بين القبائل عن طريق تزويج رجال القبيلة المعتدى عليها نساء القبيلة المُعتدية.

[42] اُنظر: الطائي، سلام، مقال بعنوان: بتوجيه من المرجعية الدينية العليا العشائر العراقية توقّع وثيقة عهد في حرم الإمام الحسين(عليه السلام). الإعلام الدولي للعتبة الحسينية المقدّسة.

.https://im.imamhussain.org/urdu/arabicnews/6732

[43] اُنظر: موقع قناةdw، مقال بعنوان: زواج الفصلية عرف عشائري في العراق ضحيّته المرأة.

.https://www.dw.com/ar/a-15975887

[44] اُنظر: جواد تقي، محمد علي، المنبر الحسيني أقوى أنواع الخطابات لتعبئة الأُمّة، حوار مع سماحة الشيخ ضياء الدين الزبيدي: مجلّة الهدى، العدد 272، بتاريخ 15/7/2014م.

[45] كأنين المنابر في مجالس العزاء لأمّ نور الحسين، وأحزان العقيلة لمريم محي خليفة المالكي، وغيرها.

[46] اُنظر: الحسناوي، زمان، محاضرة بعنوان: ضرورة الدين وشبهات الملحدين،10/رمضان/1437هـ: .https://www.youtube.com/watch?v=8L73tvGSCvs

[47] اُنظر: الصويري، عادل، مقال بعنوان: المنبر الحسيني ونظرة النخب الثقافية: شبكة النبأ المعلوماتية، 18/تشرين الأول/2015م. .https://annabaa.org/arabic/ashuraa/3879

[48] اُنظر: القمّي، عبّاس، نفثة المصدور بما يتجدّد به حزن يوم عاشور: ص73 ـ 79. معهد سيّد الشهداء للمنبر الحسيني، معين القراء في أطوار مجالس العزاء: ص11.

[49] اُنظر: الحسناوي، زمان، محاضرة بعنوان: ضرورة الدين وشبهات الملحدين،10/رمضان / 1437هـ.: .https://www.youtube.com/watch?v=8L73tvGSCvs

[50] اُنظر: قناة العالم، خطباء المنبر الحسيني وضرورة الأخذ بوصايا السيّد السيستاني، 1/اكتوبر/2016م: .https://iraq.shafaqna.com

[51] اُنظر: موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني (دام ظلُّه).

[52] اُنظر:جواد تقي، محمد علي، المنبر الحسيني أقوى أنواع الخطابات لتعبئة الأُمّة، حوار مع سماحة الشيخ ضياء الدين الزبيدي: مجلّة الهدى، العدد 272، بتاريخ 15/7/2014م.

[53] مصطلح مرن يعني من بين ما يعنيه: تغليب نمط ثقافي حضاري واحد ليشمل العالم كلَّه، وهو النمط الأمريكي. الكاتب.

[54] اُنظر: قشاقش، السيّد نصرات، عوامل النجاح في المحاضرة الحسينية، كلمة ألقاها في مدرسة ابن فهد الحلِّي في كربلاء المقدَّسة.

.http://www.alshirazi.net/news/news/th-gheda1430/07.htm

[55] الردُّ منقول على مجموعة من القنوات التلفزيونية التي اهتمّت بتغطية المجالس في الحسينية المذكورة: .www.youtube.com/watch?v=kCKTPcTq8NI.

[56] اُنظر: الساري، ضياء، أُصول الخطابة الحسينية: ص72.

[57] اُنظر: معهد سيّد الشهداء للمنبر الحسيني، معين القرّاء في أطوار مجالس العزاء: ص55.

[58] اُنظر: جواد تقي، محمد علي، المنبر الحسيني أقوى أنواع الخطابات لتعبئة الأُمّة، حوار مع سماحة الشيخ ضياء الدين الزبيدي: مجلّة الهدى، العدد 272، بتاريخ 15/7/2014م.

[59] اُنظر: جواد تقي، محمد علي، مقابلة مع خطيب المنبر الحسيني السيّد مرتضى القزويني: مجلّة الهدى، العدد 255، بتاريخ 29/11/2012م.

[60] كمعهد الشيخ الوائلي(رحمه الله) للخطابة في النجف الأشرف، ومعهد الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء المقدّسة.

[61] اُنظر على سبيل المثال: مركز التضامن للإعلام، مقال بعنوان: مدرسة العلوم الدينية في الناصرية تعقد ملتقاها التبليغي الـعشرين للخطباء والمبلِّغين.

.http://altadamun.net/a/v_news.php?id=2907

دراسة تحليلية ميدانية لواقع الخطابة الحسينية في العراق ما بين عامي (2003- 2018م)