المقدّمة

إنّ المتتبّع لما كُتب أو قيل حول النهضة الحسينية يرى أنّها لم تسلم ـ حالها حال أغلب القضايا الدينية ـ من التشكيك فيها، وطرح الشبهات حولها، فقبل حدوث هذه الحركة التغييرية المباركة نجد أنّ بعضاً سارع إلى التشكيك في شخصية قائدها، وبيان أنّه(عليه السلام) كان على خلاف مع أخيه الإمام الحسن(عليه السلام)، وصولاً إلى الشبهة القائلة: بأنّه(عليه السلام) قد شذّ عن الأُمّة وعن أغلب الصحابة في تركه لبيعة يزيد، ثمّ توالت الشبهات حول حركته(عليه السلام) من خلال تصوير أنّه(عليه السلام) كان في هذه الحركة طالباً للرئاسة والخلافة، أو أنّه كان يسير على وفق أمر خاصّ بعيداً عن الأهداف المعلنة لحركته؛ ومن هنا انبثقت الشبهة المشهورة والبارزة حول العوامل التي أدّت بالإمام الحسين(عليه السلام) إلى الخروج ضدّ حكومة بني أُميّة.

ثمّ تستمر الشبهات وتتوالى وصولاً إلى زماننا الحالي، فقد انبرت أقلام المشكّكين لتنال من مراسم إحياء هذه النهضة المعطاء، وذلك من خلال التذرّع بأُمور مختلفة، من قبيل: كونها بدعة في الدين، أو أنّها تحطّ من مكانة أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، أو أنّها تُسيء إلى سمعة الإسلام، ونحو ذلك.

طبعاً، لم تقف أقلام المشكّكين وألسنتهم عند النماذج التي ذكرناها، بل كانت أكثر من ذلك بكثير[1].

وبما أنّنا في هذه المقالة نروم التركيز على الأجوبة القرآنية للشبهات الواردة في مجال النهضة الحسينية؛ سنقتصر لذلك على ما يتعلّق بالمقام من الشبهات، وهي ـ إجمالاً ـ عبارة عن:

1ـ شذوذ الإمام الحسين(عليه السلام) عن الأُمّة في ترك بيعة يزيد.

2ـ عدم وجود أسباب وعوامل حقيقية للنهضة الحسينية، أو أنّها موجودة لكن لا تُناسب شخصية قائدها.

3ـ إنّ حركة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت عبارة عن إلقاء النفس في التهلكة.

4ـ عدم صحّة إحياء واقعة الطفّ؛ لكونها بدعة في الدين، أو أنّها تحطّ من شخصية أهل البيت(عليهم السلام).

الشبهة الأُولى: شذوذ الإمام الحسين(عليه السلام) عن الأُمّة في ترك بيعة يزيد[2]

تتمحور هذه الشبهة حول مبدأ، وهو أنّ استقرار النظام العامّ بشكل إجمالي مقدّم على نوعية رأس الهرم السلطوي، خصوصاً فيما إذا كان هذا الرئيس والحاكم قد وافق عليه الأغلبية؛ فعلى العقلاء قبول هذا الأمر، وإن كانت الشخصية التي يتمتّع بها هذا الحاكم وسلوكيّاته الدينية والأخلاقية تخالف تطلّعاتهم ورغباتهم، والمتابع لكلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) يجد ما يصبّ في هذا المعنى، بقول(عليه السلام) مخاطباً الخوارج: «... وإنّه لا بُدّ للناسِ من أمير برٍّ أو فاجرٍ، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويُبلّغ الله فيها الأجل، ويُجمعُ به الفيء، ويُقاتل به العدوّ، وتأمن به السبل، ويُؤخذ به للضعيف من القويّ، حتّى يستريح برٌّ، ويُستراح من فاجرٍ»[3].

ويُضاف إلى ما تقدّم، أنّ غالبية الأُمّة وكبار الصحابة ـ كابن عبّاس وابن عمر ـقد بايعوا يزيد على الخلافة، فقد نقل ابن الأثير أنّ: «ابن عمر كان هو وابن عباس بمكّة، فعادا إلى المدينة، فلقيهما الحسين [(عليه السلام)] وابن الزبير، فسألاهما ما وراءكما؟ فقالا: موت معاوية وبيعة يزيد، فقال ابن عمر: لا تفرّقا جماعة المسلمين، وقدِم هو وابن عباس المدينة، فلمّا بايع الناس بايعا»[4]. وفي الصدد نفسه قال الطبري: «وأمّا ابن عمر فقدِم فأقام أيّاماً، فانتظر حتّى جاءت البيعة من البلدان، فتقدّم إلى الوليد بن عتبة فبايعه، وبايعه ابن عباس»[5]، إلى غير ذلك من المصادر التي تحدّثت حول هذا الموضوع[6].

الإجابة عن الشبهة

إنّ المبدأ القرآني فيما يتعلّق بالحركات الإصلاحية التي قام بها الأنبياء(عليهم السلام) لم يقيّد حركتهم بأنّها لا بدّ أن تكون عامّة وشاملة، بحيث تُشكّل الأغلبية في المجتمع، فنجد أنّ الآيات القرآنية قد سلّطت الضوء على عنصر الأقلّية للأتباع الذين ساروا خلف الأنبياء(عليهم السلام)، فنقرأ في قصّة نبيّنا نوح مثلاً قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ)[7]، وهؤلاء القوم ـ مع قلّتهم ـ فقد كانوا من البسطاء، وليسوا من علية القوم؛ إذ يقول تعالى حكاية عن قوم نوح: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)[8]، والمراد من (الْأَرْذَلُونَ) هو أنّ متّبعي النبيّ(عليه السلام) كانوا ذوي أعمال رذيلة ومشاغل خسيسة[9]، كما نشاهد قلّة المؤيّدين ـ أيضاً ـ في حركة نبيّنا إبراهيم(عليه السلام)؛ فبعد مواجهته لقومه، والموقف الذي كان له من أصنامهم، وحادثة النار، وتخليص الله تعالى له، يصف القرآن الكريم حاله في قوله تعالى:(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)[10]، وهذا دليل واضح على قلّة الأتباع، ونقرأ كذلك في قصّة ذي النون، أنّه عندما خرج غاضباً على قومه كان وحده، قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[11]، هذا، والمراجِع لقصص الأنبياء(عليهم السلام) يجد أنّ هذا المعنى حاضرٌ فيها بشدّة.

والأكثر من هذا نجد أنّ القرآن اشتمل على تعبيرات عامّة تصف عنصر الأكثرية بعدم الإيمان، قال تعالى:(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)[12]، كما أنّ المقطع القرآني: (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ) قد تكرّر في آيات كثيرة[13]، ولم يقف الأمر عند عدم الإيمان فقط، بل إنّ هؤلاء الأكثرية يسعون إلى إضلال الآخرين، قال تعالى: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)[14].

إذاً، لمّا كان هذا حال الأكثرية تكون حينها حركات الأنبياء(عليهم السلام) في أقوامهم ـ بناءً على ما ورد في الشبهة ـ حركات شاذّة، وبما أنّ النهضة الحسينية تسير على الأهداف الرسالية للأنبياء(عليهم السلام) نفسها، فالإمام(عليه السلام) كان في مقام تثبيت الرسالة الإسلامية التي كانت على وشك الاندثار في عهد يزيد، وهذا ما نستشفه من كلامه(عليه السلام) مع مروان ابن الحكم الذي نصحه بضرورة تقديم البيعة ليزيد، لمِا فيها من خير الدنيا والآخرة، فقد قال(عليه السلام) في مقام الردّ على ذلك: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام؛ إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»[15]، وقد تجلّى هذا الاستشراف الحسيني فيما تمثّل به هذا الحاكم المعتوه، وهو يعيش حالة النصر الظاهري في واقعة الطفّ،؛ إذ إنّه أنشد أبياتاً لابن الزبعرى يقول فيها: [16]

ليت أشياخي ببدر شهدوا		جزع الخزرج من وقع الأسلْ
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً		ثمّ قالوا يا يزيد لا تشلْ
قد قتلنا القرم من ساداتهم		وعدلناه ببدر فاعتدلْ
لعبت هاشم بالملك فلا		خبر جاء ولا وحي نزلْ
لست من خندف إن لم أنتقم		من بني أحمد ما كان فعلْ(2)

ناهيك عن الهدف المشهور لخروجه الذي أعلنه(عليه السلام) في وصيّته لأخيه محمد بن الحنفية، والذي كان عبارة عن طلب الإصلاح في أُمّة جدّه محمّد(صلى الله عليه واله)[17].

إذاً؛ فمع هذه المعطيات لا يمكن أن نصف حركة الإمام الحسين(عليه السلام) بأنّها شاذّة بسبب ذهاب أكثرية الأُمّة إلى الدخول في بيعة يزيد.

هذا، ومن المؤكّد أن حكومة يزيد لم تكن مصداقاً للإمارة التي وردت في كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) المتقدّمة، فإنّ المعيار المبيّن في كلامه(عليه السلام) هو حصول العدالة وعدم التعرّض لمعتقدات الرعية ودياناتهم في ظلّ تلك الإمارة على الرغم من فسق الأمير وفجوره، وهذان الأمران يمثّلان المبدأ الأساس لأيّ حكومة.

فمن جانب العدالة نجد أن القرآن يوليها الاهتمام الكبير جدّاً؛ وذلك لما تمتلكه من وظيفة رئيسة في حسم مادّة النزاع وتوفير حالة الاستقرار في نظام الحياة، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ...)[18]، وقال أيضاً:(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)[19]، بل أكثر من ذلك، فهي حسم لمادّة النزاع حتّى فيما بين المؤمنين بعيداً عن جوّ الحكومة والإمرة، قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[20]؛ إذاً، فمع هذا التشديد القرآني على قضية العدالة من البعيد أن يقصد أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ وهو القرآن الناطق ـ أنّ الحكومة الجائرة الظالمة ينبغي إطاعتها وعدم الخروج عليها، فهذا لعمري منطق مدرسة بني أُميّة ومن لفّ لفّهم وسار على نهجهم.

أمّا فيما يتعلّق بلزوم عدم محاربة الحكومة لما يدين به الناس، فهو من أوضح ما يستفاد من القرآن الكريم، فإنّ جميع الحركات الرسالية كما أسلفنا هي في مقام إرجاع الناس إلى الدين الحقّ، وإقامة الحجّة عليهم في ذلك، قال تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)[21]، وقال أيضاً: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[22]، وقال كذلك: (إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ...)[23]، إذاً، فمع هذه الحقيقة الواضحة كالشمس في رابعة النهار من المحال أن يقصد الإمام علي(عليه السلام) أنّ وجود الأمير المحارب لله ورسوله أمر راجح؛ لأنّه يحفظ النظام العام للرعية.

وعلاوةً على ما تقدّم فإنّ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) على حكومة يزيد لم يكن خرقاً للنواميس الاجتماعية والنظام العام، فيزيد بصريح كلامه(عليه السلام) هو حاكم جائر ظالم محارب للدين الإسلامي الحنيف، فتكون محاربته نصرة لهذا الدين الحقّ وتحقيقاً للعدالة في المجتمع.

الشبهة الثانية: العوامل التي أدّت إلى خروج الإمام الحسين(عليه السلام)

فيما يتعلّق بهذه الشبهة يوجد من الكتّاب مَن ذكر أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) تحرّك على وفق عوامل لا تنسجم مع شخصيّته(عليه السلام)، قال الخضري: «بذلك الشكل المحزن انتهت هذه الحادثة، التي أثارها عدم الأناة والتبصّر في العواقب، فإنّ الحسين رمى بقول مشيريه جميعاً عرض الحائط، وظنّ بأهل العراق خيراً، وهم أصحاب أبيه... وعلى الجملة فإنّ الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا، الذي جرّ على الأُمّة وبال الفرقة والاختلاف، وزعزع عماد أُلفتها إلى يومنا هذا...»[24]، كما يصل الكاتب في نهاية حديثه حول هذا الموضوع إلى النتيجة التي ينفي من خلالها وجود أسباب حقيقية للقيام بالثورة ضدّ يزيد، فقد قال: «كما أنّه لا بدّ أن تكون هناك أسبابٌ حقيقية لمصلحة الأُمّة بأن يكون هناك جور لا يحتمل، وعسف شديد ينوء الناس بحمله. أمّا الحسين فإنّه خائف على[25] يزيد، وقد بايعه الناس، ولم يظهر منه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار هذا الخلاف»[26].

وقد نقل ابن مندة الأصبهاني عن الخُطبي أنّه قال: «وأمّا الحسين بن علي فقد بايع له بالخلافة اثنا عشر ألفاً من أهل الكوفة على يدي مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وكتبوا إليه في القدوم عليهم وهو بمكّة، فقدِم العراق لذلك فقُتل»[27].

وفي الصدد نفسه نجد أنّ الكاتب نجف آبادي يُشير إلى أنّ القول: بأنّ العامل لحركة الإمام الحسين(عليه السلام) هو الذهاب إلى مقتله ومصرعه، يُعدّ من الأُمور الدخيلة على النهضة الحسينية؛ إذ يقول متسائلاً: «فهل المطلب الذي يؤيّده: 1ـ الإمام الحسين(عليه السلام)، 2ـ علماء كبار ومراجع تقليد، 3ـ مسلم بن عقيل... (أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان يُريد إعادة الخلافة إلى أهلها) أدعى إلى القبول؟ أم الفكرة التي قيلت في القرن السابع الهجري، أي: بعد تأليف كتاب (اللهوف)، وشاعت بشكل كامل بعده: (أنّ الإمام تحرّك لأجل أن يُقتَل)»[28].

أمّا الشهيد مطهّري فيذكر في الشأن نفسه: «إنّ أحد العوامل التي ساهمت في تشويه واقعة كربلاء، وإخراجها من حيّز التوظيف في خدمة قضايا العامّة، وجعل بالتالي الاستفادة من تعليمات الأئمّة(عليهم السلام) في إحياء الذكرى، وإقامة العزاء بهذه المناسبة غير كاملة، هو ذلك التصوّر الخاطئ القائل بأنّ حركة سيّد الشهداء(عليه السلام) قد جاءت في الواقع نتيجة تلقّي الإمام أمراً خاصّاً[29]، وتعليمات سرّية تخصّه شخصيّاً دون غيره، وتطلب منه القيام بتلك الحركة المعروفة»[30].

ومن جملة ما تقدّم وغيره يتبيّن لنا أنّه توجد هناك ضبابية حول العوامل التي أدّت إلى نهضة سيّد الشهداء(عليه السلام) لدى بعضٍ. هذا، وأنّه بالإمكان معالجة عدم الوضوح هذا من خلال البحث التاريخي والروائي، ولعله تمّ الحديث مراراً وتكراراً حول هذا الموضوع، ولكن بما أنّنا انطلقنا من المعالجة القرآنية لما يُطرح في المقام من شبهات، سوف ننطلق من الآيات التي عكست عوامل نهضته(عليه السلام)، التي تلاها هو(عليه السلام) أثناء حركته، بدايةً من المدينة المنورة، وانتهاءً بيوم استشهاده، أو القضايا القرآنية التي وردت في أحاديثه، والتي كانت سبباً لحركته.

الإجابة عن الشبهة

إنّ العوامل التي أدّت إلى مجمل الأحداث التي عايشها الإمام الحسين(عليه السلام) أثناء ثورته ضدّ الحكومة الأُموية الظالمة المتمثّلة بيزيد، والتي آلت إلى حدوث هذه النهضة العظيمة التي هزّت الوجدان الإنساني فضلاً عن الوجدان الإسلامي كانت عبارة عن:

العامل الأوّل: رفض بيعة الظالمين والمنافقين

إنّ القرآن الكريم يذكر في آياته المباركة أنّ هناك نوعين من البيعة:

إحداهما: بيعة صحيحة وضرورية في الوقت نفسه، وذلك كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[31]، وكذلك ما جاء في قوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[32]، فهذا النوع من البيعة هو من الأُمور المطلوبة التي ينبغي للمسلمين أن يؤدّوها تجاه الأنبياء(عليهم السلام) والرسول الخاتم(صلى الله عليه واله) على وجه الخصوص، وألّا يتخلّفوا عنها، وبالتبع تأتي بيعة أهل البيت(عليهم السلام)، وذلك بنصّ حديث الغدير.

ثانيهما: بيعة غير صحيحة ولا يجوز للمسلم أن يؤدّيها، وهي بيعة الكافرين والمنافقين والدخول في طاعتهم، قال تعالى: (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا)[33]، وقال أيضاً: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)[34]، وقال كذلك: (وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)[35].

هذا، ولو رجعنا إلى كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) لوجدناه يقول: «إنا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»[36]، ويقول(عليه السلام) أيضاً: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام؛ إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»[37]، ويقول كذلك: «أَلا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنين[38]، وحجور طابت وطهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبيّة، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»[39]

وانطلاقاً من هذه الكلمات فإنّه من الواضح جدّاً أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) يرى أنّ بيعة يزيد تندرج تحت القسم الثاني المتقدّم؛ وعليه فالانطلاقة الأُولى لحركة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت انطلاقة قرآنية متمثّلة برفض البيعة للطغاة وحكّام الجور.

العامل الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من جملة القضايا المهمّة التي أولاها القرآن الكريم أهمّية واسعة هي قضيّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خذ ـ مثلاً ـ قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[40]، ففي هذه الآية بيّن الله أنّ هذه الأُمّة التي تقوم بما ذُكر في الآية تتّصف بالفلاح، هذه الصفة التي لم يطلقها الله تعالى على المؤمنين إلّا بعد تحلّيهم بمجموعة خصال[41]، والتي تكون نتيجتها هي وصول هذه الثلّة المؤمنة إلى جنّة الفردوس، قال تعالى:(أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[42].

فهذه المسألة القرآنية كانت هي إحدى العوامل الواضحة والصريحة التي نطق بها أبو عبد الله(عليه السلام) في بدايات ثورته ضدّ حكومة بني أُميّة، فقد قال في وصيّته لأخيه محمد ابن الحنفية عند خروجه من المدينة المنوّرة قاصداً مكّة المكرّمة: «... وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت‏ لطلب‏ الإصلاح‏ في أُمّة جدّي(صلى الله عليه واله)، أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي‏ عليّ بن أبي طالب...»[43]. إذاً، فكيف يتمّ التغافل عن هذا العامل القرآني المهم والمصير إلى عوامل تُبعد النهضة الحسينية عن مشروع الإصلاح الإلهي الذي سار عليه الأنبياء وأوصياؤهم(عليهم السلام).

العامل الثالث: نصرة المؤمنين المظلومين

إنّ مبدأ النصرة هو من المبادئ السامية في القرآن الكريم، فالمؤمن ينبغي له أن ينصر أخاه المؤمن إعلاءً لكلمة الله الحقّ، ويقف بجانبه عند مواجهة الأخطار التي تُهدّد حياته أو معتقده؛ ومن هنا نجد أنّ مبدأ النصرة هو من المبادئ المهمّة التي أسسها القرآن في بدايات المجتمع الإسلامي بعد هجرة الرسول(صلى الله عليه واله) إلى المدينة؛ إذ يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[44]، فهذه الآية الشريفة تُقرّر ثبوت الولاية بين المهاجرين والأنصار، والولاية هنا: «أعمّ من ولاية الميراث، وولاية النصرة، وولاية الأمن‏»[45]، كما أنّ الآية الشريفة أبقت خصوص ولاية النصرة بعد أن رفعت الولاية بين المؤمنين ـ من المهاجرين والأنصار ـ وبين المؤمنين غير المهاجرين[46].

ونظراً لأهمّية هذا المبدأ السامي نجد أنّ المولى (عزّ اسمه) يجعل نصرة المؤمنين من السنن الثابتة؛ إذ يقول تعالى: (...وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[47]، كما أنّه سبحانه يشتقّ اسم القوم الذين آووا الرسول(صلى الله عليه واله) والمهاجرين من هذا المبدأ، فيُعبّر عنهم بـ(الأنصار)[48]، مبيّناً بذلك أهمّية هذا المبدأ، ودوره الأساسي في إعلاء كلمة الحقّ، من خلال مساندة أتباعه ومعتنقيه.

ومن هنا، نقول: ردّاً على ما أثارته بعض الكلمات التي وجّهت الشبهة إلى حركة الإمام الحسين(عليه السلام) صوب الكوفة، وذلك من خلال القول: بأنّ حركة الإمام كانت استجابة لمطالبات أهل الكوفة ـ: إنّ استجابة الإمام في المقام كانت تندرج تحت هذا المبدأ القرآني المتقدّم، فهل من الإنصاف أن يترك هذه المطالبات والرسائل الكثيرة ويتوجّه إلى مكان آخر لم يرده منه أيّ طلبٍ بالنصرة. إذاً؛ فحركة الإمام(عليه السلام) في ضوء هذا الدافع كانت صحيحة.

يبقى في المقام أنّه مع النصائح التي أبداها بعضٌ كمحمد بن الحنفية، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم للإمام الحسين(عليه السلام) بأن لا يتوجّه إلى الكوفة، معتمدين على أمارات قوية على غدر أهلها وعدم نصرتهم للإمام(عليه السلام)، كيف يمكننا في ضوئها تصحيح هذا الدافع لحركة سيّد الشهداء(عليه السلام)، وبعبارة أُخرى: من المؤكّد أنّ هذه الأمارات كانت حاضرة أمام الإمام الحسين(عليه السلام) إن لم نقل: بأنّه كان يعلم علماً يقينياً (إلهياً) بما ستؤول إليه الأوضاع في نهاية المطاف. وبناءً على هذا؛ فلا ينطبق المبدأ المشار إليه على مطالبات هؤلاء القوم، بسبب كونهم غدّارين خوّانين، وعليه فإنّ الإمام غير مُلزَم ـ في هذه الحالة ـ بالاستجابة لهم والمسير إليهم.

نقول في مقام الجواب: بعيداً عن قضية العلم اللدنّي الذي يحظى به المعصومون(عليهم السلام)، ومدى انعكاساته على أفعالهم وتصرّفاتهم ومواقفهم؛ وذلك لأنّ هذا البحث قد أُشبع من الناحية العقائدية، فإنّ الاعتماد على الأمارات الظنّية ـ بحسب الظاهر ـ لم يكن صحيحاً في المقام، وذلك لسببين:

أوّلهما: من القصص القرآنية المرتبطة بحياة الأنبياء(عليهم السلام) ومسيرتهم في الدعوى والتبليغ للدين الإلهي نجد أنّ قصّة نبيّنا يونس(عليه السلام) لها ارتباط بموضوع بحثنا، فهو(عليه السلام) بعدما يئس من هداية قومه، دعا عليهم بنزول العذاب الإلهي طبقاً لما جاء في بعض الروايات، وبعد تحديد موعد لذلك وحلول ذلك الموعد ترك يونس(عليه السلام) بمعية بعضٍ قومَه، وهو غاضب عليهم... إلى آخر أحداث هذه القصّة[49]، إلّا أنّ الظريف في هذه القصّة، والذي يكون شاهداً على ما نحن فيه، هو أنّه)عز وجل) عبّر في بعض آياته عن هذا الخروج بأنّه إباق؛ إذ قال تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)[50]، والمعنى ـ على الأقرب ـ أنّه عندما وعد الله تعالى نبيّه يونس(عليه السلام) بـ: «إنزال الإهلاك بقومه الذين كذّبوه، فظنّ أنّه نازل لا محالة، فلأجل هذا الظنّ لم يصبر على دعائهم، فكان الواجب عليه أن يستمر على الدعاء؛ لجواز أن لا يهلكهم الله بالعذاب وإن أنزله، وهذا هو الأقرب؛ لأنّه قادم على أمر ظهرت أماراته، فلا يكون تعمّداً للمعصية، وإن كان الأوْلى في مثل هذا الباب أن لا يعمل فيه بالظنّ»[51].

إذاً، فمع هذا التشديد الإلهي مع رُسله، وأنّهم يجب عليهم أن يستنفدوا كلّ الطاقات في مقام هداية أقوامهم، وإلقاء الحجّة عليهم، ومع ملاحظة أنّ حركة الأئمّة(عليهم السلام) مع معاصريهم ينبغي أن تسير على الخطى نفسها التي سار عليها الأنبياء(عليهم السلام)؛ وذلك استناداً إلى نصوص إثبات الإمامة، وأنّها امتداد لمنصب النبوّة باستثناء مقام الوحي الرسالي؛ فمع كلّ ذلك كانت حركة الإمام الحسين(عليه السلام) من أجل نصرة أهل الكوفة في محلّها، وأنّ ترك ذلك اعتماداً على ما ذكره بعض الأصحاب من قرائن لم يكن صحيحاً.

ثانيهما: أنّه ليس جميع مَن كاتبوا الحسين(عليه السلام) أو بايعوه قد غدروا به، فهناك شخصيّات مهمّة قد وفت بوعدها، ونصرت الإمام في كربلاء، أمثال: حبيب ابن مظاهر، ومسلم بن عوسجة، ونافع بن هلال الجملي، والعائذي، وعمر بن خالد الصيداوي، وغيرهم، كما أنّ هناك مَن لم يتمكّن من الوصول إلى الإمام(عليه السلام) بسبب إيداعه في السجن، كالمختار بن أبي عبيدة الثقفي، أضف إلى ذلك جملة من الشخصيّات المهمّة التي كان لها دور أساسي في حركة التوّابين بعد واقعة الطف، هذه الشخصيات التي كانت مستعدّة لنصرة أبي عبد الله(عليه السلام)، لكن لضعف وتلكؤ قد أصابها في تلك المدّة قد أحجمت عن القيام بواجبها، أمثال: سليمان بن صرد الخزاعي، ورفاعة بن شداد، وغيرهما.

أمّا ما يتعلّق بعامّة الناس، فكانت تتبع بمجملها الجوّ الحاكم في تلك المدّة، فلو كانت الأوضاع آلت إلى الحسين(عليه السلام) لوجدناهم يقاتلون معه من دون أدنى شكّ؛ لأنّ حركة الإمام(عليه السلام) لو قُدّر أن تصل إلى الكوفة بشكلها الطبيعي، فإنّه من المظنون قوّياً أنّ النصر سيكون من نصيب هذه الثورة المعطاء، وعليه فإنّ المصير إلى الأمارات ـ التي جاءت في كلمات بعض الأصحاب ـ لم يكن صحيحاً ومقبولاً.

العامل الرابع: طلب الشهادة عند انحسار النصر

كثيراً ما ورد على لسان بعضٍ أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان يسير نحو مصرعه ومقتله، ممّا حدا ببعضٍ أن يجعل هذا الأمر من الأُمور الدخيلة على القضية الحسينية[52]، أو التي ساهمت في تشويه واقعة كربلاء[53]، إلّا أنّنا عندما نراجع الآيات القرآنية الشريفة نجد أنّه تعالى يقول: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ)[54]، ومعنى هذه الآية هو: «نحن وأنتم كلّ يتربّص بصاحبه، غير أنّكم تتربّصون بنا إحدى خصلتين، كلّ واحدة منهما خصلة حسنى، وهما: الغلبة على العدو مع الغنيمة، والشهادة»[55]. ومن هنا، فإذا كانت الشهادة والقتل في سبيل الله تعالى هي مطلباً جهادياً يُقرّه القرآن نفسه، فما المانع من جعله واحداً من العوامل التي تحرّك الإمام الحسين(عليه السلام) في ضوئها للثورة على يزيد.

ومن هذا المنطلق، يمكننا تفسير كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) وهو في المدينة، فتارةً يُبيّن أنّ السبب الذي أدّى إلى قيامه هو عدم صحّة البيعة ليزيد، وأُخرى يقول: أنّه قد خرج لطلب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تقدّم ذكر الشواهد على ذلك، وثالثةً يقول: إنّ مصيره ومصير مَن يلحق به هو الشهادة، وذلك كما في رسالته إلى أخيه محمد بن الحنفية وعموم بني هاشم، فقال(عليه السلام): «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومَن قِبله من بني هاشم، أمّا بعدُ، فإنّ مَن لحق بي استُشهد، ومَن لم يلحق بي لم يدرك الفتح، والسلام»[56]، وكذلك ما جاء في قوله(عليه السلام) لأُمّ سلمة: «... يا أُماه، قد شاء الله أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين، وأطفالي مذبوحين مأسورين مظلومين مقيّدين، وهم يستغيثون، فلا يجدون ناصراً ولا معيناً»[57].

إذاً؛ فبناءً على الهيكلية في الهدف التي بيّنها القرآن الكريم للمجاهد (النصر أو الشهادة)، وبناءً على جمع الإمام الحسين(عليه السلام) لعوامل متعدّدة في كلماته المتفرّقة، وعدم اقتصاره على عامل واحد، فإنّنا نرى أنّه لا يبقى مجال للشبهات التي أحاطت بأسباب حركته ونهضته المباركة.

نعم، قد يقول قائل: إنّ حديث الإمام عن شهادته وشهادة مَن لحق به، هو حديث عن أمر واقع لا سبيل إلى تغييره، وعليه فإنّ أيّ هدفٍ آخر يُذكر فهو هدف هامشي.

وفي معرض الجواب عن ذلك نقول: إنّ الإشكال إذا كان مآله إلى طرح الشبهات المتعلّقة بعلم الإمام المعصوم، وأنّه كيف يُقدم على القتل مع علمه بذلك، فهذا خارج عن صلب البحث، وهو حديث مفصّل مجاله علم العقائد.

أمّا إذا كان الإشكال يستهدف المساس بالأهداف الأُخرى للنهضة الحسينية، وذلك من خلال القول: بأنّ المصير الذي يُخبر به الإمام(عليه السلام) له ولـمَن معه لا يدع مجالاً لتحقيق الأهداف الأُخرى، وعليه فإنّه(عليه السلام) من البداية كان يسير نحو تكليف خاصّ، فإنّنا نقول: إنّ طلب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحفاظ على سيرة النبي(صلى الله عليه واله)، ونصرة المؤمنين، كلّها أُمور قد تتحقق على يدي الإمام(عليه السلام) عند بقائه حيّاً وانتصاره وإمساكه بزمام الأُمور، كما أنّها قد تتحقق بعد اهتزاز مشاعر الناس وإيقاظ روح التضحية في دواخلهم، نتيجة استشهاد الإمام(عليه السلام) في عرصات كربلاء هو ومَن معه.

وهذا الأمر لا يعدم النظير القرآني، فإنّنا نجد ـ مثلاً ـ في قصّة إبراهيم الخليل(عليه السلام)، أنّه عندما أقدم على انتقاد مظاهر الشرك التي كان يمارسها قومه، فإنّه لم يكن مهتمّاً بالنتيجة المترتّبة على ذلك، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)[58]، ثمّ إنّه(عليه السلام) بعد هذه المحاججة قرّر القيام بعمل يُبيّن من خلاله لقومه عجز هذه الآلهة عن درء الخطر عن نفسها، ممّا يجعلها غير صالحة للعبادة والتقرّب، قال تعالى حكاية عنه(عليه السلام):(وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)[59]، وقد عرّض(عليه السلام) بعمله هذا نفسه للهلاك، إلّا أنّه لم يهتمّ بهذه النتيجة، بل كان همّه هو إيصال رسالة التوحيد، وإبطال ما عليه هؤلاء القوم من الشرك وعبادة الأصنام، قال تعالى: (قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[60]. إذاً؛ فإبراهيم(عليه السلام) بهذه الحادثة وما تضمّنته من كيفية مُثلى قد بيّن للقوم أنّ هذه الأصنام مجرّد حجارة لا تنطق، ولا تدفع عن نفسها الضرر، وهذا الهدف اجتمع مع الحكم بإنهاء حياته، وقد تجسّد في قوله تعالى حكاية عن قوم إبراهيم: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)[61].

وهنا قد يعترض بعضٌ بأنّه يوجد فارق بين قضية الإمام الحسين(عليه السلام) وقصّة النبيّ إبراهيم(عليه السلام)، فالأخير لم يتحقّق بشأنه الموت، بينما الإمام الحسين(عليه السلام) قد واجه الموت، وقد انتهت حياته بالفعل.

ونجيب على هذا الاعتراض بقولنا:

أوّلاً: إنّ مسألة علم إبراهيم(عليه السلام) بأنّه سوف ينجو من هذه الحادثة هذا أوّل الكلام.

ثانياً: على فرض علمه بأنّه سوف ينجو، فإنّ الأمر لا يختلف كثيراً؛ وذلك لأنّ أساس تعامل الأنبياء والأوصياء(عليهم السلام) مع الناس هو الظواهر لا بواطن الأُمور، وما قام به إبراهيم(عليه السلام) بحسب النظر مآله إلى التصفية الجسدية بلا أدنى شكّ، والشاهد على ذلك هو أنّ شناعة هذا العمل وقبحه بنظر قومه جعلهم يستبعدون قيام إبراهيم(عليه السلام) بتنفيذ تهديده والكيد لأصنامهم، وبعبارة أُخرى: «أنّ عظمة وهيبة الأصنام في نفوسهم ربّما كانت قد بلغت حدّاً لم يأخذوا معه كلام إبراهيم مأخذ الجدّ، ولم يظهروا ردّ فعل تجاهه، وربّما ظنّوا بأنّ أيّ إنسان لا يسمح لنفسه أن يهزأ ويسخر من مقدّسات قوم تدعم حكومتهم تلك المقدّسات تماماً، بأيّة جرأة؟ و بأيّة قوّة؟!»[62].

وبعد هذا العرض فإنّ ما نودّ الإشارة إليه هو أنّ نهضةً بهذا الحجم من التضحيات التي هزّت الوجدان الإنساني، وبما ترتّب عليها من ثمرات أذهلت الجميع، من المعيب جدّاً أن يأتي بعضٌ ويحجّمها في عامل وهدف واحد، ويغضّ الطرف عن العوامل والأهداف الأُخرى، معتمداً في ذلك على جزء من الكلمات الصادرة عن قائد الثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، أو يأتي بعضٌ آخر ويترك جميع تلك الكلمات ويذهب وراء رأيه وهواه، فيكيل التّهم، ويطعن بهذه النهضة، مبعداً إيّاها عن السعي إلى خدمة الدين الإسلامي الحنيف.

الشبهة الثالثة: أنّ حركة الحسين(عليه السلام) كانت عبارة عن إلقاء النفس في التهلكة

من الشبهات التي لا ينفكّ عنها ذهن المتابع لمجريات واقعة الطفّ لأوّل وهلة، قضية أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) مع ما لديه من أنصار قليلين، كيف يقدم على مقاتلة القوم في كربلاء، وهو يعلم علم اليقين بأنّه سوف يُقتل هو وجميع مَن معه من الرجال القادرين على حمل السلاح؟! أليس هذا الفعل مخالفة صريحة لما هو موجود في القرآن الكريم، الذي جاء فيه: (...وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)[63]، فعلى الرغم من ذهاب بعضٍ إلى أنّ المقصود من قوله تعالى:(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ)هو قتل المسلم لأخيه المسلم[64]، لا مانع من شموله لمورد إهلاك الإنسان لنفسه.

ومن الآيات الأُخرى الدالّة على حرمة إيقاع النفس في الهلاك قوله تعالى:(وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[65]، والكلام في هذا الآية فيه دلالة واضحة على النهي عن إيقاع الضرر بالنفس الإنسانية[66]، ومن أبرز مصاديقه قتل الإنسان لنفسه، أو جعلها في موضع الهلاك والعطب، إلى غير ذلك من الأدلّة القرآنية والروائية الدالة على ذلك[67].

هذا، وإنّ الشبهة المذكورة بسبب كونها من الشبهات المهمّة والقوية، قد تصدّى لبيانها والإجابة عنها كبار العلماء الشيعة، من أمثال السيّد المرتضى(قدس سره) الذي يقول: «فإنّ قيل: ما العذر في خروجه(عليه السلام) من مكّة بأهله وعياله إلى الكوفة، والمستولي عليها أعداؤه، والمتآمر فيها من قِبل يزيد منبسط الأمر والنهي؟... ثمّ كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها، لها موادّ كثيرة؟ ثمّ لمّا عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد، كيف لم يستجب حقناً لدمه ودماء مَن معه من أهله وشيعته ومواليه؟ ولِمَ ألقى بيده إلى التهلكة؟»[68].

وممّن ذكر هذه الشبهة أيضاً الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(قدس سره)، فإنّه حينما وُجّه إليه سؤال مؤدّاه بأنّه: هل كان خروج الإمام علي(عليه السلام) ليلة التاسع عشر من رمضان إلى مسجد الكوفة مع علمه بمقتله على يد ابن ملجم من إلقاء النفس في التهلكة؟ فإنّه(قدس سره) عندما أجاب عن هذا التساؤل أردف كلامه بقوله: «ومن هذا الباب إقدام الحسين(عليه السلام) على الشهادة مع علمه بأنّه مقتول لا محالة»[69]. كما أنّه في موضع آخر وعند تعرّضه إلى الإجابة عن تساؤل حول ما ذكره المؤرّخون وأصحاب السير من أنّه(عليه السلام) أحلّ أصحابه من بيعته في كربلاء، وأذن لهم بالانصراف عنه، فإنّه(قدس سره) بعد عدّة مقدّمات قال ما نصّه: «أمّا ما أُشكل عليك من جعل الحسين ـ سلام الله عليه ـ أصحابه في حلٍّ من بيعته فليس محلّ العجب منه، وموضع السؤال وعقدة الإشكال معكوسة، وهي أنّه سلام الله عليه كيف أباح لهم الجهاد معه وهو يعلم... أنّهم لا يستطيعون دفع القتل عنه مهما جاهدوا واجتهدوا؟ إذاً، أَلا يكون جهادهم معه من العبث وإلقاء النفس في التهلكة بغير فائدة...؟»[70].

وممّا تقدّم وغيره[71] يتّضح لنا أنّ لهذه الشبهة صدىً كبيراً في أوساط الباحثين والمحقّقين، ممّا يجعلنا ملزمين ـ على الرغم من كثرة مَن أجاب عنها ـ بالتصدّي للإجابة عنها اعتماداً على المنهج القرآني المتّبع في هذه المقال.

معالجة الشبهة

إنّ الصراع قديم ومستمرّ بين الحقّ والباطل، وأنّه لم يتوقّف ولن يتوقّف، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، قال تعالى:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[72]، وقال أيضاً: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)[73]، وما دام الأمر هكذا فلا بدّ من وجو...وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[74]، ففي هذا المقطع إشارة إلى قانون كلّي يمنع من استشراء الفساد وسرايته إلى المجتمع البشري قاطبة، وهو أنّ أصل الحرّية والاختيار لدى الإنسان في مقام اختيار طريق الخير والشرّ إذا وصل إلى حدٍّ يؤدّي إلى تعرّض العالم للفساد والاندثار بسبب طغيان بعض الطواغيت، فإنّه)عز وجل) سيبعث من عباده المخلصين مَن يقف أمام هؤلاء الطغاة ويكسر شوكتهم[75]، وشبيه هذا المعنى قد ورد في مقطع قرآني آخر يقول الله تعالى فيه:(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[76].

نعم، إنّ الحقّ بحاجة إلى مَن يحميه ويدفع عنه، ولولا ذلك لم يكن لسدنة الشرّ أن يكفّوا عنه، ويتركوه ينتشر بين الناس، لكن قد تنتج عن المواجهة أحياناً الغلبة على العدو واستئصاله من حلبة المواجهة، بينما في أحيان أُخرى تصل الممارسات الطاغوتية الظالمة إلى درجة لا يمكن الغلبة عليها بالشكل الظاهري الطبيعي، كما أنّه يُضاف إلى قهرها واستبدادها خطرها الكبير الذي يؤدّي ـ إذا بقيَ من دون علاج ـ إلى محو الدين الإلهي، وإرجاع الناس إلى جاهليتهم العمياء، وفي هذه الحالة قد يشعر المتصدّون للشأن الديني بأنّهم بحاجة إلى إرخاص النفوس والتضحية بكلّ عزيز وغالٍ يتوقّف عليه حفظ هذا الدين الحنيف.

وهذا المعنى نجده يتجلّى بوضوح في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ)[77]، فما يستفاد من هذه الآية هو أنّ هناك مَن «باع نفسه من الله سبحانه، لا يريد إلّا ما أراده الله تعالى، لا هوى له في نفسه، ولا اعتزاز له إلّا بربّه، ولا ابتغاء له إلّا لمرضاة الله تعالى، فيصلح به أمر الدين والدنيا، ويحيى به الحقّ، ويطيب به عيش الإنسانية، ويدرّ به ضرع الإسلام... فإنّ وجود إنسان هذه صفته من رأفة الله سبحانه بعباده؛ إذ لولا رجال هذه صفاتهم بين الناس في مقابل رجال آخرين صفتهم ما ذُكر من النفاق والإفساد لانهدمت أركان الدين، ولم تستقرّ من بناء الصلاح والرشاد لبنة على لبنة»[78].

وانطلاقاً من هذا المعنى، فإنّه من الحمق أن تُدرَج بعض التضحيات التي قدّمها حماة الدين تحت مفهوم التهلكة؛ وذلك لكونها خارجة عن الفهم العرفي الذي تغيب عنه ـ وإن بلغ صاحبه درجة عالية من المعرفة في بعض الأحيان ـ المصالح الدينية الكبرى، ويقيس ما يحصل على أرض الواقع بمقاييس مادّية بحتة وقصيرة الأمد، فكيف يمكن إلصاق تهمة إلقاء النفس في التهلكة بالإمام الحسين(عليه السلام)، سواء على مستوى نفسه الشريفة، أم على مستوى نفوس أهل بيته وأصحابه، وهو القائل في معرض وصفه لحكومة يزيد: «وعلى الإسلام السلام؛ إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»[79]، فهل يا ترى تكون التضحية التي تستلزم فضح هذا الكيان المخرّب في جسد الدين الإسلامي ـ وإن كان على المدى البعيد ـ من مصاديق إلقاء النفس في التهلكة المنبوذ شرعاً وعرفاً؟ أوَ ليس هذا المفهوم العام ينطبق على الموارد التي لا يكون فيها الهدف أثمن ـ من الناحية الدينية ـ من الحفاظ على النفس؟[80].

ومن هنا وبناءً على هذه المعطيات؛ فإنّ المبدأ القرآني المشار إليه في الآية المتقدّمة يُشير بوضوح تام إلى كون فعل الإمام(عليه السلام) في واقعة الطف ليس من الإلقاء في التهلكة بشيء، بل أزيد من ذلك فهو أفضل معاملة مربحة مع الله تعالى الذي يقول في كتابه: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[81].

الشبهة الرابعة: عدم صحّة إحياء واقعة الطفّ

من الشبهات القديمة الحديثة ما يدور حول مسألة إحياء مراسم عاشوراء من قِبل الشيعة في أيّام المحرّم من كلّ عام، هذه الشبهة التي تتعامل مع حادثة عاشوراء كأيّ حادثةٍ تاريخية ينبغي أن لا يتجاوز صداها المدّة التي حصلت فيها، أو الأوقات المتاخمة لها طبعاً.

هناك عدّة مبرّرات للتصدّي لإحياء هذه الذكرى الأليمة، نحاول التعرّف عليها من خلال نقل كلمات الباحثين الذين ذهبوا إلى هذا الرأي، وقد أرتأينا أن ننقل هذه العبارات بالنصّ، حتّى نحافظ على الأمانة العلمية في مقام نسبة الآراء إلى قائليها.

فمّمن ذهب إلى عدم صحّة ذلك ابن كثيرالذي يقول ما نصّه: «ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة كذباً فاحشاً، من كون الشمس كُسفت يومئذٍ حتّى بدت النجوم، وما رُفع يومئذٍ حجر إلّا وجد تحته دم... وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمائة وما حولها، فكانت الدبادب تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء... ويظهر الناس الحزن والبكاء»[82].

كما ذكر الصلابي الذي يقول في هذا الصدد: «لقد غلت الشيعة في مقتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ غلوّاً مفرطاً، فجعلوا يوم استشهاده ـ رضي الله عنه ـ العاشر من محرّم مأتماً وحزناً ونياحةً يكرّرونه في كلّ عام إلى يومنا هذا... [إلى أن يقول] إنّ الحسين ـ رضي الله عنه ـ بريء من تلك الأفعال المذكورة؛ لأنّ الإسلام الذي جاء به جدّه عليه الصلاة والسلام لا يجوّز تلك الأفعال، فقد قال صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: ليس منّا من لطم الخدود، وشقّ الجيوب، ودعا بدعوة الجاهلية، وقال صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: النائحة إذا لم تتبْ قبل موتها تقام القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب، وقال صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: أنا بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقّة»[83].

ومن الأصوات الأُخرى الداعية إلى ترك إحياء واقعة الطفّ ما ورد في مقال نشرته جريدة الأوقاف العراقية الصادرة في عددها (1661)، فإنّها: «بعد أن ذكرت اعتياد الجعفريين في هذه الأيّام ـ أي: في العشرة الأُولى من محرّم الحرام ـ على إقامة المآتم والتعازي، وتنظيم المواكب المخترقة للشوارع، حاملة للأعلام والمشاعل ليلاً، وتدفّق الجماهير عُراة الصدور حاسرة الرؤوس، تندب ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه واله) [قالت]: وقد شعر أصحاب السيادة حضرات العلماء الأعلام حفظهم الله تعالى بهذه الحقيقة، وأدركوا بثاقب بصرهم وما وهبهم الله من عقل راجح غزير، ما لهذه الأعمال من التأثير السيّئ في سمعة الإسلام في العالم، وفي نظر الأجانب، فقاموا يستنكرون إتيانها، وينهون عنها»[84].

وقد أشار إلى هذه الشبهة السيّد محسن الأمين، مبيّناً أنّها ممّا يُثيره بعضٌ علينا، فيقول ما نصّه: «والأمر الذي دعانا إلى تأليف هذا المجموع، أنّ جملة من الناس قد يعيبونا بهذه المآتم، أو يرون أنّه لا لزوم لها، أو يقولون: إنّ أمراً وقع قبل ألف ومئات السنين ما معنى إعادة ذكره كلّ عام؟... وقد يقول آخر: إنّ الأمر الفظيع لا ينبغي إعادة ذكره، بل ينبغي تناسيه، وبعضٌ يرى أنّ في إعادة ذكره حطّاً من مقام أهل البيت(عليهم السلام) الذين جرت معهم تلك الفظاعة، وربّما عدّ ذلك بعضهم بدعة في الدين»[85].

وممّا ورد في كتاب (سيماء الصلحاء) للشيخ عبد الحسين صادق العاملي حول الموضوع ذاته، ولكن بمبرّر مختلف نوعاً ما: «قالوا: من الإسراف والتبذير المحظورين شرعاً إنفاق الشيعة القناطير المقنطرة من الذهب والفضة في سبيل تعزية الحسين على أنحاء شتّى... فهلّا أنفقوا ما أنفقوه في سبيل تعمير مدارسهم الطامسة، وتعليم ناشئتهم الجاهلة، وتلقينهم فنون العلوم العصرية والمعارف الزمنية؛ لينشلوا خضراء أُمّتهم الأُميّة وطائفتهم الهمجية من حضيض السفالة، ومستنقع الجهالة؟»[86].

ومن خلال مطالعتنا للكلمات السابقة يمكننا أن نقف على المبرّرات الآتية للقول بعدم صحّة إحياء مراسم واقعة الطفّ، وهي:

1ـ إنّ إقامة مجالس استذكار أحداث مأساة كربلاء والبكاء واللطم، وإظهار حالة الجزع والحزن المتواصل والمستمرّ في كلّ عام على مصيبة أهل البيت(عليهم السلام) في كربلاء هي بدعة في الدين، وأنّه لم يُعهد إقامة هذه الأُمور على فقد رسول الله(صلى الله عليه واله) وكبار الصحابة.

2ـ الأدلّة الروائية عن الرسول(صلى الله عليه واله) على الضدّ من هذه المراسم.

3ـ إنّ هذه المراسم تُعيد إلى الذهنية البشرية المأساة الفضيعة التي وقعت في يوم الطفّ، بينما كان المفترض تناسي مثل هذه الحوادث، فقد يحطّ استذكارها من مكانة مَن وقعت في حقّهم.

4ـ إنّ إقامة مثل هذه المراسم يُسيء إلى سمعة الإسلام في العالم.

5ـ إنّ المبالغ التي تُصرف على هذه المراسم تدخل تحت طائلة التبذير والإسراف المحظورين، وأنّ هناك مجالات مهمّة في حياة الناس أوْلى لصرف هذه المبالغ فيها.

معالجة الشبهة

استكمالاً للأجوبة القرآنية عن الشبهات المطروحة في هذا المقال، فإنّنا نقول: إنّه على الرغم من أنّ الشبهة لها أجوبة وردود روائية وعقائدية ونفسية واجتماعية، إلّا أنّنا سوف نقصر الحديث على الأجوبة القرآنية؛ سيراً على المنهجية التي قرّرناها في بداية البحث، ومن هنا فإنّنا سنقدّم مناقشات قرآنية للمبرّرات التي استند إليها القائلون بعدم صحّة إحياء ذكرى عاشوراء، هذه المناقشات التي يتوقّف عليها حكمنا على الشبهة المذكورة في المقام.

أمّا فيما يتعلّق بالمبرّر الأوّل فإنّ البعد القصصي في القرآن له دلالة واضحة على أنّ استذكار قصص الماضين والاعتبار بها من الأُمور المهمّة الواقعة في مسير الهداية الإلهيّة، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[87]، ومن البديهي أنّ استذكار ما وقع على أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) هو استذكار لقيم إلهية ومعانٍ دينية وأخلاقية سامية: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب الإصلاح، ونصرة المؤمنين، والوفاء، والشهادة في سبيل الله تعالى، وغير ذلك، وعليه فإنّنا نأخذ الدروس والعِبر من تذكّر هذه الواقعة كلّ عام.

ثمّ إنّ الاستذكار لأحداث ماضية لا ينفكّ عن المشاعر، فمَن يتذكّر أحداث مفرحة وسعيدة سوف يلتذّ بها ويشعر بالسعادة، وعلى العكس من ذلك فإنّ الشخص يتألّم وتظهر عليه آثار الحزن إذا تذكّر مواقف مؤلمة وحزينة، قال تعالى حكاية عن خطاب أبناء يعقوب(عليه السلام) مع أبيهم:(قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ)[88]، فإنّ تذكّر يعقوب لفراق ولده يوسف كان مدعاة لحزنه الشديد وبكائه الكثير الذي سوف يوصله ـ بحسب نظر أبنائه ـ إلى الهلاك.

هذا، وإنّ ما وقع على الإمام الحسين(عليه السلام) ـ وهو ابن رسول الله(صلى الله عليه واله) وريحانته ـ وعلى أهل بيته أهل العفّة والطهارة ليس بالشيء الهيّن الذي ينبغي أن يطوي عنه التاريخ كشحاً، أو أنّ استذكاره ينبغي أن يكون خالياً من أيّ مظهر من مظاهر التفجّع والحزن. نعم، حدّ إظهار الحزن يرجع إلى التحديدات الشرعية المذكورة في علم الفقه، وهو خارج عن إطار دراستنا هذه.

ثمّ إنّه بعد ثبوت عدم البدعة في مجال إحياء مراسم عاشوراء، وذلك لوجود النظير له في الآيات القرآنية، فإنّه لا يحتج علينا بأنّ الصحابة لم يفعلوا هذه الأُمور بحقّ الرسول الكريم(صلى الله عليه واله) أو غيره من الصحابة، فهو على الرغم من كونه ليس دليلاً على الحرمة، فإنّ الزهراء(عليها السلام) بحسب المصادر التاريخية والروائيّة[89] ظلّت تبكي وتندب الرسول(صلى الله عليه واله) وعمّها حمزة حتّى ماتت.

فضلاً عن أنّ الفعل الذي قامت به السيّدة الزهراء(عليها السلام) بنفسه يكون معارِضاً لما طُرح في المبرّر الثاني القائل: بأنّ الأدلّة الروائية عن الرسول(صلى الله عليه واله) على الضدّ من إقامة هذه المراسم، وبعبارة أُخرى: إنّ الأدلّة الروائية ليست مجمعة على حرمة البكاء على الميت وندبه، وعليه فلا بدّ عند الحكم في المقام من إقامة دراسة فقهية اجتهادية، فلا يُكتفى بإطلاق عِنان العبارات من دون مراجعة وتدقيق وإعمال نظر[90].

أمّا فيما يتعلّق بالمبرّر الثالث وأنّ إحياء واقعة الطفّ يحطّ من مكانة أهل البيت(عليهم السلام)، فهذا كلام واهٍ لا ينبغي الاستماع إليه، فإنّ تذكّر الظلامات والابتلاءات التي عانت منها بعض الشخصيات المرموقة يزيد من مكانتها، ويعلي من شأنها، فإنّ المواقف الصلبة والثبات الذي واجهت به تلك الشخصيات المعاناة، هو أدلّ دليل على حقّانية مطالبها.

وهذا الأمر له مصاديق كثيرة في القرآن الكريم، فنجد ـ مثلاً ـ أنّه)عز وجل) ينقل لنا معاناة نوح مع قومه في تلك الفترة الطويلة التي قضاها معهم، والتي دعته إلى الدعاء عليهم بأن لا يبقي لهم الله امتداداً على الأرض، قال تعالى:(وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)[91]، فإنّ دعاءه(عليه السلام) كان «عندما يئس من هدايتهم بعد المشقّة والعناء في دعوته إيّاهم، فلم يؤمن إلّا قليل منهم»[92].

أمّا فيما يتعلّق بالسبب الذي دعا نوحاً(عليه السلام) إلى التفوّه بهذا الدعاء الشديد، فهو كما حكاه)عز وجل) عن لسانه(عليه السلام):(إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)[93]، والمعنى هو: «أنّ دعاء الأنبياء ومن بينهم نوح(عليه السلام) لم يكن ناتجاً عن الغضب والانتقام والحقد، بل إنّه على أساس منطقي، وأنّ نوحاً(عليه السلام) ليس ممّن يتضجّر ويضيق صدره لأوهن الأُمور، فيفتح فمه بالدعاء عليهم، بل إنّه دعا عليهم بعد تسعمائة وخمسين عاماً من الصبر والتألم والدعوة والعمل المضني»[94]، فإنّ ذكر هذه المحنة الصعبة التي عانى منها نوح مع قومه، والتي كلّفته سنوات متمادية من التبليغ من دون جدوى، لم يحطّ من قيمة هذا النبيّ الجليل قيد أنملة، إن لم يكن على العكس من ذلك.

ومن المحن العظيمة التي عانى منها الأنبياء(عليهم السلام)، ما جرى على نبي الله إبراهيم(عليه السلام) في قضيّة ذبح ابنه إسماعيل، قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)[95]، فإنّ هذه المحنة من أشدّ المحن التي يمرّ بها الإنسان، ومع ذلك فالقرآن ذكر الحادثة، ولم يأخذ بعين الاعتبار أنّ هذا الموقف يحطّ من مكانة النبيّ، بل على العكس من ذلك، فقد تعزّزت شخصية النبيّ(عليه السلام) بعد هذه الحادثة وغيرها من الابتلاءات، ممّا جعله يحصل على مكانة أكبر، قال تعالى:(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[96].

والمثال الثالث هو الأحداث المأساوية التي جرت على نبي الله يوسف(عليه السلام)، والتي بدأت بالحسد، هذه الرذيلة الأخلاقية السيئة التي تغلغلت في نفوس إخوة يوسف تجاه أخيهم ـ وهم جميعاً أبناء نبيّ من أنبياء الله(عليهم السلام) ـ وجعلتهم يفكّرون في قتله، وبعد أنّ دبّ الخلاف بينهم حول ذلك قرّروا في نهاية المطاف أن يُلقوه في البئر، بُغية التقاطه من بعض القوافل المارّة، والتخلّص منه إلى الأبد، قال تعالى:(لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)[97]، إلى غير ذلك من التفاصيل الحسّاسة التي وردت في هذه القصّة.

فهل يتفوّه عاقل بأنّ ذكر هذه الأحداث كان فيه حطّ من مكانة نبيّ الله يوسف(عليه السلام)، أوَ ليست هذه الأفعال التي قوبل بها هذا النبيّ(عليه السلام) كانت دليلاً قويّاً على ضرورة الصبر على المحن والإغراءات؟

إذاً؛ فمع هذه الأمثلة القرآنية لا يبقى مجال للقول: بأنّ ذكر الأحداث المروّعة التي حصلت في واقعة عاشوراء يؤدّي إلى المساس بمكانة أهل البيت(عليهم السلام) والحطّ من قدرهم.

أمّا فيما يتعلّق بالمبرّر الرابع، فإنّ ما يتمّ التعليق به في المقام هو أنّ فريضة الحجّ ـ التي هي من العبادات القرآنية المهمّة، والتي بلغت أهميّتها حدّاً بأنّ يُخيّر فيه منكرها بين الموت على الدين اليهودي أو النصراني، كما عن الإمام أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): «مَن مات ولم يحجّ حجّة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ، أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً»[98] ـ هذه الفريضة من أعمالها رمي الجمرات الثلاثة بالحصى، فقد ورد في الكتب الفقهية الاستدلالية: «لا خلاف بيننا، بل بين المسلمين كافّة، في وجوب رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر»[99].

ومع ملاحظة هذا الوجوب المتّفق عليه ربّما يرى الناظر لأوّل وهلة أنّ هذا الفعل خالٍ من الداعي العقلائي، وعليه فإنّه يوجب الوهن في منظومة الدين، كيف لا؟ وأنّ ما يقارب مليوني شخص سنوياً يقومون بهذا الفعل لعدّة أيّام في موسم الحجّ، يُصوّبون حصيّاتهم نحو ثلاثة مواضع، هي: الجمرة الأُولى، والوسطى، وجمرة العقبة، لكلّ واحد من هذه المواضع سبعة حصيّات، فلعلّ الناظر بدواً يستشكل، بل يسخر من هذا الفعل، ويصف الدين الذي يأمر بذلك بأنّه دين غير عقلائي، خصوصاً مع ملاحظة أنّ رمي الجمرات «يُعتبر واحداً من أهمّ مشكلات الحجاج، سيّما في عيد الأضحى؛ حيث يندفعون لرمي جمرة العقبة، وفي أكثر السنين تحدث خسائر كبيرة بالأرواح، ويُقتَل الكثيرون في أطراف الجمرات، أو يجرحوا[100]، وغالباً تتعرّض رؤوسهم أو وجوههم أو عيونهم لصدمات وأضرار بالغة»[101].

ونحن لو أردنا التعرّف على الحكمة التي من أجلها تمّ تشريع ذلك، فإنّنا نجد بعض الروايات أشارت إلى أنّ المسلمين يقومون بهذا الفعل تأسياً بما قام نبيّ الله إبراهيم(عليه السلام) بسبب تمثّل الشيطان له عندها[102]، وبعبارة أُخرى: إنّ رمي الجمرات يرمز إلى مسألة في غاية الأهمّية ينبغي أن يعيشها المسلمون في وجدانهم، وأن لا ينسوها دائماً، وهي ضرورة وعي الخطر الذي يهدّد به الشيطان بني البشر، والتصدّي لمواجهته بشكل عملي وعلني، مضافاً إلى إضفاء روح المواجهة الجماعية لخطر هذا العدو اللدود، الذي أقسم على إضلال البشر وحرفهم عن جادّة الحق، قال تعالى حكاية عن إبليس عليه اللعنة: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)[103]، ومع ملاحظة هذه الحكمة يتّضح للمستشكل على هذه الشعيرة مدى عقلانيّتها وانسجامها مع الدين الإسلامي، وعدم إساءتها له.

إذاً؛ الفعل الديني الصادر من الناس إذا كانت تكمن خلفه أغراض إسلامية توعوية وتصحيحية، وكانت هذه الأهداف مشخّصة وواضحة لدى الجميع، فإنّ هذا الفعل لا يمكن أن يكون مسيئاً إلى سمعة الإسلام ـ طبعاً ـ ما لم تحصل مجموعة من الظروف الموضوعية التي تؤدّي إلى اشتماله على عنوان الإساءة إلى سمعة الإسلام، أو الإضرار بالنفس، أو الإخلال بالنظام، أو غير ذلك من العناوين الثانوية.

ونحن عند مراجعتنا للعوامل التي أدّت إلى حدوث النهضة الحسينية المباركة ـ والتي
تعتبر في الوقت نفسه أهدافاً سامية لقائدها: كعدم قبول كون رأس الهرم الحكومي متّصفاً بالظلم والتهتّك، وطلب إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحياء سيرة النبيّ(صلى الله عليه واله) وسنّته بين الناس، ونصرة المظلومين، مضافاً إلى عدم ترك القيم الأخلاقية، كالمروءة والعطاء والعفّة وغيرها حتّى في أحلك الظروف، وصولاً إلى التضحية بالنفس وبكلّ عزيز من أجل حفظ الدين الإسلامي وعدم ضياعه ـ نجد أنّ مراسم إحياء هذه النهضة المباركة المشتملة على هذه الأهداف، سواء عن طريق إقامة مجالس الوعظ والرثاء، أم تسيير المواكب، أم إقامة المشاهد الدرامية المجسّدة لما جرى فيها من وقائع وأحداث، أم غير ذلك، لا تكون مؤثرة في سمعة الإسلام، بل على العكس من ذلك ستكون هذه المراسم ـ مع المحافظة على عدم لحوقها بالعنوان الثانوي المتقدّم ـ عاملاً قويّاً في ترسيخ المفاهيم الدينية والقيمية في المجتمع الإسلامي.

قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[104]، ومفردة الشعائر في هذه الآية على الرغم من دلالتها على مناسك الحج، «إلّا أنّ من الواضح مع كلّ هذا احتفاظ الآية بمفهوم شمولي لجميع الشعائر الإسلامية، ولا دليل على اختصاصها ـ فقط ـ بالأضاحي، أو جميع مناسك الحجّ... ويمكن القول: إنّ شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينية التي تذكّر الإنسان بالله سبحانه وتعالى وعظمته، وإنّ إقامة هذه الأعمال دليل على تقوى القلوب»[105].

والكلام نفسه يمكن أن نذكره جواباً للمبرّر الخامس، فإنّ المصارف الكبيرة التي تُصرف في موسم الحجّ يمكن أن تجمع وتنفّذ فيها عدّة مشاريع تخدم الحياة العامّة للناس، إلّا أنّ الغرض الأسمى الذي يترتّب على الاجتماع السنوي في هذا الموسم يفوق أضعاف المرّات الأهمّية التي تترتّب على الموارد الأُخرى.

كما أنّه ليس كلّ مصرف يُعدّ إسرافاً وتبذيراً، فإنّ المعيار الذي يُقرّره القرآن لتحديد ما يكون مصداقاً لذلك من غيره هو كون المصارف التبذيرية تؤدّي إلى الكفر بأنعم الله تعالى، وذلك من خلال وضعها في غير موضعها[106]، وقد استفيد هذا المعنى من جعل المبذّرين قرناء للشياطين في قوله تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[107]، ومن الواضح أنّ المصارف التي تُنفق في مجال إحياء النهضة الحسينية ليست من الإنفاق في الفساد، أو في السفاسف واللذّات التي تكون مرضية للشيطان (عليه اللعنة)[108].

وبعد مناقشة جميع المبرّرات الخمسة المتقدّمة لا يبقى حينئذٍ مجال للتشكيك في صحّة إحياء ذكرى واقعة الطفّ، خصوصاً مع ملاحظة الثمار الدينية، والثورية، والتوعوية، والأخلاقية المترتّبة على ذلك.

وبهذا نكون قد أنهينا الحديث عن الإجابات القرآنية التي عرضناها بين يدي القارئ الكريم بشأن جملة من الشبهات التي طالت النهضة الحسينية، والتي اخترنا منها أربع شبهات دار الكلام فيها حول التشكيك في أصل هذه النهضة المباركة وأسبابها وشرعيتها والثمار المترتّبة عليها.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1. أجوبة الشبهات المثارة حول النهضة الحسينية، علي حمود العبادي، العتبة الحسينية المقدّسة، كربلاء المقدّسة ـ العراق، الطبعة الأُولى، 1439هـ/2018م.

2. إقناع اللائم على إقامة المآتم، محسن الأمين، تحقيق: جواد الصافي الموسوي النجفي، دار الصفوة، بيروت، الطبعة الأُولى، 1430هـ/2009م.

3. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ترجمة وتلخيص: محمد علي آذرشب، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1421هـ.

4. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، تحقيق: جمع من المحقّقين، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1403هـ.

5. البداية والنهاية، إسماعيل بن كثير الدمشقي، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1408هـ/1988م.

6. بيت الأحزان، عباس القمّي، دار الحكمة، قم ـ إيران، الطبعة الجديدة الأُولى، 1412هـ.

7. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، تحقيق وتصحيح ومراجعة: نخبة من العلماء والأجلّاء، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

8. تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأُولى، 1420هـ.

9. تفسير العيّاشي، محمد بن مسعود العيّاشي، تحقيق: هاشم الرسولي المحلّاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران ـ إيران.

10. التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، محمد بن عمر الفخر الرازي، إعداد: مكتب تحقيق إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1420هـ.

11. تنزيه الأنبياء، علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشـريف المرتضـى، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1409هـ/1989م.

12. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، 1415هـ/1995م.

13. الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تحقيق وتقديم: إبراهيم أطفيش، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1405هـ/1985م.

14. الجمرات بين الماضي والحاضر، ناصر مكارم الشيرازي، منشورات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قم ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1426هـ.

15. جنّة المأوى، محمد حسين آل كاشف الغطاء، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1408هـ/1988م.

16. الدولة الأُموية.. عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار، علي بن محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1429هـ/2008م.

17. الدولة الأُموية، محمد بك الخضري، تحقيق: محمد العثماني، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت ـ لبنان.

18. ردّ الشبهات عن تاريخ الإمام الحسين(عليه السلام) والثورة الحسينية، هادي التميمي، مركز الدراسات التخصصية في النهضة الحسينية ـ قسم الشؤون الفكرية، الطبعة الأُولى، 1435هـ/2014م.

19. رسائل الشعائر الحسينية، مجموعة من العلماء، جمع وتحقيق: محمد الحسون، مؤسّسة الرافد للمطبوعات، الطبعة الأُولى، 1432هـ/2011م.

20. الشهيد الخالد الحسين بن علي(عليه السلام)، نعمة الله صالحي نجف آبادي، ترجمه وعلّق حواشيه: سعد رستم، الانتشار العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 2013م.

21. علل الشرائع، محمد بن علي بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق، تحقيق وتقديم: محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف ـ العراق، 1386هـ/1966م.

22. الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، تحقيق وتصحيح: علي أكبر غفاري، ومحمد آخوندي، دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، الطبعة الرابعة، 1407هـ.

23. كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه القمّي، تحقيق: جواد القيومي، لجنة التحقيق، مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

24. الكامل في التاريخ، علي بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير، دار صادر للطباعة والنشـر، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1385هـ/1965م.

25. اللهوف في قتلى الطفوف، علي بن موسى بن طاووس، أنوار الهدى، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

26. لواعج الأشجان في مقتل الحسين(عليه السلام)، محسن الأمين العاملي، منشورات مكتبة بصيرتي، قم ـ إيران، 1331هـ.

27. المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية، محسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1412هـ/1992م.

28. المستخرج من كتب الناس للتذكرة والمستطرف من أحوال الرجال للمعرفة، عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن مندة الإصفهاني.

29. مشروع ردّ الشبهات المثارة حول الإمام الحسين(عليه السلام)، اللجنة العلمية في قسم ردّ الشبهات عن النهضة الحسينية، مؤسّسة وارث الأنبياء، الطبعة الأُولى، 1440هـ/2018م.

30. المعتمد في شرح المناسك، أبو القاسم الخوئي، برنامج جامع فقه أهل البيت(عليهم السلام).

31. مقتل الحسين(عليه السلام)، أبو المؤيّد الموفق محمد بن أحمد الخوارزمي، تحقيق: محمد السماوي، أنوار الهدى، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1418هـ.

32. الملحمة الحسينية، مرتضى مطهري، تعريب: محمد صادق الحسيني، الدار الإسلامية.

33. مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية، محمد بن عبد الهادي الشيباني، دار طيبة للنشـر والتوزيع، الرياض ـ السعودية، الطبعة الثانية، 1430هـ/2009م.

34. الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الثانية، 1390هـ.

35. النص والاجتهاد، عبد الحسين شرف الدين الموسوي، تحقيق وتعليق ونشر: أبو مجتبى، الطبعة الأُولى، 1404هـ.

36. نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، بيروت، الطبعة الأُولى، 1387هـ/1967م.

37. وفاء الوفا، علي بن أحمد السمهودي، تحقيق وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 1404هـ/1984م.

المجلات

38. مجلّة الإصلاح الحسيني، العدد6، 1435هـ/2014م، حقّ الحياة والعمليات الانتحارية (مقال)، فلاح الدوخي، مركز الدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية، النجف الأشرف.

[1] اُنظر: مؤسّسة وارث الأنبياء، مشروع ردّ الشبهات المثارة حول الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة.

[2] اُنظر: التميمي، د.هادي، ردّ الشبهات عن تاريخ الإمام الحسين والثورة الحسينية: ص55.

[3] نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: ص82.

[4] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص17.

[5] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص254.

[6] اُنظر: الأمين، محسن، المجالس السنية: ج1، ص186.وأيضاً: الخوارزمي، محمد بن أحمد، مقتل الحسين(عليه السلام): ج2، ص185 ـ 187.وأيضاً: الشيباني، محمد بن عبد الهادي، مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية: ص164، وص187، وص376.

[7] هود: آية40.

[8] الشعراء: آية111.

[9] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج15، ص296.

[10] الأنبياء: آية71.

[11] الأنبياء: آية87.

[12] يوسف: آية103.

[13] اُنظر: الشعراء: آية8، 67، 103، 121، 139، 158، 174، 190.

[14] الأنعام: آية116.

[15] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص18.

[16] المصدر السابق: ص105.اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج8، ص188.

[17] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329ـ330.

[18] النساء: آية58.

[19] ص: آية26.

[20] الحجرات: آية9.

[21] الأنعام: آية48ـ 49.

[22] النحل: آية36.

[23] فصّلت: آية14.

[24] الخضري، محمد بك، الدولة الأُموية: ص288.

[25] الصحيح مراعاةً للسياق هو (خالَف) بدلاً من (خائف على).

[26] الخضري، محمد بك، الدولة الأُموية: ص288.

[27] ابن مندة الأصبهاني، عبد الرحمن بن محمد، المستخرج من كتب الناس للتذكرة والمستطرف من أحوال الرجال للمعرفة: ج3، ص17.

[28] صالحي نجف آبادي، نعمة الله، الشهيد الخالد: ص131ـ132.

[29] الأمر الخاص في المقام، هو ما ألمح إليه المؤلّف عندما نقل الحديث المعروف الذي قال الإمام الحسين(عليه السلام) بأنّ الرسول(صلى الله عليه واله) قد أخبره به، وهو: «فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً»؛ إذ يُفهم من ذلك أنّ الحسين(عليه السلام) سائر إلى مصرعه.اُنظر: صالحي نجف آبادي، نعمة الله، الشهيد الخالد: ص79.

[30] مطهري، مرتضى، الملحمة الحسينية: ج3، ص76.

[31] الفتح: آية10.

[32] الفتح: آية18.

[33] الأحزاب: آية48.

[34] الفرقان: آية52.

[35] الأعراف: آية142.

[36] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص325.

[37] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص18.

[38] هكذا في المصدر، والصحيح: (والمؤمنون).

[39] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص59.

[40] آل عمران: آية104.

[41] قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ).المؤمنون: آية1ـ 9.

[42] المؤمنون: آية10ـ 11.

[43] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329ـ330.

[44] الأنفال: آية72.

[45] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج9، ص141.

[46] اُنظر: المصدر السابق: ص142.

[47] الروم: آية47.

[48] ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ...).التوبة: آية100.

[49] اُنظر: الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج14، ص400.

[50] الصافّات: آية139ـ140.

[51] الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب): ج26، ص356.

[52] اُنظر: صالحي نجف آبادي، نعمة الله، الشهيد الخالد: ص131ـ132.

[53] اُنظر: مطهري، مرتضى، الملحمة الحسينية: ج3، ص76، وص83.

[54] التوبة: آية52.

[55] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج9، ص307.

[56] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص157.

[57] الأمين، محسن، لواعج الأشجان: ص31.

[58] الأنبياء: آية51ـ54.

[59] الأنبياء: آية57ـ 58.

[60] الأنبياء: آية59ـ67.

[61] الأنبياء: آية68.

[62] الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج10، ص185.

[63] النساء: آية29ـ30.

[64] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج5، ص50.وأيضاً: القرطبي، أحمد بن محمد، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): ج5، ص156.وأيضاً: العيّاشي، محمد ابن مسعود، تفسير العيّاشي: ج1، ص236ـ237.

[65] البقرة: آية195.

[66] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج2، ص64.

[67] اُنظر: الدوخي، فلاح، حقّ الحياة والعمليات الانتحارية، مجلّة الإصلاح الحسيني: العدد6، ١٤٣٥هـ/٢٠١٤م: ص292ـ 296.

[68] السيّد المرتضى، علي بن الحسين، تنزيه الأنبياء: ص227.

[69] كاشف الغطاء، محمد حسين، جنّة المأوى: ص189.

[70] المصدر السابق: ص194.

[71] اُنظر: العبادي، علي حمود، أجوبة الشبهات المثارة حول النهضة الحسينية: ص159.

[72] البقرة: آية217.

[73] هود: آية118.

[74] البقرة: آية251.

[75] اُنظر: الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج2، ص228.

[76] الحج: آية40.

[77] البقرة: آية207.

[78] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج2، ص98.

[79] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص18.

[80] اُنظر: الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج2، ص35.

[81] التوبة: آية111.

[82] الدمشقي، إسماعيل بن كثير، البداية والنهاية: ج8، ص219ـ220.

[83] الصلابي، علي بن محمد، الدولة الأُموية: ص494ـ497.

[84] مجموعة من العلماء، رسائل الشعائر الحسينية: ج1، ص172.

[85] الأمين، محسن، إقناع اللائم على إقامة المآتم: ص30.

[86] مجموعة من العلماء، رسائل الشعائر الحسينية: ج2، ص128، وص129.

[87] يوسف: آية111.

[88] يوسف: آية85.

[89] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج43، ص177.وأيضاً: القمّي، عباس، بيت الأحزان: ص177ـ183.وأيضاً: السيّد شرف الدين، عبد الحسين، النص والاجتهاد: ص301ـ302.وأيضاً: السمهودي، علي بن أحمد، وفاء الوفا: ج3، ص918.

[90] هذا، ونحن عند مراجعتنا إلى كلمات الفقهاء وجدنا أنّ آية الله العظمي السيّد الخوئي(قدس سرة) ـ مثلاً ـ
يقول في مقام استدلاله على الحكم بجواز النوح على الميت نظماً ونثراً بما لم يتضمّن الكذب، ما نصّه: «للأصل والسيرة كما تقدّم في المسألة السابقة؛ ولأنّ النياحة لو كانت محرّمة لوصلت إلينا حرمتها بالتواتر، بل ورد أنّ فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ناحت على أبيها(صلى الله عليه واله)، وأوصى الباقرُ الصادقَ(عليهما السلام) بأن يُقيم عليه النياحة في منى عشر سنوات».الخوئي، أبو القاسم، التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الطهارة): ج9، ص343.كما أشار أحد الباحثين إلى أنّ هذا الحكم هو موضع اتّفاق بين المحشّين على العروة الوثقى من المراجع العظام.اُنظر: الهاشمي، هاشم، حوار مع فضل الله حول الزهراء(عليها السلام): ص231.

[91] نوح: آية26.

[92] الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج19، ص68.

[93] نوح: آية27.

[94] الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج19، ص69.

[95] الصافات: آية102ـ103.

[96] البقرة: آية124.

[97] يوسف: آية7 ـ10.

[98] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص268.

[99] الخوئي، أبو القاسم، المعتمد في شرح المناسك (تقرير بحث الخوئي للسيّد رضا الخلخالي) :ج5، ص397.

[100] هكذا جاءت الكلمة في المصدر المنقول عنه، والصحيح فيها: يجرحون.

[101] الشيرازي، ناصر مكارم، الجمرات بين الماضي والحاضر: ج1، ص5.

[102] اُنظر: الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع: ج2، ص437.

[103] ص: آية82ـ83.

[104] الحج: آية32.

[105] الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير الكتاب المنزل: ج10، ص344.

[106] اُنظر: المصدر السابق: ج8، ص453.

[107] الإسراء: آية27.

[108] فقد ورد عند بعض المفسّرين ذكر هذه الموارد الثلاثة كمصاديق للتبذير الوارد في الآية المذكورة أعلاه.اُنظر: ابن عاشور، محمد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير: ج14، ص65ـ 66.

معالجة الشبهات حول النهضة الحسينية في ضوء القرآن الكريم