مقدّمة[1]

نتناول في هذا المدخل التمهيدي جانباً من الجوانب المهمة التي لها علاقة وثيقة بواقعة الطف، وهو ما يرتبط بالأبعاد القرآنية في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام)، متناولين فيه الآيات القرآنية التي وُظّفت من قِبله(عليه السلام) في خطاباته الصادرة إبان نهضته المباركة، وقد اخترنا من ذلك موضوع (الحضور القرآني في بياناته(عليه السلام))؛ ليكون مدخلاً رئيساً ومهماً إلى مجموعة من المواضيع التي سنتناولها في سلسلة متراتبة حول الأبعاد القرآنية التي وردت في بياناته(عليه السلام)، ومدى ارتباطها بالحدث الذي أدَّى إلى استشهاده(عليه السلام)، بعد استشهاد جميع مَن كان معه من أهل بيته وأصحابه؛ إذ نؤمن بضرورة البحث عن علاقة الآيات التي قرأها الإمام الحسين(عليه السلام) وقام بتطبيقها على نفسه من جهة، وأيضاً مدى توافق تلك الآيات مع المضامين الواردة في الزيارات التي صدرت عن الأئمّة(عليهم السلام) في حق الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه الذين استُشهدوا في واقعة الطف في بحث مستقل آخر، ثمّ تناول العلاقة بين الآيات التي قرأها في حق أهل بيته وأصحابه ومدى علاقتها بهؤلاء الشهداء الكرام الأبرار، وكذا البحث حول مدى انطباق بعض الآيات التي استشهد بها(عليه السلام) على المخاطَبين الذين حضروا في الجبهة المعادية من جهة أُخرى، وقد أفردنا لكل موضوع من المواضيع المتقدّمة بحثاً مستقلاً نطمح أن يتم نشره في أعداد مجلّة الإصلاح الحسيني ضمن سلسة بحوث.

السابقة الدراسية

قبل الدخول في البحث حول الحضور القرآني في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام) نود أن نشير إلى السابقة الدراسية حول الآيات القرآنية، أو محورية القرآن والمساحة التي تشغلها في واقعة الطف، أو الآيات التي تناولها العلماء والباحثون في كتبهم وبحوثهم التي سُلّط الضوء فيها للنظر في العلاقة بين الإمام الحسين(عليه السلام) والقرآن الكريم، لمعرفة هل أنّ هناك من البحوث والدراسات ما تلتقي مع الدراسة التي يسعى الباحث لتناولها في هذه السلسلة المذكورة آنفاً.

وفي حدود اطّلاعنا ـ وبعد التتبع والمسح الميداني ـ فقد وقفنا على مجموعة قليلة من الكتب المستقلة، أو البحوث والدراسات القرآنية المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) في ثنايا المجلات، كما أنّ هناك بعض البحوث التي نُشرت في المواقع الإلكترونية[2]، فقد كتب في هذا الموضوع مجموعة من العلماء والباحثين من الطيف الحوزوي والأكاديمي، إلّا أنّ معظمها أجنبي عن الموضوع الذي يراد بحثه في هذا المشروع، كما أنّ ما كان مرتبطاً بموضوع بحثنا لم يكن متناسباً مع حجم المسألة وأهميتها[3].

وكيف كان، فإن البحوث التي تطرّقت إلى البعد القرآني في النهضة الحسينية لا تتجاوز عدد أصابع اليدين، وسوف نذكر قائمة بأسماء بعض مَن تطرّق إلى ذلك مع العناوين التي تناولوها في حدود اطّلاعنا:

1ـ الشيخ محمد جواد مُغنية؛ له كتاب عنوانه (الحسين والقرآن)، وهو من الكتب القيّمة والمهمة جداً، احتوى على مطالب دقيقة ونكات مفيدة، معتمداً في معظمها على الآيات القرآنية، إلّا أنّ مطالبه أجنبية عن موضوعنا؛ إذ إنّ كتابه هذا عبارة عن محاولة لإبراز أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ترجم القرآن بروحه وعمله ولحمه ودمه، كما ذكر ذلك في المقدّمة[4]، وكما هو واضح من ثنايا مطالب الكتاب. ويمكن للقارئ أن يجد ذلك في مؤلفه القيّم الموسوم بـ(عقليات إسلامية)[5].

2ـ د. محمد علي رضائي الإصفهاني؛ في بحثه الموسوم بـ (المباني القرآنية لنهضة عاشوراء). وهو أيضاً من البحوث القيّمة، إلّا أنّه لا علاقة له بموضوعنا، فقد تناول الكاتب في بحثه بعض الآيات القرآنية التي يمكن أن تكون مستنداً لنهضة الإمام الحسين(عليه السلام) والأهداف التي خرج من أجلها، ويستطيع القارئ أن يطّلع على هذا البحث في العدد الخامس من مجلّة الإصلاح الحسيني الصادرة عن مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية[6].

3ـ الأُستاذ مرتضى الباشا؛ إذ كتب بحثاً بعنوان (الإمام الحسين والقرآن الكريم)، وقد تناول في بحثه هذا الآيات النازلة في الإمام الحسين(عليه السلام). وهو من البحوث التي لا علاقة لها بموضوع بحثنا. يجده القارئ منشوراً في الموقع الإلكتروني لدار السيّدة رقية(عليها السلام)[7].

4ـ الشيخ إسكندر الجعفري؛ تطرّق إلى بعض الآيات القرآنية ضمن بحثه الموسوم بـ(تكلُّم الرأس الشريف في مصادر الفريقين)، وهو من البحوث القيّمة التي تناولت الآيات التي تلاها الإمام الحسين(عليه السلام) بعد أن فُرّق بين رأسه وجسده، ورُفع رأسه فوق الرمح، وهو من الدراسات التوثيقية للآيات التي تكلّم بها الرأس الشريف. ويجد القارئ هذا البحث في العدد السابع من مجلّة الإصلاح الحسيني[8].

5ـ الشيخ رسول كاظم عبد السادة؛ له بحث بعنوان: (الشواهد القرآنية في النهضة الحسينية). وقد عمل الباحث على الجانب التوثيقي للشواهد القرآنية التي استشهد بها الإمام الحسين(عليه السلام)، وهو من البحوث التي قد يبدو للقارئ الكريم أنّ لها علاقة بموضوع بحثنا، حيث تناول الآيات التي استشهد بها الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته، إلّا أنّ مهمة الباحث قد اقتصرت على الجانب التوثيقي ولم يتناول الجانب التحليلي إطلاقاً، ويجده القارئ الكريم منشوراً في العدد التاسع من مجلّة العقيدة، الصادرة عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية[9].

6ـ أ. م. د. خولة مهدي الجرّاح؛ في بحثها الموسوم بـ: (المبادئ والأُسس القرآنية للقضية الحسينية)، ويُعنى بالبحث حول مبادئ وأُسس نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) من منطلق قرآني، وهو من البحوث التي شاركت فيه الباحثة في مؤتمر الإصلاح الحسيني الأول، الذي أقامته مؤسسة وارث الأنبياء بالاشتراك مع كلية التربية المختلطة في جامعة الكوفة، وقد نُشر في العدد الرابع عشر من مجلّة الإصلاح الحسيني[10].

7ـ أ. د. فاطمة عبد الأمير الفتلاوي، و م. د. زهراء رءوف الموسوي في بحثهما الموسوم بـ: (الترغيب والترهيب منهج تربوي للقرآن الكريم والإمام الحسين(عليه السلام))؛ وقد تناول البحث الجوانب المشتركة بين منهج القرآن والإمام الحسين(عليه السلام) في استعمال الترغيب والترهيب، وأثرهما في هداية المجتمع، وهو من البحوث التي شاركت فيه الباحثتان في مؤتمر الإصلاح الحسيني آنف الذكر كما نُشر في العدد السادس عشر من مجلة الإصلاح الحسيني[11].

وعلى العموم، فإن الدراسات المرتبطة بهذا الموضوع لم تكن بمستوى الطموح، سواء من الجانب الكمّي أم الكيفي؛ إذ إنّ أغلبها لم تكن ناظرة إلى الآيات التي تم توظيفها من قِبل الإمام(عليه السلام)، وما كان منها ناظراً إلى هذا الجانب اقتُصر فيه على الدراسة التوثيقية فقط.

وتأسيساً على ذلك وجدنا ضرورة مُلحَّة لتعميق الدراسات القرآنية في الجانب الحسيني، وبالأخص ما يرتبط منها بالآيات التي تلاها الإمام الحسين(عليه السلام) في نهضته المباركة، فبادرنا إلى دراسة هذا الموضوع ـ بعد المتابعة المضنية والقراءة المعمّقة ـ ضمن سلسة من البحوث في عناوين متعددة ذكرناها في المقدّمة آنفاً.

وقد جعلنا هذا البحث مدخلاً أساسياً لتناول بعض الأُمور المتعلّقة بالحضور القرآني في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام).

وأمّا الخطة التي اعتمدناها هنا، فهي تتكون من مباحث أربعة:

المبحث الأول: التوظيف القرآني في المعسكر الحسيني وانعدامه في الجبهة المعادية.

المبحث الثاني: إشكالية تصادم التوظيف القرآني في واقعة كربلاء مع المنع عن الحجاج بالكتاب.

المبحث الثالث: أنماط الاستعمال القرآني في كلمات الإمام الحسين(عليه السلام).

المبحث الرابع: نظرة تحليلية إلى الواقع التفسيري لهذه الآيات.

وسوف نذكر ذلك تباعاً إن شاء الله تعالى.

المبحث الأول: التوظيف القرآني في المعسكر الحسيني وانعدامه في الجبهة المعادية

نرى من المناسب جداً أن نصدِّر هذا المبحث بأحد الأهداف التي دعت الإمام الحسين(عليه السلام) لاستعمال الآيات القرآنية في خطاباته وبياناته، وبشكل ملفت وأُسلوب متقن؛ إذ إنّنا حين نقرأ خطابه الذي يقول فيه: «أيّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليَّ، وحتى أُعذر عليكم، فإن أعطيتموني النَّصف، كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ)، (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)»[12]. ونستفيد من مطلع هذا النص الوارد عنه(عليه السلام) أنّ الغرض والهدف الأساس هو التأثير بالأُمّة التي شخّص(عليه السلام) فيها داء الهزيمة، كما يروم هداية المجتمعات التي تأتي بعده أيضاً.

دواعي التوظيف القرآني

من خلال قراءتنا لسيرة الإمام الحسين(عليه السلام) ومسيرته التي دوّنها المؤرّخون في كتبهم نستطيع أن نخلص إلى أنّ الأهداف والدواعي لحضور الآيات القرآنية في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام) وتوظيفه لها في خطاباته تتمحور في النقاط الآتية:

1ـ الارتباط الحقيقي بين الإمام الحسين(عليه السلام) وكتاب الله (عز وجل) وتعلّقه(عليه السلام) بكلام الله)عز وجل)، وحبّه لتلاوة آياته والتفكّر بها، وهذا ما نلحظه بوضوح حينما أمر أخاه العباس(عليه السلام) أن يطلب من القوم تأخير المعركة إلى صباح يوم العاشر، فقال له: «ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى الغدوة [وفي بعض المصادر إلى غد[13]] وتدفعهم عنّا العشية، لعلّنا نُصلّي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، والدعاء والاستغفار»[14].

وممّا يجدر الإشارة إليه هنا أنّ بعض الباحثين يرى في هذه الخطوة وفي هذا الطلب الذي أراده الإمام الحسين(عليه السلام) في ليلة العاشر من المحرّم بُعداً إعلامياً كبيراً[15]؛ إذ حقّق مكسباً مهماً للإمام وأصحابه من الناحية العسكرية؛ حتّى تحوّل جمع من الجيش المعادي إلى معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) وقاتل بين يديه حتّى استُشهد، وبناءً على الروايات الواردة حول أهمّية هداية الآخرين والقائلة: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم»[16]، فيعتبر انضمام شخص واحد وتحوّله من معسكر ابن سعد إلى معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) إنجازاً كبيراً، فكيف إذا كان مَن تأثّر بموقف الإمام في ليلة العاشر هم مجموعة من الناس الذين قاتلوا في سبيل الحق حتّى سقطوا شهداء؟!

2ـ تضمّن القرآن الكريم مفاهيم عالية ومؤثرة تساعد على هداية المجتمع وإصلاحه، سواء في ظرفه المعاصر لنهضته المباركة أم في الأزمنة اللاحقة، وبما أنّ هذه النقطة تُعدُّ من أهم الأهداف التي خرج الإمام الحسين(عليه السلام) من أجلها؛ لذا تجد هذا الحضور القرآني في خطبه ومواعظه التي وردت في واقعة الطف.

3ـ العمل على أن يكون للقرآن الكريم دورٌ فاعلٌ ومساحةٌ كبيرةٌ في حياة المسلمين، وتنبيههم على أنّه المصدر الأساس في حلّ الاختلافات والنزاعات التي تقع بينهم، فيما لو اعتمدوا في فهمه على تفسير أهله وعِدْله.

4ـ بيان مكانته الدينية وأحقّيته بالأمر والعلاقة الوثيقة بينه وبين الأشخاص الذين ذكرهم الله تعالى في الآيات التي استشهد بها الإمام(عليه السلام)، وهذا ما نوكل بيانه إلى بحوث لاحقة إن شاء الله تعالى.

5ـ الكشف عن حقيقة العدو وبيان وجه الشبه بين مَن ورد في الآيات التي تتحدّث عن الأقوام الذين قاتلوا الأنبياء ووقفوا في وجه المصلحين، وبين مَن وقف بوجه الإمام الحسين(عليه السلام).

وبعد التتبع الواسع في النصوص الحسينية التي وردت في الموسوعات التاريخية وكتب المقاتل وجدنا أن هناك كمّاً هائلاً من الآيات التي تلاها الإمام في واقعة كربلاء منذُ انطلاق نهضته المباركة ومروراً بشهادته إلى أن رُفع الرأس الشريف على رمح طويل وهو يقرأ القرآن.

الآيات المتكرّرة في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام)

حينما نُحصي الموارد القرآنية التي استخدمها الإمام الحسين(عليه السلام) في خطاباته الصادرة عنه في أحداث واقعة الطف نجدها تجاوزت العشرين مورداً. فضلاً عن أنّ الإمام(عليه السلام) كان يُكثر من قراءة بعض الآيات بنحو متكرّر، كما هو صريح بعض النصوص الواردة في كتب التاريخ والمقاتل، وظاهر بعضها الآخر، فعلى سبيل المثال:

1ـ قوله تعالى: (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[17].

فقد روى الطبري: «لمّا بلغ الحسين(عليه السلام) إلى عُذيب الهجانات، جاءه أربعة نفر... فسألهم الحسين(عليه السلام) عن الناس وعن رسوله، فأجابوه عن الناس، وقالوا له: رسولك مَن هو؟ قال: (قيس). فقال مجمع العائذي: أخذه الحُصين، فبعث به إلى ابن زياد، فأمره أن يلعنك وأباك، فصلّى عليك وعلى أبيك، ولعن ابن زياد وأباه، ودعانا إلى نصرتك، وأخبرنا بقدومك، فأمر به ابن زياد، فأُلقي من طمار القصر، فمات رضي الله عنه. فترقرقت عينا الحسين(عليه السلام) وقال: (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، اللّهمَّ، اجعل لنا ولهم الجنّة منزلاً، واجمع بيننا وبينهم في مُستقرّ رحمتك ورغائب مذخور ثوابك»[18].

وفي موقف آخر ذكره المؤرخون أيضاً قرأ الإمام الحسين(عليه السلام) هذه الآية المباركة، وذلك حين استُشهد مسلم بن عوسجة، فمشى إليه الحسين فإذا به رمق، فقال: «رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)»[19]. وهذه الآية من الآيات التي نطمئن بتكرارها في بيانات الإمام(عليه السلام). فضلاً عن المصادر التي ذكرت أنّ الإمام(عليه السلام) كان يقرأ هذه الآية عندما يستأذنه أحد أصحابه للقتال، ما يعني أنّه(عليه السلام) قد قرأها بعدد أصحابه الذين استأذنوه للقتال[20].

2ـ قوله (عز وجل): (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[21].

ذكر الشيخ المفيد في إرشاده أنّه: «سار الحسين إلى مكة، وهو يقرأ: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)»[22]. مما يعني أنّ الإمام يُكثر من هذه الآية؛ إذ إنّ المتفاهم لغوياً من قوله: (وهو يقرأ..) الاستمرارية في قراءة هذه الآية الكريمة، ولا يعني أنّه(عليه السلام) قرأها مرّة واحدة.

3ـ قوله تعالى: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ)[23].

نقل ابن أعثم الكوفي: أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) حين وصل إلى مكة و«نظر إلى جبالها من بعيد جعل يتلو هذه الآية الكريمة: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ)»[24]، فنستفيد من قوله: (جعل يتلو) أنّ الإمام كرر قراءة هذه الآية أيضاً، إذ لم يقلْ: تلا هذه الآية، أو ما شابه ذلك من التعبيرات المتعارفة في القراءة مرّة واحدة، كما في الآيات الأُخرى الآتية لاحقاً.

4ـ قوله تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[25].

قال الطبري: «فلما أمسى حسين وأصحابه، قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون. قال: فتمرّ بنا خيل لهم تحرسنا، وإن حسيناً ليقرأ: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)»[26]. فقوله: (وإنّ حسيناً ليقرأ)، تفيدنا بأنّه كان يردد الآية الكريمة ويُكثر من قراءتها.

أضف إلى ذلك الآيات التي تكلّم بها الرأس الشريف وهو على رمح في طريقه إلى الكوفة والشام، فقد كان يردد قصّة أصحاب الكهف في كتاب الله)عز وجل).

الآيات غير المتكررة في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام)

إن الآيات التي قرأها الإمام الحسين(عليه السلام) مرّةً واحدةً ولم يكررها كثيرة وفي مصادر متعددة؛ ولذا فإننا سوف نفهرس بعضها على عجالة، ونترك تفصيل البحث حولها إلى محلّه في بحوث مستقلة:

1ـ قوله تعالى: (...إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[27]. فقد ورد في الفتوح أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) حينما كلّمه مروان بن الحكم لأجل إقناعه بمبايعة يزيد وطال بينهما الكلام، قال له(عليه السلام): «ويلك يا مروان، إليك عنّي فإنّك رجس وإنّا أهل بيت الطهارة الذين أنزل الله)عز وجل)على نبيّه محمد(صلى الله عليه واله)، فقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)... فنكس مروان رأسه لا ينطق بشيء»[28].

2 و3ـ قوله تعالى: (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ)[29] وقوله تعالى: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[30]. «... هذه وصيتي إليك يا أخي! (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)...»[31].

4ـ قوله تعالى: (وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ)[32]. فقد ذكر الطبري وابن كثير وغيرهما أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قرأها في جوابه لأصحاب عمرو بن سعيد بن العاص[33].

5ـ قوله تعالى: (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ)[34].

6ـ قوله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[35].

ذكر الإمام الحسين(عليه السلام) هاتين الآيتين في سياق الوعظ والنصح حينما خاطب العدو؛ إذ ورد في كتب السير والتاريخ أنّه(عليه السلام) قال: «أيّها الناس، اسمعوا قولي، ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما يحقّ[36] لكم عليّ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي، وأعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليَّ سبيل، وإن لم تقبلوا منّي العذر، ولم تعطوا النصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ)، (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)»[37].

وغير ذلك من الموارد التي ذكرها المؤرّخون في هذا المضمار تركنا ذكرها خوفاً من الإطالة من جهة، ولأنّنا سوف نتناولها مفصّلاً في البحوث اللاحقة إن شاء الله تعالى.

انعدام الآيات القرآنية في خطابات المعسكر المعادي

بعد أن لاحظنا أنّ الخطابات الحسينية كانت ثرية بالآيات القرآنية نجد في المقابل أنّ الخطابات الصادرة من الجبهة المعادية خالية من أيِّ استعمال أو توظيف قرآني، مع أنّهم كانوا حريصين أشدّ الحرص على مجابهة الإمام الحسين(عليه السلام)، والردِّ عليه، وعدم السماح له بالكلام، بل كانوا حريصين على استخدام شتّى السبل والوسائل الإقناعية لتحشيد الجماهير ضدّه(عليه السلام)، وهذا ما سوف نبرهن عليه بالأُمور الآتية:

١ـ إنّ حراجة الموقف وخطورته كانت تُحتم عليهم أن يستخدموا الأساليب التي تحافظ على بقاء جيشهم، وتمنع من تأثرهم بكلام الإمام الحسين(عليه السلام)؛ ولذلك خاطب عمر بن سعد أصحابه قائلاً: «ويلكم! كلّموه؛ فإنّه ابن أبيه، والله، لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حُصر، فكلّموه. فتقدّم شمر (لعنه الله) فقال: يا حسين، ما هذا الذي تقول؟ أَفهمنا حتّى نفهم؟ فقال: أقول: اتقوا الله ربّكم ولا تقتلوني؛ فإنّه لا يحلّ لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فإنّي ابن بنت نبيّكم وجدّتي خديجة زوجة نبيّكم...»[38].

٢ـ ما نقله المؤرّخون من أنّ بعض قادة الجيش حاول أن يستميل أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال بعض المفاهيم الدينية التي عمل بنو أُميّة على ترسيخها في أذهان عامّة الناس ـ من قبيل: لزوم طاعة الحاكم وإن كان جائراً، أو حرمة تفريق وحدة المسلمين وغيرها من الشعارات التي تخدم مصالحهم، فقد ذكروا أنّ: «عمرو بن الحجاج حين دنا من أصحاب الحسين يقول: يا أهل الكوفة، الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل مَن مرق من الدين وخالف الإمام. فقال له الحسين: يا عمرو بن الحجاج، أعليَّ تحرّض الناس؟! أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه؟! أَما والله، لتعلمنّ لو قد قُبضت أرواحكم ومُتم على أعمالكم أيُّنا مرق من الدين ومَن هو أوْلى بصليِّ النار...»[39].

3ـ إنّهم استعملوا الدين واتخذوه وسيلة لتنفيذ أوامرهم، كما نادى: «عمر بن سعد: يا خيل الله، اركبي وأبشري. فركب الناس...»[40].

نعم، قد يُعتقد بأن قول شمر بن ذي الجوشن: (هو يعبد الله على حرف) جاء تمثلاً بقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ)[41]، وذلك حين خاطبهم الإمام الحسين(عليه السلام) وذكرهم بمكانته: «فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول. فقال له حبيب بن مظاهر: والله، إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك...»[42]. ولكن هذا النمط من الكلام هو عبارة عن اقتباس للاستعمالات المتداولة بينهم، وإلّا فيكون معظم كلام العرب تمثلاً بالقرآن مع أنّهم غير ملتفتين إلى هذا الجانب أساساً.

والسؤال الذي يُطرح في هذا الصدد: لماذا لم يحتج القوم ولم يستخدموا آيات القرآن في كلامهم مع الإمام الحسين(عليه السلام)، مع أنّهم كانوا بأمس الحاجة إلى التوظيف القرآني؟

وبتقديري أنّ موقف الإمام الحسين(عليه السلام) كان واضحاً بحيث لم يدعْ لهم مجالاً للردّ والإنكار القرآني.

المبحث الثاني: إشكالية تصادم التوظيف القرآني في واقعة الطف مع المنع عن الحجاج بالكتاب

من المتسالم عليه بين العلماء والباحثين هو صلاحية القرآن الكريم للاحتجاج والاستدلال على المواقف والتصرفات التي يُدَّعى انتسابها إلى الشريعة، وهذه المسألة ممّا توافق عليها جميع المسلمين في الأزمنة والأماكن كافة، وقد ذكر بعض علمائنا الأعلام أنّ هذا الأمر لم يقتصر على النصوص الصريحة، بل يمتدّ ذلك ليشمل النصوص القرآنية الظاهرة التي لا معارض لها في الكتاب والسنّة؛ مستدلاً بمجموعة من الأدلة الواضحة[43].

وبناءً على هذا التوافق بين العلماء ومسلّمات الدين يصبح ما قام به الإمام الحسين(عليه السلام) في احتجاجه على القوم بآيات من الكتاب من المألوف والمستساغ جداً؛ إذ يكون على وفق القاعدة التي ذكرناها آنفاً.

إلّا أنّنا نواجه إشكالية ـ بل شبهة ـ تصطدم مع هذه الحقيقة المسلَّمة، وتصطدم بالدرجة الأُولى مع السلوك الذي صدر عن الإمام الحسين(عليه السلام) في احتجاجه على القوم في كثير من خطاباته وبياناته المرتبطة بواقعة الطف، وهذه المشكلة هو ما يُستفاد من الوصية المنسوبة إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة، حين بعث عبد الله بن عباس إلى المارقين ـ الذين خرجوا على إمام زمانهم ـ للمحاورة فقال(عليه السلام) له: «لا تخاصمهم بالقرآن؛ فإن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنَّة؛ فإنّهم لن يجدوا عنها محيصاً»[44]. فهل هذا الحديث يتقاطع مع الرأي المتسالم عليه حول صلاحية القرآن للهداية والاستدلال والحجاج أو لا؟ وفي الوقت نفسه هل يتعارض مع ما قام به الإمام الحسين(عليه السلام) حين استعمل الآيات القرآنية للاحتجاج على مواقفه في واقعة الطف؟

الإجابة عن الإشكالية المذكورة

وفي مقام الإجابة عن هذا الإشكالية نقول:

أولاً: إنّ هذا السلوك الصادر عن الإمام الحسين(عليه السلام) فيما يرتبط بالاحتجاج القرآني على أعدائه قد أثبتت المتابعة والتحقيق حوله أنّ له أثراً بالغاً في نفوس كثير من المخاطَبين أثناء الحدث وبعده إلى يومنا هذا، كما تقدّم ذكر ذلك في مطلب سابق؛ ما يعني أنّ واقع هذه الاحتجاجات يبطل شمولية الحديث الوارد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) لكل الأزمان والأماكن.

ثانياً: بعد المتابعة الدقيقة في كل مجريات الاحتجاج الذي قام به الإمام الحسين(عليه السلام) مع عدوه لم يرد اعتراض أو ردّ من قِبل الأعداء على آية من الآيات التي احتج بها الإمام(عليه السلام)، وهو بحدّ ذاته يبيّن لنا عدم صدق المقولة المنسوبة إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)، أو أنّ لها توجيهاً ومعنى مراد غير ما فهمه وأثبته المؤرّخون.

ثالثاً: نجد في بعض الاحتجاجات التي اعترض عليها الأعداء بعدم ثبوتها وعدم معلوميتها لديهم اضطر الإمام(عليه السلام) إلى إثباتها عن طريق التوظيف القرآني، كما في مخاطبته لعمر بن سعد حين قال(عليه السلام) له: «قطع الله رحمك...» فقد روى المؤرّخون في صدد ذلك: «ثمّ أقبل رجل آخر من عسكر عمر بن سعد، يقال له: محمد بن الأشعث ابن قيس الكندي، فقال: يا حسين بن فاطمة، أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك؟ فتلا الحسين(عليه السلام) هذه الآية (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) الآية، ثمّ قال: والله، إنّ محمداً لمن آل إبراهيم، وإنّ العترة الهادية لمن آل محمد. مَن الرجل؟ فقيل: محمد بن الأشعث بن قيس الكندي. فرفع الحسين(عليه السلام) رأسه إلى السماء، فقال: اللهمّ أرِ محمد بن الأشعث ذلاً في هذا اليوم، لا تعزّه بعد هذا اليوم أبداً. فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز، فسلّط الله عليه عقرباً فلدغته، فمات بادي العورة»[45]. فلم يواجه الإمام(عليه السلام) أحد من الأعداء بكلمة أو اعتراض بعد استدلاله بهاتين الآيتين.

نظرة إلى وصية أمير المؤمنين(عليه السلام) لابن عباس

وأمّا إذا أردنا أن نضع هذا الحديث المروي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ والذي يظهر منه عدم جواز الاحتجاج على الأعداء بالكتاب الكريم ـ على طاولة النقد والتحكيم العلمي؛ فإن ذلك يوصلنا إلى تسجيل بعض الملاحظات المهمة حوله؛ إذ يلاحظ عليه:

1ـ إن هذا المقطع لم يُذكر في الموسوعات التاريخية والروائية التي اعتنت بنقل تفاصيل حروب أمير المؤمنين(عليه السلام)، مع أنّها نقلت لنا جزئيات تلك الحوادث، كأنساب الأشراف للبلاذري، وشرح الأخبار للقاضي النعمان[46] وغيرهما من المصادر، فأقدم المصادر التي نقلت هذا المقطع هو نهج البلاغة، فلا نستطيع الاطمئنان بثبوته.

2ـ حينما نقرأ مجريات المحاورة التي دارت بين ابن عباس والخوارج نجد أنّه قد احتج عليهم وخاصمهم بآيات من القرآن، واستطاع من خلالها أن يقنع الخصم ويرجع بعضهم إلى الحق؛ إذ نقل المؤرّخون أنّه قال لهم: «أمّا قولكم: إنّه حكم الرجال في أمر الله، فأنا أقرأ عليكم من كتاب الله)عز وجل) أنّه قد صيَّر حكمه إلى الرجال في ربع درهم، وأمر الرجال أن يحكموا فيه، وذلك أرنب قتله محرم. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ)»[47]. وغير ذلك من الآيات التي استدل بها، وقد استطاع أن يهدي بعضهم إلى الحق.

3ـ إنّ البحث في تفاصيل الحادثة يوصلنا إلى أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قد احتج على الخوارج بآيات من القرآن أيضاً، فقال: «وأمّا قولكم: إنّي شككت في نفسي؛ حيث قلت للحكمين: اُنظرا، فإن كان معاوية أحق بها منّي، فأثبتاه. فإن ذلك لم يكن شكاً منّي، ولكنّه نصف من القول، قال الله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، فلم يكن ذلك شكاً، وقد علم الله: أنّ نبيّه كان على الحق. قالوا: وهذه لك خرجت منها. وأمّا قولكم: إنّي جعلت الحكم إلى غيري، وقد كنت عندكم أحكم الناس. فهذا رسول الله(صلى الله عليه واله) قد جعل الحكم إلى سعد يوم بني قريظة، وقد كان أحكم الناس. وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، فتأسيت برسول الله(صلى الله عليه واله)...»[48].

4ـ وفقاً للقاعدة المحكمة في باب قبول الحديث الذي ينسب إليهم(عليهم السلام) ـ وهي ما ورد في قولهم(عليهم السلام): فاعرضوه على الكتاب.. نتوصل إلى أنّ الكتاب الكريم له مساحة كبيرة في إمكانية الاحتجاج به وإثبات المراد منه في آياته، وفي الوقت ذاته لو عرضنا هذا الحديث المنسوب إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) لتبيّن لنا أنّه مخالف لكتاب الله الصريح بكونه (قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[49]، وكقوله تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[50]، وغيرها من الآيات الأُخرى، التي تتنافى مع هذا الحديث القائل: «حمال ذو وجوه» والتي تعني عدم وضوح الكلام الذي يحتويه القرآن؛ فينتج لنا عدم إمكان الأخذ بهذا الحديث على إطلاقه على أقل التقادير.

5ـ يمكن أن يكون قول الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) مختصّاً بتلك الحادثة فقط، أو كما يُعبر عنه في المصطلح المنطقي والأُصولي قضية خارجية، فقد رُوي عن الإمام الصادق أنّه قال ـ عمّن أنكر ولاية أهل البيت وخالفهم: «وذلك أنّهم ضربوا بعض القرآن ببعض، واحتجوا بالمنسوخ، وهم يظنون أنّه الناسخ، واحتجوا بالمتشابه، وهم يرون أنّه المحكم، واحتجوا بالخاص، وهم يقدّرون أنّه العام، واحتجوا بأول الآية، وتركوا السنّة في تأويلها. ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره؛ إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلوا وأضلوا»[51].

6ـ على أسوأ الاحتمالات أن يكون الإمام(عليه السلام) قد نهى ابن عباس عن الاحتجاج بالمتشابه والذي يحمل وجوهاً مختلفة ما يؤدي إلى عدم إلزام الخصم، وهذا ما يُشير إليه بعض العلماء حينما أشار إلى هذه الوصية، فقال: «أقول: يُستفاد منه عدم جواز الاحتجاج بالقرآن في غير النصوص والمحكمات التي لا يحتمل إلّا وجهاً واحداً»[52].

وبعد ذكر هذه النقاط المتقدّمة نصل إلى نتيجة تضعنا أمام ثلاثة أُمور:

أـ إمّا أن نقول بعدم صحة هذا المقطع من الحادثة.

ب ـ وإمّا أن نخطّئ أمير المؤمنين(عليه السلام) في رأيه هذا، وهو ما لا يمكن قبوله.

جـ ـ أو نقول: بأنّ هذا المقطع له خصوصياته المعهودة بين أمير المؤمنين(عليه السلام) وابن عباس، وأنّ الظروف التي مرّ بها الإمام الحسين(عليه السلام) غير ما مرّ به أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ ولذا ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح هذا الحديث: «... فإن قلت: فهل حاجّهم بوصيته؟ قلت: لا، بل حاجّهم بالقرآن، مثل قوله: (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا)، ومثل قوله في صيد المحرم: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ)، ولذلك لم يرجعوا والتحمت الحرب، وإنّما رجع باحتجاجه نفر منهم. فإن قلت: فما هي السنّة التي أمره أن يحاجّهم بها؟ قلت: كان لأمير المؤمنين(عليه السلام) في ذلك غرض صحيح، وإليه أشار، وحوله كان يطوف ويحوم، وذلك أنّه أراد أن يقول لهم: قال رسول الله(صلى الله عليه واله): عليٌّ مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار. وقوله: اللهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، ونحو ذلك من الأخبار التي كانت الصحابة قد سمعتها من فلق فيه (صلوات الله عليه)، وقد بقيَ ممّن سمعها جماعة تقوم الحجة وتثبت بنقلهم، ولو احتج بها على الخوارج في أنّه لا يحلّ مخالفته والعدول عنه بحال لحصل من ذلك غرض أمير المؤمنين في محاجتهم، وأغراض أُخرى أرفع وأعلى منهم، فلم يقع الأمر بموجب ما أراد، وقضى عليهم بالحرب حتّى أكلتهم عن آخرهم، وكان أمر الله مفعولاً»[53].

المبحث الثالث: أنماط الاستعمال القرآني في كلمات الإمام الحسين(عليه السلام)

تنوعت الدواعي والأسباب التي من أجلها تكلّم الإمام الحسين(عليه السلام) بآيات من كتاب الله، وبتبع ذلك تعددت الأنماط والأشكال التي استخدمها الإمام(عليه السلام)؛ وسنجمل بعضها في هذا المبحث:

النمط الأول: الاستدلال والاحتجاج على القوم

إنّ هدف الإمام الحسين(عليه السلام) في كثير من المواقف التي قام بها في نهضته المباركة، كان لأجل إلقاء الحجة والاستدلال على أحقيته؛ ليبرهن للناس بأنّه لم يخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً؛ ولذا نجد أنّ أكثر الخطب والمواعظ التي نطق بها في نهضته المباركة كانت بهذا الغرض والهدف السامي.

وقد ضمَّن كلامه هذا آيات قرآنية احتج بها على القوم، واستدل بها على صحة حركته الإصلاحية، ويتجلّى هذا النمط في الآيات الآتية:

1ـ قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ )[54].

وقد مرّ في الأسطر المتقدّمة ذكر الحادثة التي احتج بها(عليه السلام) على محمد بن الأشعث في يوم العاشر من المحرّم.

2ـ قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)[55].

وهو ما رواه محمد بن سليمان الكوفي قائلاً: «رأيت رأس الحسين بن علي على الرمح وهو يتلو هذه الآية: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا). فقال رجل من عرض الناس: رأسك يابن رسول الله أعجب!»[56].

النمط الثاني: الوعظ والنصيحة

اهتم الإمام الحسين(عليه السلام) بالوعظ والنصيحة في محطات متعددة من كلامه؛ لأجل إعادة المجتمع إلى مساره الصحيح سواء في زمن الحدث ـ كما حصل لبعض أفراد جيش عمر بن سعد ـ أم في الأزمنة اللاحقة، كما نلمس تأثير هذه الآيات حينما تُقرأ في ضمن النصوص الواردة عن الإمام الحسين(عليه السلام)، ومن بين تلك الآيات:

1ـ قولهعز وجل): (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[57].

إذ ذكر الطبري في تاريخه أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) خطب في القوم فقال: «أيّها الناس، اسمعوا قولي، ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما يحق لكم عليَّ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي، وأعطيتموني النَّصف كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليَّ سبيل، وإن لم تقبلوا منّي العذر، ولم تعطوا النَّصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ)، (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)»[58].

2ـ قوله تعالى: (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ)[59].

فقد روى الطبري في دلائل الإمامة عن الحارث بن وكيدة، قال: «كنت فيمَن حمل رأس الحسين(عليه السلام) فسمعته يقرأ سورة الكهف، فجعلت أشك في نفسي وأنا أسمع نغمة أبي عبد الله(عليه السلام)، فقال لي: يابن وكيدة، أَما علمت أنّا معشر الأئمّة أحياء عند ربّنا نرزق؟! فقلت في نفسي: أسرق رأسه. فنادى: يابن وكيدة، ليس لك إلى ذلك سبيل، سفكهم دمي أعظم عند الله تعالى من تسييرهم رأسي، فذرهم فسوف يعلمون (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ)»[60].

النمط الثالث: الدعم المعنوي والتطميني لأصحابه

كما في قوله تعالى: (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[61].

فقد تقدّم سابقاً أنّه(عليه السلام) تلا هذه الآية حين سمع باستشهاد قيس بن مسهر الصيداوي تارةً، وأُخرى حين سقط مسلم بن عوسجة على الأرض[62].

وهناك أنماط أُخرى قصدها الإمام الحسين(عليه السلام) في استعماله لآيات الكتاب نوكل الحديث عنها في بحوث لاحقة إن شاء الله تعالى.

المبحث الرابع: نظرة تحليلية إلى الواقع التفسيري لهذه الآيات

من المقرر في علوم القرآن وكتب التفسير أنّ للقرآن شأن نزول وسبباً نزلت لأجله الآيات المباركة، وهذان الجانبان لهما الدور الكبير في تفسير الآيات ومعرفة معناها؛ إذ يعتمد المفسِّر في فهم الآية القرآنية على مجموعة من الأُمور؛ لكي يستوضح المعنى المراد من الآية التي يراد تفسيرها، وهذا النمط من المعنى يعتمد على ظاهر القرآن، وأمّا لو اعتمد المفسّر أو الباحث على بطون الآية فسوف يكون من المعنى التأويلي، وكلتا الطريقتين قد اعتمدها الأئمّة(عليهم السلام) في توضيح القرآن للناس؛ فقد روى فضيل ابن يسار، قال: «قلت لأبي جعفر(عليه السلام)، قول الله في كتابه (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[63]؟ قال: من حرق أو غرق. قلت: فمَن أخرجها من ضلال إلى هدى؟ فقال: ذلك تأويلها الأعظم»[64]. وغير ذلك من الأحاديث التي لا يسعنا نقلها في المقام.

ومن أهم النظريات التي بحثت في المجال التفسيري وعلوم القرآن هو ما اصطلح عليه علماؤنا بنظرية (الجري والانطباق)، وهي من القواعد المدعمة بأدلة متينة ومنقّحة في بحوث ودراسات معمّقة ودقيقة؛ إذ تطرّق إليها كبار العلماء وساقوا الروايات الواردة في هذا المقام[65].

والخوض في هذا المجال بشكل مفصّل يخرجنا عن موضوع بحثنا؛ لذا سوف نكتفي بإعطاء لمحة مختصرة عن بعض خواص هذه النظرية ومدى انطباقها على التوظيف القرآني في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام)، فنقول:

1-معنى النظرية

المراد من نظرية الجري والانطباق ـ أو الجري والتطبيق ـ: هو عملية تطبيق لمضمون آيةٍ من آيات القرآن النازلة في شأن أو معنىً محدد أو مفهوم من المفاهيم التي تناولها حين نزوله، وإسقاطه على شخص أو مفهوم أو معنى لم يكن موجوداً في زمن النص، أو لم يكن مورداً للآية، إلّا أنّه مشتمل على الخصوصيات ذاتها التي اشتمل عليها موردها الذي نزلت في حقّه، فيكون وجه الشبه بين الموردين هو المصحح والمبرر لتطبيقها على المتأخر بعد أن نزلت في حق المتقدّم، والذي يُعبّر عنه في علم التفسير بـ(شأن النزول) أو (مورد النزول)[66].

ومن نماذج وتطبيقات هذه النظرية المهمة ما ذكره الطباطبائي(رحمه الله) في قوله تعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)؛ إذ قال(قدس سره): «... وفى البصائر عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). قال: تفسيرها في بطن القرآن: ومن يكفر بولاية علي. وعلي هو الإيمان. أقول: هو من البطن المقابل للظهر بالمعنى الذي بيناه في الكلام على المحكم والمتشابه في الجزء الثالث من الكتاب، ويمكن أن يكون من الجري والتطبيق على المصداق، وقد سمّى رسول الله(صلى الله عليه واله) علياً(عليه السلام) إيماناً حينما برز إلى عمرو بن عبد ودِّ يوم الخندق؛ حيث قال(صلى الله عليه واله): برز الإيمان كلّه إلى الكفر كلِّه»[67].

2- أدلة النظرية

هناك مجموعة من الروايات الواردة عن الأئمّة(عليهم السلام) يستفاد منها أنّ القرآن قابل للانطباق على موارد وأفراد في كل زمان ومكان، وأنّه لا يقتصر على زمن من الأزمنة أو مكان من الأمكنة، ومن هذه الروايات استنتج العلماء والمفسّرون نظرية الجري والانطباق، أو ما تسمّى بنظرية الجري والتطبيق، وكنموذج لهذه الروايات نذكر الموارد الآتية:

1ـ ما رواه العيّاشي بإسناده عن أبي جعفر(عليه السلام): «إنّ القرآن حيٌّ لا يموت، والآية حيَّةٌ لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ماتت الآية لمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين»[68].

2ـ ما ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: «ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات أُولئك ماتت الآية لما بقيَ من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض، ولكل قوم آية يتلوها هم منها من خير أو شر»[69].

3ـ عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «إنّ القرآن حيٌّ لم يمت، وإنّه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا»[70].

وعلى هذا الأساس؛ فيتحتم علينا أن نبحث في الآيات التي استعملها الإمام الحسين(عليه السلام) في خطاباته الصادرة عنه في واقعة الطف، لنرى ما هي الصلة والعلاقة بين موارد نزولها وبين الأفراد الذين طبقها عليهم.

إذاً؛ سوف تكون حيثية البحث في سلسة البحوث اللاحقة ـ إن شاء الله تعالى ـ عن إمكانية توظيف نظرية الجري والانطباق على الأشخاص الذين طبّق الإمام الحسين(عليه السلام) في حقّهم بعض الآيات التي تضمّنتها بياناته المباركة التي خاطبهم بها؛ من خلال المقارنة بين موارد نزولها وبين أُولئك الشخصيات الذين عاصروا الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا ما سوف نوكل الحديث عنه في أبحاث لاحقة إن شاء الله تعالى.

على أنّ هناك بعض الآيات التي ذكرها الإمام الحسين(عليه السلام) في بياناته المباركة إلّا أنّ انطباقها عليه من جهة نزولها في حقه؛ كونه من ضمن الأشخاص الذين خصهم الله (عز وجل) بهذه المنزلة الكريمة؛ كما في آية التطهير التي احتج بها على مروان بن الحكم في المدينة المنورة[71].

نتيجة البحث

ومن خلال ما تقدّم في المباحث المتقدمة نستنتج النقاط الآتية:

1ـ إنّ البحوث التي تطرّقت إلى البعد القرآني في النهضة الحسينية لا تتناسب مع المساحة التي يشغلها القرآن الكريم في واقعة الطف؛ ولذا نرى من الضروري جداً تعميق الدراسات القرآنية في الجانب الحسيني، ومن هذا المنطلق خصّصت مجلّة الإصلاح الحسيني ملفاً مستقلاً لهذه الأبحاث يحتوي مجموعة من العناوين المهمة في الجانب القرآني.

كما أنّ الدراسات المرتبطة بالآيات التي تلاها الإمام الحسين(عليه السلام) في نهضته المباركة، لا تكاد تذكر سوى ما أشرنا إليه في السابقة الدراسية، وفي ضوء ذلك بادرنا إلى دراسة هذا الموضوع ضمن سلسلة من الأبحاث لعلّنا نُسهم في إثراء الساحة الفكرية من هذه الزاوية المهمة.

2ـ تعرّفنا على الأسباب التي دعت الإمام الحسين(عليه السلام) إلى التوظيف القرآني في نهضته الإصلاحية، وأنّ ذلك قد أعطى نتائج مهمة وثماراً كثيرة جداً. فيما نلحظ خلو الخطاب في الجبهة المعادية من أيّ استعمال قرآني، مع أنّهم استعملوا شتى الطرق والأساليب من أجل استمالة الأُمّة وتحريضها على قتل الإمام الحسين(عليه السلام).

3ـ استطعنا أن نجيب عن إشكالية التنافي بين التوظيف القرآني في الخطابات الحسينية وبين ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) من نهي عن الاحتجاج بالقرآن وأنّه حمال ذو وجوه، وتبيّن أنّ هناك عدّة أجوبة يمكن ذكرها في المقام.

4ـ تبيّن لنا أنّ هناك مجموعة من الأنماط التي استعملها الإمام الحسين(عليه السلام) في خطاباته المتضمّنة للآيات القرآنية، وقد ذكرنا بعضاً منها.

5ـ إنّ نوع الاستعمال للآيات القرآنية في كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) والمسوّغ لتطبيقها في بياناته المباركة هو اندراجها تحت نظرية الجري والانطباق.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

* نهج البلاغة.

1. الإرشاد، محمد بن محمد المفيد، منشورات دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1993م.

2. الأمالي، محمد بن علي الصدوق، منشورات مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

3. أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1394هـ/1974م.

4. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، منشورات مؤسسة الوفاء، بيروت، الطبعة الثانية، 1983م.

5. البداية والنهاية، إسماعيل بن كثير، منشورات مكتبة المعارف، بيروت ـ لبنان.

6. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، الطبعة الرابعة، 1983م.

7. تفسير العيّاشي، محمد بن مسعود العيّاشي، منشورات المكتبة العلمية الإسلامية، طهران ـ إيران.

8. خصائص أمير المؤمنين، أحمد بن شعيب النسائي، منشورات مكتبة المعلا، الكويت، الطبعة الأُولى، 1406هـ.

9. دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري، منشورات مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1413هـ.

10. شرح الأخبار، القاضي النعمان بن محمد المغربي، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1414هـ.

11. شرح نهج البلاغة، عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1998م.

12. عقليات إسلامية، محمد جواد مُغنية، منشورات عزّ الدين للطباعة والنشر.

13. الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي، منشورات دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1991م.

14. الفوائد الطوسية، محمد بن الحسن الحر العاملي، منشورات المطبعة العلمية، قم المقدّسة ـ إيران، 1403هـ.

15. القرآن في الإسلام، محمد حسين الطباطبائي، منشورات دار الزهراء للطباعة والتوزيع والنشر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1973م.

16. الكامل في التاريخ، علي بن أبي الكرم بن الأثير، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1415ه‍.

17. المحاسن، أحمد بن محمد البرقي، منشورات دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، 1370هـ.

18. مستدرك سفينة البحار، علي النمازي الشاهرودي، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، 1418هـ.

19. المسترشد، محمد بن جرير الطبري، منشورات مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور، الطبعة الأُولى، 1415هـ.

20. مع الركب الحسيني، علي الشاوي، نشر مركز الدراسات الإسلامية لممثلية الولي الفقيه، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1425هـ.

21. مناقب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، منشورات مجمع إحياء الثقافة الإسلامية قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1412هـ.

22. الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي، منشورات مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة.

23. وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، منشورات دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الخامسة، 1983م.

المجلات

24. مجلّة الإصلاح الحسيني، منشورات مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، النجف الأشرف ـ العراق.

25. مجلّة العقيدة، منشورات المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، النجف الأشرف ـ العراق، 2016م.

المواقع الإلكترونية

26. http://www.ruqayah.net/subject.php?id

[1] البحث عبارة عن محاضرة في ندوة علمية أُلقيت في مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية فرع الأهواز، بتاريخ 12/4/2018م.

[2] ما قمنا به من مسح ميداني إنّما كان حول النتاجات التي كُتبت باللغة العربية، وأمّا البحوث أو المقالات التي كتبت بلغات أُخرى فقد تكون غير قليلة؛ إذ إننا وجدنا مجموعة من المقالات التي كُتبت باللغة الفارسية يجدها القارئ الكريم في (مرکز التحقیقات الكومبيوترية للعلوم الإسلامیة ـ نور) وغيره من المجلات والمواقع الإلكترونية الإيرانية، فضلاً عن بقيّة اللغات الأُخرى التي ليست لنا معرفة بها.

[3] بما أنّ هذا البحث قد أُعدَّ لغرض طرحه في ندوة علمية مشتركة مع جامعة القادسية بتاريخ 14/3/2017م ـ التي لم تسمح الظروف بانعقادها وقتئذٍ ـ فقد أجريت هذه الإحصائية في ذلك الوقت، ثمّ أُلقيت هذه المحاضرة في مدينة الأهواز، بتاريخ 12/4/2018م.بدعوة من قِبل مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، إحدى فروع مؤسستنا هناك، وحينها لم نحصل على نتاجات ذات صلة بالملف القرآني سوى العناوين التي أُدرجت آنفاً.

إلّا أنّنا ومنذُ مدّة قصيرة ـ ومن خلال المتابعة المستمرة حول الموضوع ـ اطّلعنا على رسالة ماجستير للباحث وسيم راقم رحيم، تحت عنوان (توظيف النص القرآني في الثورة الحسينية/دراسة تفسيرية تحليلية) تمّت مناقشتها في كلية الفقه/جامعة الكوفة بتاريخ1٠/٦/٢٠١٩م، فاقتضى التنويه.

ومع أنّ هذه الرسالة القيّمة تلتقي مع ما تناولناه في هذه السلسة من حيث المادة والنصوص التي اعتمدها الباحث وهي الآيات القرآنية التي وردت في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام) ـ بالإضافة إلى الآيات التي وظّفها أهل بيت الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه الشهداء، بل إنّه أورد كذلك الآيات التي استدل بها أعداء الإمام الحسين(عليه السلام) بعد استشهاده كما في الآيات التي استشهد بها ابن زياد ويزيد بن معاوية وغيرهما ـ إلّا أنّ الآلية التي اتّبعها مختلفة عمّا نقوم به هنا؛ إذ كانت أدوات بحثه معتمدة على علم الألسنيات ونظرياته الحديثة: «عِبْرَ التحليل الصوتي، والتحليل المُعجمي، والتحليل الصرفي، والتحليل النحوي، والتحليل الايحائي، والتحليل السياقي القرآني...» ـ على ما ذكره في ص6 وما وقفنا عليه من خلال قراءتنا لمحتوى الرسالة ـ في حين أنّنا سعينا لتوظيف نظرية الجري والانطباق في محاولة جادّة لمعرفة العلاقة بين الأشخاص الذين نزلت في حقّهم هذه الآيات المباركة وبين مَن طبق الإمام الحسين(عليه السلام) الآيات المباركة في حقّهم، من خلال قراءة الوقائع التي عاشتها الذوات التي طُبقت الآيات في حقّهم، بعد البحث عن المعنى التفسيري لهذه الآيات المباركة.

[4] اُنظر: مُغنية، محمد جواد، عقليات إسلامية: ج2، ص509.

[5] اُنظر: المصدر السابق.

[6] اُنظر: مجلّة الإصلاح الحسيني، العدد٥، ١٤٣٥هـ/٢٠١٣م: ص39.

[7] اُنظر: الموقع

http://www.ruqayah.net/subject.php?id.

[8] اُنظر: مجلّة الإصلاح الحسيني، العدد٧، ١٤٣٥هـ/٢٠١٤م: ص199.

[9] اُنظر: مجلّة العقيدة، العدد٩، ١٤٣٧هـ/٢٠١٦م: ص9.

[10] اُنظر: مجلّة الإصلاح الحسيني، العدد 1٦، ١٤٣٧هـ/٢٠١٦م: ص93.

[11] اُنظر: المصدر السابق: ص165.

[12] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص322.

[13] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص392.

[14] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص90.

[15] اُنظر: الشاوي، علي، مع الركب الحسيني: ج1، المقدّمة.

[16] الكوفي، محمد بن سليمان، مناقب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): ج2، ص507.

[17] الأحزاب: آية23.

[18] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص306.

[19] المصدر السابق: ج4، ص331.

[20] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص25.

[21] القصص: آية21.

[22] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص35.

[23] القصص: آية22.

[24] الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص23.

[25] آل عمران: آية178.

[26] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص319.

[27] الأحزاب: آية33.

[28] الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص17.

[29] الحج: آية7.

[30] هود: آية88.

[31] الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص21.

[32] يونس: آية41.

[33] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص289.وأيضاً: ابن كثير، إسماعيل ابن كثير، البداية والنهاية: ج8، ص179.

[34] يونس: آية71.

[35] الأعراف: آية196.

[36] في المصدر (لحق).وهو خطأ واضح، والصحيح ما أثبتناه في النص عن بعض المصادر.اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص97.كما ذكر في الكامل: «يجب لكم عليَّ».ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التـاريخ: ج4، ص61.

[37] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص322.

[38] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنـوار: ج45، ص6.

[39] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص331.وأيضاً: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص67.

[40] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص89.

[41] الحج: آية11.

[42] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص98.

[43] اُنظر: الحر العاملي، محمد بن الحسن، الفوائد الطوسية: ص163.

[44] نهج البلاغة (خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)): ج3، ص136.

[45] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص222.

[46] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج2، ص360.وأيضاً: القاضي المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج2، ص47.

[47] القاضي المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج2، ص49.وأيضاً: النسائي، أحمد بن شعيب، خصائص أمير المؤمنين: ص148.

[48] الطبري، محمد بن جرير، المسترشد: ص393.

[49] الزمر: آية28.

[50] فصلت: آية3.

[51] الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج18، ص148.

[52] النمازي الشاهرودي، علي، مستدرك سفينة البحار: ج8، ص200.

[53] ابن أبي الحديد المعتزلي، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج18، ص72.

[54] آل عمران: آية33.

[55] الكهف: آية9.

[56] الكوفي، محمد بن سليمان، مناقب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): ج2، ص267.

[57] الأعراف: آية196.

[58] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص322.

[59] غافر: آية71.

[60] الطبري، محمد بن جرير، دلائل الإمامة: ص78.

[61] الأحزاب: آية23.

[62] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص306.

[63] المائدة: آية5.

[64] البرقي، أحمد بن محمد، المحاسن: ج1، ص232.

[65] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، القرآن في الإسلام: ص52.الميزان في تفسير القرآن: ج1، ص42.

[66] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، القرآن في الإسلام: ص52.

[67] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج5، ص218.

[68] العيّاشي، محمد بن مسعود، تفسير العيّاشي: ج2، ص203.

[69] المصدر السابق: ج1، ص10.

[70] المصدر السابق: ج2، ص203.

[71] اُنظر: الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص17.

مدخل إلى الحضور القرآني في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام)