المقدّمة

يمثّل كلّ مقطع زماني ـ ولو كان غاية في القصر ـ ظرفاً لكثير من الأحداث في هذه الدنيا المترامية، فالدنيا دار التحوّل والتغيّر المستمرين، فهي محلّ الحوادث، والإنسان جزء من هذا العالم الذي سِمته التغيّر والتبدّل. وعادةً ما تكون الحوادث أسيرة ظرفها، تغرق بمجرد انقطاع زمانها في بحر من النسيان لا قرار له، لكن هذا القانون ليس شاملاً؛ إذ تُبدي بعض الحوادث إباءً عن أن تتحدّد بإطار زماني أو ظرف مكاني، فتعوم فوق بحر النسيان، لا تتأثر بمساحته ولا بعمق قراره، ومن أبرز تلك الحوادث التي شكّلت منعطفاً في تاريخ النوع الإنساني: هبوط آدم(عليه السلام) إلى الأرض وبداية مسيرة نوع الإنسان عليها، وطوفان نوح(عليه السلام) فقد جرى حكم التكوين بقطع دابر الكافرين إغراقاً بطريقة لم ترَ الدنيا مثلها، وبعض محطّات حياة إبراهيم الخليل، ومعجزات موسى، ومسيرة عيسى(عليهم السلام) ، وبعثة النبي(صلى الله عليه واله) ومسيرته.

ومن تلك الحوادث ثورة الحسين(عليه السلام) ، فقد ضربت بأطناب ذكرها في كلّ بقعة من الأرض، وقد سمعت الدنيا بأسرها صوتها الذي لم تستطع قرون من الزمان على تراكمها أن تقلّل من هديره أو تخفف من دويه، ليشكّل في بقائه وتجلياته شيئاً خارجاً عن المألوف بكلّ المقاييس.

إنّ الباحث لو أراد الوقوف على أهمّ الحوادث في التاريخ البشري لا يُخطئ واقعة كربلاء، فقد كانت واقعةً متميّزةً بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، في عظمة القيادة، ونوع الأتباع، وسموّ الهدف، وارتقاء المبدأ، وسقف التضحية، ووضوح الرؤية، وضخامة الآثار، ومثالية التخطيط، واستيعابها للتفاصيل.

وعليه؛ فلا بدّ أن لا يقتصر النظر إلى ثورة الحسين(عليه السلام) على ما يقتضيه مجرّد الاطلاع على التاريخ، فأهمية دراسة التأريخ تنشأ من تأثير فهمه على صياغة المستقبل وانعكاسه على الحاضر، فصورة المستقبل مرتبطة بغرس الحاضر، ولكثرة العبرة في هذه الواقعة استحقّت الاهتمام الكبير مع أنّها لم تستوعب من الزمن إلّا سويعات تمثّلت في زمان حدوثها الممتد على جزء من نهار واحد لا يشكّل شيئاً لو قيس بعمود الزمان، ولكن تناولتها أقلام مئات ـ إن لم يكن آلاف ـ الباحثين، ولا نبالغ إن قلنا: إنّ بعض ألفيات أُمم لم تحظَ بالاهتمام كما حظيت به ثورة الحسين(عليه السلام) على قصر مدّة حدوثها.

لقد جسّدت واقعة كربلاء التاريخ واختزلت أكثر حكاياته الكبرى بشكل عجيب، فكانت خير حاكٍ بالفعل والتجسيد لا بالقول، عن صراع بين صنفين من البشر: أحدهما ملكته الهداية إن لم يملكها، وقاده العقل، ووجهته الحكمة إن لم يوجهها، فكان له في تلك الواقعة الانطلاقة والسمو والارتقاء إلى ذرى المجد والكمال؛ ليخطّ للطالبين علامات الطريق، ويشعل للمتمردّين نبراساً في ظلمة الارتياب ووحشته.

والآخر نظر إلى الدنيا كغاية، وكانت لآماله من وجوده النهاية، وسعى ليظفر بنتفة منها فصرعته، وأراد أن يسكن إليها فخذلته، لم توفر له دوام البقاء، ولم تدفع عنه فنون البلاء، جمع في صنفه من طلاب الدنيا ومن سفهاء الناس وحمقى الأُمّة ما صار أداةً له في الحروب وحطباً لها، لم يحمل مبدأ سامياً ليراعيه، ولا خلقاً رفيعاً ليداريه، إنّما عمل بطريقة أسير لدنيا بزخارفها، وعاشق لها ببهارجها.

والتقى هذا بذاك، فكان ما كان منهما، وكلّ إناء بالذي فيه ينضح، فالأوّل سجّل من المواقف وأصدر من الأفعال ما كان مثالاً يُحتذى به ومناراً يُهتدى به، والآخر لم يتوفّر على مبدأ، ولم يحتكم إلى عقل، ولم تتيسّر له حكمة، فقاده هواه إلى بواره، ثمّ صار سبّة على ألسنة اللاعنين، فقد عبد الدنيا وكفر بكلّ ما سواها، فلم تجد مكارم الأخلاق في نفسه موضعاً، ولم يلقَ نداء العقل في أُذنه مسمعاً، ولم تحصل الحكمة فيه مرتعاً، ولم تنلْ دعوة الحقّ معه مطمعاً، عبد الدنيا فأحسن عبادتها، وأعرض عن الآخرة فأجاد منافرتها، وتلك حكاية التاريخ تنافر بين المتناقضين، وحرب لا تكاد تضع أوزارها حتّى تتجدّد فصولها، فالأسباب ما دامت باقية فإنّ مسبّباتها متوالية، فالأيدي وإن تركت سيوفها فإنّ النفوس لا تتخلّى عن مطامحها، والحقّ والباطل متنافران تنافر الليل والنهار، متباعدان تباعد الشتاء والصيف، والدنيا بين جولة لهذا ودولة لذاك. هذا ما حوته حكايات الماضي وتنبئ به حوادث المستقبل. ولا تقف المنازلات الكبرى إلّا بثورة الحقّ التي سيقودها إمام ادّخرته الإرادة الإلهية للجولة الأخيرة من هذه الصراعات؛ ليعلي راية الحقّ ويكسر راية الباطل إلى غير رجعة.

إنّ ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت علامةً مميّزةً ومفردة شاخصة في جولات الصراع، فقد قاد جبهة الحقّ إمام معصوم تبعته ثُلّة سبقت لهم من الله الحسنى، ليسطّروا ملحمةً لا ينقطع عطاؤها عمّن أراد الاعتبار، وقد كسرت عظمتها قيود الزمان والمكان.

وعلى هذا الأساس حظيت ثورته(عليه السلام) باهتمام من قِبل أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) ، إلى مستوى شكّلت علامةً في هوية الانتماء المذهبي وعنواناً بارزاً فيها؛ إذ نرى اهتماماً بالغاً بكلّ ما يرتبط بالقضية الحسينية، ونجد ذلك في الزيارة المليونية التي لا نظير لها على مستوى العالم والمجالس والشعائر، تحركّها المحبّة تجسيداً لقول الصادق(عليه السلام) : «وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا»^{^[1]}، وتطغى عليها أجواء العاطفة، وترخص فيها الدموع، فهو(عليه السلام) عَبرة كلّ مؤمن، وقد تأسّس ذلك بسيرة الأئمّة(عليهم السلام) وتوصيات صدرت منهم لشيعتهم^{^[2]}.

ونظراً لتأثير ذلك في نفوس الأُمّة؛ فقد حاولت يد العبث بالتراث أن تُشكّك في كلّ شيء في مدرسة عُرف عنها أنّها تقارع الظلم وتحارب سلاطين الجور، ومن ضمن ما ذهبت إليه طوائف من القوم تحريم البكاء على الميت وعدم شرعيته، مستندين في ذلك إلى روايات نُسبت إلى النبي(صلى الله عليه واله) ، بينما وردت عشرات الروايات عن أهل البيت(صلى الله عليه واله) على خلافها بالحثّ على البكاء، وأطبقت سيرة المتشرعة عليها، وقبلها جرت سيرة العقلاء دون ردع من الشارع فضلاً عن عمل المعصومين(عليهم السلام) بما لا يدع للباحث المنصف محلاً للتأمّل في استحباب البكاء، فضلاً عن أصل شرعيته وجوازه.

وقد بحثت في إثبات الجواز أولاً، ثمّ في وجوه الاستحباب، ثمّ في روايات النهي عن البكاء وردّها، ثمّ البحث في وجوه تقديم أدلّة الجواز على النهي على فرض المعارضة. ولم أستعرض جميع الأدلة؛ لأنّها خارجة عن الغرض هنا، وما نقلته فيه الكفاية، بل فوق حدّ الاكتفاء. كما تعرّضت لما يمكن أن يكون دليلاً على قول القوم من رواياتهم ورواياتنا، وربما أغناني البحث الدلالي عن السندي؛ إذ بعد سقوط الرواية عن الاستدلال لا حاجة إلى تحقيق السند، لكنّ ذلك كان في بعض الروايات دون بعضٍ آخر.

المبحث الأوّل: في جواز البكاء

إن مقتضى الأصل والقاعدة في المقام هو الجواز، والقاعدة هنا هي أصالة الإباحة، وهذه هي المرحلة الأُولى في الاستدلال، وتتمثّل المرحلة الثانية في الأدلة الخاصّة، وهي على أصناف:

الصنف الأول: فعل المعصومين(عليهم السلام)

إنّ العصمة تقتضي مطابقة كلّ فعل من أفعال المعصومين(عليه السلام) ـ ولو لمرّة واحدة ـ
لأحكام الشريعة، فيكون الإتيان بفعل من قِبلهم دالاً على جوازه بالمعنى الأعم
ـ المقابل للحرمة ـ إذ المعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه وفق حديث الرضا(عليه السلام) مع المأمون العباسي^{^[3]}. والروايات في ذلك متواترة وهي على طوائف:

الطائفة الأُولى: ما دلّ على بكاء النبي(صلى الله عليه واله) والعترة الطاهرة(عليهم السلام) بشكل عام

1ـ بكاء النبي(صلى الله عليه واله) : فقد حفل الموروث الديني بمفردات متعدّدة من بكائه(صلى الله عليه واله) على موتى، منهم: فاطمة بنت أسد^{^[4]}، وخديجة بنت خويلد^{^[5]}، وجعفر بن أبي طالب^{^[6]}، وحمزة بن عبد المطلب^{^[7]}، وابنه إبراهيم^{^[8]}.

وما جاء في دعائم الإسلام من نهي النبي(صلى الله عليه واله) عن البكاء على ابنه إبراهيم بعد أن بكى عليه، فلا دلالة فيه على حرمة البكاء، ونص الرواية هو: «عن علي(صلوات الله عليه) أنّه قال: لمّا مات إبراهيم ابن رسول الله(صلى الله عليه واله) أمرني رسول الله، فغسّلته، وكفّنه رسول الله(صلى الله عليه واله) وحنّطه، وقال لي: احمله يا علي. فحملته حتّى جئت به إلى البقيع، فصلّى عليه، ثمّ أدناه من القبر، ثمّ قال لي: يا علي، انزل. فنزلت ودلاه عليّ رسول الله(صلى الله عليه واله) ، فلمّا رآه منصباً بكى(عليه السلام) ، فبكى المسلمون لبكاء رسول الله(صلى الله عليه واله) حتّى ارتفعت أصوات الرجال على أصوات النساء، فنهاهم رسول الله(صلى الله عليه واله) أشدّ النهي، وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يُسخط الرب، وإنّا بك لمصابون، وإنّا عليك لمحزونون يا إبراهيم»^{^[9]}.

فإنّ الرواية قد نصّت على أنّه(صلى الله عليه واله) بكى، وهل تراه(صلى الله عليه واله) يُسوِّغ لنفسه البكاء وينهى غيره عنه وهو الأُسوة الحسنة للناس؟! ثمّ حين قال: «تدمع العين ويحزن القلب» هل عنى غير البكاء؟! وقد يكون في قوله(صلى الله عليه واله) : «ولا نقول ما يُسخط الربّ» إشارة إلى أنّ بعضاً قد صدر منه ذلك فاستوجب أشدّ النهي، أو أنّ الذي صدر عنهم هو نوح أو عويل أو هجر، وقد ورد في جملة من الروايات النهي عن ذلك، فقد ورد عن علي(عليه السلام) أنّه قال: «رخّص رسول الله(صلى الله عليه واله) بالبكاء عند المصيبة، وقال: النفس مصابة، والعين دامعة، والعهد قريب، فقولوا ما أرضى الله، ولا تقولوا الهجر»^{^[10]}.

2ـ بكاء أمير المؤمنين(عليه السلام) : لقد سجّلت لنا الروايات بعض مفردات بكاء أمير المؤمنين(عليه السلام) على بعض أعزته حين خطفهم الموت، ونقتصر هنا على ثلاثة أسماء هي: فاطمة الزهراء(عليها السلام) ^{^[11]}، وعمّار بن ياسر^{^[12]}، ومالك الأشتر^{^[13]}.

نعم، إنّ الرواية في مالك الأشتر لم تدلّ صريحاً على بكائه(عليه السلام) عليه، لكنّه قال: «فعلى مثلك فلتبكِ البواكي»، وهي أوضح دلالة على الجواز من بكائه(عليه السلام) ؛ لانتفاء احتمال اختصاص الحكم به. وفي رواية أُخرى أنّه(عليه السلام) قد «بكى عليه أيّاماً وحزن عليه حزناً شديداً، وقال: لا أرى مثله بعده أبداً»^{^[14]}.

3ـ بكاء السيّدة الزهراء(عليها السلام) على رسول الله(صلى الله عليه واله) : لقد بكت السيّدة الزهراء(عليها السلام) على وفاة أبيها، وأكثرت من ذلك حتّى عُدّت من البكّائين الخمسة في تاريخ النوع البشري، ففي الرواية عن الصادق(عليه السلام) قال: «البكّاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين(عليهم السلام) ... أمّا فاطمة فبكت على رسول الله(صلى الله عليه واله) حتّى تأذّى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك. فكانت تخرج إلى المقابر ـ مقابر الشهداء ـ فتبكي حتّى تقضي حاجتها ثمّ تنصرف...»^{^[15]}.

وقد بكت على رسول الله(صلى الله عليه واله) وهو حيّ حين أخبرها بأنّه سيموت، وضحكت بعد ذلك حين أخبرها أنّها أوّل الناس لحوقاً به^{^[16]}. فأيّهما أوْلى بالمنع؟ البكاء على موت مَن سيموت أو البكاء على مَن مات بعد موته؟!

4ـ بكاء الحسين(عليه السلام) على جدّته خديجة(عليها السلام) : فقد نقل ابن شهر آشوب عن عيون المجالس: «أنّه ساير أنس بن مالك، فأتى قبر خديجة فبكى...»^{^[17]}.

الطائفة الثانية: بكاء الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام) على الحسين(عليه السلام)

ما تقدّم إلى الآن كان بعض مفردات بكاء المعصومين(عليهم السلام) على موتى ثُكلوا بموتهم، وفيه دلالة كافية على جواز البكاء على الميت، وفعل المعصوم ـ بحكم عصمته ـ دليل الجواز، وبما أنّهم أُسوة للناس وقدوة حسنة يشتركون مع الناس في أحكامهم إلّا ما دلّ الدليل على اختصاصهم به بدون غيرهم، فإذا ثبت بكاؤهم على موتى دون احتمال خصوصية في المتوفّى ثبت الجواز لنا أيضاً بلا ريب.

وقد اختصّ الحسين(عليه السلام) ببكاء الجميع عليه قبل استشهاده وبعده، وأكثرت الروايات من نقل ذلك، بل تجاوزت دائرة البكاء عليه النبي(صلى الله عليه واله) وأهل بيته(عليهم السلام) لتشمل الأنبياء السابقين(عليهم السلام) ، وهذا ما سنتعرّض له في الصفحات القادمة؛ ليكون دليلاً آخر على جواز البكاء بخصوص الحسين(عليه السلام) ، والمصيبة التي تُسكب الدموع لها قبل وقوعها أوْلى بالبكاء بعد حدوثها.

1ـ بكاء الخضر وموسى(عليهما السلام) على الحسين(عليه السلام)

نقل المجلسي عن قصص الأنبياء قوله: «الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن أبي بصير، عن أحدهما(صلوات الله عليهما) قال: لمّا كان من أمر موسى الذي كان أُعطي مكتلاً فيه حوت مالح فقيل له: هذا يدلّك على صاحبك عند عين لا يُصيب منها شيء إلّا حيَّ، فانطلقا حتّى بلغا الصخرة وجاوزا، ثمّ قال لفتاه: آتنا غداءنا. فقال: الحوت اتخذ في البحر سرباً، فاقتصا الأثر حتّى أتيا صاحبهما في جزيرة في كساء جالساً، فسلّم عليه، وأجاب، وتعجّب وهو بأرض ليس بها سلام، فقال: مَن أنت؟ قال: موسى. فقال: ابن عمران الذي كلّمه الله؟ قال: نعم. قال: فما جاء بك؟ قال: أتيتك على أن تعلّمني. قال: إنّي وكّلت بأمر لا تطيقه. فحدّثه عن آل محمد وعن بلائهم وعمّا يُصيبهم، حتّى اشتدّ بكاؤهما، وذكر له فضل محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وما أُعطوا وما ابتلوا...» ^{^[18]}.

ويبدو أنّ الرواية تامّة إذ ليس فيها محلّ تأمل إلّا(ابن عيسى)، وهو محمد بن عيسى المشترك بين ابن عبيد وابن عبد الله بن سعد، والثاني ثقة، بل وكذا الأوّل؛ لأنّ الظاهر منه أنّه ابن عبيد بن يقطين، وقد وثّقه النجاشي^{^[19]}، هذا من جهة السند، وأمّا من جهة الدلالة فإنّ الرواية نصّت على أنّ الخضر وموسى اشتدّ بكاؤهما عند الحديث عن بلاء آل محمد وعمّا يُصيبهم، ومن أعظم ما وقع لأهل البيت(عليهم السلام) مصيبة الحسين(عليه السلام) .

2ـ بكاء النبي(صلى الله عليه واله) على الحسين(عليه السلام)

أـ روى صاحب الكفاية بإسناده عن عائشة أنّها قالت: «كانت لنا مشربة، وكان النبي(صلى الله عليه واله) إذا أراد لقاء جبرئيل(عليه السلام) لقيه فيها، فلقيه رسول الله(صلى الله عليه واله) مرّة فيها وأمرني أن لا يصعد إليه أحد، فدخل عليه الحسين بن علي(عليه السلام) ، فقال جبرئيل: مَن هذا؟ فقال
رسول الله(صلى الله عليه واله) : ابني. فأخذه النبي فأجلسه على فخذه، فقال جبرئيل: أَما إنّه سيُقتل. قال رسول الله(صلى الله عليه واله) : ومَن يقتله؟ قال: أُمّتك تقتله... فبكى رسول الله(صلى الله عليه واله) ...»^{^[20]}.

ب ـ روى ابن نما في مثير الأحزان عن ابن عباس، قال: «لمّا اشتدّ برسول الله(صلى الله عليه واله) مرضه الذي مات فيه وقد ضمّ الحسين(عليه السلام) إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول: ما لي وليزيد لا بارك الله فيه، اللّهم العن يزيد. ثمّ غشي عليه طويلاً وأفاق، وجعل يقبّل الحسين وعيناه تذرفان، ويقول: أَما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله)عز وجل) »^{^[21]}.

وقد جمع العلماء ما يُشير إلى بكائه(صلى الله عليه واله) على الحسين(عليه السلام) في عشرين مورداً.

3ـ بكاء أمير المؤمنين(عليه السلام) على الحسين(عليه السلام)

روى الصدوق مسنداً عن مجاهد عن ابن عباس، قال: «كنت مع أمير المؤمنين(عليه السلام) في خروجه إلى صفّين، فلمّا نزل بنينوى ـ وهو شط الفرات ـ قال بأعلى صوته: يابن عباس، أتعرف هذا الموضع؟ فقلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال علي(عليه السلام) : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي. قال: فبكى طويلاً حتّى اخضلّت لحيته وسالت الدموع على صدره، وبكينا معاً وهو يقول: أوّه أوّه، ما لي ولآل أبي سفيان؟!ما لي ولآل حرب، حزب الشيطان وأولياء الكفر؟! صبراً يا أبا عبد الله، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم... »^{^[22]}.

قال صاحب البحار: «ورُوي في بعض الكتب المعتبرة عن لوط بن يحيى، عن
عبد الله بن قيس، قال: كنت مع مَن غزا مع أمير المؤمنين(عليه السلام) في صفّين، وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس، فشكى المسلمون العطش، فأرسل فوارس على كشفه فانحرفوا خائبين، فضاق صدره، فقال له ولده الحسين(عليه السلام) : أمضي إليه يا أبتاه؟ فقال: امضِ يا ولدي، فمضى مع فوارس، فهزم أبا أيوب عن الماء وبنى خيمته وحطّ فوارسه، وأتى إلى أبيه وأخبره. فبكى علي(عليه السلام) ، فقيل له: ما يُبكيك يا أمير المؤمنين، وهذا أوّل فتح ببركة الحسين(عليه السلام) ؟ فقال: ذكرت أنّه سيُقتل عطشاناً بطف كربلاء حتّى ينفر فرسه ويُحمحم ويقول: الظليمة الظليمة لأُمّة قتلت ابن بنت نبيها»^{^[23]}.

4ـ بكاء فاطمة(عليها السلام) على الحسين(عليه السلام)

عن تفسير فرات قال: «حدّثني جعفر بن محمد الفزاري معنعناً، عن أبي
عبد الله(عليه السلام) قال: كان الحسين[(عليه السلام) ] مع أُمّه تحمله، فأخذه النبي(صلى الله عليه واله) وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين مَن أعان عليك. قالت فاطمة [(عليها السلام) ]: يا أبه، أيّ شيء تقول؟ قال: يا بنتاه ذكرت ما يُصيب بعدي وبعدك من الأذى والظلم [والغدر] والبغي... قالت: يا أبه، فيُقتل؟ قال: نعم يا بنتاه، وما قُتل قتلته أحد كان قبله... فقالت فاطمة [(عليها السلام) ]: يا أبه، إنّا لله. وبكت، فقال لها: يا بنتاه، إنّ أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا...»^{^[24]}.

5ـ بكاء بقيّة الأئمّة(عليهم السلام) على الحسين(عليه السلام)

أـ جاء في كتاب الأغاني عن علي بن إسماعيل، عن أبيه، قال: «كنت عند أبي عبد الله
جعفر بن محمد، إذ استأذن آذنه للسيّد، فأمره بإيصاله وأقعد حرمه خلف ستر، ودخل فسلّم وجلس، فاستنشده فأنشده قوله:

امْرُرْ على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكيّة

... قال: فرأيت دموع جعفر بن محمد تتحدر على خديه، وارتفع الصراخ والبكاء من داره حتّى أمره بالإمساك فأمسك»^{^[25]}.

ب ـ روى الصدوق عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمّه عبد الله بن عامر، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرضا(عليه السلام) : «... إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء...»^{^[26]}.

والرواية لا مشكلة في سندها إلّا من جهة جعفر بن محمد بن مسرور الذي ترضّى الشيخ الصدوق وترحّم عليه، وهي أمارة التوثيق عند بعضٍ، أمّا الباقون فكلّهم ثقات.

ج ـ ما عن الورد بن الكميت، عن أبيه الكميت بن المستهل أنّه استأذن الإمام الباقر(عليه السلام) أن ينشد فيهم أبياتاً، فأذن له الإمام(عليه السلام) ، فأنشد، فبكى(عليه السلام) ، وبكى أبو
عبد الله(عليه السلام) ، وسمع جارية تبكي من وراء الخباء، فأدام الكميت، فبكى(عليه السلام) ^{^[27]}.

الصنف الثاني: بكاء السماء والأرض على الحسين(عليه السلام)

هناك جملة من الروايات المستفيضة الواردة في بكاء السماء والأرض على الحسين(عليه السلام) ^{^[28]}، منها: ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارات، قال: «حدّثني محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان ابن يحيى، عن حريز، عن الفضيل، عن أحدهما(عليهما السلام) ، قال: إنّ على قبر الحسين(عليه السلام) أربعة آلاف ملك شعث غبر، يبكونه إلى يوم القيامة»^{^[29]}.

وقد ذكر السيّد الطباطبائي في تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ﴾^{^[30]}: «بكاء السماء والأرض على شيء فائت، كناية تخييلية عن تأثّرهما عن فوته وفقده، فعدم بكائهما عليهم بعد إهلاكهم كناية عن هوان أمرهم على الله، وعدم تأثير هلاكهم في شيء من أجزاء الكون»^{^[31]}. وهناك وجوه ثلاثة ذكرها صاحب مجمع البيان^{^[32]}.

وكيف كان، فبكاء السماء والأرض على اختلاف معناه ليس فيه دلالة واضحة على رجحان بكاء الناس على مرّ العصور، ومَن بكت عليه السماء ـ بحق وبالمعنى الحرفي أو ككناية تخييلية كما عبّر الطباطبائي(رحمه الله) ـ لم يكن أمره هيّناً على الله تعالى، ولا ريب في ذلك بالنسبة للحسين(عليه السلام) ، فما أعظم ما ارتكبته الأُمّة من جُرأتها على إمام زمانها وسبط رسولها لتقتله بتلك الطريقة البشعة وبذلك الأسلوب الوحشي؛ ولذا لم نقل باستحباب البكاء على يحيى(عليه السلام) وما جرى عليه على مرّ العصور، مع أنّه قد بكت عليه السماء أيضاً، وقد قُرن بالحسين(عليه السلام) ، فلا المظلومية علّة تامّة للبكاء على المظلوم، ولا عظم الفاجعة كذلك، ويرجع الأمر إلى خصوصية في الحسين(عليه السلام) لا توفّرها مفردة بكاء السماء والأرض، ولا تدلّ عليها، وتلك الخصوصية ترجع إلى المصالح التي تترتب على البكاء على الحسين(عليه السلام) بالخصوص، لا البكاء على كلّ مظلوم، بل قد لا أبالغ إن قلت: إنّ هذه الخصوصية وبهذا المستوى من الاستدعاء للحثّ الشرعي على العمل لم توجد حتّى في بقيّة المعصومين من أهل البيت(عليهم السلام) ؛ ولذا لا يجد الباحث في الروايات شيئاً معتدّاً به من بكاء الأئمّة(عليهم السلام) على أحدٍ كما بكوا على الحسين(عليه السلام) ، ولا حدّدت لتلك المناسبات أعمالاً خاصّة، فضلاً عن استمرار الحزن لعشرة أيّام على الأقل تغلب الكآبة فيها عليهم(عليهم السلام) ، ولا يُرى الإمام ضاحكاً خلالها.

الصنف الثالث: السيرة العقلانية

لقد جرت عادة الناس على البكاء على موتاهم، ولم يشذّ عن تلك الطريقة شعب أو أُمّة، ولو كان الشارع المقدّس لا يقبل بذلك لردع عن البكاء؛ لأنّه بدون الردع يُفوّت غرضه، والعاقل لا يُضيّع غرضه، فإذا لم يردع دلّ ذلك على أنّ الشارع يقبل بالبكاء على الموتى. والدليل على أنّ الشارع لم يردع، هو عدم وجود نهي عن البكاء في الموروث الشرعي مع كثرته.

فإن قيل: قد يكون الردع صادراً من الشارع المقدّس إلّا أنّه لم يصل إلينا، فقد ضاعت الكثير من الروايات للظروف التي مرّت على الأُمّة.

قلنا: إنّ الردع لا يمكن أن يكون بمستوى دون مستوى استحكام السيرة، واستحكام السيرة في البكاء على الموتى لا شك فيه على مرّ العصور، وهذا يعني أنّ الردع لو كان فإنّه سيكون بكمٍّ كبير من الروايات، فيكون ذلك مثاراً للسؤال من المعصومين(عليهم السلام) وصدور الجواب منهم، فيتوالد في الموروث الكثير من الأحاديث، مع توفّر الدواعي للنقل بحكم الحثّ على حمل العلم وتعليمه وحفظ الحديث، ومع انتفاء المانع عن النقل؛ إذ لا تقيّة تدعو إليه، لأنّ المنع الشرعي عن البكاء لو كان فإنّه لا يضرّ بمصالح الجهات الحاكمة على مرّ العصور واختلاف الظروف، ولا من مانع آخر يُتصوّر للمنع عن نقل النهي عن البكاء، وهذا يستلزم وصول الأخبار الكثيرة إلينا والمانعة عن البكاء، وبما أنّه لم يصلْ إلينا شيء في ذلك علمنا أنّ الشارع لا يمنع من بقاء الناس على طريقتها.

والسيرة لا تُثبت الاستحباب، بل غاية ما تُثبته الجواز، وبتعبير آخر: إمضاء السيرة دليل على قبول الشارع بما جرت عليه، والسكوت دليل الإمضاء، بل وكما جاء في طيّات البحث فقد ورد صدور البكاء من المعصومين(عليهم السلام) ، والحثّ عليه على الحسين(عليه السلام) وبوفرة كبيرة.

الصنف الرابع: الأمر بمودّتهم يقتضي تجويز البكاء عليهم

إنّ المتتبّع لا يجد في الموروث دفعاً باتجاه مودّة أحد وبشكل صريح ومباشر إلّا لأهل القربى، وقد نصّ القرآن الكريم على ذلك حين جعل أجر النبي(صلى الله عليه واله) على هدايته لنا المودّة في القربى؛ إذ قال تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)^{^[33]}، وحين قال تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)^{^[34]}، فأجر النبي(صلى الله عليه واله) هو مودّتهم(عليهم السلام) ، ومودّتهم سبيل إلى الله تعالى، فهي مطلوبة شرعاً، كما أنّ سؤال النبي(صلى الله عليه واله) للمودّة كأجر للرسالة كافٍ في إثبات مطلوبيتها شرعاً؛ لأنّ سؤاله(صلى الله عليه واله) لها ليس من منطلق الطلب الشخصي، بل بما هو نبي ومشرّع، وهذا يعني أنّ الشارع المقدّس يطلبها.

فالأمر بالمودّة بشكل صريح لم يرد إلّا في خصوص أهل البيت(عليهم السلام) ، ولذلك ملاكه ومصلحته الخاصة به. ثمّ بعد هذا الأمر هل ترى من المعقول أن ينهانا الشارع المقدّس عن البكاء عليهم حين نذكر ما جرى عليهم من المصائب والظلم؟!

ولو فرضنا إمكان أن ينهانا عن البكاء عمّن أمرنا بمودّتهم، لكان من اللازم أن يصرّح بذلك؛ لأنّه أمرٌ يحتاج إلى تنبيه باعتباره على خلاف ما يقتضيه الطبع؛ إذ ما يقتضيه الطبع أن نتفاعل مع ما ينزل من النوائب على مَن نوادّهم، ولما لم نجد نصاً بذلك علمنا أنّ الشارع يقبل بالبكاء عليهم.

الصنف الخامس: انتفاء المفسدة

وممّا يمكن أن يكون مؤيداً لجواز البكاء أنّ مشهور فقهائنا يبنون على أنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد التي في متعلقاتها، وأيّ مفسدة تتعقل في الرقة على ميت قضى، والتفاعل مع مصيبة وقعت، وحادثة مؤلمة جرت؟!

وقد روي عن علي(عليه السلام) أنّه قال: «بكى رسول الله(صلى الله عليه واله) عند موت بعض ولده، فقيل له: يا رسول الله، تبكي وأنت تنهانا عن البكاء؟ فقال: لم أنهكم عن البكاء، وإنّما نهيتكم عن النوح والعويل، وإنّما هذه رقة ورحمة يجعلها الله تبارك وتعالى في قلب مَن شاء من خلقه، ويرحم الله مَن يشاء، وإنّما يرحم الله من عباده الرحماء»^{^[35]}.

وها نحن نعيش تجربة فريدة في العراق هيّأتها الشعائر الحسينية وأجواء التأثير العاطفي، الذي وفّره تجسيد الانتماء الديني والمذهبي، فمن بوابة الدين والأجواء العاطفية عاد الشعب إلى حبّ الوطن، ومن خلال الشعائر والطقوس الدينية نمت روح التضحية في النفوس، وعن طريق الإحساس بالحيف الذي وقع على الأئمّة(عليهم السلام) انتفض الناس لدفع الظلم عن محافظات في البلاد، وما كان لكلّ ذلك أن يتحقق لولا ذلك الارتباط بأهل البيت(عليهم السلام) ، والتأثير الكبير عند ذكر ما جرى عليهم، والتعاطف معهم والبكاء على مصابهم، ومن أعظم مصائبهم ما جرى في كربلاء على سيّد الشهداء(عليه السلام) فقد سالت دماء زكية من أجل هدف سام.

المبحث الثاني: استحباب البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام)

إن مقتضى القاعدة والأصل ـ عند عدم وجود دليل محرز ـ هو عدم الاستحباب، والقاعدة المعنية هنا هي الاستصحاب؛ إذ لا شك في أنّ الشريعة في أيّامها الأُولى لم تكن تتضمّن الأحكام الفرعية، ثمّ نزلت التشريعات بعد ذلك تباعاً، فلدينا يقين أنّه في أول نزول الشريعة لم يكن فيها حكم باستحباب البكاء على أهل البيت(عليهم السلام) ، هذا فضلاً عن عدم الموضوع في تلك المدّة، ثمّ نشكّ بعد ذلك في تشريع استحباب البكاء، فاجتمعت أركان الاستصحاب الأربعة(اليقين السابق، والشك اللاحق، ووحدة القضية المتيقّنة والمشكوكة، وترتّب الأثر الشرعي)، فيجري الاستصحاب لإثبات عدم الاستحباب.

لكن بما أنّ الاستصحاب أصل عملي وفق نظر المشهور، فإنّ جريانه معلّق على عدم الدليل الاجتهادي على خلافه.

والدليل على الخلاف يتمثّل في جملة من الأدلة، وهي على أنواع:

النوع الأول: الأدلة الروائية

ويمكن تصنيف الأدلة الروائية إلى عدّة أصناف:

الصنف الأول: روايات استحباب البكاء على الحسين(عليه السلام) بالخصوص

1ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «كان علي بن الحسين(عليهما السلام) يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي(عليهما السلام) دمعةً حتّى تسيل على خده، بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً...»^{^[36]}، ودلالتها ظاهرة في الاستحباب.

2ـ رواية الريان بن شبيب عن الرضا(عليه السلام) مخاطباً إيّاه: «يابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) ، فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله... يابن شبيب، إن بكيت على الحسين(عليه السلام) حتّى تصير دموعك على خديك، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً»^{^[37]}.

وهي تامّة سنداً إلّا من جهة(محمد علي ماجيلويه) شيخ الصدوق الذي ترضّى عنه وأكثر الرواية عنه، فتكون على بعض المباني تامّة سنداً.

3ـ رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله(عليه السلام) مخاطباً أحدهم: «... أين أنت عن قبر جدّي المظلوم الحسين(عليه السلام) ؟ قال: إنّي لقريب منه، قال: كيف إتيانك له؟ قال: إنّي لآتيه وأُكثر. قال: يا شيخ، ذلك دم يطلب الله تعالى به... وقال(عليه السلام) : كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين(عليه السلام) »^{^[38]}.

والرواية حسنة؛ إذ فيها(أبو محمد الأنصاري) وهو ممدوح، وإن لم يُنصّ على وثاقته.

4ـ رواية إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال الرضا(عليه السلام) : «... فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام»^{^[39]}.

والرواية لا مشكلة في سندها ـ كما قلنا سابقاً ـ إلّا من جهة جعفر بن محمد بن مسرور الذي ترضّى الشيخ الصدوق وترحّم عليه، وهي أمارة التوثيق عند بعضٍ، أمّا الباقون فكلّهم ثقات.

الصنف الثاني: الروايات العامّة في استحباب البكاء عليه وعلى غيره من الأئمّة(عليهم السلام)

1ـ صحيحة محمد بن مسلم السابقة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين(عليه السلام) يقول: «... وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه فينا لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا، بوّأه الله بها في الجنّة مبوّأ صدق...»^{^[40]}. ودلالتها ظاهرة في الاستحباب.

2ـ ما عن الورد بن الكميت، عن أبيه الكميت بن المستهل، عن الباقر(عليه السلام) قال: «... ما من رجل ذكرنا أو ذُكرنا عنده يخرج من عينيه ماء ولو مثل جناح البعوضة إلّا بنى الله له بيتاً في الجنّة، وجعل ذلك الدمع حجاباً بينه وبين النار»^{^[41]}.

3ـ رواية الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «مَن ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر»^{^[42]}.

وهي صحيحة السند، فبكر بن محمد روى عنه ابن أبي عُمير في هذه الرواية، وقد نصّ النجاشي على وثاقته، والآخرون لا شبهة في وثاقتهم. ودلالة الرواية على الاستحباب واضحة؛ إذ إنّ ترتّب الثواب على فعل فرع مطلوبيته ورجحانه.

وروى بمضمونه بكر بن محمد عن أبي عبد الله(عليه السلام) ، وهو حديث صحيح أيضاً بطريق قرب الإسناد والصدوق^{^[43]}.

4ـ رواية الحسن بن علي بن فضّال عن الرضا(عليه السلام) قوله: «مَن ذُكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون...»^{^[44]}.

وهذه الرواية حسنة أو موثّقة لمكان بني فضّال إن اكتفينا بترضي الصدوق على أحد مشايخه لإثبات الوثاقة، وإلّا فالرواية غير تامة سنداً؛ لأنّ في سندها محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، هذا وفق ما في أمالي الصدوق، يضاف إلى ذلك أنّ الصدوق في(عيون أخبار الرضا) نقلها عن أحمد بن الحسن القطان ومحمد بن بكران النقّاش في عرض محمد بن إبراهيم، وقد ترضّى الصدوق على محمد بن بكران وترحّم على القطان، بل قيل: إنّه وصفه بالعدل، لكن الظاهر أنّه لقّب به، فنرجع إلى المبنى في قبول ذلك كدليل للوثاقة، لكن احتمال صدورها على نقل(العيون) يكون أقوى.

5ـ صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق(عليه السلام) أنّه قال في حديث طويل:
«... وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا...»^{^[45]}.

6ـ ما جاء في دعاء الندبة: «فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي(صلّى الله عليهما وآلهما) فليبكِ الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتدر الدموع، وليصرخ الصارخون، ويعج العاجّون»^{^[46]}.

ودلالة هذه العبارة على رجحان البكاء واضحة، خصوصاً مع استعمال لام الأمر مكررة، وليس المورد من موارد توهّم الخطر ليقال: إنّ الأمر في موارد توهّم الخطر أو عقيب الخطر لا يدلّ على أكثر من الجواز.

وهناك روايات أُخرى تركنا التعرّض لها هنا للاختصار، ففيما ذكرنا كفاية للمسترشد وطالب الحقّ، ومَن أراد المزيد فليراجع كتاب وسائل الشيعة، فقد جمع في باب(استحباب البكاء لقتل الحسين...) عشرين رواية، نعم، بعضها غير تام الدلالة؛ لأنّها لم تأمر بالبكاء، وإنّما حكت بكاء بعض الأئمّة(عليهم السلام) ، وبعضها غير تام من ناحية السند، فلا حاجة إلى الإطالة باستيعابها وإن كانت نافعة في التأييد.

الصنف الثالث: روايات مداومة البكاء من قِبل بعض الأئمّة(عليهم السلام) على الحسين(عليه السلام)

يُنقل أنّ السجاد(عليه السلام) قد بكى دهراً على ما حلّ بأبيه وأعمامه ومَن كان معهم، وقد يقال: إن ذلك أحد أدلة الاستحباب، فإنّ مداومته(عليه السلام) على البكاء لأربع وثلاثين سنة من عمره ـ أو ثلاث وثلاثين على اختلاف الروايات في تاريخ وفاته ـ لدليل على رجحانه ومطلوبيته شرعاً.

ففي رواية ـ قد سبق ذكرها ـ عن الصادق(عليه السلام) قال: «البكّاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين(عليهم السلام) ... وأمّا علي بن الحسين فبكى على الحسين(عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة^{^[47]}، ما وضِع بين يديه طعام إلّا بكى، حتّى قال له مولى له: جُعلت فداك يابن رسول الله، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين! قال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي ما أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني لذلك عَبرة»^{^[48]}.

لكن الإنصاف يستدعي التوقّف في ذلك؛ لأنّ المداومة من المعصوم على فعل إنّما يكون دليلاً على رجحانه شرعاً فيما إذا انحصر الداعي لهذا الفعل بالداعي الشرعي؛ ولذا فإنّ مواظبة الأئمّة(عليهم السلام) على أكل الخبز لم تشكّل دليلاً على استحبابه، في وقت كانت مواظبتهم على الذكر بعد الصلاة دليلاً على الاستحباب.

ولقائل أن يقول: إنّ السجاد(عليه السلام) قد رأى كلّ تلك المآسي وعاشر فصولها، ولم يتمكّن من أن يُعين بسيف أو يدفع برمح لشدّة مرضه؛ ممّا ترك جرحاً عميقاً في نفسه سلب النوم من عينيه، والراحة من نفسه، التي لم يعدلها إلّا زفرات الحزن ومرافقة البكاء، والآهات التي كادت أن تخرج نفسه معها، ونتيجة لذلك لم ترقأ له دمعة، فكان ما بقيَ من عمره مجلس عزاء بدون انقطاع؛ ومن هنا لم نرَ هذا المستوى من الحزن عند بقيّة الأئمّة(عليهم السلام) وإن كان بمرتبة أدنى، فبكاء بقيّة الأئمّة(عليهم السلام) على فاجعة كربلاء لم يكن بمستوى بكاء السجاد(عليه السلام) ، هذا مضافاً إلى أنّ إظهار ذلك الحزن حتّى صار سنّة يُعرف بها السجاد(عليه السلام) ، قد كان له داع آخر عنده لم يتحقق عند غيره، ويتمثل هذا الداعي بالسعي لكسر محدودية تأثير الواقعة بمقتضى محدودية الزمان والمكان، والمنع من أن تلفّها دائرة النسيان، كما حصل لحوادث تاريخية فظيعة، طوتها صفحات التاريخ، واُكتفي بذكر بعضها في بطون الكتب وأسفار التاريخ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ أدوات مرتكبها كانت تسعى جاهدة لإخفاء ملامح الواقعة إن لم تكن ساعية إلى إعفاء أصل أثرها، فكان لا بدّ من عمل معاكس في الجهة المقابلة، فكان على السجاد(عليه السلام) أن يتحمّل عبأه وينهض بمسؤوليته، وقد أتى سعيه بما كان يروم، فقدّر لذكر المصيبة أن تدوم، ويكتسب لنفسه هذ الزخم العظيم. وهذا الداعي يشكّل مرجحاً للفعل الصادر منه(عليه السلام) دون غيره، بل قد يُجعل الفعل واجباً عليه لكنّه لا يثبت حتّى الاستحباب لغيره، وهذا يعني وجود خصوصية في السجّاد(عليه السلام) ، أو ـ على
الأقل ـ احتمال وجود خصوصية دعته(عليه السلام) إلى المواظبة على ذلك، واحتمال الخصوصية مانع من تعميم الحكم، خصوصاً إنّ الذي يراد الاستدلال به فعل، وهو في الاستدلال أقلّ نفعاً من القول؛ إذ يمكن الاستفادة في القول من قرينة الحكمة عند المتكلّم، التي تدعوه إلى بيان كلّ ما يريده في كلامه، وهذا يعني أن أيّ خصوصية محتملة في مراده يكفينا لنفي دخالتها في مراده عدم تعرّضه لها في كلامه؛ لأنّنا من خلال قرينة الحكمة نصل إلى قاعدة مفادها: إنّ المتكلّم الحكيم ما لا يقوله لا يريده.

أمّا الفعل فإنّه دالّ صامت لا نستفيد منه إلّا القدر المتيقّن؛ لعدم الإطلاق فيه، اللّهم إلّا إذا كان الفاعل في مقام التعليم، مثلما نُقل عن النبي(صلى الله عليه واله) : «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي»^{^[49]}، وهنا ترك شيء وعدم التعرّض له يشكّل دليلاً على عدم دخالته في فعل الصلاة.

ومن هنا كان الاستدلال على رجحان البكاء على مصائب الأئمّة(عليهم السلام) من خلال بكاء السجاد(عليه السلام) لا يخلو من مشكلة؛ وعليه، فإنّ فعل السجاد(عليه السلام) يُثبت الجواز بلا شكّ، أمّا ما زاد على ذلك فمحلّ تأمّل.

نعم، إلّا إذا لم يكن هناك وجه لوقوع مثل هذا البكاء إلّا الرجحان والمطلوبية الشرعية، والذي يمكن أن يكون واضحاً في إصرار السجاد(عليه السلام) على المداومة عليه، والتزام الأئمّة(عليهم السلام) على إيقاعه في عشرة محرّم، والذي يبدو للمتأمل المنصف أنّه كان من منطلق قُربي ووضوح الرجحان الشرعي، وإلّا فإن الاستجابة العاطفية يُفترض أن لا تكون أسيرة حدود أيّام محرّم من كلّ سنة، خصوصاً مع ترامي السنين وتباعد أيّام الواقعة، بل إنّ التفاعل سيكون لمجرد تذكّر ما حصل. وإنّي لأجزم أنّ ما كان عليه السجاد(عليه السلام) في ذلك لم يكن لمجرد الاستجابة العاطفية لحضور صورة الظلم الفاحشة التي وقعت على أهل بيته وصحبة أبيه(عليه السلام) .

إنّ الظلم الذي وقع على أمير المؤمنين(عليه السلام) لم يكن قليلاً، إذ تنكّر الناس لما أخذه النبي(صلى الله عليه واله) من عهد عليهم وبيعة له، حتّى قال قائلهم: «بخ بخ لك يابن أبي طالب! أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم»^{^[50]}، ولم تمضِ إلّا أيّام قليلة حتّى ضرب الحسد والطمع ضربته الكبرى عند مَن صار رأساً، وعامّة الناس إمّعات ينعقون مع كلّ ناعق، حتّى ضيّق عليه واستُشهدت حليلته، ثمّ لجوء الناس إليه حين ضاع عليهم المفزع، وضلّ عنهم المنجى، حتّى قُتل مظلوماً على يدي أشقاها.

وعلي(عليه السلام) الذي هو نفس رسول الله(صلى الله عليه واله) وأخوه أعظم مرتبة من الحسين(عليه السلام) ، والظلم الذي جرى عليه ظلم تأسيس، وهو أوقع أثراً في النفوس، ومع ذلك لم يبكِ السجاد(عليه السلام) عليه معشار ما بكى على الحسين(عليه السلام) .

لا أدّعي أن بشاعة ما وقع على علي(عليه السلام) أعظم من بشاعة ما وقع على الحسين(عليه السلام) ، ولكن لو كانت الاستجابة العاطفية للسجاد(عليه السلام) متناسبة مع هول المصاب ووقع الجريمة، لكان لما جرى على أمير المؤمنين(عليه السلام) شيء من هذه الاستجابة يعتدّ به؛ وذلك يكشف عن أنّ هناك شيئاً آخر أراده السجاد(عليه السلام) حين سنّ سنّة البكاء على أبيه، حتى استوعبت ما بقيَ من عمره وهو ثلاث وثلاثون أو أربع وثلاثون سنة. وحين جرى أبناؤه على ذلك رغم ترامي السنين، علمنا أنّ ما فعلوه ليس مجرّد مظهر للاستجابة العاطفية، بل أرادوا أن يتهيّأ عندنا سبب الاستجابة العاطفية بأن تكون المأساة حاضرة عندنا بكلّ أبعادها؛ لتحصل عملية التأثر، فالتفاعل، فالتمسّك بمنهج الحسين(عليه السلام) ؛ وعليه فانتهاج السجاد(عليه السلام) ـ أوّلاًـ نهج البكاء على أبيه(عليه السلام) مدّة طويلة، ثمّ مَن جاء بعده من الأئمّة(عليهم السلام) ، كان عملية واعية محددة الأهداف، وقد تعرّضنا إلى بعض ذلك في كتاب(إقدام المعصوم على ما فيه قتله المعلوم)، وبيّنا هناك الأسباب التي جعلت السجاد(عليه السلام) يحمل العبء الأكبر لهذه المسألة؛ وبهذا نصل إلى نتيجة مفادها أنّ مداومة المعصومين(عليهم السلام) على البكاء على الحسين(عليه السلام) دليل على الرجحان الشرعي للبكاء.

الصنف الرابع: روايات بكاء الملائكة على الحسين(عليه السلام)

1ـ روى ابن قولويه في(كامل الزيارات)، قال: «حدّثني محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان بن يحيى، عن حريز، عن الفضيل، عن أحدهما(عليهما السلام) ، قال: إنّ على قبر الحسين(عليه السلام) أربعة آلاف ملك شُعث غُبر، يبكونه إلى يوم القيامة»^{^[51]}. وغيرها من الروايات الكثيرة الواردة في بكاء الملائكة عليه(عليه السلام) ^{^[52]}.

ويمكن استفادة أُمور عدّة من هذه الروايات:

الأوّل: إنّ البكاء على الحسين(عليه السلام) أمر مندوب إليه شرعاً، وإلّا فإنّ توكيل هذا العدد من الملائكة بقبره(عليه السلام) للبكاء عليه، ثمّ إخبار الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) بذلك إن لم يكن حثّاً على البكاء عليه فهو دال على رجحانه، وقد يرجع الأمران إلى شيء واحد. نعم، ورد في ذيل إحدى الروايات: «قال محمد بن مسلم: يحرسونه»^{^[53]}، لكنّ أغلب الروايات عبّرت بالبكاء.

الثاني: تكرّر وصف حالهم بأنّهم شُعث غُبر، وهو ينسجم مع البكاء لا الحراسة.

الثالث: ما ورد في إحدى الروايات من قول الصادق(عليه السلام) : «ما لكم لا تأتونه ـ يعني
قبر الحسين(عليه السلام) ـ فإنّ أربعة آلاف ملك يبكون عند قبره إلى يوم القيامة»^{^[54]}، فإنّ النظر البدوي يُبرز احتمالين في قوله: «فإنّ أربعة...»، الأوّل: أن تكون الرواية في مقام دفع الهاجس الأمني، فهي تدفع موجب الخوف من خلال الإخبار بهذا العدد من الملائكة ممن يوجد عند قبره أو جواره، والاحتمال الثاني: أن تكون بصدد الحثّ على زيارته والبكاء عليه، والرواية في الاحتمال الأوّل أظهر، خصوصاً وأنّ الواقع التاريخي يدفع كون الزائر في أمان، فطالما تخطّفت الزائرين أيدي الجلاوزة والظالمين، وذات المرقد ـ أيضاً ـ طالما عبثت به أيدي الجبارين، وسعوا إلى إعفاء أثره، ولكن الله بالغ أمره قد جعل لكلّ شيء قدراً.

محذور الإغراء

لقائل أن يقول: إنّ الروايات التي دلّت على رجحان البكاء على الحسين(عليه السلام) ورد في مضمونها ما يمكن أن يكون مانعاً من قبولها، ويتمثّل ذلك بالإغراء على إتيان المحرّمات؛ لأنّ الوارد في الروايات أنّ البكاء سبب لمغفرة كلّ الذنوب، فقد ورد في بعضها: «مَن ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر»^{^[55]}، ونظائر هذه الرواية.

ولا يُدفع هذا الإشكال بالضعف السندي لهذه الرواية ونظائرها؛ لأنّ هذه الروايات كثيرة جداً، فهي متواترة لكثرتها، مضافاً إلى كون بعضها صحيحة السند، وبعضها موثّقة أيضاً.

ولكن يردّ هذا الإشكال ما يلي:

1ـ إنّ محذور الإغراء بالباطل إنّما يرد في الموارد التي يُرتكب فيها الذنب اعتماداً على سببية البكاء على الحسين(عليه السلام) للمغفرة، أمّا ما لم يكن كذلك فلا محذور فيه من هذه الناحية؛ ولذا يمكن الجزم بأنّ سببية البكاء للمغفرة لا تشمل ما ارتُكب اعتماداً على ذلك.

2ـ إن ما ذُكر هنا ـ وكذلك في موارد أُخرى من قبيل أنّ البكاء على الذنب موجب لتحريم ديباجة الوجه على النار^{^[56]} ـ إنّما هو في حدود المقتضي لا العلّة التامّة، وذلك يعني أن سببيته للمغفرة ليست محرزة، فيبقى احتمال تحقّق المانع، فلا يكون العبد مطمئنّ البال أنّ ذنبه الذي سيرتكبه سيُغفر خلال بكائه على الحسين(عليه السلام) .

3ـ إنّ كلّ ذلك مشروط بأن يبقى العبد على إيمانه، وارتكاب الذنوب والإيغال في ذلك قد يكون سبباً في خروج العبد عن دائرة الطمع في المغفرة، وقد قال تعالى: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون)^{^[57]}.

4ـ إنّ بعض أَلسنة الروايات ـ في هذا المورد وغيره ـ إنّما تشمل الذنوب المتقدّمة على الفعل الموجب للمغفرة، فلا تشمل ما يُرتكب بعد ذلك، فأين الإغراء؟! نعم بعض أَلسنة الروايات ورد بلسان(غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر)، والذي يظهر منه إرادة المتأخّر زماناً عن الفعل الموجب للمغفرة، وهنا يلزم محذور الإغراء لولا الوجوه الثلاثة المتقدّمة لدفع الإشكال.

لكن الإنصاف أنّ الروايات التي يظهر اختصاصها بالمتقدّم من الأفعال لا يُدفع الإشكال عنها بهذا النحو؛ لأنّ العبد يمكن أن يرتكب الذنب معتمداً على الإتيان بعده بما ورد أنّه موجب للمغفرة.

5ـ هناك وجه آخر يمكن جعله مانعاً من الإغراء، وهو عدم ضمان العبد البقاء إلى أن يأتي بموجب المغفرة، فلا ضمانة قطعية لعدم المؤاخذة على الذنب، فلا يلزم الإغراء.

فان قيل: إنّ تقييد إطلاقات هذه الروايات بما لا يكون إغراءً إنّما هو بقرينة عقلية وهي تخفى على عامّة الناس؛ إذ لا يرون إلّا استلزام البكاء لغفران الذنوب بدون تقييد، وهذا يعني أنّ عوام الناس سيحصل لها إغراء بالذنوب والباطل، وكفى بذلك مفسدة.

الجواب: إنّ في ورود مثل هذه الروايات بعض المصالح، ومنها:

أـ البعث نحو هذا الفعل الذي لا شك في توفّره على بعض المصالح، وأبرزها الارتباط العاطفي بأهل البيت(عليهم السلام) الذي يقرّب الفرد إلى الاقتداء والتأسّي بهم والتخلّق بأخلاقهم، فيتوفّر داعٍ إضافي من خلال عظم الأجر وانعكاس الأثر في مغفرة الذنوب.

ب ـ الابتعاد عن بعض حالات اليأس التي قد تحصل للناس، فتكون مشابهة لقوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)^{^[58]}.

ج ـ إنّ الإتيان بما حثّت عليه هذه الروايات يقرّب الكثير نحو الإطاعة، ونحن نـرى بأُمّ العين أعداداً ممّن لا يلتزمون بأحكام الشريعة يحاولون الالتزام بها في أيّام العزاء وبعدها بمدّة، وبعض تبقيه هذه الشعائر على التزامه. وهذه المصالح ترجّح على جانب الإغراء الناشيء من جهل بعض العوام.

د ـ يضاف إلى ذلك: أنّه ليس من الواضح القول: بأنّ ما يترتب على الفهم القاصر للمكلّفين من سوء فعلهم لا يقع دفعه على الشارع المقدّس، والحال أنّ الأدلّة قد وردت على خلاف ذلك، مضافاً إلى أنّ عوام الناس يُفترض بهم الرجوع إلى أهل العلم والمعرفة، يقول تعالى: (....وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ.....)^{^[59]}.

النوع الثاني: سيرة المتشرعة

لقد جرت سيرة المتشرعة على البكاء على الحسين(عليه السلام) ؛ إذ توارثت هذا السلوك أجيال المؤمنين حتّى زماننا الحاضر. وسيرة المتشرعة بما هم متشرعة دليل على موافقة الحكم الشرعي لسلوكهم ببيانٍ فُصّل في مباحث علم الأصول.

وتواجهنا هنا مشاكل عدّة:

الأُولى: إنّ سيرتهم قد تكون من جهة كونهم عقلاء، لا من جهة كونهم متشرعة.

الثانية: إنّ جريان السيرة على فعل يُثبت جوازه لا استحبابه.

الثالثة: لا بدّ من إثبات اتصال السيرة بزمان حضور الأئمّة(عليهم السلام) ، أو ـ على الأقل ـ
بزمان قريب من زمان الحضور.

أمّا المشكلة الأُولى، فحلّها: أنّ البكاء على ميت قد مرّت على موته قرون ـ أو حتّى عقود ـ بهذا النحو ليس له منشأ عقلائي لتجري عليه سيرتهم، وإن كان الميت عظيم المنزلة عالي الدرجة، وكون المصاب جللاً لا يشكّل سبباً تاماً لبكاء الأجيال على ذلك المصاب، فلا بدّ أن يكون جزء من المنشأ والسبب آتياً من جهة الشريعة وحثّها، فيتعيّن أن تكون السيرة للمتشرعة بما هم كذلك.

وأمّا المشكلة الثانية: فالحق أنّ جريان السيرة يثبت جواز البكاء لا استحبابه، لكن ذلك ليس عامّاً لكلّ موارد الفعل الذي جرت عليه السيرة؛ إذ يخرج منه ما لا يمكن أن يقع إلّا بداعٍ قربي وامتثال أمرٍ شرعي، وقد بيّنا قبل قليل في حلّ المشكلة الأُولى أنّه لا يمكن أن يكون هذا السلوك من المتشرعة ناشئاً وبشكل تام إلّا بدخالة التوجيه الشرعي، وهنا تكون السيرة مثبتة للمطلوبية الشرعية.

وأمّا المشكلة الثالثة: فالواضح استمرار هذه السيرة إلى أزمنة قريبة من زمن الحضور، بل حتّى في زمن الحضور، والمتتبّع يجد الكثير من المفردات التاريخية التي تُثبت ذلك في وسط المتشرّعة، وقد حفلت دواوين شعر متقدّمي الشعراء بالكثير من مفردات الرثاء المتضمّنة لصور المأساة المثيرة للأشجان والمتضمّنة أحياناً الإخبار عن البكاء عليه(صلوات الله عليه). وإنّما اشترطنا مقاربة أو معاصرة السيرة لزمن الحضور للأئمّة(عليهم السلام) ؛ لأنّ سيرة المتشرعة إنّما تكون مأخوذة من الشارع المقدّس، فاللازم هو وجود رواية معاشة عملاً وإن لم تكن منقولة لفظاً؛ وبذلك تكون سيرة المتشرعة دليلاً وجدانياً على وجود دليل شرعي على الحكم.

إذاً؛ سيرة المتشرعة تُثبت الاستحباب بخلاف سيرة العقلاء التي لا تصلح إلا للدلالة على الجواز؛ ولذا لم نتعرّض لها في أدلّة الاستحباب.

المبحث الثالث: أدلّة المنع من البكاء على الميت وردّها

قد يقال بوجود أدلّة روائية تمنع من البكاء على الميت معارضة للأدلة السابقة، ومنها:

الدليل الأُول

ما عن دعائم الإسلام عن علي(عليه السلام) قال: «أتى رسول الله(صلى الله عليه واله) فقيل له: يا رسول الله، إنّ عبد الله بن رواحة ثقيل لما به، فقام(صلى الله عليه واله) وقمنا معه حتّى دخل ودخلنا عليه، فأصابه مغمى عليه لا يعقل شيئاً، والنساء يصرخن، فدعاه رسول الله(صلى الله عليه واله) ثلاث مرّات فلم يجبه، فقال: اللّهم عبدك إن كان قد قضى أجله ورزقه وأثره فإلى جنتك ورحمتك، وإن لم يُقضَ أجله ورزقه وأثره فعجّل شفاءه وعافيته... ثمّ خرج رسول الله(صلى الله عليه واله) فوجد عبد الله بن رواحة خفّة، فأُخبر النبي(صلى الله عليه واله) فوقف، فقال: يا عبد الله، خبّر بما رأيت، فإنّك رأيت عجباً. فقال: يا رسول الله، رأيت ملكاً من الملائكة بيده مقمعة من حديد تأجّج ناراً، كلّما صرخت صارخة:(يا جبلاه) أهوى بها لهامتي، وقال: أنت جبلها؟ فأقول: لا، بل الله. فيكفّ بعد إهوائها، وإذا صرخت صارخة:(يا عزّاه) أهوى بها لهامتي، وقال: أنت عزّها؟ فأقول: لا، بل الله. فيكفّ بعد إهوائه. فقال رسول الله(صلى الله عليه واله) : صدق عبد الله، فما بال موتاكم يُبتلون بقول أحيائكم!»^{^[60]}.

وهذا الحديث قد يوهم بأنّ الميت يُعذّب ببكاء الحي.

الجواب

لا دلالة في هذا الحديث على ذلك، فإنّ الملك وإن أهوى بالمقمعة من حديد على رأسه كلّما صرخت صارخة: يا جبلاه أو يا عزّاه، لكنّه لم يضربه لمجرد صراخها، وإلّا لكان الضرب بها لمجرد الصراخ أو البكاء دون سؤال وانتظار الجواب، بل الذي يبدو من الرواية أنّ رفع المقمعة والإهواء بها على رأسه كان لأجل قولها: يا جبلاه ويا عزّاه. هذا أولاً، وثانياً: حين سُئل: أأنت جبلها، ثمّ أأنت عزّها؟ وأجاب بالنفي وأنّ ذلك لله تعالى، كان الملك يكفّ عنه.

فالأمر لا علاقة له ببكائهنّ وصراخهنّ، بل ولا بقولهنّ: وا جبلاه ووا عزّاه، بل هو مرتبط بما كان يعتقده عبد الله بن رواحة في ذلك؛ ولذا حين نفى عن نفسه وأخبر الملك أنّ جبل النادبة وعزّها هو الله، كان الملك يكفّ عنه. يضاف إلى ذلك أنّ لازم ما ذكر لو كان فيه دلالة على أنّ الميت يُعذّب ببكاء غيره، فهذا يعني أنّه سيكون رهيناً بما كسب غيره، وسيكون مؤاخذاً بفعل غيره، والقرآن يقول بلا لبس: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)^{^[61]}،(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)^{^[62]}، فضلاً عن المحذور العقلي؛ إذ يلزم الظلم إذا عوقب شخص بفعل غيره.

والكلام هنا في عقوبة وحكم جزائي صرف وليس في أثر تكويني؛ ليقال: إنّ الأثر التكويني السيّء لفعل شخص قد ينعكس على غيره، كما هو شأن الكثير من الآثار التكوينية للأفعال الاختيارية التي لا تقتصر على فاعليها، قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)^{^[63]}، وقال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)^{^[64]}. فإنّ ظهور الفساد في البر والبحر لا يقتصر على العاصين، وكذا نزول المطر وجعل الجنّات والأنهار لا يقتصر على المستغفرين.

فالرواية لا علاقة لها بكون بكاء الحي على الميت سبباً لتعذيبه، هذا من ناحية الدلالة، وأمّا من جهة السند فهي مرسلة، وعليه فهي ساقطة سنداً أيضاً.

الدليل الثاني

ما عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي(عليهم السلام) : «أنّ رسول الله(صلى الله عليه واله) مرّ على امرأة تبكي على قبرٍ، فقال لها: اصبري أيتها المرأة. فقالت: يا هذا الرجل، اذهب إلى عملك، فإنّه ولَدي، وقرّة عيني. فمضى رسول الله(صلى الله عليه واله) وتركها ولم تكن المرأة عرفته، فقيل لها: إنّه رسول الله. فقامت تشتدّ في طلبه حتّى لحقته، فقالت: يا رسول الله، إنّي لم أعرفك، فهل لي أجر إن صبرت؟ فقال: الأجر مع الصدمة الأُولى»^{^[65]}.

الجواب

وهذه الرواية أيضاً لا دلالة فيها على حرمة البكاء، وإلّا كان المناسب أن يقول(صلى الله عليه واله) لها: لا تبكي. لا أن يقول(صلى الله عليه واله) : اصبري. لوضوح أنّ البكاء لا ينافي الصبر، بل الذي ينافيه هو الجزع، فالبكاء تجسيد لاستجابة عاطفية وتأثر وتفاعل نفسي، وهو لا يلازم الجزع. وقد يحصل الجزع من دون بكاء والبكاء من دون جزع؛ ولذا نبكي على ما اقترفنا من ذنوب دون جزع، ونبكي خوفاً من يوم القيامة دون جزع.

الدليل الثالث

ومنها: ما استدلّ به العامّة من أحاديث وردت بمضمون أنّ الميّت يُعذَّب ببكاء أهله عليه، وهي روايات منقولة عن عمر بن الخطاب وابنه وغيرهما، وقد رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما^{^[66]}، وغيرهما.

ومنها: ما كان يفعله الخليفة الثاني من ضرب النائحات.

الجواب

1ـ إن دلالتها غير واضحة.

2ـ مشكلة السند.

3ـ إنّ هذا النقل معارض بما نقله ابن عباس من أنّه لما مات عمر ذكر هذا المضمون لعائشة عنه، فقالت: «... والله، ما حدّث رسول الله(صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) إنّ الله ليعذّب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكنّ رسول الله(صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قال: إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه. وقالت: حسبكم القرآن، ولا تزر وازرة وزر أُخرى»^{^[67]}.

وأمّا ما نقله ابن عمر، فقد قيل لها: «إنّ عبد الله بن عمر يقول: إنّ الميّت ليُعذّب ببكاء الحي. فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، وأمّا إنّه لم يكذب، ولكنّه نسيَ أو أخطأ، إنّما مرّ رسول الله(صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) على يهودية يُبكى عليها، فقال: إنّهم ليبكون عليها وإنّها لتُعذّب في قبرها»^{^[68]}.

ولا أرى موجباً للإطالة في ردّ ما ذُكر أنّه دال على الحرمة.

المبحث الرابع: وجوه تقديم أدلّة الجواز على فرض المعارضة

لو سلّمنا تمامية سند ودلالة الروايات التي قيل أو يمكن أن يقال بدلالتها على المنع عن البكاء، فتكون حينئذٍ معارضة لأدلة الجواز، ولا شكّ في تقديم روايات الجواز لوجوه:

الوجه الأول

إنّ من أدلة الجواز سيرة العقلاء، إذ لا شكّ في جريانها على البكاء على الموتى، والسيرة من وسائل الإثبات الوجداني، والروايات غير القطعية في سندها، أو دلالتها، أو فيهما معاً، لا تجاري السيرة ولا تنهض في مقابلها.

نعم، قد يُتوهّم بأنّ الدليل على الجواز هو إمضاء السيرة وليس السيرة نفسها، والإمضاء متقوّم بسكوت الشارع المقدّس وعدم الردع عنها، وهذه الروايات المانعة إذا تمّت سنداً ودلالة فهي التي تُثبت الردع، فتُقدّم.

وهذا مردود بعدم صلاحية مثل هذه الروايات ـ على فرض تماميتها ـ للردع عن مثل هذه السيرة المستحكمة، بل لا بدّ أن يكون الردع متناسباً مع استحكام السيرة، هذا مضافاً إلى أنّ بعض الروايات قد فصلّت بين البكاء فجوّزته، والجزع والنوح فردعت عنه، فتخصّص إطلاقات روايات المنع لو تمّت.

الوجه الثاني

إنّ من ضمن أدلّة الاستحباب سيرة المتشرّعة التي تعني أنّ مأخذها من الشارع المقدّس، وهذه السيرة لا يمكن أن يرد عنها منع، فالشارع لا يمكن أن يردع عمّا أمر به؛ لأنّه سيقع في التناقض، وهو أمر محال. فتكون سيرة المتشرعة دليلاً قطعياً على الجواز، ولا تكون دليليتها معلّقة على عدم الردع؛ إذ لا يُعقل الردع، فالفرق بين السيرة العقلائية وسيرة المتشرعة هنا هو أنّ حجية السيرة العقلائية ناشئة من إمضائها، وإمضاؤها يتوقّف على عدم الردع عنها، أمّا سيرة المتشرعة فهي بذاتها كاشفة عن موقف الشارع المقدّس؛ لأنّها ناشئة منه ومأخوذة عنه، فتكشف عنه كشفاً إنيّاً، أي: كشف المعلول عن علّته^{^[69]}.

الوجه الثالث

إنّ من أدلّة الجواز فعل المعصوم(عليه السلام) ، ودلالة الفعل على الجواز قطعية بحكم عصمة المعصوم(عليه السلام) ، نعم، من جهة السند قد لا تكون هذه الروايات قطعية، لكنّها متواترة بلا شك، وقد ذكرنا بعضاً منها في طيّات البحث، فيكون السند قطعياً أيضاً؛ إذ نجزم من خلال هذه الروايات أنّ بعض المعصومين(عليهم السلام) قد بكى قطعاً على الميت، بل نجزم بأنّ بعضهم ـ على الأقل ـ قد بكى على الحسين(عليه السلام) .

نعم، قد يقال: إنّ الحكم بجواز البكاء لهم(عليهم السلام) قد يكون لخصوصية فيهم،
كما الحكم بوجوب صلاة الليل على المعصوم(عليه السلام) ^{^[70]}، وفي مثل ذلك لا يسري الحكم على غيرهم(عليهم السلام) .

ولكن القول بالخصوصية مردود لأُمور:

1ـ الأصل، وهو الاشتراك في الأحكام بمقتضى كونهم أُسوة، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)^{^[71]}، ولا نرفع اليد عن ذلك إلّا في خصوص ما دلّ عليه الدليل، كالمورد الذي أشرنا إليه قبل قليل، وفي محلّ كلامنا لا شاهد على الاختصاص، بل قامت الأدلّة على العمومية في الحكم.

2ـ إنّ صدور البكاء من المعصومين(عليهم السلام) قبل واقعة كربلاء يُبعد إلى حدٍّ كبيرٍ اختصاص الحكم بهم(عليهم السلام) ، وما دلّ على بكاء الأنبياء السابقين عليه(عليه السلام) يدعم هذا الاستبعاد أكثر، فضلاً عن أنّ بكاء المتأخّرين من الأئمّة لا وجه فيه للاختصاص بهم دون بقيّة الناس.

3ـ إنّ ما ثبت من موارد الاختلاف لكونه على خلاف قاعدة التأسّي اقتضى التنبيه عليه؛ ولذا ورد النصّ بوجوب صلاة الليل في أكثر من رواية، مع أنّ المورد من الاختلاف في الوجوب والاستحباب، بخلاف موردنا؛ إذ إنّ الاختلاف حاصل بين الجواز والحرمة، فالمورد الأوّل(صلاة الليل) مطلوبة شرعاً من المعصوم(عليه السلام) وغيره، وكونها واجبة على المعصوم(عليه السلام) أمرٌ لا يضرّ عامّة المكلّفين إذا جهلوه، وإتيان المعصوم(عليه السلام) بها بحسب العادة لا يكون أمام الناس، ومع ذلك نصّت عليه الروايات، فيا تُرى هل تغفل الروايات عن بيان حرمة البكاء مع صدوره مراراً وتكراراً من المعصومين(عليهم السلام) كما مرّ سابقاً، فقد بكى السجاد(عليه السلام) سنوات متعدّدة أمام الناس ولم يذكر ولو لمرّة واحدة أنّ جواز البكاء خاصّ به، أمّا غيره فيحرم عليهم البكاء على أمواتهم، بل على أئمّتهم أيضاً؟!

ولو تنزّلنا والتزمنا بمعارضة هذه الروايات لأدلة البكاء، وأغفلنا النظر عن المرجّحات المتقدّمة، فإنّ الأمر سيؤول إلى تساقط الطائفتين؛ وحينها نرجع إلى الأصل الذي هو جواز البكاء.

خاتمة

بعد أن تمّ الدليل على رجحان البكاء على الحسين(عليه السلام) ، لا يُحال السؤال إلى البحث عن الفائدة من ذلك، أو ما الداعي إليه، مع علمنا بأنّه(عليه السلام) قد عبَر بموته من دار البؤس إلى النعيم الدائم من خلال أفضل قنطرة لذلك وهي قنطرة الشهادة، وقد رُوي عن رسول الله(صلى الله عليه واله) قوله: «فوق كلّ ذي بِرٍّ بِرٍّ، حتّى يُقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه بِرٍّ»^{^[72]}؟ فالداعي إلى البكاء هو رجحان هذا الفعل شرعاً، أي: مطلوبيته من قِبل الشارع المقدّس.

نعم، يمكن السؤال: كيف لي أن أحزن وأتفجّع وأبكي على أمر غاية في الحُسن، فإن أفضل ما تتمنّاه لنفسك ولـمَن تحبّ هو الراحة الأبدية والنعيم الذي لا يزول، والشهادة طريق إلى ذلك، والحزن شيء له أسبابه الحقيقية، ولم يتوفّر ذلك في سادة الخلق والدين، فكيف يتسنّى لي أن أبكي، ولو كان البكاء راجحاً شرعاً، فرجحانه فرع إمكانه، وإمكانه مرهون بإمكان أسبابه وتوفّرها؟

فهذه شبهة يجاب عنها بالنقض والحلّ:

إمّا النقض فبما ورد سابقاً من بكاء السيّدة الزهراء(عليها السلام) مدّة بقائها بعد رحيل أبيها إلى الدار الآخرة، وبكاء السجاد(عليه السلام) دهراً لمصاب أبيه، وهما يعلمان أنّ الموت كان قنطرة العبور إلى الجنّة. وقد كان النبي(صلى الله عليه واله) يأتي بالنساء ليبكين على حمزة عمّه حين رأى أنّه لا بواكي له، مع أنّ حمزة سيّد الشهداء.

وإمّا الحل، فإنّ البكاء على المتوفّى لا يكون مرهوناً بما سيقع عليه بعد الموت، فإنّه استجابة لحالة تعيشها النفس من وحشة الفراق، أو إحساس بالأسى والظلم الذي نال المتوفّى، وكلّما كان الميت ذا منزلة أكبر عند النفس كانت الاستجابة العاطفية أعظم، والأجيال التي لم تُدرك أئمّتها في حياتها ـ وإن لم تتحقق منها وحشة الفراق الناشئة من القتل ـ فإنّ إحساسهم بالأسى والظلم الذي حلَّ بسادة الكون على أيدي أراذل الخلق يوجب حرقة القلوب وشجاها، وإيلام النفس وجواها.

وقد يكون مجرد الخوف من وقوع المكروه موجباً للأسى، فقد يبكي الأب خوفاً على أولاده بعد رحيلهم، من خطر لا يجزم نزوله بهم، ونوازع النفس ومحرّكاتها لا تُعرض على العقل قبل تأثيرها، فللعقل مضماره وللنوازع ميدانها.

ونحن لا نحتاج إلى جواب حلّي أو نقضي بمثل ما ذكرناه من الأمثلة ما دامت المسألة وجدانية، فالكثير منّا يذرف الدموع عند ذكر مصائب أهل البيت(عليه السلام) رغم تقادم السنين عليها، في وقت لا نبكي عند ذكر فقدان أحبّتنا مع مرور سنواتٍ قليلة على ذلك الفقدان.

والنتيجة: إنّ في مثل محلّ الكلام تكون وجوه الاستبعاد وجوه باطلة قطعاً، فهي وجوه لو تمت كانت نتيجتها السلب الكّلي ـ كما يعبّرون في علم المنطق ـ والسلب الكلّي منتفٍ لو تحققت مفردة واحدة، فكيف إذا كانت المفردات بالآلاف بل بالملايين؟ وأمّا ما يقال: من أنّ الحزن له أسبابه في التكوين، فإنّه وإن كان تاماً إلّا أنّ ذلك لا ينفي دخوله تحت قدرة المكلّف، فإن الأشياء الداخلة تحت اختيارنا صنفان: منها ما يكون مقدوراً لنا بشكل مباشر، كالأكل والشرب والقراءة والكتابة والكلام وغيرها، ومنها ما يكون مقدوراً من خلال القدرة على مقدّمته الموصلة إليه جزماً، كالحبّ والبغض والحزن والفرح؛ ومن هنا صارت مثل هذه الأشياء محلاً ومورداً للتكليف، مع أنّ التكليف لا يتعلّق إلّا بما نقدر عليه، وهي وإن كانت خاضعة لأسبابها التكوينية وتتولّد عنها حصراً، إلّا أنّ قدرتنا على تلك الأسباب التكوينية يجعل المسبّبات المترتبة عليها مقدورة أيضاً، فصحّ أن يأتي الخطاب القرآني: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)^{^[73]}، وصحّ أن يقال: «نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح، وهمّه لأمرنا عبادة...»^{^[74]}، وقد مُدحت الشيعة وفق لسان أهل البيت(عليهم السلام) بأنّهم: «يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا»^{^[75]}.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1. الاختصاص، محمد بن محمد المفيد، تحقيق: علي أكبر الغفاري والسيّد محمود الزرندي، نشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.

2. الأغاني، أبو الفرج علي بن الحسين الإصفهاني، نشر: دار إحياء التراث العربي.

3. الأمالي، محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسّسة البعثة، نشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم المشرّفة، الطبعة الأُولى، 1414هـ.

4. الأمالي، محمد بن علي الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية(مؤسّسة البعثة)، قم المشرّفة، نشر: مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

5. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، تحقيق: عبد الرحيم الرباني الشيرازي، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة المصححة، 1403هـ/1983م.

6. بحوث في علم الأصول(تقرير بحث السيّد محمد باقر الصدر(قدس سره))، محمود الهاشمي، نشر: مؤسّسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، الطبعة الثالثة، 1426هـ/2005م.

7. تاريخ بغداد، أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1417هـ/1997م.

8. تفسير فرات، فرات بن إبراهيم الكوفي، تحقيق: محمد الكاظم، نشر: مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1410هـ/1990م.

9. الخصال، محمد بن علي الصدوق، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1403هـ/1362ش.

10. الخلاف، محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: جماعة من المحققين، نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1407هـ.

11. دعائم الإسلام، النعمان بن محمد المغربي، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، نشر: دار المعارف، القاهرة، 1383هـ/1963م.

12. روضة الواعظين، محمد بن الفتّال النيسابوري، تحقيق وتقديم: السيّد محمد مهدي والسيّد حسن الخرسان، نشر: منشورات الشريف الرضي، قم المشرفة.

13. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، نشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،1401هـ/1981م.

14. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، نشر: دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

15. عيون أخبار الرضا، محمد بن علي الصدوق، تحقيق وتصحيح وتعليق: الشيخ حسين الأعلمي، نشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، 1404هـ/1984م

16. فهرست أسماء مصنّفي الشيعة، أحمد بن علي النجاشي، نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الخامسة، 1416هـ.

17. قرب الإسناد، عبد الله بن جعفر الحميري، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، نشر: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، قم الطبعة الأُولى، 1413هـ.

18. الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، نشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة، 1367ش.

19. كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، نشر: مؤسّسة نشر الفقاهة، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

20. كفاية الأثر، علي بن محمد الخزاز القمي، تحقيق: السيّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، نشر انتشارات بيدار، 1401هـ.

21. مثير الأحزان، محمد بن جعفر بن نما الحلي، منشورات المطبعة الحيدرية في النجف، 1369ه‍/1950م.

22. مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، نشر: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1415هـ/1995م.

23. المحاسن، أحمد بن محمد البرقي، تحقيق: السيّد جلال الدين الحسيني، نشر: دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الأُولى، 1370هـ/1330ش.

24. المغازي، محمد بن عمر الواقدي، تحقيق: الدكتور مارسدن جونس، نشر: دانش إسلامي، 1405هـ.

25. مناقب آل أبي طالب، محمد بن علي بن شهر آشوب، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، نشر: مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376هـ/1956م.

26. مناقب علي بن أبي طالب، علي بن محمد بن المغازلي، نشر: انتشارات سبط النبي(صلى الله عليه واله) ، الطبعة الأُولى، 1426هـ/1384ش.

27. الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي، ننشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

28. وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحرّ العاملي، تحقيق وتصحيح: الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، نشر دار: إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الخامسة، 1403هـ/1983م.

[1] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص582.

[2] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص215.

[3] اُنظر: الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا: ج1، ص179.

[4] اُنظر: الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص189.

[5] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج43، ص131.

[6] اُنظر: الواقدي، محمد بن عمر، المغازي: ج2، ص766.ودلالة الرواية واضحة على أن لا مشكلة في البكاء على الميت، مع زيادة في الدلالة، وهي أنّ مثل جعفر ليستحقّ البكاء عليه.

[7] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج20، ص98 .

[8] اُنظر: الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج3، ص263.

[9] القاضي المغربي، النعمان بن محمد، دعائم الإسلام: ج1، ص223.

[10] المصدر السابق: ج1، ص225.

[11] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج79، ص27.

[12] اُنظر: المصدر السابق: ج33، ص19.

[13] اُنظر: المصدر السابق: ص554.

[14] المفيد، محمد بن محمد، الاختصاص: ص81.

[15] الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص273.اُنظر أيضاً: الخزاز القمي، علي بن محمد، كفاية الأثر: ص198.

[16] اُنظر: ابن المغازلي، علي بن محمد، مناقب علي بن أبي طالب: ص283.

[17] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص224.

[18] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج13، ص301.

[19] اُنظر: النجاشي، أحمد بن علي، فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: ص333.

[20] الخزاز القمي، علي بن محمد، كفاية الأثر: ص187ـ 188.

[21] ابن نما، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص12.

[22] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص696.

[23] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص266.

[24] الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات: ص171ـ172.

[25] أبو الفرج الإصفهاني، علي بن الحسين، الأغاني: ج7، ص175.

[26] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص190.

[27] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج99، ص107.

[28] اُنظر: الحميري، عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد: ص99ـ100.الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص54.ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص183.

[29] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص173.

[30] الدخان: آية29.

[31] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج18، ص141.

[32] الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن: ج9، ص108.

[33] الشورى: آية23.

[34] الفرقان: آية57.

[35] القاضي المغربي، النعمان بن محمد، دعائم الإسلام: ج1، ص225.

[36] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص201.

[37] الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا: ج1، ص268ـ 269.

[38] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص162.

[39] المصدر السابق.

[40] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص201.

[41] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج99، ص107.

[42] الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج10، ص391.

[43] اُنظر: المصدر السابق: ص392.

[44] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص131.الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا: ج1، ص264.

[45] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص229.

[46] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج99، ص107.

[47] الترديد من الراوي.

[48] الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص273.

[49] الطوسي، محمد بن الحسن، الخلاف: ج1، ص314.

[50] الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، تاريخ بغداد: ج8، ص284.

[51] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص173.

[52] اُنظر: المصدر السابق: ص171ـ 179.

[53] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص173.

[54] المصدر السابق: ص171.

[55] الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج10، ص391.

[56] اُنظر: النيسابوري، محمد بن الفتّال، روضة الواعظين: ص452.

[57] الروم: آية10.

[58] الزمر: آية53.

[59] النساء: آية83.

[60] القاضي المغربي، النعمان بن محمد، دعائم الإسلام: ج1، ص226.

[61] المدّثر: آية38.

[62] فاطر: آية18.

[63] الروم: آية41.

[64] نوح: آية10ـ12.

[65] القاضي المغربي، النعمان بن محمد، دعائم الإسلام: ج1، ص222ـ223.

[66] اُنظر: البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج2، ص82.النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم: ج3، ص41.

[67] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج2، ص81.النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم: ج3، ص43.

[68] النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم: ج3، ص45.

[69] اُنظر: الهاشمي، محمود، بحوث في علم الأصول (تقرير بحث السيّد محمد باقر الصدر (قدس سره) ): ج4، ص247.

[70] روى الشيخ بسنده عن عمّار الساباطي قال: «كنّا جلوساً عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمِنى، فقال له رجل: ما تقول في النوافل؟ فقال: فريضة، قال: ففزعنا وفزع الرجل.فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنّما أعني صلاة الليل على رسول الله(صلى الله عليه واله) ، إنّ الله يقول: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ....)».الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج2، ص242.وجاء في المحاسن مسنداً عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) يقول: إنّا أهل البيت أمرنا أن نُطعم الطعام، ونؤوي في النائبة، ونُصلّي إذا نام الناس».البرقي، أحمد بن محمد، المحاسن: ج2، ص387.

فإنّ قوله: (إنّا) فيه دلالة على الخصوصية، وقد يقال: إنّ الخصوصية أنّهم غير تاركين لها.ولكن ربما قد لا يتركها غيرهم أيضاً؛ وعليه فالمراد أنّها واجبة عليهم.

[71] الأحزاب: آية21.

[72] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص348.

[73] الشورى: آية23.

[74] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص226.

[75] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص204.

البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام) - الدوافع والمسوّغات