حوار مع حجّة الإسلام والمسلمين الأستاذ الشيخ حسين أنصاريان

س: الخطابة فنّ، وبإمكان الفنّ، أن يكون في خدمة الفكر والعقيدة، أو يكون عاملاً في تخريبهما، فماذا علينا أن نفعل لهذا الفنّ الذي تأصّل منذُ بزوغ فجر الإسلام؛ كي يكون اليوم ذا صلة وثيقة بالدين المحمّدي، ويحفظه من كلّ الجوانب، وماذا يجب فعله، ليكون هذا الفنّ أكثر عمقاً وأكبر مجدّاً؟

ج: بسم الله الرحمن الرحيم، الخطابة لها جذور في القرآن الكريم كما لباقي العلوم المعنوية والمادّية جذور أيضاً، وقد بيّن القرآن الكريم أنّ الأنبياء(عليهم السلام) الذين بُعثوا إلى المجتمعات البشرية كانوا أهل خطابةٍ، هذا ما يطلقه أهل المنطق طبعاً، أمّا نحن فنسمّيهم مبلغي الرسالات الإلهية.

قال تعالى:(عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ)[1]؛تشير هذه الآية المباركة إلى أنّ الخطابة متوفّرة لدى كلّ البشر، كانت وما زالت عند كلّ إنسان. إنّها كما ذكرتم في السؤال من أنّ الخطابة فنّ، وهذا الفنّ اللساني والبياني كان له الدور الفعّال في البناء أو التخريب على مرّ التاريخ، وفي جميع الأُمم والشعوب بلا استثناء.

فالجانب البنّاء فيه يرتبط ـ بالدرجة الأُولى ـ بالأنبياء(عليهم السلام)؛ إذ أودع الله تعالى فنّ الخطابة فيهم، فضلاً عمّا زوّدهم به من علمٍ ومعرفةٍ، وما ذلك إلّا لأجل أن يقوموا بإنضاج العقل البشري، ويبعدوا البشر عن ظلمة الجهل، ويمنحوهم نظرةً يستطيعون من خلالها رؤية الحقائق بدل الأشباح والأوهام، فضلاً عن تربيتهم على الآداب الإلهية والأخلاق الربّانية.

وقد كان إخلاص الأنبياء(عليهم السلام) في هذا المجال في أتمّ درجاته؛ إذ يعبّر عنهم الباري تعالى في القرآن الكريم تعبيراً جميلاً، ويصفهم بـ (الناصح)، والناصح: هو مَن يريد الخير للآخرين، ومَن يكون رحيماً شجيّاً على غيره؛ لذا نرى كثيراً من فحوى الآيات التي تتحدّث عن الأنبياء(عليهم السلام)، أنّهم كانوا أصحاب خوالج نحو أفراد نوعهم، يهمّون في سعادتهم، ويغتمّون لشقاوتهم، إلى درجةٍ أنّ القرآن الكريم يصفهم بأنّهم إخوة لقومهم، حتّى وإن كان القوم فاسدين كما في قوله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) [2]، وقوله تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ)[3].

لقد كلّفهم الله تعالى بمسؤولية التربية والهداية؛ كي ينمّوا عقول البشر بخطاباتهم، فيوقظونهم من الغفلة، ويبعدونهم عن الجهالة، والأكثر من ذلك أن يعدّوا الناس إخوةً لهم مهما كانت الاختلافات. وقد انتقلت طريقة الأنبياء الإلهيين هذه إلى أهل الإيمان، سواء الذين عاصروا الأنبياء وعاشوا في زمانهم، أم مَن جاؤوا بعدهم، وإنّها لمسؤولية عظمى ومهمّة جدّاً لکلّ خطيب.

نعم، إنّ الخطابات الصائبة والناجعة كانت وما زالت لكلّ مَن أخذ وتعلّم التوحيد والمعاد من أنبياء الله تعالى، وإنّهم لفي درجة رفيعة تلي درجة الأنبياء(عليهم السلام)؛ لذا يعبّر عنهم رسول الرحمة(صلى الله عليه واله) بـ: «العالم في قومه كالنبي في أُمّته»[4]، فالعلماء الخطباء في طول أنبياء الله تعالى، رحماء بالناس في تعاملهم، موقظون لهم بخطاباتهم، حافظون لدين الله وحدوده، يُثيرون في النفوس روح الكبح للقبائح والآثام، وهذا ما دفع الكثير من الناس نحو باب التوبة بعد استنشاق نسيم الخطابات الإلهية التي كانوا يلقونها بإخلاص.

إذاً؛ فإذا أردنا خطابةً ناجحةً ومؤثّرة ما علينا إلّا أن نسلك مسلك الأنبياء(عليهم السلام)، ونسير بمسار خطاباتهم النيّرة. فالخطيب الناجح هو مَن تمتّع بما كان يتمتّع به الأنبياء(عليهم السلام)، من إيمان راسخ، وعملٍ صالح، وأخلاقٍ حسنة ـ وبالطبع كلٌّ على قدر
طاقته وسعة وجوده ـ فعندما يتحدّث الخطيب تلوح علائم الإيمان على كلماته، وتظهر أمواج حرقة قلبه وتوجّعه على خطاباته.

وكلّما كان الخطيب يتمتّع بالحسن الفاعلي والحسن الفعلي ـ حسب تعبير العلماء ـ
وكانت خطابته ثمرةً لعمله، ونتيجةً لمعرفته وذكائه وعطفه ورحمته، ترك الأثر العميق في النفوس، والبصمة الخالدة في الأرواح؛ لذا نرى الخطابة قد حفظت أهل الإيمان في كلّ الأدوار الزمنية، وأوصلتهم إلى درجةٍ عالية من المعرفة الدينية، والقيم الأخلاقية، والخطابة هي التي أيقظت العقول، وأزالت الغفلة، وأوجدت الشجاعة أمام العدوان.

وقد أكّد الرسول(صلى الله عليه واله) على أهميّة الخطابة والتبليغ الديني كثيراً، فكان يبعث أصحابه لممارسة التبليغ، ويولي ذلك اهتماماً بالغاً، فنراه يبعث أكبر خطيبٍ في حكومته، والأمير الأعظم في جيشه، أمير المؤمنين(عليه السلام)، ويأمره بإبلاغ الدين لأهل اليمن ـ التي كانت تبعد ما يقارب الألفي كيلو متر عن المدينة ـ ويقوم الرسول(صلى الله عليه واله) بنفسه ويودّعه ماشياً حتّى أطراف المدينة، وما فعل ذلك إلّا احتراماً للمهمّة الموكلة إليه، قائلاً له في آخر لحظات الوداع، مؤكّداً على أهميّة الخطابة وآثارها المعنوية في الخطيب، بغض النظر عمّا تتركه من أثر في السامع: «يا عليّ، لا تقاتلنّ أحداً حتّى تدعوه، وأيم الله، لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا عليّ»[5].

وفي المقابل كان للإسلام أعداء يتمتّعون بفنّ الخطابة، وحسن البيان، عقيدتهم الکفر والإلحاد، والفسق والفجور، والإباحية المطلقة، وأمثال أُولئك الخطباء يتواجدون اليوم، وسيتواجدون في المستقبل أيضاً، يغرّون الناس بفنّ خطابهم، ويأسرون العقول بمغرياتهم، ويبعدون المجتمع عن الثقافة الدينية، ويهيئون الأرضية اللازمة لجرفه نحو الثقافة الشيطانية.

كما أنّ هناك فئة من الخطباء غير هاتين الفئتين اللتين مرّ ذكرهما، وهي الفئة التي ظهرت بقناع الإسلام والإيمان، وهم يتمتّعون بفنّ البيان، لكنّهم بضرر الدين والإسلام.

س: إنّ للمنبر مكانة مقدّسة عند المسلمين، خاصّة الشيعة؛ إذ يولون الاحترام له، ويكنّون التوقير لـمَن يرتقيه، وما ذلك إلّا لاعتقادهم أنّ ما يُطرح على المنبر مصدره الوحي الإلهي، ومَن يعتقد بالتعاليم الدينية والقيم الإلهية فسوف يأخذ كلّ ما يسمعه من هذا المقام الإعلامي، ويتقبّله برحابة صدر، ويظهر التزامه بما سمعه على قوله وسلوكه. فماذا يجب فعله کي تبقى قدسية المنبر خالدة، ويبقى المنبر ذا مقام رفيع في القلوب أوّلاً؟ وعند الأجيال ثانياً؟ وماذا ينبغي فعله للحيلولة دون وصول الإساءة والأذى إلى روضته الرفيعة؟

ج: هناك أمران عظيمان عند الشيعة لجذب المجتمع نحو المنبر والخطابة، وهما:

1ـ الأزمنة المرتبطة بالله تعالى: وهي أزمنة خاصّة للعبادة، كشهر رمضان المبارك؛ لأنّها فصول عبادة لها جاذبية معنوية، توجِد في الإنسان محفّزاً للحضور تحت المنابر والسماع للخطب الدينية.

وقد أكّد أهل البيت(عليهم السلام) فضيلة هذا الشهر الشريف قبل ما يقارب الألف وخمسين سنة، وألقى الخطباء على الناس الكثير من الخطب التي تبيّن عظمة شهر رمضان مستفيضةً من الآيات والروايات، ومؤكّدةً أهميّة الارتباط بالله تعالى والإقبال على عبادته، وما لهذا الشهر من آثار؛ لذا نرى أنّ جميع طبقات المجتمع يحضرون المنابر والخطب في هذا الشهر، ويبدون رغبتهم في ذلك. ولم يكن هذا بالأمر الجديد بين الوسط الشيعي، بل منذُ سنين طوال وهم على هذا المنوال.

وقد أثبتت الشواهد احترام جميع المسلمين لهذا الشهر على شتّى طبقاتهم المعرفية والثقافية؛ إذ يسعى الجميع إلى عدم اقتراف الذنوب والمعاصي خلال الثلاثين يوماً المباركة، فنرى المذنبين كذلك يحضرون مجالس الذكر، ويسمعون الخطب، ولعلّ ذلك يكون أرضية مناسبة تدفعهم نحو الاستغفار والتوفيق للتوبة.

لقد امتاز شهر رمضان من بين بقية شهور السنة، بأنّه شهر الله تعالى، شهر العبادة، الشهر الذي يروي الظمأ الروحي، والعطش المعنوي، فمَن يشعر بهذا العطش الفطري يسعى للارتواء من منهل الرحمة الربانية في هذا الشهر، سواء بالحضور في المساجد، أم بسماع مواعظ الخطباء، أم بإحياء ليالي القدر، أم بمناجاة ربٍّ أرخى ستار رحمته وغفرانه. أجل، إنّ لهذا الشهر جاذبية عظمى، يمكننا أن نستفيد منها في تقوية المنبر والخطابة.

2ـ الأمر الآخر ـ أو الجاذبية الأُخرى التي يمتلكها الشيعة ـ هي عاشوراء، وشهادة الإمام الحسين(عليه السلام)، وبرأيي أنّنا طوال الألف والخمسمائة سنة لم نستفد من جاذبية عاشوراء كما ينبغي، إنّني رأيت في الروايات أنّ الله تعالى، ورسول الله(صلى الله عليه واله)، وأمير المؤمنين(عليه السلام)، والسيّدة الزهراء(عليها السلام)، بل وكلّ الأئمّة(عليهم السلام)، حتّى الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف)، قد أكّدوا كثيراً على جاذبيتها ووقعها في النفوس.

إنّ يوم استشهاد سيّد الشهداء(عليه السلام) ذلك القائد العظيم، لا يقلّ عن شهر رمضان المبارك في أهمّية استثماره، فقد كانت مصيبته(عليه السلام) على مرّ التاريخ سبباً لحضور الشيعة في المراكز الدينية، يقيمون العزاء، ويحيون ذكرى المصاب، ويستقبلون الخطب والمحاضرات الدينية، وهذه معجزة عظيمة يمكننا أن نغتنمها لجذب الناس نحو المنبر والخطابة؛ وهذا ما أراده الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، وبذلوا جلّ اهتمامهم لإحياء ذكرى مصاب سيّد الشهداء(عليه السلام).

إنّ لأئمّتنا الأطهار الأجر العظيم والثواب الجزيل على ما أولوه من أهميّة لإحياء ثورة عاشوراء، إنّهم حقّاً المنظِّرون العِظام، الذين لم يبرحوا تصميم هذه الواقعة المصيرية وتنظيمها وإحيائها بكلّ اعتزاز. وقد نُظِّم العزاء على أبي عبد الله(عليه السلام) بطرق عدّة، وهي:

1ـ المديح: المراد به كلام بعض الوجوه أو الشخصيات العظيمة، كالسيّد الحميري[6]، ودعبل الخزاعي[7]، وغيرهم من الشعراء، الذين عاصروا الأئمّة(عليهم السلام)، وخلّدوا تلك الواقعة الأليمة بأشعارهم الملحمية والعرفانية؛ وببلاغتهم الحكيمة، وأدبهم الرفيع، أوجدوا علقةً وثيقةً بين الناس وبين سيّد الشهداء(عليه السلام).

ولقد ساعدت هذه العلقة والرابطة كثيراً ـ فضلاً عن إشراقة نور الإمام الحسين(عليه السلام) في قلوب محبّيه ـ في يقظة الشعوب، وجعلتهم يتنفّسون عبق الشهادة، ويعيشون روح المبارزة ومواجهة العدو مهما بلغت الكلفة.

وقد استفاد الإمام الخميني(رحمه الله) من جاذبية سيّد الشهداء(عليه السلام)؛ لأجل إيجاد روح الثورة، ولأجل تحريك الأمواج البشرية للوقوف بوجه الظالم، فشيّد صرح الثورة بحمى الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، وبالأدب الشيعي الذي ما برحوا(عليهم السلام) يؤكّدون عليه، والذي يصفه العلماء بأنّه أوقع في النفوس.

لقد كان لشعراء الشيعة بما فيهم شعراء بلاد فارس، الدور الكبير في إحياء عاشوراء وبقاء ثوريتها؛ إذ قدّموا أشعاراً حكيمةً في أرقى الأُطر الأدبية، فهذا المرحوم محتشم الكاشاني[8]، وهو أوّل مَن أنشد في الإمام الحسين(عليه السلام) باللغة الفارسية أشعاراً، أصحبت من المعلّقات الدائمة في ستائر العزاء الحسيني منذُ زمن الصفوية، وسمّيت العملة والسبائك باسمه تمجيداً له، ولم تقلّ أبيات الحاج سليمان البيكدلي الكاشاني[9] في رثاء أبي عبد الله(عليه السلام) عن أشعار المحتشم الكاشاني، لكن يبقى الفضل لـمَن سبق.

وقد ارتقى هذا البناء بسلامةٍ إلى الأعلى، وذلك بفضل شعرائه وعلمهم وحكمتهم، فقد وصلوا إلى درجة في شعرهم يغبطهم عليها الآخرون؛ لذا يقول صاحب كتاب الجواهر للشيخ كاظم الأزري: «إنّني مستعد أن أُعطي كلّ كتاب الجواهر، الذي استغرق تدوينه خمسين سنة، في مقابل ثواب شعر واحد أُنشد في أهل البيت(عليهم السلام)».

2ـ بيان العلوم الإسلامية: لمّا رأى العلماء ـ المنظّرون من بعد الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) ـ الإقبال على عزاء الإمام الحسين(عليه السلام)، استثمروا هذه الطاقة الجبارة في بيان أحكام الشريعة الإسلامية، وبيان العقيدة الحقّة، وبسط المسائل الأخلاقية. ولهذه الطريقة جذور قديمة لا أعلم تاريخ بدئها تحديداً، إلّا أنّها وسيلة ناجحة في ترشيد هذا الحضور الواسع، وسوقه نحو النتائج الأفضل، فقد أُودعت جلسات العزاء في إيران بأيدي علماء الدين الحكماء؛ لبيان أُصول الدين وفروعه، وإيصالها إلى الناس، وطرح المحاضرات العلمية البنّاءة، وعدم ملء وقت العزاء بالشعر والمراثي فقط.

مورست هذه الطريقة في طهران قبل ثلاثين أو أربعين سنة، وقد شاهدت بأُمّ عيني هذه العملية التبليغية الناجحة، لما فيها من تنوّع في المناسبات الدينية التي تختصّ بالأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، كالأيام الفاطمية، والرجبية، والصادقية، فالمراسم الصادقية كانت من إبداعات المرحوم آية الله الكاشاني، والفاطمية والرجبية وأيّام العزاء على السيّدة زينب(عليها السلام) من إبداعات المرحوم الحاج الشيخ علي أكبر برهان، وهو من الأساتذة والعلماء الكبار في طهران، كما تعدّ أعياد (15) شعبان، و(13) رجب من إبداعاته أيضاً.

عندما رأى المسؤولون في طهران إقبال الناس على مجالس العزاء والاحتفالات الدينية، وشاهدوا أنّ الناس يحضرونها دون دعوة أو كلفة، ويملؤون المجالس والمساجد والحسينيات، سعوا إلى دعوة خطيب ذي تجربة بالحوزة العلمية، من أهل العلم والتقوى والعرفان؛ كي يكون له الأثر المطلوب في بيان أُصول الدين وفقه الشريعة، من أمثال الواعظ الكبير الحاج مقدّس[10]، الذي كان على درجةٍ من الورع والتقوى، إنسان متّزن متخلّق بالأخلاق الرفيعة.

كان الحاج مقدّس يشترط أو يُقسم على صاحب المجلس، أو القيِّم على المسجد أن يعطيه أجراً دون مراعاة المكانة الاجتماعية وما شابهها، وأن ينوي الأجر إلى ما دون المنبر، ولا يدخل أجر المنبر في النية.

إنّ الخطباء والوعّاظ الذين رأيتهم كانوا حقّاً وجوهاً من العلم والمعرفة ـ وجوهاً شاخصة من العرفان الشيعي، وليس التصوّف الخانقاهي (الديري) ـ كانوا أحياناً يبكون على المنبر أكثر من المستمعين؛ وذلك أثناء بيانهم للموعظة، وذكرهم لمصائب أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، كالسيّد حسن اللواساني، ذلك الرجل العظيم كان يبكي كثيراً في محاضراته، عندما يتلو آيات المعاد من الأجزاء (27) إلى (30) من القرآن الكريم. وإنّ ذلك لدليل على أنّ القائل يرى نفسه في محضر إلهي، ويرى نفسه في يوم القيامة.

إنّ مثل هؤلاء الشخصيات البارزة في مجال العلم والتقوى، من المحال أن يذكروا للناس ما ليس من الدين، أو يُلقوا على المنابر أُموراً غريبة باسم الدين؛ كانوا يعتمدون على القرآن وكلام أهل البيت(عليهم السلام)، ويجعلونهما المحور الأساسي في خطاباتهم، وهذه هي وصية الرسول الأعظم(صلى الله عليه واله): «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي»[11].

3ـ بيان الأحكام الشرعية: من الأعراف الجذّابة والقيّمة التي كان يعتمدها أكثر الوعّاظ والخطباء السابقين، هي البيان الجميل لمسألة أو مسألتين من المسائل الشرعية قبل الشروع في الخطابة، بمعنى أنّهم كانوا يتحدّثون عن فروع الدين وعن أُصوله أيضاً؛ لذا فإنّ مَن تربّوا تحت تلك المنابر أصبحت لديهم معرفة كبيرة بأُصول الدين وفروعه، وأصبحوا أُناساً واعين مدركين لتعاليم دينهم.

ولم يقتصر ذلك على فئة من الناس، بل حتّى الكسبة وأهل التجارة كانوا يحضرون تلك المجالس، ويتعلّمون منها الكثير من تعاليم الدين، إلى درجة أنّه كانوا يلقبونهم بالفقهاء التجّار ـ فمن باب المثال كانوا يسمّون أبي (فقيه التجّار) ـ وكان أُولئك التجّار يجلسون عند أبواب محلات بيعهم، ويجيبون مَن يسألهم عن المسائل الشرعية.

4ـ المباحث الأخلاقية: لقد كان كبارنا يشعرون بالتكليف إزاء تربية الناس تربيةً إسلامية، وإنّ هذا الشعور بالتكليف كان في زمن لم يكن فيه للذنوب والمعاصي رواج كما هي اليوم؛ إذ لم يكن آنذاك للفضائيات وجود، ولا للمواقع الإلكترونية، ولا للمجلات، ولا للأفلام المبتذلة، ولا للسينما الهوليودية أيّ وجود.

نعم، كانت بعض المعاصي تقترف هنا وهناك، لكن مع ذلك كان علماؤنا يشعرون بالتكليف والمسؤولية إزاء المجتمع، بأن لا يتلوث بالذنوب والمساوئ؛ لذا كانوا يرتقون المنابر، ويحذرون الناس وينذرونهم من الذنوب وعواقبها الوخيمة، وتاريخ إصفهان لخمسين سنة قبلُ، يشهد بأنّ القسم الأكبر من محاريب مساجد تلك المدينة، كان بعهدة المجتهدين الأعلام، فكان إمام الجماعة مجتهداً، وكان يرتقي المنبر كلّ ليلة، ويبيّن للناس مسألتين شرعيتين على الأقل.

المرحوم نجف آبادي ـ الذي يراه بعضٌ من البارزين الذين يقعون في دائرة الأعلمية للفقهاء الكبار ـ كان يصعد المنبر في المساجد والمنازل، وكذا المرحوم آية الله البروجردي كان يرتقي المنبر ويمارس الخطابة في بروجرد لثلاثين سنة؛ لذا حينما سأله أحد الأشخاص: يا سيّد، هل كنت تقرأ على الحسين(عليه السلام) عندما تصعد المنبر؟ أجاب: نعم، ويا له من عزاء!

إنّ علماءنا استفادوا جيّداً من الخطابة لجذب الناس نحو سيّد الشهداء(عليه السلام)، لكنّنا اليوم لم نستفد من هذه الجاذبية والارتباط بالنحو المطلوب، وبرأيي أنّ هذا يرجع إلى قلّة المنابر الغنيّة العارفة بأهل البيت(عليهم السلام)، قلّة المنابر من ذوي العلم والعرفان والحكمة. نعم، إنّ ما يحول دون جذب الناس نحو الحسين(عليه السلام)، هو قلّة المنابر من أهل الحالة المعنوية والبكاء.

جلسات عزائنا ليست غنيّة كما في السابق، في حين ينبغي أن تكون اليوم أغنى وأكثر من السابق بأضعاف، كان أكثر المنبريين محدِّثين سابقاً، وكانوا على معرفة عميقة بثقافة أهل البيت(عليهم السلام)، ومن الشخصيات العظيمة، أمثال الشيخ عباس القمي وغيره، كانوا يرتقون المنابر، ويمارسون الخطابة.

سمعت من تلامذة المرجع الكبير المرحوم الشيخ عبد الكريم الحائري، أنّ الشيخ عبد الكريم الحائري كان يدعو الشيخ عباس القمي للصحن الصغير في حرم السيّدة معصومة(عليها السلام)؛ كي يؤمّ الجماعة، ويصعد المنبر، ويلقي على الناس وعلى طلبة العلم خُطباً قيّمة لعشر ليالٍ متتالية بعد صلاة المغرب والعشاء، وكان الحاج الشيخ الحائري يجلس تحت منبره في طوال لياليه العشر. سأل أحد الفضلاء الشيخ عبد الكريم ذات يوم: كيف رأيت منبر الشيخ عباس؟ فأجاب: إنّني مستعد أن أقتدي بصلاتي الواجبة لثلاثة أيّام بطلبة العلم الذين يحضرون منبر الشيخ القمي؛ لأنّ منبره يصنع العدول.

نعم، هكذا كانت المنابر، وهكذا كان المنبريون، كان أكثرهم محدِّثين يحفظون الكثير من الروايات، ولهم معرفة عميقة بمدرسة أهل البيت(عليهم السلام)؛ لذا كان لحديثهم ولخطابهم الأثر البالغ في النفوس. كان أحد الخطباء في مدينة قم يحفظ ألف رواية، وكان أحد الخطباء في طهران يختزن في ذهنه مقداراً كبيراً من كتاب أُصول الكافي، من أمثال المرحوم السيّد إسماعيل شفيعي، الذي كان يظنّ السامع أنّه حفظ الأحاديث كما تُحفظ آيات القرآن، كانوا أُناساً مؤثِّرين حقّاً، خاصّة أنّهم عاصروا الاضطرابات والتشنّجات التي مارسها القاجاريون ضدّ الدين، والحملات التي لم يسبق لها مثيل، والتي شنّها رضا خان ضدّ المذهب، وضدّ الثقافة الدينية بصورة عامّة.

إنّ منابر تلكم الصفوة حفظت دين الناس، وحفظت مجالس أبي عبد الله(عليه السلام)، وجعلتها إرثاً، بل تراثاً للأجيال، حتّى وصل الحال إلى الثورة الإسلامية. إنّ أصحاب تلك المنابر كانوا على معرفة تامّة بما يقوم به رضا شاه من جرائم؛ لذا ما برحوا ينقلون تلك الممارسات الإجرامية إلى الناس، ويحكون لهم ما رأوه من ظلمٍ وتعسّف؛ كانوا يقصّون قصص الاضطهاد التي قام بها محمّد رضا بهلوي في سنة (1342هـ) للأجيال، وبذلك هيأوا الأرضية لإسقاط الجهاز الحاكم.

لقد استفاد الإمام الخميني(رحمه الله) من هذه اليقظة، وهذه الأرضيات التي تهيّأت من مجالس سيّد الشهداء(عليه السلام)، وقام ضدّ النظام البهلوي، وساعده الشعب في ثورته، وتكاتف معه على الصُّعد كافّة؛ لأنّهم كانوا على أشدّ الغضب من جنايات النظام البهلوي.

س: من الواضح أنّ المحافظة على المكانة المقدّسة والمضيئة والهادية والمنيرة والمكافحة للخرافات في المنابر كان عملاً صعباً للغاية، وكان يحتاج إلى بصيرة ودقّة ووعي، وسعي وجدٍّ ومثابرة، تتلاءم مع اقتضاء الزمان، كما كان يتطلّب معرفة عميقة، وهذا ما كان عند حماة الدين الذين قاموا بوعي تام لمكافحة الظلمات، بما فيها الآفات المدمّرة للمنبر، برأيكم مَن هو المسؤول؟ وأيّ جهةٍ يجب أن تتصدّى بوعي، لتحفظ المكانة المقدّسة للمنابر؟ وتقوم بتربية الطاقات المقتدرة والواعية؛ كي تحفظ هذه الوسيلة الإعلامية، وتوصلها إلى الأجيال، وليبقى المنبر مشعلاً منيراً للهداية؟

ج: من المؤسف أنّنا نرى في العشرين سنة الماضية ظهور مادّية بعض المنبريين، ولعلّه في بادئ الأمر لم تكن نيّتهم بهذه الصورة، لكنّهم عندما أتوا وارتدوا الزيّ المقدّس لرجال الدين، وارتقوا المنابر في شهر رمضان، ثمّ في العشرة الأُولى من المحرّم، وغيرها من المناسبات، ورأوا إقبال عامّة الناس عليهم، وما يولونهم من أدب واحترام، وبما أنّ إيمان بعضهم متزلزل لم تتوفّر لديهم الظرفية اللازمة لهذا الاحترام، ولم يكونوا أهلاً له، اتخذوا المنبر وسيلة للوصول إلى الرغبات الدنيوية، وقد نهى الإمام الباقر(عليه السلام) عن أن يُستأكل بهم(عليهم السلام)[12]، بمعنى أنّ الذين اتّخذوا الدين الإلهي والأئمّة الأطهار(عليهم السلام) وسيلةً لدنياهم وبطونهم، وانتشروا في المدن ـ مع أنّ أغلب الناس لم يكونوا أهل استدلال وبرهان ـ هذه الفئة من المنبريين قد استغلت الوضع بنقل الأحلام والأحاديث الموهومة في خطبهم.

لقد قسّم القرآن الكريم مسألة الخطابة على ثلاث مراحل بقوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[13]. وهذه المراحل عبارة عن: الاستدلال العقلي، أو الموعظة الحسنة، أو المجادلة المنطقية مع مَن هم أهل للمجادلة، ويمثل تسعون بالمائة من الناس يألفون الموعظة ويتأثرون بها، فالموعظة الحسنة هي الأكثر رواجاً بين الناس.

إنّ المنابر الضعيفة هي التي أبعدت البشر المثقّف من الطلبة الجامعيين وأمثالهم من المنابر، وأبعدت الشباب الواعي من الحضور في المساجد، إنّ هذه الفئة تركت الحضور في المجالس الدينية؛ لأنّها سمعت من المنابر تعاليم دينية لا تتلاءم مع العقل السليم، ومع ما أخذوه من أهل العلم.

لذا عُدنا نفتقد حضور الفئة العالمة في المجتمع عند المنابر، تلك الفئة التي كنّا نشاهدها سابقاً في المجالس، وخسرتها مجالسنا، وسقطت بأيدي المنشدين، الذين يقرأون العزاء بنغماتٍ غير مناسبة مستفيدين من الموسيقى المحلّية أو الأجنبية.

لقد بيّنت في إحدى المحاضرات أنّ وظيفة الحوزة العلمية إقصاء الأُمّيين عن المنابر، وأن تقوم ـ في المقابل ـ بتشجيعهم على الحضور في الحوزات العلمية في مدنهم، ثمّ تقوم الجهات المختصّة في الحوزة باختبارهم، ثمّ تمنحهم إجازة ارتقاء المنابر، كما كانت تعطى إجازة الرواية سابقاً.

وبعد أن تؤدّي الحوزة وظيفتها هذه ينتقل الدور إلى مديري وأئمّة الجماعات في المساجد؛ إذ يجب أن يلتفتوا إلى أنّ لديهم وظيفة ومسؤولية عظيمة، توجب عليهم أن يضعوا المنابر بين أيدي المشايخ الواعين من أهل الخبرة في الحوزات العلمية، ويمتنعوا عن دعوة المنبريين الجاهلين الأُمّيين؛ كما ينبغي لمديري المواكب الحسينية والقائمين على المساجد، أن يبحثوا عن أهل العلم والمعرفة، ويوكلوا مهمّة المنبر ورسالته إليهم.

عندما يُستفاد من المنبريين الصالحين، ومن الخطباء الواعين، سوف تخلو منابر المساجد والحسينيات ـ بصورة طبيعية ـ من المنابر الأُمّية الجاهلة، وهنا تبرز وظيفة الحوزات العلمية في جميع محافظات البلاد في شحذ الهمم؛ لأجل ملء هذا الفراغ وسدّ هذا النقص.

برأيي أنّ سدّ هذا النقص يتمّ بتقبّل رجال الدين في الحوزات لهذه المسؤولية، وتصديهم لإدارة المنابر في مدنهم، وتشجيع حوزات مدنهم على تدريب المنبريّين وتعليم فنّ الخطابة، وبذلك يستطيعون أن يسدّوا هذا النقص، ويرفعوا هذا الخلل.

كما على الحوزات العلمية في مدينة قم أن تقوم بإحصائية دقيقة لمنابر المساجد والحسينيات والمواكب في إيران، وتبحث عن النقص والحاجة، فتربِّي منبريّين وفقاً للمتطلّبات المحلّية، وتقوم بتعريفهم للمراكز الدينية، ويزودون مديري المساجد والحسينيات بملازم تحتوي على خصائص رجال الدين وكفاءاتهم في رفع ما يتطلّبه المجتمع.

إنّ هذا العمل يعني ترشيد عملية التبليغ الديني، وهذا الأمر لا يمكن إلّا بوساطة الحوزة العلمية، ومساعدة العلماء الكبار؛ لأنّ لديهم القدرة المعنوية والسياسية للدولة، وبهذه الوسيلة يمكننا أن نحول دون اتساع دائرة المخاطر التي حلّت بالمنبر الشيعي، ومعالجة التبعات والآثار التي تركتها، فعندما يتسلّط غير المتخصّصين على روح الدين وعلى أفكار المجتمع، سيشكّل ذلك خطراً جسيماً، وهذا أمر طبيعي.

لعلّ هذه الفئة من المنبريّين غير المؤهّلين لم يكن تصرفهم هذا عن عمدٍ، ولكن على أيَّة حال كان لأعمالهم آثار سلبية ملحوظة لا يمكن غض النظر عنها، وقد بيّن الإمام الرضا(عليه السلام) ضرر الكذّابين على الأئمّة(عليهم السلام) من أجل حطام الدنيا، بقوله: «ومنهم قوم نصّاب لا يقدرون على القدح فينا، فيتعلّمون بعض علومنا الصحيحة، فيتوجّهون به عند شيعتنا، وينتقصون بنا عند نصّابنا، ثمّ يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا، التي نحن براء منها، فيقبله المستسلمون من شيعتنا على أنّه من علومنا، فضلّوا وأضلّوا وهم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد (عليه اللعنة) على الحسين بن علي(عليهما السلام) وأصحابه؛ فإنّهم يسلبونهم الأرواح والأموال»[14]. ولخطورة ما يقوم به هذا الصنف من الناس فقد اعتبر الإمام الرضا(عليه السلام) ضررهم على الشيعة أكثر من ظلم جيش يزيد (عليه اللعنة) على الحسين بن علي(عليه السلام) وأصحابه؛ لأنهم ينهبون الأرواح والأموال أيضاً.

إنّ جيش يزيد دمّر جسد الحسين(عليه السلام) وأجساد أصحابه وأبنائه، وكذلك مَن يستغلّون المنبر للكذب والتهريج، وبث الخرافات بين الناس، الذين استولوا على روح الدين، وعلى أفكار المجتمع، دمّروا العقل والفطرة والدين والمذهب، وذهبوا بإيمان الناس؛ ذلك بإلقائهم لدينٍ أخرجوه من عند أنفسهم، ولم ينزل الله به من سلطان.

إنّ مثل هذه النماذج من المنابر والخطب عندما كان يسمعها آية الله الحاج ميرزا جواد التبريزي من التلفاز ينتقدها في درسه، ويضرب على رأسه من الغضب، وينتقد الإذاعة والتلفزيون بلحنٍ حادّ على بثِّها.

إنّني ذات مرّة رأيت مدير الإذاعة والتلفزيون في بيت المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، قلت له: اجلس ولو لمرّة واحدة واستمع لما تبثّونه في التلفاز من خطب وبرامج، لأجل معرفة الواهن منها الذي لا يفيد المجتمع، ولا يصلح للبثّ على التلفاز.

ولذا لا بدّ من السعي من قبل الجهات الدينية المختصّة ـ وبمساعدة القيادة الحكيمة للثورة ـ إلى القيام ودون مجاملة بتطهير وترشيد هذه الوسيلة الإعلامية للتشيّع، وخاصّة في هذا الزمن.

س: لقد ربّى الإسلام في أحضانه خطباء كباراً جدّاً، حاذقين بارعين، مؤثّرين في النفوس، عاشوا في أوساط المجتمع؛ كي يستفيدوا من هذا الفنّ في هداية الناس، ويصنعوا في النفوس ثوراتٍ روحية ساقت القلوب نحو الكمال المطلوب، وكان على رأس هذا الهرم المقدّس الرسول الأكرم(صلى الله عليه واله)، والإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ثمّ اقتفى أثرهما أكثر الخطباء، وساروا على شعاع نور التعاليم الإسلامية التي كانا يلقيانها على الناس، واقتدوا بهما سائرين على الطريقة المثلى؛ ليوصلوا للبشرية الإسلام الأصيل، وليجسّدوا الدين المحمّدي، ورسالته الغرّاء، ويحافظوا عليه من الآفات والخرافات في مقاطع مختلفة من الزمن.

إنّ المجتمع الإسلامي في هذا العصر بحاجة ماسّة إلى خطباء متّقين مؤمنين من أهل المعرفة بالرسالات والتعاليم الدينية، عالمين بأُمور زمانهم، ومؤثّرين في النفوس. برأي جنابكم الكريم أيّ طريقٍ يجب أن يُسلك، وأيّ برامج تعليمية وتربوية يجب أن تُتّبع؛ كي يحصل المجتمع على خطباء من هذا النوع؟

ج: هناك ثلاثة أُمور يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار:

أوّلاً: أنّ طلبة العلوم الدينية ما داموا منشغلين بالدرس والبحث، سوف لا يتوفّر لديهم الوقت الكافي للحضور عند المنابر الجيّدة والاقتداء بالخطباء الحكماء كالشهيد مطهّري، والمرحوم فلسفي، والمرحوم الراشد،؛ لذا يجب وضع برنامج خاص، بأن تجعل أشرطة الخطابات الجيّدة في تحت تصرف طلّاب الحوزة؛ ليسمعوها بشكلٍ منتظم، ثمّ تحديد أوقات لاختبارهم بما تحتويه تلك الأشرطة من تعاليم ومطالب علمية، كما هي الطريقة المتّبعة في الكتب الدرسية، بمعنى أن تطرح أسئلة من الأشرطة نفسها؛ كي يُختبر الطلّاب بما سمعوه؛ حتّى ترتفع هذه الحاجة في المجتمع بوجود المبلّغين الناجحين والكفوئين.

ثانياً: أن يتمّ التعريف بالكتب القيّمة والمفيدة؛ كي يطالعها الطالب بدقّة فيتهيّأ للخطابة؛ من قبيل المحجّة البيضاء للفيض الكاشاني، فإنّه كتاب بنّاء ومفيد للخطابة والمنبر. وقد رأيت السيّد حسين علي الراشد ابن المرحوم الملا عباس التربتي ـ وهو من الخطباء المشهورين الذين بُثّت خطاباتهم في الراديو لخمس وعشرين سنة في كلّ ليلة جمعة ـ كان يعتمد كثيراً على كتاب المحجّة البيضاء في خطبه دون تكرار. أقول هذا لأنّني طالعت الكثير من خطبه، كان يأخذ نصف صفحة من كتاب المحجّة، فيتعمّق في مطالبه جيّداً، ويلقيها بلسانٍ جديد وبلغة العصر، فكان لها التأثير الكبير في المستمعين، إذاً؛ من الضروري التعريف بالمصادر التي ينبغي مراجعتها واعتمادها في المنبر.

ثالثاً: التمرين، بمعنى أن يقوم طلّاب العلوم الدينية بعد استماعهم لأشرطة الخطب الجيّدة بالممارسة والتدريب على الطريقة المتلقّاة، فيُدعى مَن يمتلك فنّ الخطابة، وتتوفّر فيه الشروط اللازمة للخطابة من أهل الإيمان والعلم والتجربة في هذا الميدان، في حضور ما يقارب المائة وعشرين طالباً، فيرتقي بعض الطلبة المنبر، وبعد كلّ محاضرة يُتاح لبقية الطلبة أن يعرضوا انتقاداتهم على المحاضرة بصورة منطقية طبقاً للأدلّة، ثمّ يرتقي أحد المتخصّصين المدعوّين المنبرَ، ويتحدّث ما يقارب العشرين دقيقة؛ ليعرض رأيه ووجهة نظره حول المحاضرات التي أُلقيت.

إنّ برنامجاً كهذا ضروري لتربية المنابر المطلوبة والمؤثّرة، يجب أن تزاول التربية المنبرية، وتسير في الطريق الصحيح، وإلّا فسينشأ طلبة العلوم الدينية خطباء من عند أنفسهم، وسوف نرى حتّى مَن له القدرة والفن ـ من أهل العلم والتحقيق ـ غير قادر على تقديم خطابة مفيدة، ومنبر جيّد ذي أُسلوبٍ قويم، بل سوف يعجز عن اختيار عنوان لمحاضراته يكون مناسباً وضرورياً للمجتمع.

س: من المشهور في بلدنا ـ بل وبين المسلمين جميعاً ـ أنّ المنبر قائم على عزاء الإمام الحسين(عليه السلام)، لكننا ـ مع الأسف ـ نرى أنّ المنابر والخطب بعيدة عن الروح الثورية للإمام الحسين(عليه السلام)، بل إنّ بعضها خلاف ما أرادته النهضة الحسينية، كما أنّ بعض الخطباء يفسّر الثورة الحسينية بما يهوى له، ويزيدها خرافات وأقاويل خاطئة.

برأي جنابكم الموقّر ما الذي يجب فعله، وما هي الطريقة التي يجب أن تُتّبع؛ كي تشحن الخطابات بالحماس والشغف الحسيني، وتبتعد عن الآفات والتفسيرات الخاطئة؟

ج: لقد توصّلت قبل سنتين إلى أمرٍ مهم ـ وإن كان وصولي إليه متأخراً للغاية، وكان ينبغي أن أصل إليه أسرع ـ وهو أنّني كنت أتساءل: مَن يستطيع أن يوصل لنا هدف سيّد الشهداء(عليه السلام) من ثورته الربّانية؛ كي نستطيع نحن أن ننقله إلى الناس بالصورة المطلوبة؟ حقّاً أيّ مصدر، وأيّ إنسان، يستطيع أن يوضّح لنا بشكلٍ جيّد ذلك الهدف العظيم، وتلك الثورة المقدّسة؟

إنّني توصّلت قبل سنتين إلى هذه النتيجة: ليس لأحدٍ أن يوصل لنا ثورة عاشوراء بكلّ جوانبها من أسبابٍ وأهداف سوى صاحبها وقائدها الإمام الحسين(عليه السلام)؛ وذلك من خلال وصيّته التي يكتبها في أوائل سفره، ويسلّمها لمحمّد بن الحنفية، ومن خلال الشهور التي عاشها قبل سفره إلى كربلاء، ومن خلال خطاباته بين المدينة ومكّة، والخطب التي ألقاها في مكّة، والرسائل التي كتبها وهو في طريقه من مكّة إلى الكوفة، والخطابات التي ألقاها في ذلك الطريق، وكذا خطاباته في الثمانية أيّام، عند محاصرة جيش الحرّ بن يزيد الرياحي له(عليه السلام)، وخطبته في ليلة عاشوراء التي تعدّ من أروع خطاباته، وخطبته الملحمية في يوم عاشوراء، وأراجيزه(عليه السلام) وأراجيز أهل بيته وأصحابه، فجميع تلك الأُمور تبيِّن لنا ما احتوته ثورة عاشوراء، وتكشف عن زوايا تلك الملحمة العظيمة وأهدافها وغاياتها.

فإنّنا إن أردنا أن نفهم البعد الملحمي والإلهي لثورة الحسين(عليه السلام)، ما علينا إلّا أن نرجع إلى أحاديثه وخطبه، ونروجها بين الناس، علينا أن نوصل كلّ ما قاله الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الناس، كما جاء في موسوعة الإمام الحسين(عليه السلام) التي قامت بتهيئتها وطبعها مؤسّسة الإمام الباقر(عليه السلام)، يجب أن نطالع كلّ ما جاء عن الإمام الحسين(عليه السلام) فيها، ونوصي طلّاب الحوزة والخطباء بمطالعتها ليُبيّنوها للناس على المنابر؛ لأنّها علمية وموقظة للعقل أوّلاً، ومثيرة للحزن والبكاء ثانياً، كما أنّ لها معنوية وروحانية خاصّة.

علينا أن نستفيد في خطبنا من الحسين(عليه السلام) نفسه، ومن أقواله وخطبه وسلوكه يمكننا أن نرتقي المنابر، ونلقي الخطب لعشر سنين، مستفيدين من خطبه دون تكرار. إنّ الحسين(عليه السلام) وثورته لَأمرٌ عجيب، إنّني لسنتين أبحث في معنى (السلام عليك يا وارث آدم)، ولم أُكمل البحث فيها، وهذا يعني أنّ زيارة وارث بحدّ ذاتها لو أردنا بسطها والبحث فيها فسوف نستغرق أربع سنين أو خمساً. لقد ذكر الله تعالى في القرآن سبع امتيازات للنبي آدم(عليه السلام) لقد ورثها أبو عبد الله(عليه السلام) بأجمعها، من تلك الامتيازات (خليفة الله)، وقد جسّد الإمام الحسين(عليه السلام) هذا الامتياز في كربلاء بأروع صوره، كما بيّن(عليه السلام) هوية الأنبياء الخمس من أُولي العزم، وثورة كربلاء تشهد وتخبر عن ذلك. إنّ ثورة عاشوراء رسمت طريق السعادة بوضوح، الطريق الذي اختطّه الأنبياء والمرسلون(عليهم السلام).

س: الموعظة من وظائف أهل المنبر، وهي الحديث الذي يُلين القلب ويمحو قساوته، ويوازن بين الغضب والشهوة، كما يمنع هوى النفس من الطغيان، ويمنح القلب جلاءً وصفاءً، ولا يستغني أحدٌ ما عن الموعظة، سواء كان عالماً أم لا، ولعلّ أكثر أهل العلم والفكر والسياسية في غنىً عمّا يُطرح على المنابر من مطالب علمية ومعلومات، لكنّهم لا يستغنون عن الموعظة أبداً، خاصّةً إن كانت الموعظة نابعةً من التعاليم الدينية التي تخشع لها القلوب.

برأي جنابكم الموقّر: هل حفظ أصحاب المنابر هذه المكانة بالصورة الصحيحة؟ بمعنى: هل وصلوا إلى مقام الوعظ، فتنبع الموعظة من قلوبهم، لتؤثّر في قلوب الآخرين؟ إن كان هناك ثمّة نقص في هذا المجال، ولم يؤدّ المنبر دوره بالصورة المطلوبة، فما هو الحلّ لرفع هذا النقص؟

ج: نعم، إنّ للمنبر الأثر العميق في الموعظة، لذا نرى الحكّام والأُمراء في الحكومات القديمة لإيران كالصفويين والقاجاريين، كانوا يتأثّرون بالعلماء كثيراً ـ بغض النظر عن الأُمور السياسية ـ خاصّةً في العشرة الأُولى من المحرّم؛ إذ كانوا يقيمون مجالس العزاء ويتأثّرون بمواعظ الخطباء، ولقد حالت المواعظ آنذاك دون وقوع الكثير من الظلم والطغيان.

بإمكان المنبر أن يؤدّي هذه الوظيفة، لكن بوجود طاقات علمية حكيمة، طاقات لطيفة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأهل البيت(عليهم السلام)، طاقات توجد وتصنع الحالات المعنوية عند الآخرين، وبحمد الله كانت هناك طاقات في السابق، فقد التقيت في الماضي بخطباء بارعين في إصفهان وطهران، كانوا مراجع أو بمستوى المراجع، لكنّهم كانوا يتلون دعاء كميل ليالي الجمعة لجمعٍ غفير من الناس، ولقد كان لتلكم الأدعية والبرامج الدينية الأثر الروحي العميق.

إن استفدنا من القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت(عليهم السلام) في النصيحة والموعظة، وصرنا في أذهان الناس أُنموذجاً لتطبيق تلك الأحاديث الشريفة، وطرحنا المواعظ بتوجّع وحرقة، فسوف يكون لمواعظنا الأثر البالغ في النفوس.

ومن المقولات التي تقع على كاهل الخطباء، هي تعليم الناس مصالح الدين والدنيا، فما هي الخصائص التي ينبغي أن تتوفّر في الخطيب في يومنا الحاضر؟ وكيف يتعامل مع هذه المهمّة؛ كي يستطيع أن يبيّن للناس مصالح دينهم ودنياهم؟

ينبغي للخطيب أن يكون عالماً وحذراً من مكائد القوى الشيطانية بمكرها وحيلها، يجيد لغة الفضائيات؛ كي يبعد عن المجتمع طواغيت العصر، ويوصل إليهم مرتبة التوحيد الأُولى (لا إله)، فإن استطاع أن يبعد الطاغوت عنهم، فسوف يمكنه إيصال مرتبة التوحيد الأُخرى، وهي (إلّا الله). وإن استطعنا أن نطوي سجل الطاغوت من أفكار المجتمع ونزرع بذور التوحيد فيه، فسوف يمكننا آنذاك أن نبيِّن المصالح والمفاسد، معتمدين القرآن الكريم، كما نبيّن الأضرار الناجمة من الثقافات الأجنبية.

لديّ تجربة مع جيل الشباب، وكانت مؤثّرة للغاية، أذكر مثالاً في بيان المصالح والمفاسد: بعد أن يتعرّف المستمع على الثقافة الشيطانية، ونبيّن له الثقافة الحقّة، نبدأ بمقارنةٍ بين الثقافتين، بفعلنا هذا حاربنا الثقافة الشيطانية في داخله، لينبثق نور التوحيد في قلبه، وقد مارست هذه الطريقة، ورأيت النتيجة، فقد أرسلت إليّ بعض البنات السافرات أو المتهاونات بالحجاب ـ سواء قبل الثورة الإسلامية أم بعدها ـ بأنهنّ رجعنَ إلى الدين بفضل المنبر، وبفضل المسائل التي تمّ بيانها.

وما زال الكثير من الشباب ـ ممَّن لهم سوابق غير جيّدة ـ يرجعون إليّ، ويذكرون لي تأثير المنبر، والمسائل التي أثرتها من القرآن الكريم، وعن أهل البيت(عليهم السلام) في أنفسهم، ويحكون لي ذكرياتهم العجيبة، وقد أوردت في كتاب ذكرياتي شيئاً عنهم.

س: برأي جنابكم الكريم، ما الذي حصل كي تتبدّل المواعظ على المنبر، وبيان مصالح الدين والدنيا، وبيان فلسفة قيام الإمام الحسين(عليه السلام)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وبكلمة جامعة: بيان زوايا الإسلام الأصيل وتعاليمه التي تحيي القلوب، تتبدّل إلى الكلام الواهن والخرافات والأحلام التي انشغل بها بعض أهل المنابر؟

ج: كان لكثيرٍ من أهل المحراب والمنابر بعد انتصار الثورة الإسلامية الأثر في مدنهم ومناطقهم، وبمقتضى الشعور بالحاجة ـ وهذا أمر لا يمكن إنكاره ـ حوّلوا المنبر إلى طاولة إدارة، ثمّ قاموا بأعمال تتطلّبها مصلحة الثورة الإسلامية، واستلموا بعض المناصب في الدولة، كما أنّ الكثير من المنابر الجيّدة إبّان الثورة، كانت تفتقد الفنّ في بيان الثورة وفقاً لما يقتضيه الزمن؛ مما أدّى ذلك بالشباب إلى ترك تلك المنابر، وهذا إفراط في المقام أدّى إلى تضعيف أو إقصاء بعض الشخصيات من المنابر. وما بقيَ في طهران وبعض المدن من منابر جيّدة كانت قليلة حقاً، فاستغلّ أهل المكر هذا الفراغ، ودخلوا الساحة مسرعين، قاموا بتخريب الدين، سواء كان فعلهم هذا عن جهلٍ أم عن حبّ للمال، لكن كان بعضهم ـ على يقين ـ مرتزقةً مأمورين من قبل العدو، فقد خصّصت أمريكا وأوربا أموالاً طائلة لأجل هدم الدين وتخريبه.

نعم، لقد احتلّت هذه الفئة عرصة المجتمع، وجذبت الشباب الذين كانوا يفتقرون للاستدلال العلمي في مسائل الدين. كانت الثورة قائمة، والمحاريب والمنابر خالية، فاستغلّوا بحيلهم فرصة فراغ الخطباء والعلماء الحكماء، وجذبوا الناس نحوهم.

وقد حذّرت كثيراً من هذه المنابر الواهية، وأشرطة محاضراتي لخمس وعشرين سنة تشهد بذلك، إنّها منابر استُغلّت لبثّ الخرافة والمسائل الباطلة؛ يُطرح فيها ما يُحرّف التعاليم الإلهية. لقد كنت وحيداً في ذلك الزمن، ولم يساعدني أحد في مهمّتي هذه، حتّى أنّني شكوتُ ذات مرّة لقائد الثورة بأنّ المنابر غدت خاوية خالية من القرآن والأحاديث، لكن قبل سنتين دخل بعض العلماء الكبار وبعض المراجع في هذه الساحة، وبحمد الله فكّروا في هذا الأمر، وبادروا لمسك زمام الأُمور في الآونة الأخيرة؛ لأنّ الأكاذيب والتحريفات أضحت قائمةً في المجتمع.

فضلاً عن المنابر المليئة بالكذب والخرافة التي حُمّلت على روح الدين في المجتمع، كان للكتب الدور الآخر، تلكم الكتب التي كانت تطبع بأعداد غفيرة ـ سواء بإجازة رسمية أم من دون إجازة ـ وكانت مشحونة بالكذب والدجل والخرافات والكرامات المدّعاة، فقد دُونت بعض تلك الكتب لأجل بيان كرامات بعض الأشخاص الذين كانوا أحياءً، وكنت أعرف أبناءهم، فسألتهم ذات مرّةٍ عنها، فأجابوا ضاحكين: بأنّهم لم يروا من آبائهم ـ طوال خمسين أو ستين سنة من المعاشرة ـ شيئاً ممّا ذُكر في تلك الكتب بعنوان كرامات.

هناك كتاب دُوّن لبيان كرامات أحد الأشخاص ـ ولم يكن رجل دين ـ ذُكرت فيه الحالات المعنوية لذلك الشخص؛ ليرفعوا مقامه من خلال هذا التوصيف، في حين أنّني أعرف ذلك الشخص، إنّه بعيد عن ذلك الكلام الذي ذُكر عنه، لقد ذكر في هذا الكتاب مقامات لم يذكرها القرآن ولا الأحاديث حتّى لأنبياء الله تعالى.

إنّ خلق هذه الكرامات وتدوين هذه الترّهات سرى إلى المنابر بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبنقل هذه الكرامات المختلقة والأحلام العجيبة، استطاعوا أن يجذبوا الناس نحوهم، ويبعدوهم عن المعارف الدينية الحقّة.

لقد لوحظ ـ في برهة من الزمن ـ أنّ هناك توجهاً أكثر إفراطاً من الصوفية عند أهل السنّة في خلق الكرامات، فهم لا يملكون إلّا كتاب (تذكرة الأولياء)، وكتاب (النفحات) للجامي، في حين أنّ محلّات كتبنا تزخر بالكتب الخرافية، وتتكرّر طباعتها لمرّات وكرّات حتّى يصل بعضها إلى عشرين طبعة أو خمس وعشرين طبعة.

اذهبوا إلى بائعي الكتب، واُنظروا كم من كتبٍ تتحدّث عمّن لهم كرامات مع الإمام صاحب الزمان(عجل الله فرجه الشريف)، تباع للناس، وتطبع مرّات عدّة، كرامات مختلقة، وعبارات عجيبة حول بعض الأشخاص، إلى درجةٍ أنّ شاباً قال لي يوماً: سمعت أنّك عندما لا تحمل معك مفتاح الدار تنظر إلى باب الدار فينفتح لك. فقلت له: جيّد، إنّك نبّهتني إلى هذه الكرامة، لقد نسيت مفتاحي قبل كم ليلة في الدار، وعندما رجعت لم أجد أحداً في البيت؛ كي يفتح لي الباب، فجلست عند الباب لخمس وأربعين دقيقة، حتّى رجعت أُسرتي، وفتحوا الباب بالمفتاح!

لقد وصل الحال في شيوع الخرافات إلى هذا المستوى، وأصبحت الكتب الخرافية المليئة بالكرامات الكاذبة في متناول الناس، خاصّة الشباب الذين يتأثّرون بها كثيراً، كما حصل لذلك الشاب الذي أخبرني بأنّ لي كرامة.

بخلو المحاريب والمنابر من الخطباء الحكماء، وتمويل القوى الغربية بما فيها أمريكا؛ لأجل إبعاد الشباب عن الدين، وشحذ أذهانهم بالخرافات، ورواج مثل هذه المنابر والكتب، وصلنا إلى هذه النتائج الوخيمة.

س: فهمنا من بيانات حضرتكم بوضوحٍ أنّ المنابر الخاوية والضعيفة والخرافية، قامت على أساس الأحلام والكرامات المختلقة، وكان لها الدور المفتاحي في رواج الخرافات، وأكّدتم أنّ من ضمن الحلول هو المنبر، وذلك بإصلاحه، والاقتداء بالمنابر الراقية والصانعة للإنسانية، البعيدة عن الخرافات والأكاذيب. لعلّنا بمقارنة المنبر قبل الثورة الإسلامية وبعدها نصل إلى نتائج أفضل ونتعرّف على النقائص أكثر.

ج: إن قارنا بين المنابر قبل الثورة الإسلامية وبعدها، سوف نرى الاختلاف الكبير في بُعدين:

1ـ في عدد المنابر، فقد كانت المنابر متوفّرة في أكثر مدن إيران في الماضي، وكان الخطباء بالعدد الكافي، ولعلّه أكثر ممّا يحتاج إليه الناس، إلى درجةٍ أنّ بعض الخطباء في مدينة مشهد ـ مثلاً ـ كانوا يسافرون للتبليغ أيّام محرّم وشهر رمضان إلى بقية المدن؛ لكثرة الخطباء في تلك المدينة.

كنت أرى في أيّام صباي ودراستي بعض الخطباء المشهورين يأتون من مشهد إلى طهران، ويلقون الخطب على الناس في المساجد، مع أنّه كان في طهران علماء كثيرون، لكن بما أنّ عدد سكان طهران أكثر كان قيّمو المساجد وبعض الأفراد يدعون الخطباء المشهورين من مشهد وغيرها من المدن، فيدعون كبار الخطباء، من قبيل الحاج المحقّق الخراساني، والسيّد مرتضى السبزواري، وقبلهم الشيخ غلام رضا الطبسي من مشهد، والسيّد صدرايي الأشكوري من رشت، فكانوا يأتون إلى طهران، ويرتقون المنابر.

وهذا لا يعني أنّه ما من حاجةٍ في مشهد ورشت إلى تلكم الشخصيات، أو لم تتوفّر المنابر لديهم، بل كان الناس يدعونهم؛ لأن منابرهم غنيّة بفكر أهل البيت(عليهم السلام)، وعلومهم، ولأنها رفيعة المستوى.

كانت هناك بعض الوجوه المنبرية المتميّزة والمعروفة في إقليم كيلان، ومازندران، كمدينة رشت، لاهيجان، آمل، جرجان، وغيرها، كان أُولئك العلماء يُفيدون الناس في كثير من الأُمور، ويرشدونهم إلى كثير من المسائل الدينية، كما كان في إصفهان خطباء كثيرون أيضاً، خطباء من أهل العلم والحكمة والمعرفة، من أمثال حسام الدين الواعظ، والحاج الشيخ باقر زند الكرماني.

أمّا الآن فنحن نفتقر إلى المنابر، وضجّت الأصوات لقلّة الخطباء، سواء في العاصمة أم غيرها من المدن. دعيتُ إلى أكثر من مائة مدينة، وارتقيت المنبر فيها، وكان أكثرها في مراكز المحافظات، أو في المدن الكبيرة، ورأيت الناس المؤمنين يواجهون مشكلة في قلّة الخطباء، حتّى أنّني في إحدى محاضراتي في مدينة قم المقدّسة أنشدت أشعار دعبل الخزاعي التي ألقاها باكياً عندما زار الإمام الرضا(عليه السلام):

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزلُ وحي مقفر العرصاتِ

وذلك لأجل قلّة الخطباء.

2ـ وفيما يرتبط بكيفية المنبر، كان خطباؤنا سابقاً من العلماء الكبار، شخصيات من أهل العلم والمكانة الاجتماعية، كانت الحوزة في طهران غنيّة جدّاً، وكان فيها مدارس ذات رونق وجلالة حتّى سنة (1330هـ)، من قبيل مدرسة المروي، ومدرستين في سوق طهران، كان في الحوزة أساتذة كبار، كالمرحوم الميرزا مهدي الآشتياني ـ الذي يُعبّرون عنه بفيلسوف الشرق ـ وبعض تلامذته من أهل المنابر الحاذقين، كالمرحوم الشيخ محمّد رضا ربّاني، الذي له منبر غنيّ حقّاً، والمرحوم الشيخ محمّد تقي فلسفي، الذي استطاع أن يرتقي المنبر لسبعين سنة دون تراجع، وكذا الشيخ مهدي القوّام.

إنّ تلكم الوجوه قد تخرّجت من حوزة طهران، الحوزة التي كان يُدرِّس فيها المرحوم الميرزا مهدي الآشتياني، والمرحوم ابن الدين، والمرحوم السيّد محمّد علي اللواساني، والمرحوم السيّد محمّد كاظم عصار ـ الذي كان من المراجع في ذلك الزمن ـ والمرحوم الميرزا أحمد الآشتياني، والمرحوم محمّد تقي الآملي، والمرحوم آية الله العظمى السيّد أحمد الخوانساري.

أخذ خطباء طهران العلم والأخلاق من هؤلاء العلماء، وشرعوا بالخطابة منذُ أيّام شبابهم؛ وذلك أثناء دراستهم وبحوثهم، مستفيدين من تجارب أساتذتهم الكبار؛ إذ كانت لهم إرادة قوية في تلقّي العلوم، فلم يتركوا الدرس والتحقيق حينما تصدّوا للمنابر.

وأمّا الخطباء الذين نشأوا في حوزة مشهد، فلقد أخذوا العلوم والأخلاق، من أشخاصٍ عرفوا بالعلم، والتقوى، والزهد، والمقامات الرفيعة، وجوه عظيمة من قبيل: السيّد بزرك (الكبير) الحكيم، والشيخ مرتضى الآشتياني، والسيّد يونس الأردبيلي، والسيّد مهدي النوغاني، والأُستاذ القدير الأديب النيشابوري.

عاصرت بعض الخطباء والعلماء الذين ذكرتهم، وأنا ابن ستّ سنين أو سبع، فقد كان أبيw يصطحبني معه إلى منابرهم، كانت خطبهم راقية جدّاً إلى درجة أنّ بعض المستمعين من أهل العلم والدراسة كانوا يدونّون ما يسمعونه منهم، ويكتبون الأحاديث التي يذكرونها، ويبيّنون النقاط التربوية والعلمية فيها. كان أبي من بين الذين يكتبون تلك الخطب، ولعلّ ما دوّنه والدي من تلك المنابر يصل إلى ما يقارب خمسة آلاف صفحة خلال ثلاثين سنة من حضوره في تلك المجالس المليئة بالموعظة والخطابة الشيّقة، مع الأسف أنّ تلك المدونّات قد راحت من أيدينا؛ بسبب اعتقالنا من قِبل (الساواك)؛ إذ قامت أُسرتنا بإبعاد كلّ الأوراق الإعلامية أو المنشورات التي كتبناها للثورة الإسلامية، وكان من بين تلك الأوراق مدونّات والديw. لقد بحثت عنها كثيراً فيما بعد، لكنّني لم أعثر عليها، كنت أطمح في تنظيمها وطبعها؛ لتكون مجلدات جامعة للمطالب المنبرية القيّمة.

كان في كيلان، وبابل في مازندران، وجرجان، ورشت، حوزات فعّالة وناشطة من حيث العلمية، وعلى ما أظنّ كان زعماء حوزة كيلان من تلامذة المرحوم النائيني، والمرحوم الكمباني.

وفي مدينة رشت كان المرحوم السيّد زياوري، والمرحوم السيّد بحر العلوم، والمرحوم اللاكاني، الذي رأيت إجازة اجتهاده التي أخذها من آية الله العظمى السيّد البروجردي، إنّ أُولئك كانوا معلّمين بمعنى الكلمة، ربّوا تلامذة خطباء مقتدرين، أو تلامذة ذوي أقلام بارعة، كالمرحوم السيّد حجتي الذي مات وهو شاب إثر حادث سيّارة، لقد كان يكتب وينشر في جريدة قد حظيت بشراء الكثيرين آنذاك، وما زال هناك خطباء قدماء ممَّن رأوا الحوزات العلمية سابقاً، لكن لا أحد يدعوهم لكبر سنّهم.

وعلى أيّ حال، إنّ ما نراه من تحريفاتٍ وبدعٍ وأقاويل واهنة، ما ظهرت إلّا لشحّة المنابر العلمية، ولقلّة الخطباء وأئمّة الجماعة الحكماء، فعندما يكون إمام الجماعة في المسجد مجتهداً كما في السابق، سوف لا يجيز لأي أحد أن يرتقي المنبر ويخاطب الناس، كما لا يدعو أيّ شخصٍ كان ليودعه عقول الناس وقلوبهم، إنّ أئمّة الجماعة المجتهدين ـ الذين كانوا في مدينتنا ـ في حدود الأربعة عشر إماماً أو خمسة عشر كانوا دقيقين كثيراً في دعوة الخطباء المؤثّرين من أهل العلم والتقوى.

س: إنّ محاربة قدسية المنبر والطعن بمكانته الرفيعة أمر خطير للغاية، وضربة لجبهة الحقّ والثقافة والمعارف الدينية، فمَن هم المسؤولون المقصّرون الذين ساهموا في انتقاص شأن المنبر عن السابق، سواء بتساهلٍ، أم بإهمالٍ، أم بعدم الاستفادة الصحيحة منه؟

ج: لنستبدل كلمة (التقصير) بكلمة (الغفلة)، لا يمكننا أن نقول مَن هو الشخص المقصِّر، أو أيّ جهةٍ مقصِّرة، بل يمكننا أن نقول: إنّ الكثير ممّا تحتاج إليه الثورة من أعمال شغلت العلماء والمفكّرين في مدينة قم وغيرها بالعمل لإنجاح هذه الثورة، فهناك عدّة من العلماء يعملون بجدٍّ وإخلاص للمحافظة على الثورة الإسلامية، وهذا ما جعلهم يغفلون عن المنبر ومحتواه العلمي، وعن الخطابة ومَن يتصدّى لها.

ينبغي أن نحول دون وقوع هذا الخطر بالاستفادة من أهل العلم والخبرة، وبمساعدة الحوزات العلمية، واتخاذ التدابير الدقيقة؛ كي تتمّ عملية إصلاح المنابر وتنظيمها بالشكل المطلوب، فلقد اتخذ الطاغوت إجراءات مكثّفة لأجل إزالة الدين، وكانت المنابر في صدارة ما قام النظام بمحاربته، فقد لقي أصحاب المنابر المؤثّرة الاعتقالات والتحقيقات من (الساواك) آنذاك، كان يرسل أفراده ليتجسّسوا عمّا يقال على المنابر، هل يتهجّم أصحاب المنابر على الشاه وحكومته؟ هل ينتقد الخطباء الوضع الموجود؟ فيكتبون التقارير التي تحدّد مصير الخطيب من إنذارٍ، أو منعٍ، أو اعتقال.

وينبغي ـ بحسب رأيي ـ لوزارة الأمن اليوم أن تدخل إلى ميدان العمل في مجال المنابر، وتشكّل جناحاً خاصّاً يعمل في كلّ إيران؛ لينظر مَن يرتقي المنابر من الكذّابين والمهرجين للبدع والخرافات، لتحول دون الأضرار والضلالات الناجمة من هذه الوسيلة الإعلامية.

كما ينبغي للحوزة العلمية أن تشكّل مؤسّسة خاصّة تُعنى بالمنابر في كلّ البلد، وتقوم بتتبّع الخطباء والمنشدين من أهل الزيغ والبدع، وتقطع ارتباطاتهم بالمساجد والحسينيات والمراكز المذهبية، فعلى وزارة الأمن والحوزة العلمية أن يحولا دون اتساع دائرة هذا المستنقع من دون مجاملات.

سمعت يوماً كلاماً من السيّد القائد الخامنئي عند أهل سنندج، قال عبارة أعجبتني: «الرجل الشيعي الذي يسبّ أهل السنّة ويهين مقدّساتهم يُعدّ مرتزقاً للعدو، وإن لم يكن يعلم ماذا يفعل».

عندنا أفراد من هذا النوع، يرتقون المنابر، ويقولون ما تهواه أنفسهم، ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار قلق القائد والعلماء والمراجع من خطر المنابر؛ ليُعمل على إصلاحها. فهناك مسؤولية عظمى على كاهل وزارة الأمن؛ لأنّ الحوزة عندها بعض الأيدي الواردة في العمل، وبإمكانهما معاً محاربة كلّ المنابر الخرافية المدمّرة للمجتمع والقضاء عليها بشكل تام.

س: أيّ تحوّل في المنبر يراه سماحتكم ضرورياً، ومَن يمكنه أن يقوم بهذا التحوّل وإدارته؟

ج: لا يمكن أن تُغيَّر المسائل الإلهية التي وردت في كتاب الله تعالى وروايات أهل البيت(عليهم السلام)، والمنبر بمعناه التقليدي هو الفقه التقليدي الذي أكّد عليه الإمام الخميني(قدس سره) الذي يقول: «إن استطعنا أن نلاحظ الفقه من حيث الزمان والمكان، فسوف يمكننا أن نلبّي ما يقتضيه العصر من احتياجات».

لا بدّ من ملاحظة الزمان والمكان في الفقه، وإلّا فإنّ الفقه لا يتغيّر، حلال الله وحرامه لا يتغيّران، وطريق الاجتهاد لا يتغيّر أيضاً، لكن النظرة إليه تتغيّر؛ إذ يمكننا أن ننظر إلى الفقه بصورة أعمق؛ لنحصل على أجوبة المستجدّات من المسائل الفقهية، وذلك بضمّ علم الأُصول إلى الفقه.

إنّ المتطلّبات الفقهية اليوم والمستجدّات من المسائل لم تكن أيّام رسول الله(صلى الله عليه واله) والأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، ولا يمكننا أن نقول: إنّ هذه المسائل ما دامت لم تتواجد أيّام النبي(صلى الله عليه واله) والأئمّة(عليهم السلام)، فليس لها حلول فقهية، ولا نستطيع الجواب عنها؛ لأنّ القرآن وصف الدين الإسلامي بأنّه دين تام وكامل.

إنّ أجوبة المستجدّات من المسائل الفقهية المبتلى بها في المجتمع اليوم، موكولة إلى معرفتنا بالفقه بصورة أعمق من السابق؛ كي نستخرج الأحكام المطلوبة في هذا العصر، من قبيل معاملات البنوك والبلديات، وغيرها ممّا تتطلّبه احتياجات المجتمع، وإلّا فسوف تقع في طريق مسدود إن لم تتوفّر لها الحلول.

فلنؤدِّ مثل هذا العمل في المنابر أيضاً، بمعنى أن تبقى المنابر على طريقتها التقليدية في الاعتماد على الكتاب والسنّة الشريفة، وبيانهما للناس، لكن يبقى الخيار للخطباء من أهل العلم بأن يبدعوا في طرح المسائل الجديدة التي تُلبّي احتياجات المجتمع.

ينبغي للخطباء أن ينظروا في أُناس هذا العصر، في حياتهم الفردية والأُسرية والاجتماعية، ويشخّصوا الخلل الذي صار سبباً للفساد والظلم لأنفسهم ولأُسرهم.

إنّ هذه الأُمور يجب أن يدركها الخطيب العالم بزمانه ومجتمعه، ويشخّص الفراغات والاحتياجات، ويُجيد لغة العصر؛ ليتكلّم مع الناس بلغتهم التي ينجذبون إليها، مستنداً في ذلك إلى القرآن والروايات.

هكذا يمكننا أن نحافظ على المنبر التقليدي، كما حافظنا على الفقه التقليدي، لكن مع ملاحظة الزمان والمكان، وبعبارة أخرى: إن قام منبرٌ ما ببحث علمي معاصر ينبغي أن لا يتعدّى ما يحتاج إليه المجتمع، كمَن يطرح على المنبر اليوم في مدينة طهران، أو إصفهان أو غيرها مسألة طهارة ونجاسة مياه البئر؛ لأجل الوضوء منها، فإنّ هذه المدن اليوم استغنت عن مسألة الآبار وحكم مياهها، فلا توجد آبار في البيوت، لنحتاج إلى حكم طهارة مياهها في الوضوء وغيره.

على الحوزة العلمية في قم اليوم أن تقيم لطلبتها دروس المعرفة بالعصر، ومعرفة الناس في هذا الزمن، فبمعرفة ما يدور في هذا الزمن من التيارات الفاعلة، ومعرفة أحوال المجتمع، سوف يُدرك الطلبة ما يريده الناس اليوم، وأنّ أُناس اليوم ليسوا أُناس السابق؛ لأنّ العقل البشري قد نما، وأنّ وعيهم ارتقى، وذلك بتوسّع الجامعات والدراسات، فأكثر الشباب اليوم درسوا وحصلوا على شهادات في الدراسات العليا.

معرفة الناس ومعرفة ما يدور في الزمان أمران مهمّان للغاية، وهذا ما دفع الأمريكيين والأُوربيين قبل ثلاثمائة سنة إلى العمل على هذا الأمر؛ لذا استطاعوا أن يتسلّطوا على العالم، إن لم يكن أُولئك على علم كافٍ بأحوال العصر وأُناسه، لما استطاعوا أن يستعمروا الكثير من البلدان.

فضلاً عن ذلك، لا ينبغي أن يخلو المنبر من رسالته الحوزوية، بمعنى أنّه ينبغي أن ننتبه إلى عدم استبدال رجال الدين من أهل العمائم بغيرهم؛ لأنّ هذه الفئة بوجاهتها ومكانتها الخاصة، يمکنهم أن يجذبوا الناس نحوهم، إذ من المقلق أنّ طلّاب الحوزة اليوم يميلون إلى ارتقاء المنبر دون ارتداء العمائم، فهذه الموجة خطيرة على المنبر.

إنّني لا أُؤيّد مَن يوكل المجالس الدينية لغير أهل الحوزة، ممَّن لا يرتدي الزيّ الحوزوي، وإن كان بعض الجامعيين أهل علم، ولعلّهم أخذوا بعض الدروس الحوزوية، ولكن الأفضل أن لا يرتقي المنبر مثل هذه الفئة، ففي ذلك نتائج لا تحمد عقباها، ستظهر عاجلاً أم آجلاً، بما فيها تشجيع طلبة العلوم الدينية على خلع زيّهم المقدّس، واستبداله بالزيّ العادي أو التقليدي في البلد؛ ليرتقوا المنابر، ويتحدّثوا إلى الناس، وهذا أمر خطير يهدّد المنبر، فيجب أن يبقى المنبر على شكله التقليدي، لكن مع مراعاة الزمان والمكان.

س: لقد كان لجنابكم الموقّر التوفيق الكبير في الخطابة، وتدوين الكتب الناجحة والمؤثّرة، ولا شكّ في أنّ الاطّلاع على حياتكم العلمية، وسرّ موفّقيتكم مفيد لطلبة العلوم، فتفضّلوا علينا ببيان نشاطاتكم، خاصّة ما يختصّ بالجانب القرآني، وما يتعلّق به من نقاط وزوايا.

ج: بما أنّ حياتي مليئة بالمغامرات طلب منّي الأصدقاء أن أُدوّن ذكرياتي، فقمت بذلك، ودوّنت ما ينبغي تدوينه، من ولادتي إلى الآن، فصارت مجلدين فيما يقارب الألفي صفحة، وهي الآن تحت التنظيم، وإن كنت لا أرغب في تدوين ذلك ـ وما كنت أودّ أن تدوّن حياتي أبداً ـ فلقد كنت أبتعد عن الشهرة دائماً؛ لأنّ الشهرة من الأُمور التي كنت أكرهها منذُ أيّام شبابي، وكثيراً ما كنت أطلب من الله تعالى أن يبعدني عن الشهرة، لكن حصل العكس. على كلّ حال، دوّنت أُموراً إجمالية عن حياتي، علّها تكون موعظةً للآخرين.

كان في نفسي ميل عظيم نحو اكتساب العلوم الدينية منذُ أيّام دراستي في الإعدادية، وعندما أكملت شهاداتي لأجل الدخول في الجامعة كانت تلك الرغبة في نفسي، وقد صارت سبباً في تحقّق ما أصبو إليه، فدخلت الحوزة العلمية لاكتساب العلوم الدينية.

كان أهمّ الأُمور عندي أيّام دراستي في الحوزة هو عدم إتلاف الوقت، وكنت أسعى لتجنّب أيّ جلوس وقيام يذهب بوقتي، وكنت مجدّاً في اكتساب الدروس ومطالعتها دون إتلاف للوقت، وما زلت غير مفارق لكتبي الدراسية، خاصّة كتب قواعد اللغة العربية، ومع أنّ أعمالي كثيرة جدّاً فإنّني لا أُفارق كتبي الدراسية، سواء كتب قواعد اللغة العربية، أم كتب الفقه والأُصول؛ وذلك لأجل أن أفهم الآيات والروايات بصورة أكثر عمقاً.

والقسم الآخر من حياتي هو المنبر، شرعت في ممارسة الخطابة المنبرية منذُ السنة السادسة والعشرين من عمري، ولأجل ما منحني الله تعالى من نعمة البيان وسلاسة اللسان، عُرفت في إيران بصورة سريعة، وبدأت طلبات الدعوة تتزايد عليّ يوماً بعد يوم، كان شعار منبري منذُ البداية وصية رسول الله(صلى الله عليه واله): «إنّي تارك فيكم ثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، وهو كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فاُنظروا كيف تخلفوني في عترتي»[15]. ولأجل نجاح خطابتي وجعلها مؤثّرة أكثر، جعلت لائحة منبري معرفة الناس والزمان.

كنت أُطالع وأُدوّن كثيراً لأجل المنبر، ولديّ الآن أكثر من عشرين دفتراً من محاضراتي، يحتوي كلّ دفتر على مائتي صفحة، كما لديّ ما يقارب خمسة آلاف ورقة من قطع (A4)، وغيرها من الدفاتر المدوّنة. إن سألني أحد: أيّ منبر ارتقيت في سنة (1347ش)؟ وأين كان؟ وماذا قلت فيه؟ أستطيع أن أُراجع دفاتري لأجيبه: ماذا قدّمت في سنة (1347ش) من خطابة، وماذا قلت في شهر محرّم، وشهر رمضان من تلك السنة.

لقد كرّست كثيراً من وقتي لمطالعة المصادر الإسلامية، ولو استمعتم إلى أشرطة خُطبي قبل (30) أو (40) سنة، لرأيتم أنّني كنت أتحدّث إلى الناس عن المصادر الإسلامية، مثلاً أنقل عن رجال الكشي، وأنقل معلومات من الكتب العميقة للشيعة والسنّة، فضلاً عن مطالعاتي للكتب والمجلات العلمية، ككتب علم النفس، والاجتماع، والنجوم، كان هدفي الاطّلاع على رؤية علماء الغرب، والاتحاد الاشتراكي، وما زال في مكتبتي عدّة من كتب العلماء الغربيين وعلماء الاتّحاد الاشتراكي.

حينما كنت أُريد أن أبحث عن التوحيد، وبيان آيات التوحيد على المنبر، كقوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[16]، كنت أُراجع الكتب التي تتحدّث عن علم الأرض والنجوم، والكتب التي تختصّ بالأطعمة والفاكهة والثمار، سواء كانت كتباً محلّية أم أجنبية، والحمد لله، ما كنت أقوم بتحميلها على الآيات والروايات أبداً، فما كنت أراه أمراً أساسياً أدمجه مع الآيات والروايات؛ ليكون المنبر مفيداً ومؤثّراً وجذّاباً؛ لأنّ اتّخاذ هذه الطريقة في المنبر مفيدة لتصحيح عقيدة الشباب الذين يحملون شبهات كثيرة حول الدين في أذهانهم، فعندما يُنقل لهم أنّ القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة سنة أشار إلى الكثير من المسائل العلمية المهمّة بصورة كلّية، سوف يتأثّرون بذلك، ويكون المنبر طريق نجاة لهم ممّا يُلقيه الأعداء في عقولهم، خاصّةً أنّ الله تفضّل عليّ بقدرة الموعظة والنصيحة، فكان لحديثي الأثر الروحي والتربوي دائماً.

لقد استطاعت هذه المؤسّسة التي أسّستها بجهود العاملين فيها، جمع ستة آلاف شريط لمحاضراتي، من سنة (1349ش) أو (1350ش) إلى الآن، وقد صنّفت هذه الأشرطة وفقاً للبرنامج الذي اقترحته؛ ليتم تدوين ما جاء فيها وطبعه إن شاء الله، وليكون مصدراً عظيماً للمنبر الشيعي.

تمّ طبع ثلاثة مجلّدات منها بهذه العناوين: العقل مفتاح كنز السعادة في (494) صفحة، العقل محرم أسرار الملكوت في (527) صفحة، والعقل ونفس الإنسان في مرآة القرآن في (479) صفحة. وإنّني أراه مصدراً ومنبعاً مفيداً؛ لأنّني كنت أُطالع (30) مصدراً لأجل عشر محاضرات في عشر ليالٍ، طالعت المطالب بصورة جيّدة، وضممت بعضها إلى بعض؛ كي أُؤدّي منبراً جيّداً. إنّ هذه المجلّدات تحتوي على محاضراتي، وإنّها لسفرة حاضرة لـمَن يريد أن يرتقي المنبر.

تبتدئ هذه المجلّدات بعناوين: العقل، التوحيد، النبوّة، الولاية، والمعاد، حتّى تصل إلى المباحث الأخلاقية والاجتماعية، كما تحمل بعضها عناوين قرآنية، من قبيل: (أولياء الله)، وفيه مباحث واسعة جدّاً، لعلّها تصل إلى خمسة مجلّدات.

وأمّا القسم الثالث من حياتي، فقد كان للتأليف والترجمة، ولا أعلم ما هو الداعي والباعث على الإقدام على ذلك، عزمت على التأليف والترجمة من سنة (1350ش)، ولعلّ السبب في ذلك ملء وقتي حينما لم يكن لديّ منبر أو درس أو بحث، فأردت بذلك الحيلولة دون إتلاف الوقت وهدر العمر، فلقد كنت في خوف شديد من إتلاف عمري، أخاف أن أُؤاخذ يوم القيامة من أجل التقصير في قيمة العمر؛ لأنّ الله تعالى يقول: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ)[17]؛ إن قلقي هذا أجبرني أن أُوظّف قلمي في التأليف، فكتبت ـ بلطفه تعالى، بغضّ النظر عن محاضراتي التي تمّ تنزيل محتواها وتنظيمها وطبعها ـ ستين كتاباً بحسب متطلّبات العصر؛ لذا وصل بعضها إلى خمس وعشرين و بعضها إلى ثلاث وثلاثين طبعة.

تُرجمت عشرة منها إلى سبع لغات، وقد وصلتني رسائل من دور النشر التي قامت بالترجمة والطبع، تعلن عن إقبال القرّاء من دولٍ عدّة على تلك الكتب، يقول أحد الناشرين: ترجمت كتاباً وأرسلته إلى الخارج، فاستغرق بيع ألف نسخة منه خمس إلى سبع سنين، في حين أنّ كتبكم وصلت إلى الطبعة الثالثة والرابعة خلال ثلاث سنين.

ثمّ فكّرت بترجمة أربعة كتبٍ، وهي: القرآن الكريم، ونهج البلاغة، والصحيفة السجادية، ومفاتيح الجنان، استغرقت ترجمة القرآن أربع سنين بجهود مستمرّة، وتمّت هذه الترجمة بمراجعة أربعين كتاباً علمياً، وتفاسير الشيعة والسنة، ونظّمت الترجمة من دون الرجوع إلى التراجم الأُخرى للقرآن، كانت الكتب العلمية عبارة عن: إعراب القرآن، علوم اللغة العربية، كمغني اللبيب، مفردات الراغب، المنجد، فروق اللغات، العين، المصباح المنير، قاموس المعين، مجمع البحرين، أمّا التفاسير فكانت من قبيل: تفسير الصافي، والكشّاف، ومجمع البيان، والميزان، وأيسر التفاسير، ونور الثقلين، وروض الجنان، وغيرها.

كان همّي الأكبر في هذه الترجمة أن تكون سلسة بسيطة، بعيدة عن الإبهام والتعقيد، وقد تمّ تنقيح هذه الترجمة ثلاث مرّات، من خلال منقِّحَين حاذقين، ثمّ تمّ عرضها على مركز الترجمة والمطالعات؛ ليتمّ نقدها والتحقيق فيها، استمرّ عمل المدقّقين والباحثين أربعة شهور، وأصدروا رسالة رسمية ذكروا فيها أنّها ترجمة رصينة وسهلة وقابلة لفهم الجميع، خاصّة أنّ فيها بعض التوضيحات اللازمة.

بعد مرور سنتين أو ثلاثة على هذه الترجمة وصلت طباعتها إلى أربعة آلاف نسخة؛ لأنّ الجميع بإمكانه أن يستفيد من ترجمة القرآن، سواء أهل العلم، أم طلاب الجامعة، حتّى الأفراد العاديين، إنّها ترجمة قريبة إلى مفاهيم القرآن، وفيها الكثير من الإبداعات؛ لذا نويتُ تدوين رسالة في إبداعات هذه الترجمة، لكن ما أُتيحت لي الفرصة.

وأمّا ترجمة نهج البلاغة ـ وهي أوّل ترجمة حرفية لهذا الكتاب، بمعنى: السعي إلى تساوي النصّ الفارسي مع النصّ العربي بلا زيادة أو نقصان ـ فقد وصلت هذه الترجمة إلى أكثر من ثلاثين طبعة. وبالنسبة إلى ترجمة الصحيفة السجادية، فإنّني أرى أنّها أسهل ترجمة إلى الآن.

أما ترجمة مفاتيح الجنان، فإنّ مكانة هذا الأثر رفيعة جدّاً؛ لأنّه الكتاب الذي يتواجد إلى جنب القرآن في كلّ البيوت، والمساجد، والمراقد، والأضرحة. إنّ مكانة هذا الأثر رفيعة جدّاً؛ ممّا دفعني إلى أن أقوم بترجمته ترجمةً بسيطة، تكون في متناول أيدي المؤمنين وأهل الدعاء.

لقد كان هذا الأمر يدور في ذهني، حتّى التقيت بآخر مَن تبقّى من أُسرة المرحوم المحدّث القمي، وهو الشيخ محسن ـ الذي توفِّي قبل شهرين أو ثلاثة ـ فقلت له: إنّ الإنشاء الفارسي لكتاب مفاتيح الجنان إنشاء يعود إلى ما قبل ثمانين سنة، وفيه الكثير من الكلمات التي لا يفهمها جيل اليوم، فضلاً عن أنّ إنشاءه ثقيل بعض الشيء في البداية، فقد يتيه القارئ في عباراته، فهلّا سمحت لي بإعادة ترجمة الشيخ القمي إلى قلم العصر مع الحفاظ على أُطر مفاتيح الجنان! وبعد التوضيحات اللازمة، قال لي: إن كنت أنت مَن يقوم بهذا العمل فلا ضير، أُجيز ذلك، فقمت ـ لمدّة سنة ـ بإعادة الترجمة الفارسية إلى لغة اليوم، وقمت بترجمة الأدعية بالطريقة التي اتّبعتها في ترجمة القرآن، ونهج البلاغة، والصحيفة السجادية.

س: في نهاية المطاف نرجو من سماحتكم أن تقدّموا لنا ولسائر طلبة العلوم موعظةً ونقاطاً توصّلتم إليها من خلال تجاربكم الوافرة!

ج: إنّني أُحبّ طلبة العلوم الدينية كثيراً، وأُبجّل الذين يرتدون الزيّ المقدّس، ويسعون لكسب العلوم، وإلى تأسيس معقل للدفاع عن المذهب، ولخدمة دين الله تعالى.

إنّ من أُمنياتي ـ ولعلّها من مصاديق طول الأمل الذي نهى عنه الرسول الكريم(صلى الله عليه واله)[18]، لكنّني ابتُليت بطول الأمل الإيجابي[19] ـ أن يرزقني الله إمكانات، حتّى أسعى بقدر المستطاع؛ ليصبح طلبة العلوم الدينية ـ ممّن يدرسون في مدينة قم المقدّّسة، ويجدّون ويجتهدون في طلب العلم ـ أصحاب بيوتٍ بما يتناسب وشأنهم دون دَيْنٍ أو قرضٍ، ودون أيّة مشكلةٍ؛ كي يقدموا على الدراسة براحة بالٍ.

وصيّتي لطلبة العلوم الدينية أن يدرسوا ويسعوا إلى رفع مستواهم العلمي؛ كي يصبحوا علماء، كما أطلب من الأساتذة الفضلاء أن يبذلوا كلّ ما بوسعهم لتشجيع الطلبة، وتقديم العلوم إليهم بحرص وجدّية.

كما أنّني أُفضل أن تُهيّأ بيوت جاهزة يُجاز للطلبة المجدّين المثابرين ـ ممّن يعانون من مشكلة السكن ـ الإقامة فيها لعشر سنين أو خمس عشرة سنة، وبعد أن ترتفع حاجتهم تنتقل تلك البيوت إلى طلبة آخرين.

إنّني أتألّم كثيراً على الوضع المالي لطلبة العلوم الدينية، أتمنى أن لا يعاني طالب العلم من عُسرٍ في المعيشة، وما يتقاضونه من رواتب ضئيلة لسدّ حاجاتهم وحاجات عوائلهم، لا بدّ أن يكون استلامه بطرق تناسب شأن طالب العلم ومكانته قدر الإمكان.

* نشكركم جزيل الشكر على الوقت والفرصة التي أتحتموها لنا لبيان ما نحتاج إليه، ونأمل أن نستفيد ممّا أدليتم به بأفضل وجه.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1- الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، تحقيق وتعليق وملاحظات: السيّد محمّد باقر الخرسان، دار النعمان، النجف الأشرف ـ العراق، 1386هـ/1966م.

2- بحار الأنوار، محمّد باقر المجلسي، مؤسّسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية المصححة، 1403هـ/1983م.

3- تاريخ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمّد بن خلدون، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة.

4- تفسير روح المعاني، محمود بن عبد الله الآلوسي.

5- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، ورّام بن أبي فارس الحلّي، دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، الطبعة الثانية، 1368ش.

6- الجامع الصغير، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1401هـ/1981م.

7- الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، الطبعة الرابعة، 1365ش.

8- مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري، تحقيق: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1408هـ/1988م.

9- ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، تحقيق: دار الحديث، دار الحديث، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1416هـ.

10- نهج البلاغة، محمّد عبده، دار الذخائر، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1412هـ/1370ش.

[1] الرحمن: آية3ـ4.

[2] هود: آية84.

[3] هود: آية50.

[4] الآلوسي، محمود بن عبد الله، تفسير روح المعاني: ج26، ص144. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمّد، تاريخ ابن خلدون: ج1، ص325. عبده، محمّد، شرح نهج البلاغة: ج4، هامش ص36. وجاء عن رسول الله(صلى الله عليه واله): «الشيخ في أهله كالنبي في أُمّته». المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج72، ص137.

[5] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج21، ص361. الحلّي، ورّام بن أبي فارس، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام): ج2، ص596.

[6] أبو هاشم ـ أو أبو عامر ـ إسماعيل بن قاسم الحميري (105 ـ 173هـ.ق)، الملقّب بالسيّد، من أشجع شعراء الشيعة الذين عُرفوا بالولاء والوفاء لأهل البيت(عليهم السلام).

[7] وُلد دعبل الخزاعي في السنة (18 من الهجرة)، في أُسرة عُرفت بالعلم والأدب، عاصر تسعاً من الخلفاء العباسيين، كما عُرف بالولاء لأهل البيت(عليهم السلام).

[8] شمس الشعراء كمال الدين المحتشم الكاشاني بن الخواجة مير أحمد، من الأُسر الغنيّة في كاشان، وُلد في سنة (905هـ.ق).

[9] الحاج سليمان البيكدلي الكاشاني، المعروف بصباح البيكدلي، من شعراء القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر.

[10]بمعنى: أن لقبه كان (مقدّس).

[11]النوري، ميرزا حسين، مستدرك الوسائل: ج7، ص255.

[12] قال الإمام الباقر(عليه السلام) لأبي ربيع الشامي: «لا تطلبن الرئاسة، ولا تكن ذئباً، ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله». الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص298.

[13] النحل: آية125.

[14] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج2، ص88. اُنظر: الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص264.

[15] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار: ج23، ص108.

[16] البقرة: الآية22.

[17] فاطر: آية37.

[18] «أخسر الناس صفقة رجل أخلق يديه في آماله، تساعده الأيّام على أُمنيته، فخرج من الدنيا بغير زاد، وقدم على الله تعالى بغير حجّة». السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير: ج1، ص49.

[19] قال رسول الله(صلى الله عليه واله): «الأمل رحمة لأُمّتي، ولولا الأمل ما أرضعت والدة ولدها، ولا غرس غارس شجراً». الريشهري، محمّد، ميزان الحكمة: ج1، ص102.

التبليغ الديني (ما يجب وما لا يجب)