(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ * أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ* إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) [1].

مقدّمة

لم يكن القرآن الكريم بدعاً من الكتب السماوية الأُخرى التي أخبرت بحوادث سوف تقع في مستقبل الأيّام، وخاصّة فيما يتعلّق بما سيتعرّض له أتباع الرسل من محن وابتلاءت، أو أحداث ومعارك يخوضونها، كقوله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)[2]، وقد تحقّقت هذه النبوءة بعد عدّة سنوات عندما انتصرت الروم على الفرس.

وقد أُلّفت كتب في تنبّوءات الإنجيل والتوراة وما تحقّق منها، بل ألّف بعضٌ كتباً عمّا جاءت به الكتب السماوية بشأن مأساة كربلاء، وظهور صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف) في آخر الزمان.

والسؤال الذي يطرح نفسه على بساط البحث هو: هل من الممكن أن يغفل القرآن الكريم عن الإشارة إلى ما سيتعرّض له نبي آخر الزمان وأوصياؤه ومستقبل الرسالة الإلهية في حين قد أشارت لها الكتب السابقة؟

والجواب: إنّ القرآن الكريم قد أشار إلى ما سيتعرّض له هؤلاء المقدّسون من محن وابتلاءات وما سيؤول إليه مصير الأُمّة في مستقبلها القريب والبعيد، وبعضها آيات واضحات لا تحتاج إلّا إلى يسير من التدبّر لإدراك معانيها، منها ما أخبر به عن مقتل رسول الله(صلى الله عليه واله) وانقلاب الأُمّة بعده عن ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ، وهي قوله تعالى: (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا)[3].

ومنها ما أخبر عن المُلك العظيم الذي ادّخره الله تعالى لآل محمد(صلى الله عليه واله) في آخر الزمان بعد التهميش والتضييق والقتل الذي تعرّضوا له، قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)[4].

ومّما يؤيّد هذا المعنى ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي عبد الله(عليه السلام) في مقام تفسير الآية أعلاه، فقد قال(عليه السلام) : «نحن والله الناس الذين قال الله تعالى، ونحن والله المحسودون، ونحن أهل هذا الملك الذي يعود إلينا»[5].

هذا، وقد وردت الإشارة إلى الإمام الحسين(عليه السلام) صراحة في بعض الآيات كما في آية المباهلة: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)[6]. وقد تظافرت الأخبار أنّ رسول الله(صلى الله عليه واله) قد خرج للمباهلة مصطحباً معه علياً وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) [7].

كما ورد ذكره(عليه السلام) تلميحاً في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم، منها ـ على سبيل المثال ـ ما جاء في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا...)[8]، فقد رُوي عن أهل البيت(عليهم السلام) أنّها نزلت في الحسين(عليه السلام) [9].

هذا، وأنّ الآيات المشار إليها قد أخبرت عنها نصوص مروية عن العترة الطاهرة(عليهم السلام) أنّها نزلت في الحسين(عليه السلام) ، إلّا أنّه ثمّة آيات أُخرى نزلت فيه(عليه السلام) ، ولكن لم يصل إلينا فيها نصّ عنهم(عليهم السلام) ، بل ولم يرد فيها قول لمفسّر بأنّها نزلت فيه(عليه السلام) . وهنا محطّ البحث ومعترك الآراء، ليكون هذا البحث مصداقاً للعنوان المقترح في دور النهضة الحسينية في فهم بعض الآيات والسور القرآنية، وإدراك معانيها الحقيقية، والمراد من ذلك أنّ الحوادث الواقعة في معركة الطفّ كان لها الدور البارز في الكشف عن مداليل بعض الآيات الكريمة ومقاصدها التي بقيت غائبة عن فهم المسلمين وإدراكهم؛ بسبب التضليل الذي مارسته المدارس الفكرية المنحرفة، التي كانت تكرّس التفاسير الداعمة لبقاء السلاطين الغاصبين للخلافة النبوية على حكم المسلمين، وتحاول إبعاد وتسفيه أيّ تفسير للآيات التي تُشير إلى ولاية مَن اختارهم الله تبارك وتعالى خلفاء على الأرض مهما كان جلياً وواضحاً.

وسنتناول في هذا البحث تفسير سورة العاديات على وفق الأحداث التي جرت في واقعة الطفّ الأليمة، جاعلين ذلك مستنداً للوصول إلى فهم صحيح للمراد الإلهي من آيات هذه السورة المباركة.

نظرة عامّة حول سورة العاديات

أولاً: هل السورة مدنية أو مكّية؟

اختلف المفسّرون اختلافاً كبيراً في أنّ سورة العاديات هل هي سورة مكّية أو مدنية؟ بل إنّ بعض المفسّرين كالفيض الكاشاني قال في تفسيره(الأصفى): إنّها مكّية[10]، وقال في تفسيره(الصافي): إنّها مدنية[11]؛ ولعلّ ذلك سهو منه أو تحقّق لديه في كتابه الثاني أنّ سبب النزول هو خلاف ما قاله في كتابه الأول.

وقد رجّح السيّد الطباطبائي أنّها نزلت في المدينة بالنظر إلى مضامينها ومحتوياتها[12]. كما رجّح الشيخ مكارم الشيرازي أنّها مدنية بعد أن ذكر قرائن تدلّ على أنّها مكّية[13].

وعلى كلّ حال، فإنّ الأنسب لمقام البحث أن تكون السورة مدنية؛ لأنّها تتحدّث عن موضوع يتعلّق بمستقبل الرسالة بعد الفراغ من تثبيت أركانها العقائدية وتشييد معالم دولتها وكيانها السياسي.

ثانياً: أهمية سورة العاديات

وردت بعض الأخبار التي تبيّن أهمّية هذه السورة المباركة، وتعكس مدى رغبة الشارع المقدّس في الإلفات إلى معانيها من خلال تشريع استحباب تلاوتها مطلقاً، أو في بعض المناسبات العبادية، نذكر رواية واحدة منها على سبيل المثال:

ذكر الشيخ الصدوق(رحمه الله) بإسناده عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «مَن قرأ سورة العاديات وأدمن قراءتها بعثه الله(عز وجل) مع أمير المؤمنين(عليه السلام) يوم القيامة خاصّة، وكان في حجره ورفقائه»[14].

ثالثاً: سبب نزول السورة

ذكر المفسّرون أسباباً عدّة لنزول هذه السورة الكريمة، فقد جاء في التفاسير الشيعية أنّها:

1ـ نزلت بعد غزوة ذات السلاسل[15].

2ـ نزلت في الغزوة على بني سليم[16].

3ـ نزلت في الغزوة على خثعم[17].

والظاهر أنّ الروايات التي أشارت إلى الغزوات الثلاثة أعلاه ذات مضمون متقارب، ولعلّها غزوة واحدة عُبّر عنها بألفاظ مختلفة لاختلاف رواتها، أو لعلّها نزلت في هذه المناسبات جميعاً لحكمة يريد منها الباري(عز وجل) التأكيد على هذه السورة المباركة.

كان هذا ما ذُكر في تفاسير الشيعة، وأمّا التفاسير الأُخرى فقد ذكرت سببين آخرين لهذه السورة، هما:

1ـ أنّها نزلت في إبل الحجيج. وقد ذكر سبب النزول هذا جلّ مفسّريهم[18].

2ـ أنّها نزلت في غزوة على حي من بني كنانة[19].

رابعاً: علاقة سبب النزول بتفسير الآيات

إنّ القرآن الكريم باعتباره الكتاب السماوي الخالد الذي يسعى إلى تلبية احتياجات الإنسان وما يتعلّق به في جميع العصور، لا يمكن تقييد مضامين آياته بزمان نزولها ومكانه، فقد رُوي عن الفضيل بن يسار أنّه قال: «سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن هذه الرواية: ما من القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن. فقال [(عليه السلام) ]: ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما قد مضى ومنه ما لم يكن، يجري كما يجري الشمس والقمر...»[20]. وعليه؛ فلا توجد علاقة على نحو العلّية والمعلولية بين النصوص القرآنيّة وبين أسباب نزولها، وإنّما يختار الله سبحانه وتعالى الحدث الأقرب والأكثر تعلّقاً بها وقتاً لنزولها، أضف إلى ذلك فإنّ كثرة الروايات المتعارضة بشأن أسباب النزول يُضعف اعتمادها كأسباب واقعية لنزول الآيات، ويجعلها مجرّد مناسبات وظروف لنزولها. وفي هذا الصدد قال العلّامة الطباطبائي: «إنّ ما ذكروه من أسباب النزول ـ كلّها أو جلّها ـ نظرية، بمعنى أنّهم يروون غالباً الحوادث التاريخيّة، ثمّ يشفعونها بما يقبل الانطباق عليها من الآيات الكريمة فيعدّونها أسباب النزول»[21].

تبيين معاني مفردات السورة

قبل الخوض في تحديد المداليل الاستعمالية لمفردات السورة المباركة التي تُعدّ مفتاحاً لفهم المراد الجدّي منها، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كلمات اللغويين ـ في حدّ نفسها ـ ليست حجّة في هذا المضمار؛ وذلك لتعدّدها واختلافهم في تحديد معاني المفردات القرآنية وفقاً لما ينسجم مع ما هم عليه من عقائد وميول؛ ولهذا سنعتمد بشكل أساسي ـ عند اختلاف معاني اللفظ الواحد عندهم ـ على كلام اللغوي الذي يعتمد منهجاً علمياً في استنباط المعاني كابن فارس في كتابه(معجم مقاييس اللغة).

وبعد هذه الملاحظة فلنشرع ببيان معاني مفردات السورة:

العاديات: جمع العادية، والمراد بها الخيل حين تعدو[22]، أو الخيل المغيرة[23]. وذهب بعضهم إلى أنّ من معانيها أيضاً: الإبل[24].

وقال ابن فارس: «تقول: عدا يعدو عدواً وهو عاد... والعادي الذي يعدو على الناس ظلماً وعدواناً»[25].

وعليه؛ يكون معنى العاديات هي الخيول التي تسرع في عدوها وهي معتدية ظالمة نحو مَن تريد الاعتداء عليه، فإنّه تعالى لو أراد الخيل فقط، أو الخيل في حال السير أو الهرولة أو الجري لعبّر عنها بالألفاظ المناسبة لها في لغة العرب.

ضبحاً: الضبح صوت الثعلب، ثمّ استعير للصوت الذي تخرجه الخيل مع أنفاسها حين ترهق من شدّة التعب والإعياء عندما تعدو بسرعة[26].

الموريات قدحاً: المراد بها: «الخيل توري النار سنابكها إذا وقعت على الحجارة»[27].

المغيرات: الخيل المغيرة، قال ابن فارس: «غور: الغين والواو والراء أصلان صحيحان، أحدهما خفوض في الشيء وانحطاط وتطامن، والأصل الآخر إقدام على أخذ مال قهراً أو حرباً... الإغارة، يقال: أغار بنو فلان على بني فلان إغارة وغارة»[28].

وهو يستبطن معنى السرعة عند الهجوم، قال ابن منظور: «وأغار الفرس إغارة وغارة: اشتدّ عدوه وأسرع في الغارة وغيرها»[29].

صبحاً: الصبح أوّل النهار[30]، وهو الفجر[31].

فأثرن: بتخفيف الثاء إمّا من مادّة(ثور)، بمعنى: انبعاث الشيء، أو جنس من الحيوان[32]. وإمّا من مادّة(أثر)، بمعنى: تقديم الشيء، أو ذكر الشيء، أو رسم الشيء الباقي[33]. وورد أيضاً: أثر السيف بمعنى ضربته[34].

نقعاً: قال ابن فارس: «نقع: النون والقاف والعين أصلان صحيحان، أحدهما: يدلّ على استقرار شيء، كالمائع في قراره، والآخر: على صوت من الأصوات»[35].

وقال ابن منظور: «ويقال: سمّ ناقع، أي: بالغ قاتل، وقد نَقَعَه، أي: قَتَلَه... ودم ناقع، أي: طري»[36].

لكنود: الكنود هو: الكفور للنعمة[37].

لشهيد: من مادّة(شهد) التي تدلّ على حضور وعلم وإعلام[38].

الخير: وهو خلاف الشرّ، ومن معانيه أيضاً الكرم[39].

لشديد: من مادّة(شدّ)، التي تدلّ «على قوّة في الشيء... ومن الباب الشديد والمتشدّد: البخيل»[40].

بعثر: قال الجوهري «يُقال: بعثر الرجل متاعه وبحثره إذا فرّقه وبدّده وقلب بعضه على بعض. ويُقال: بعثرت الشيء وبحثرته إذا استخرجته وكشفته»[41].

الطروحات في تفسير آيات سورة العاديات

ذُكرت لآيات هذه السورة المباركة عدّة تفسيرات مختلفة فيما بينها، يُشمّ منها دخالة الولاءات الفكرية والسياسية التي طالما لعبت دوراً خطيراً في تشويه الصورة الناصعة للقرآن الكريم، من خلال تحريف معانيه وإبعادها عن الوجهة الحقيقية التي أنزلها الله تبارك وتعالى لهداية الناس، أضف إلى ذلك فإنّه نظراً لتعدّد التفسيرات لكلّ مفردة من مفرداتها وتناقضها، فإنّ المتابع لها يجد صعوبة بالغة في تكوين أُطروحة متكاملة ومترابطة في تفسير هذه السورة؛ ممّا يجعلنا مضطّرين إلى إيراد هذه التفسيرات تحت كلّ آية من هذه السورة المباركة، والتي هي:

أولاً: قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا)

ذكر المفسّرون له ثلاثة معانٍ:

الأوّل: تفسير العاديات بإبل الحجيج، وأنّ السورة جاءت لتنقل لنا صوراً من أعمال حجّاج بيت الله الحرام وهم يؤدّون مناسكهم؛ تأكيداً على أهمّية فريضة الحج وترغيباً للمسلمين بها. وقد نسبوا هذا التفسير لأمير المؤمنين(عليه السلام) ، ونسبه بعضهم إلى عبد الله بن مسعود[42].

وردّه بعضهم وبيّن ضعفه، وذكر أنّه خلاف الظاهر[43]، وذهب آخرون إلى ضعف الرواية ونسبتها إلى الإمام علي(عليه السلام) بعد أن وجد أنّ ذلك لا يمكن أن يقوله(عليه السلام) لفرط ضعفه وهشاشته[44].

الثاني: تفسير العاديات بخيل المجاهدين، وهو التفسير الذي تبنّاه أغلب المفسّرين من الفريقين[45]، ويتلخّص بتفسير العاديات بخيل المجاهدين، وهي تغزو في سبيل الله. وقد نطق بهذا التفسير قدماء المفسّرين وتبعهم مَن جاء بعدهم اتّباع الفصيل أثر أُمّه، ولكن الملاحظ أنّ قدماء المفسّرين فسّروا العاديات بمطلق الخيل من غير تخصيص لها بخيل المجاهدين.

الثالث: تفسير العاديات بالنفوس[46]، وهذا التفسير طرحه الصوفية على طريقتهم في تبيين معاني القرآن على خلاف ظاهره؛ لتتناغم مع خطّهم الفكري العام الهادف إلى تزكية النفس وتهذيب الروح. وهي مجرّد تخيّلات صرفة لا تقوم على أساس علمي صحيح، وإن كانت غايتها نبيلة.

ثانياً: قوله تعالى: (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا)

اختلف المفسّرون في هذه الآية الكريمة إلى ستّة أقوال، كما نقلها الطبري، وهي:

1ـ الخيل توري النار بحوافرها.

2ـ الخيل هجنَ الحرب بين أصحابهن وركبانهن.

3ـ الذين يورون النار بعد انصرافهم من الحرب.

4ـ مكر الرجال.

5ـ الألسنة.

6ـ الإبل حين تسير تنسف بمناسمها الحصى[47].

ثالثاً: قوله تعالى: (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا)

اختلف المفسّرون في تحديد المراد من هذه الآية، فهل هو الخيل التي تغير على عدوّها في الصباح، أو الإبل التي تحمل ركبانها من جمع يوم النحر إلى مِنى؟ وقد نقل الطبري صفة زائدة للمغيرات وهي الإغارة علانية[48]، بينما أضاف الطباطبائي والآلوسي للخيل المغيرة صفة المباغتة في الهجوم[49].

رابعاً: قوله تعالى: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا)

أطبق المفسّرون على تفسير النقع بالغبار؛ لأنّه التفسير الوحيد الذي يتلائم مع طروحاتهم في تفسير السورة المباركة، وأهملوا المعنى الأصلي لكلمة النقع.

قال الشوكاني: «النقع: الغبار الذي أثرته في وجه العدو عند الغزو... وقال أبو عبيدة: النقع: رفع الصوت... والمعروف عند جمهور أهل اللغة والمفسّرين أنّ النقع الغبار، ومنه قول الشاعر:

يخرجن من مستطار النقع دامية

كأنّ أذنابها أطراف أقلام

وقول عبد الله بن رواحة:

عدمنا خيلنا إن لم تروها

تثير النقع من كنفي كداء

وقول آخر:

كأنّ مثار النقع فوق رؤوسنا

وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

وهذا هو المناسب لمعنى الآية. وليس لتفسير النقع بالصوت كثير معنى»[50].

ومن الغريب أن يأتي الشوكاني وغيره من المفسّرين بمثل هذه الأبيات الشعرية كشاهد على أنّ المراد من النقع هو الغبار، مع أنّ اصطلاح مثار النقع ومستطار النقع تداوله الشعراء قديماً وحديثاً وأرادوا به قطرات الدم المتطايرة عندما تهوي السيوف على الرؤوس!

ففي البيت الأوّل تخرج السيوف من مستطار النقع دامية، ولو كان المراد من النقع هو الغبار فكيف تخرج السيوف من الغبار وهو محيط بها ويعلوها بأمتار في جو المعركة؟! وكذلك البيت الثاني سيخلو من أيّ معنى للتفاخر إذا كان معنى قوله(تثير النقع) هو مجرّد إثارة الغبار وتطايره من جهتي(كداء) وهو جبل من جبال مكّة. وكذلك معنى(مثار النقع) في البيت الثالث، فهو أشدّ وضوحاً، فإنّ الشاعر شبّه قطرات الدم المتطاير من الرؤوس عندما تتهاوى عليها السيوف بالنجوم التي تهوي إلى الأسفل أثناء الليل وقد علاها ذنب مضيء.

خامساً: قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)

اتّفق المفسّرون على أنّ المعنى المشهور لمفردة(كنود) هو كفور، ومع ذلك فقد ذكروا أنّ له معنى آخر وهو البخيل، ومنه كذلك الأرض الكنود وهي التي لا تنبت بالزرع، وذكروا له أيضاً معانٍ أُخرى كثيرة، ومن هذا القبيل ما ذكره الطبري تحت هذه الآية، فهو بعدما قال أنّ معناها هو: «إنّ الإنسان لكفور لنعم ربّه»[51]، نقل تفاسير عدّة عن الصحابة والتابعين لهذه اللفظة، من قبيل ما أورده عن الحسن البصري: «إن الانسان لربه لكنود قال: هو الكفور الذي يعد المصائب، وينسى نعم ربه»[52]، وعن الحسن: إنّه «لوّام لربه يعدّ المصائب»[53]، وعن أبي أُمامة عن رسول الله(صلى الله عليه واله) أنّه قال في معنى الآية: «لكفور ، الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده»[54]، إلى غير ذلك من كلمات المفسّرين[55] التي لا تنسجم مع الطروحات التي تبنّوها في تفسير سائر آيات هذه السورة.

سادساً: قوله تعالى: (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ)

اتّفق المفسّرون على أنّ معنى شهيد في الآية الكريمة: الشاهد، من الشهادة. واختلفوا في الشاهد مَن هو؟ فقال بعضهم: إنّ الإنسان شاهد على نفسه في كنوده لربّه[56]. بينما نسب الثعلبي إلى أكثر المفسّرين قولهم: إنّ الله تعالى شاهد على الإنسان في كنوده وصنائعه[57]. وهناك مَن بيّن أنّ شهيد في الآية من الشهود بمعنى العلم الحضوري[58].

سابعاً: قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)

أطبق المفسّرون على أنّ المراد بالخير في الآية الكريمة هو المال، وخصّه بعضهم بالمال الكثير[59]. نعم، نقل بعضهم كالطبري عن ابن زيد أنّ المراد بالخير الدنيا[60]، ونسب الشنقيطي إلى مجاهد وغيره أنّ المراد به في الآية العمل الصالح[61]، ونقل الطوسي عن المبرّد والربيع أنّ معنى الخير في الآية المال أو الملك[62].

وقال الطباطبائي: «ولا يبعد أن يكون المراد بالخير مطلقه، ويكون المراد أنّ حبّ الخير فطري للإنسان، ثمّ إنّه يرى عرض الدنيا وزينتها خيراً، فتنجذب إليه نفسه ويُنسيه ذلك ربّه أن يشكره»[63].

تقييم الطروحات التفسيرية المتقدّمة

لقد واجهت التفاسير المتقدّمة لآيات سورة العاديات المباركة تهافتاً كبيراً واعتراضات لم تستطع الإجابة عنها، وتركت الميدان مخلّفة وراءها مجموعة من الاحتمالات لكلّ مفردة ولكلّ ضمير ولكلّ فقرة ولكلّ آية من غير أن تحسم موقفها بتفسير واضح منسجم مع بعضه. هذا، ويمكن بيان التهافت المذكورعلى المستويات الآتية:

1ـ معاني المفردات: فقد اتّضح للقارئ الكريم جلياً من خلال ما نقلناه له من كلمات المفسّرين بأنّ أكثرهم لم يصلوا إلى المعنى المختار، ويحسموا أمرهم بشأنه استناداً إلى دليل علمي أو مرجّح منطقي، كما أنّهم لم يركنوا إلى تفسير واحد لكلّ مفردة من مفردات هذه السورة ينسجم مع معاني المفردات الأُخرى المذكورة فيها.

2ـ إرجاع الضمائر: فقد اضطرب المفسّرون بهذا الشأن اضطراباً كبيراً، ومن ذلك على سبيل المثال: اختلاف أقوالهم في مرجع ضمير(الهاء) في قوله تعالى: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا)، فقد ذهب بعضهم إلى أنّه المكان الذي وقعت فية الإغارة[64]، بينما ذهب بعض آخر إلى أنّه الزمان الذي وقعت فيه الغارة، وهو وقت الصبح[65]، وكذلك هناك من ذهب إلى أنّه العَدْو ـ أي: الركض ـ الذي دلّ عليه لفظ العاديات في صدر السورة[66]. وهكذا دواليك بالنسبة إلى الضمير نفسه في الآيات اللاحقة التي هي: (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ).

3ـ الربط بين القسم[67] وجواب القسم: لم يتعرّض أكثر المفسّرين لهذا العنوان بعد أن لم يجدوا الربط والعلاقة الصحيحة بين القسم وجوابه[68]؛ ولذلك توجد محاولتان لبيان هذه العلاقة:

أُولاهما: ما ذهب إليه السبحاني من أنّ هذه السورة جاءت لتهديد أُولئك الناس الذين لا يصغون إلى قوّة المنطق، التي دعا إليها الأنبياء(عليهم السلام) في دعواتهم الرسالية، ويسعون في أحيان كثيرة إلى وضع العراقيل أمام هذه الدعاوى، فهؤلاء يحتاجون
ـ بحسب رأي السبحاني ـ إلى منطق القوّة؛ ومن هنا جاء القسم الإلهي في هذه السورة لتأكيد هذا الأمر[69].

وأهمّ ما يرد على هذه المحاولة هو أنّه قسّم الناس إلى فئتين: أحدهما تقبل بمنطق العقل، والثانية لا تقبل إلّا بمنطق القّوة، بينما السورة الكريمة استعملت لفظ الإنسان الذي يشمل الفئتين معاً. كما أنّه استند في محاولته هذه إلى الرواية المذكورة في سبب النزول، مع أنّنا أسلفنا فيما تقدّم بأنّه لا توجد علاقة على نحو العلّية والمعلولية بين النصوص القرآنية وأسباب نزولها، وإنّما تكون الأسباب ـ على الأكثر ـ ظروفاً لتلك النصوص وأوقاتاً لنزولها.

ثانيهما: ما ذهب إليه الشيخ مكارم الشيرازي حيث يرى أنّ القسم وإن تعلّق بالخيل، إلّا أنّه في الحقيقة قسم بجهاد المجاهدين؛ وعليه تكون العلاقة بينه وبين جوابه عبارة عن أنّ «ثمّة أفراد من بني الإنسان يضحّون على طريق الجهاد ويبذلون النفس والنفيس في سبيل الله، فكيف والحال هذه يستولي على بعض الناس البخل والكفران، فلا يؤدّون فريضة شكر النعم، ولا يبذلون في سبيل الله؟!»[70].

ولا يخفى ما في هذه المحاولة من تكلّف ظاهر، فهي قائمة على تنزيل القسم بخيل المجاهدين منزلة القسم بالمجاهدين أنفسهم.

الأطروحة المقترحة لتفسير السورة

إنّ من الواضحات ـ بل المسلّمات ـ وحدة الموضوع في السور القصار، وهذا يستلزم طرح الوجوه والتفاسير لمفرداتها وآياتها التي لا تتناسب مع وحدة موضوعها، فمثلاً: سورة الكوثر باعتبارها أقصر سورة في القرآن الكريم تتحدّث عن موضوع اتّهام النبي(صلى الله عليه واله) بأنّه أبتر، أي: ليس له ولد ذكر، فوعده الله(عز وجل) بأنّه سيُعطيه الكثير جدّاً من الذرّية الذكور من نسل ابنته فاطمة الزهراء(عليها السلام) . وحينئذٍ ستكون التفاسير الأُخرى للكوثر بأنّه ـ مثلاً ـ نهر في الجنّة، أو هو الخير الكثير المتمثّل بالنبوّة، غير صحيحة وينبغي أن تُطرح جانباً؛ وذلك لأنّها لا تتناسب مع وحدة الموضوع في السورة الكريمة.

وسورة العاديات هي أيضاً من السور القصار التي تتميّز بوحدة الموضوع الذي تتحدّث عنه، وحينئذٍ ستُطرح كلّ التفاسير الأُخرى التي لا تتناسب مع موضوع هذه السورة المباركة.

وحينئذٍ لا بدّ من البحث عن الموضوع الذي تتحدّث عنه هذه السورة. وقد اعترف جميع المفسّرين بأنّ السورة تتألّف من قسم وجواب القسم، أي: إنّ لها موضوعاً واحداً، وحتّى على القول: بأنّ السورة تتألّف من ثلاثة مقاطع، وأنّ قوله تعالى: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ)إلى آخر السورة غير داخل في جواب القسم فلا شكّ بارتباطه الوثيق بمعطيات القسم وجوابه، بحكم استعمال الاستفهام الاستنكاري في الآية أعلاه الذي يدلّ على ارتباط الكلام بسابقه.

إنّنا أمام مشهد فريد يقسم به الله تبارك وتعالى، إذ القسم في السورة ليس في العاديات والموريات والمغيرات؛ لأنّه لو أراد ذلك لكان العطف بينها بالواو وليس بالفاء، بل بالخيل العادية فالمورية فالمغيرة، الذي يدلّ على تتابع حركة هذه الخيل نحو هدف محدّد، فهي تتسابق مع الريح وتجهد نفسها للوصول إليه بسرعة فائقة قبل أن يفلت منها.

إنّها معركة حاسمة، وصيد ثمين يُخشى فواته، إنّ هذه العاديات قد حدّدت مكان فريستها، وهي تريد الوصول إليه بسرعة والانقضاض عليه قبل أن تحول الأقدار بينها وبينه، وهي توحي بأنّها أمسكت به بعد عناء طويل، كلّ ذلك تفسّره الفاءات العاطفة في الآيات الأربعة المتتالية، وقد أشار بعض المفسّرين إلى هذا المعنى، مستدلّين به على كون المقسم به واحداً غير متعدّد، وهو قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ...)[71]، ولكنّ الصحيح أنّه قسم بالمشهد الفريد الذي صوّرته الآيات الخمس بتصوير إعجازي بليغ.

وذلك المشهد العظيم الذي يستحقّ أن يقسم به الخالق جلّ جلاله هو خيل تعدو مسرعة جدّاً، وهي تضبح وتتعالى أصوات أنفاسها من شدّة الجري لتصل إلى هدفها بأقصى ما تستطيع، وهي من شدّة عدوها تنقدح من سنابكها شرر النيران عندما تصطدم بالحصى والصخور، وعندما يكتمل تجمعها واستعدادها في الليل تقوم بالإغارة على خصومها صباحاً، فتفتك بهم فتكاً شديداً، ولا يُرى في ميدان المعركة بعد أن أشرفت على الانتهاء سوى الدم المتطاير من هامة رجل بقي صامداً لوحده لساعات عديدة، وهو النقيعة التي لم يستطع هذا الجيش العرمرم أن يتوسّطه ويطوّقه ويحيط به، إلّا بعد أن أثخنته الجراحات، وسقط على الأرض ولم يستطع الحركة، هنالك فقط اجتمعوا بكلّ جمعهم حوله من كلّ ناحية ينظرون إليه.

ونذكر في المقام ما نقلته كتب التواريخ عن هذا المشهد الفريد الذي لم يكن له نظير في تأريخ البشرية، مشهد مصرع الإمام الحسين(عليه السلام) حينما بقي وحيداً في ميدان القتال أمام عشرات الأُلوف من المقاتلين الأشدّاء، الذين امتلأوا حقداً وحنقاً عليه؛ لما فعله أبوه بآبائهم ببدر وحنين والنهروان.

نقل الطبري وابن الأثير وابن كثير عن أبي مخنف عن حميد بن مسلم ـ مراسل البلاط الأُموي الذي يدوّن أحداث المعارك ويرسلها إليه ـ أنّه قال: «ومكث الحسين[(عليه السلام) ] طويلاً من النهار كلّما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه وكره أن يتولّى قتله وعظيم إثمه عليه... [إلى أن يقول:] فشدّ عليه رجّالة ممّن عن يمينه وشماله، فحمل على مَن عن يمينه حتّى ابذعروا، وعلى مَن عن شماله حتّى ابذعروا... قال: ولقد مكث طويلاً من النهار ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض ويحبّ هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء. قال: فنادى شمر في الناس: ويحكم ماذا تنظرون بالرجل؟! اقتلوه ثكلتكم أُمّهاتكم. قال: فحُمل عليه من كلّ جانب، فضُربت كتفه اليسرى ضربةً، ضربها زرعة بن شريك التميمي، وضُرب على عاتقه، ثمّ انصرفوا وهو ينوء ويكبو. قال: وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي، فطعنه بالرمح فوقع، ثمّ قال خولي بن يزيد الأصبحي: احتز رأسه. فأراد أن يفعل فضعف فأرعد. فقال له سنان بن أنس: فتّ الله عضديك وأبان يديك. فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه، ثمّ دفع إلى خولي بن يزيد»[72].

ورواه الشيخ المفيد والفتّال النيسابوري بألفاظ قريبة من الرواية المتقدّمة[73].

الأدلّة والقرائن على صحّة هذه الأُطروحة

هنالك مجموعة من الأدلّة والشواهد على صحة هذا التفسير نُجملها فيما يلي:

أوّلاً: تهافت الأطاريح الأُخرى في تفسير السورة المباركة، كما مرّ في البحوث السابقة.

ثانياً: انسجام وتلاؤم هذا التفسير مع المعاني اللغوية لألفاظ السورة المباركة، كما مرّ في البحث اللغوي لمفردات السورة الكريمة، فمثلاً مفردة(كنود) الواردة في جواب القسم في قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)، فقد واجه المفسّرون معضلة في مجال تفسيرها بعد أن اتّفقوا على أنّ المعنى اللغوي المشهور لها هو(كفور)؛ وذلك لأنّهم واجهوا مشكلة في بيان سعة وضيق أفراد الإنسان ـ المذكور في الآية نفسها ـ في حال المصير إلى هذا المعنى بالشكل الذي ينسجم مع التناسب المذكور بين القسم وجوابه، فقد ذهب بعضٌ منهم إلى أنّ المراد بالإنسان فرد بعينه، وذهب آخرون إلى أنّ المراد به بعض أفراد الإنسان وهو الكافر، واعترف قسم ثالث بأنّ المراد به جنس الإنسان، ولكنّهم لم يتطرّقوا إلى هذه المعضلة وجوابها.

أمّا على التفسير المقترح فإنّ هذه المعضلة سوف تتلاشى؛ وذلك من خلال المصير إلى الرأي القائل: بأنّ الآية تُشير إلى جنس الإنسان، وأنّ صفة(الكنود) الواردة فيها هي جزء من طبيعته وأنّه مجبول عليها. وقد استُشهد على ذلك بجملة من الآيات التي تشير في حقيقتها إلى فشل هذا المخلوق في اختيار القيم النبيلة وترجيحه لاختيار طريق الانحراف والشرّ، قال تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)[74].

هذا، وأنّ كون الإنسان مجبولاً على بعض الصفات السلبية لا يمنع من توجّه التكاليف إليه، وكونه محاسباً على ارتكاب الموبقات يوم القيامة؛ وذلك لأنّ الله(عز وجل) قد جعل الالتزام بالطاعات الشرعية والعقائد السليمة والأخلاق الفاضلة طريقاً إلى تزكية النفس، قال تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ)[75].

ثالثاً: إنّ دلالة استعمال الفاء في الآيات الأربع المتتالية على التعاقب كما مرّت الإشارة إليه، يجعل تفسيرنا المقترح منفرداً في إيجاد المطابقة بين قوله تعالى: (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا)وبين الواقع التاريخي لمذبحة كربلاء؛ إذ لم يُنقل في أيّ غزوة أو معركة أنّ الإحاطة بالعدو وقعت بعد انتهاء المعركة إلّا في هذه المذبحة المروّعة، كما دلّت النصوص التاريخية التي نقلناها فيما سبق؛ ممّا يجعلها المصداق الوحيد للآية أعلاه.

رابعاً: التناسب الأمثل بين القسم بالمشهد الدموي المقدّس وبين التهديد والوعيد الذي تضمّنه جواب القسم، وهو ما عجزت عنه التفاسير السابقة التي جمعت بين البشارة التي يحملها القسم بخيل المجاهدين وبين التهديد والوعيد الذي تضمّنه جواب القسم.

خامساً: تناسق إرجاع الضمائر في السورة المباركة على هذه الأُطروحة، بينما لاحظنا سابقاً الاضطراب الشديد في الطروحات السابقة فيما يتعلّق بهذه القضية، فعلى الأُطروحة الصحيحة ترجع الهاء في تركيب(به) ـ الذي اشتملت عليه آيات القسم ـ إلى شخص بعينه وهو سيّد الشهداء(عليه السلام) ، وترجع الهاء في(وأنّه) ـ الذي اشتملت عليه آيات جواب القسم ـ إلى جنس الإنسان المذكور في قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)؛ وحينئذٍ سيكون فهم السورة جلياً وواضحاً، لا لبسَ فيه ولا غموض.

سادساً: إنّ هذه الأُطروحة تحافظ على المحور الواحد الذي تتحدّث عنه سورة العاديات، فجواب القسم بالمشهد المروّع بذبح الإمام الحسين(عليه السلام) هو أنّ الإنسان مخلوق كنود لربّه، أي: قاطع لحبل مودّة العترة الطاهرة لرسول الله(صلى الله عليه واله) ، والذي دلّ عليه قوله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[76]، فقد استفاضت أحاديث الفريقين بأنّ المراد بالقربى هنا آل محمد(صلى الله عليه واله) .

ثمّ إنّ الإنسان شهيد على هذا القطع لحبل المودّة بقتله الحسين(عليه السلام) ، وأنّ هذا الإنسان بسبب شدّة حبّه للمال قد أقدم على ارتكاب هذا العمل الشنيع، وهو يعلم بعظم منزلة هذا الإمام(عليه السلام) عند الله ورسوله، وأنّه من المفروض عليه مودّته ونصرته.

سابعاً: ورود الإشارة إلى وجود رابطة بين الإمام الحسين(عليه السلام) وبين بعض السور القرآنية كالعاديات مثلاً، في بعض النصوص التي تُنسب إلى الإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف)، والتي هي من قبيل دعاء الندبة الصادر من الناحية المقدّسة: «يابن يس والذاريات، يابن الطور والعاديات»[77].

ثامناً: فهم بعض الأُدباء لسورة العاديات بأنّها سورة مصيبة وحزن ولوعة، وتضمينهم إيّاها في أشعارهم، منها: ما ذكره الموصلي في إحدى موشحاته:[78]

جفا الرقاد جفوني		وبالسهاد ولوعي
والعاديات شجوني		والنـــازعـات ضــلــوعـي
والذاريات شؤوني		والمرسلات دموعي(2)

تاسعاً: إنّ مفردة العاديات ـ كما تقدّم في البحث اللغوي ـ تتضمّن معنى العداوة، كما تتضمّن معنى العدو. ولزيادة الإيضاح ننقل ما ذكره الفراهيدي، قال: «العدو: الحضر. عدا يعدو عدواً وعدوَّاً ـ مثقلة ـ وهو التعدّي في الأمر، وتجاوز ما ينبغي له أن يقتصر عليه... والعدوة عدوة اللص أو المغير. عدا عليه فأخذ ماله، وعدا عليه بسيفه فضربه، ولا يريد عدواً على الرجلين، ولكن من الظلم»[79]. وفي الآية الشريفة يريدهما معاً: العدو والاعتداء؛ لأنّه لا يمكن أن نختار معنى للفظ دون معنى آخر بلا مرجّح أو قرينة تدلّ عليه، وهذا المعنى ينسجم مع تفسيرنا، فإنّ الخيل سوف تتّصف بكلا الصفتين من دون أيّ إشكال يرد على ذلك.

وأمّا الاعتراض على صحّة القَسم بخيل المعتدين، فإنّه يجاب عنه بأنّ الخيل لا خصوصية لكونها خيلاً للمجاهدين أو للكافرين؛ وذلك لأنّها لا تُثاب ولا تُعاقب، مع أنّنا أسلفنا بأنّ القسم ليس بها، بل إنّ الله تبارك وتعالى أقسم بالمشهد الذي تستعرضه الآيات الخمس في صدر السورة، وليست هي أقسام خمسة كما توهّمه بعضٌ؛ لمكان الفاء في الآيات الأربعة المتتالية. ولو كان التعبير بالواو بدل الفاء لصحّ كلامهم.

عاشراً: وهذا الوجه وإن لم يُشكّل دليلاً قطعياً على المدعى إلّا أنّه يمكن أن يكون شاهداً قوياً يعضد الأدلّة المتقدّمة، فقد روى السيوطي في تفسيره قائلاً: «وأخرج ابن عساكر من طريق البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله، ما العاديات ضبحاً؟ فأعرض عنه، ثمّ رجع إليه من الغد فقال: ما الموريات قدحاً؟ فأعرض عنه، ثمّ رجع إليه الثالثة فقال: ما المغيرات صبحاً؟ فرفع العمامة والقلنسوة عن رأسه بمخصرته فوجده مقرعاً رأسه، فقال: لو وجدتك حالقاً رأسك لوضعت الذي فيه عيناك. ففزع الملأ من قوله، فقالوا: يا نبي الله، ولِـمََ؟ قال: إنّه سيكون أُناس من أُمّتي يضربون القرآن بعضه ببعض ليبطلوه، ويتّبعون ما تشابه، ويزعمون أنّ لهم في أمر ربّهم سبيلاً، ولكلّ دين مجوس، وهم مجوس أُمّتي وكلاب النار»[80].

واحتمال الوضع أو التلاعب في هذا الحديث قوي جدّاً، فإنّ السائل كان غرضه الاستفهام عن معنى الآيات الثلاثة الأُولى من سورة العاديات، ومن الواضح أنّ هذه الآيات لم تكن تُشكّل أرضية لوجود التضادّ الظاهري في القرآن، حتّى يُحتمل أنّ السائل كان يهدف من وراء سؤاله إلى ضرب القرآن بعضه ببعض؛ ومن هنا يقوى لدينا أنّ المعاني الحقيقية للسورة المباركة قد وصلت إلى بعض الساعين إلى طمس الحقائق المتعلّقة بأهل البيت(عليهم السلام) ، ولكنّهم أخفوها لما فيها من فضيحة لهم. والجدير بالذكر أنّ جميع المفسّرين والمحدّثين قد أعرضوا عن ذكر هذا الحديث عدا مَن ذكرنا.

نتائج البحث

توصّلنا من خلال البحث إلى النتائج الآتية:

أوّلاً: إنّ مفردة العاديات ومفردات السورة الأُخرى المتعلّقة بها ـ بحسب الاستقراء لأغلب كتب المفسّرين ـ تارة تُفسَّر بخيل الجهاد، وأُخرى بإبل الحجيج، وثالثة بالنفس الإنسانية وما يرتبط بتزكيتها.

ثانياً: بطلان كلّ التفسيرات المطروحة لهذه السورة، وخاصّة فشلها الذريع في تقديم الربط الواضح والصحيح بين القسم وجواب القسم.

ثالثاً: إنّ التفسير الصحيح للسورة ينبغي أن يكون منسجماً مع المعاني اللغوية الصحيحة لمفرداتها، ومدعوماً بالأدلّة والشواهد اللغوية والأدبية، وموجداً للربط المنطقي الواضح بين صدر السورة وذيلها، أي: بين المقسم به والمقسم له، وهذا ما توافرت عليه بالفعل أُطروحتنا التفسيرية لهذه السورة المباركة.

رابعاً: توصّل البحث إلى أنّ المشهد الذي تتحدّث عنه السورة لا يوجد له إلّا مصداق خارجي واحد يستحقّ أن يفرد له الله تبارك وتعالى سورة كاملة ويكرّر القسم به، إلّا مشهد مصرع الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطفّ المأساوية.

المصادر والمراجع

* القرآ ن الكريم.

1. إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، أبو السعود محمد بن محمد العمادي(ت951هـ)، نشر: دار إحياء التراث العربي.

2. الإرشاد، محمد بن محمد بن النعمان المفيد(ت413هـ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث، نشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.

3. أسباب نزول الآيات، علي بن أحمد الواحدي النيسابوري(ت468هـ)، نشر: مؤسسة الحلبي وأولاده، القاهرة ـ مصر، 1388هـ.

4. الأصفى في تفسير القرآن، محمد بن مرتضى المدعو بمحسن الفيض الكاشاني(ت1091هـ)، نشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1418هـ.

5. أضواء البيان في إيضاح القرآن، محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي(ت1393هـ)، نشر: دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1415هـ.

6. إقبال الأعمال، علي بن موسى بن طاووس(ت664هـ)، مكتبة الإعلام الإسلامي، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1414هـ.

7. الأقسام في القرآن الكريم، جعفر السبحاني.

8. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، مدرسة الإمام الصادق، قم ـ إيران، طبعة جديدة منقحة مع إضافات.

9. أنوار التنزيل وأسرار التأويل، عبد الله بن عمر البيضاوي(ت682هـ)، نشر دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

10. بحار الأنوار، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي(ت1111هـ)، مؤسسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1403هـ.

11. البداية والنهاية، إسماعيل بن كثير(ت774هـ)، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1408هـ.

12. بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار(ت290هـ)، نشر: دار الأعلمي، طهران ـ إيران، 1404هـ.

13. تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي(ت1205هـ)، نشر: دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1414هـ.

14. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جريرالطبري(ت310هـ)، نشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 1403هـ.

15. التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي(ت460)، نشر: مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1409هـ.

16. التسهيل لعلوم التنزيل، القاسم بن أحمد الغرناطي الكلبي(ت746هـ)، نشر: دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 1403هـ.

17. تفسير ابن عربي، محيي الدين محمد بن علي بن عربي الطائي(ت638هـ)، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1422هـ.

18. تفسير البحر المحيط، أبو حيّان محمد بن يوسف الأندلسي(ت745هـ)، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1422هـ.

19. تفسير القرآن العظيم، عبد الرحمن بن محمد التميمي(ت327هـ)، نشر: المكتبة العصرية، صيدا ـ لبنان.

20. تفسير القرآن، عبدالرزاق بن همام الصنعاني(ت211هـ)، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض ـ السعودية، الطبعة الأُولى، 1410هـ.

21. تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي(ت329هـ)، مؤسسة دار الكتاب، قم ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1404هـ.

22. تفسير فرات الكوفي، فرات بن إبراهيم الكوفي(ت352هـ)، نشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد، طهران ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1410هـ.

23. تفسير مجاهد، مجاهد بن جبر المخزومي(ت104هـ)، نشر: مجمع البحوث الإسلامية، إسلام آباد ـ باكستان.

24. تفسير مجمع البيان، الفضل بن الحسن الطبرسي(ت548هـ)، نشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1415هـ.

25. تفسير مقاتل، مقاتل بن سليمان(ت150هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى 1422هـ.

26. تفسير مقاتل، مقاتل بن سليمان الأزدي(ت150هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1420هـ.

27. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جريرالطبري(ت310هـ)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، 1415هـ.

28. جوامع الجامع، الفضل بن الحسن الطبرسي(ت548هـ)، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1418هـ.

29. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي(ت911هـ)، نشر: دار المعرفة، بيروت ـ لبنان.

30. دعائم الإسلام، النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد المغربي(ت363هـ)، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، نشر: دار المعارف، القاهرة ـ مصر، 1383هـ ـ 1963م.

31. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، محمود بن عبدالله الآلوسي(ت1270هـ)، قرص مكتبة أهل البيت(عليهم السلام) .

32. روضة الواعظين، محمد بن الفتّال النيسابوري(ت508هـ)، تحقيق وتقديم: السيّد محمد مهدي السيّد حسن الخرسان، نشر: منشورات الشريف الرضي، قم ـ إيران.

33. الصافي في تفسير القرآن، محمد بن مرتضى المدعو بمحسن الفيض الكاشاني(ت1091هـ)، مؤسسة الهادي، قم ـ إيران، الطبعة الثانية، 1416هـ.

34. الصحاح، إسماعيل بن حمّاد الجوهري(ت393هـ)، نشر: دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، 1407هـ.

35. الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، عبد الحسين بن أحمد الأميني(ت1390هـ)، نشر: دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 1397هـ.

36. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير، محمد بن علي ابن محمد الشوكاني(ت125هـ)، نشر: عالم الكتب.

37. القرآن في الإسلام، محمد حسين الطباطبائي، تعريب: السيّد أحمد الحسيني، قرص مكتبة أهل البيت(عليهم السلام) .

38. الكامل في التاريخ، عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد المعروف بابن الأثير(ت630هـ)، نشر: دار صادر، بيروت ـ لبنان، 1386هـ.

39. كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت175هـ)، نشر: دار الهجرة، قم ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1409هـ.

40. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، جار الله محمود بن عمر الزمخشري(ت538هـ)، نشر: شركة ومطبعة مصطفى الحلبي وأولاده، القاهرة ـ مصر، 1385هـ.

41. الكشف والبيان في تفسير القرآن، أحمد بن محمد الثعلبي(ت427هـ)، نشر: دار إحياء الترث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى.

42. كنز العمال، علي بن حسام الدين المتقي الهندي(ت975هـ)، نشر: مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، 1409هـ.

43. لسان العرب، محمد بن منظور(ت711هـ)، نشر أدب الحوزة، قم ـ إيران، 1405هـ.

44. مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي(ت1085هـ)، نشر مكتب نشر الثقافة الإسلامية، قم ـ إيران، الطبعة الثانية، 1408هـ.

45. مدارك التنزيل، عبد الله بن أحمد النسفي(ت537هـ)، قرص مكتبة أهل البيت(عليهم السلام) .

46. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا(ت395هـ)، مكتبة الإعلام الإسلامي، قم ـ إيران، 1404هـ.

47. مفاتيح الغيب، محمد بن عمر الفخر الرازي(ت606هـ)، الطبعة الثانية، قرص مكتبة أهل البيت(عليهم السلام) .

48. مفردات غريب القرآن، الحسين بن محمد المعروف بالراغب الإصفهاني(ت502هـ)، نشر: دفتر نشر الكتاب، قم ـ إيران، الطبعة الثانية، 1404هـ.

49. الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي(ت1412هـ)، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم ـ إيران.

50. النهاية في غريب الحديث، المبارك بن محمد بن الأثير الجزري(ت606هـ)، مؤسسة إسماعيليان، قم ـ إيران، الطبعة الرابعة، 1364ش.

51. الوافي بالوفيات، خليل بن أيبك الصفدي(ت764هـ)، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1420هـ.

[1] العاديات: آية1ـ11.

[2] الروم: آية2ـ3.

[3] آل عمران: آية144.

[4] النساء: آية54.

[5] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج23، ص288.

[6] آل عمران: آية61.

[7] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج21، ص276.

[8] الأحقاف: آية15.

[9] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج23، ص272، ج43، ص246.

[10] اُنظر: الفيض الكاشاني، محمد محسن، التفسير الأصفى: ج2، ص1419.

[11] اُنظر: المصدر السابق: ج5، ص360.

[12] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، القرآن في الإسلام: ص132.

[13] اُنظر: الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج20، ص289.

[14] الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال: ص125.ومَن أراد الاطّلاع أكثر على الروايات التي بيّنت أهمّية سورة العاديات وفضلها واستحباب قراءتها في الصلوات اليومية، وبعض الصلوات المندوبة، فليُراجع: السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدرّ المنثور: ج6، ص383. القاضي المغربي، النعمان بن محمد، دعائم الإسلام: ج1، ص160. ابن طاووس، علي بن موسى، جمال الأُسبوع: ص92. الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج3، ص466.

[15] اُنظر: القمّي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي: ج2، ص434ـ439.الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي: ص591. الطبرسي، الفضل بن الحسن، تفسير مجمع البيان: ج10، ص421.

[16] اُنظر: الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات: ص592.

[17] اُنظر: المصدر السابق: ص593.

[18] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج3، ص345. ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد، تفسير القرآن العظيم: ج10، ص3457. الثعلبي، أحمد بن محمد، الكشف والبيان عن تفسير القرآن: ج10، ص269.

[19] اُنظر: الواحدي النيسابوري، علي بن أحمد، أسباب نزول القرآن: ص305.

[20] الصفّار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات: ص216.

[21] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج4، ص74.

[22] اُنظر: ابن الأثير، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث: ج3، ص194. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج15، ص32.

[23] اُنظر: الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس: ج19، ص664.

[24] اُنظر: الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح: ج61، ص2422.

[25] ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة: ج4، ص249.

[26] اُنظر: المصدر السابق ج3، ص385. ابن الأثير، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث: ج3، ص71. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج2، ص 523.

[27] الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين: ج3، ص461.

[28] ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة: ج4، ص401.

[29] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج5، ص36.

[30] اُنظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج3، ص126.

[31] اُنظر: الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح: ج1، ص379.

[32] اُنظر: ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة: ج1، ص395.

[33] اُنظر: المصدر السابق: ص53.

[34] اُنظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج8، ص236ـ237.

[35] ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة: ج5، ص471.

[36] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج8، ص360.

[37] اُنظر: ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة: ج5، ص140.

[38] اُنظر: المصدر السابق: ج3، ص221.

[39] اُنظر: المصدر السابق: ج2، ص232.

[40] المصدر السابق: ج3، ص179.

[41] الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح: ج2، ص593.

[42] هذا، وقد استفاض نقل المفسّرين للروايات الداعمة لهذا الطرح في كتبهم التفسيرية. اُنظر: الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، تفسير القرآن: ج3، ص390. الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج3، ص347. الفخر الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب: ج32، ص63ـ64. الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج20، ص393. ومن الجدير بالذكر أنّ مجاهد (ت104هـ) لم يذكر هذا الرأي في تفسيره.

[43] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص345.

[44] اُنظر: الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: ج30، ص217.

[45] اُنظر: المخزومي، مجاهد بن جبر، تفسير مجاهد: ج2، ص776. الأزدي، مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل: ج3، ص511. الثعلبي، أحمد بن محمد، تفسير الكشف والبيان: ج10، ص268. الطبرسي، الفضل بن الحسن، تفسير مجمع البيان: ج10، ص421. الأندلسي، محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط: ج8، ص500. الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير: ج5، ص482. الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: ج30، ص215.

[46] اُنظر: ابن عربي، محمد بن علي، تفسير ابن عربي: ج2، ص422.

[47] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج30، ص348ـ 349.

[48] اُنظر: المصدر السابق: ص349ـ350.

[49] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص346. الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: ج30، ص215.

[50] الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير: ج5، ص482.

[51] الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج30، ص353.

[52] المصدر السابق: ص353 ـ 354.

[53] المصدر السابق: ص354.

[54] المصدر السابق.

[55] اُنظر: الفخر الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب: ج32، ص67. الثعلبي، أحمد بن محمد، الكشف والبيان في تفسير القرآن: ج10، ص271. الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص246.

[56] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج20، ص255. الغرناطي الكلبي، القاسم بن أحمد، التسهيل في علوم التنزيل: ج4، ص214. أبو حيّان الأندلسي، محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط: ج8، ص502. الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص246.

[57] اُنظر: الثعلبي، أحمد بن محمد، الكشف والبيان في تفسير القرآن: ج10، ص272.

[58] اُنظر: الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: ج30، ص218.

[59] اُنظر: الراغب الإصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات غريب القرآن: ص160. الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: ج30، ص218.

[60] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج30، ص355.

[61] اُنظر: الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار، أضواء البيان: ج2، ص46.

[62] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن: ج10، ص397.

[63] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص347.

[64] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج30، ص351. الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان: ج10، ص524.

[65] اُنظر: الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل: ج4، ص278. النسفي، عبد الله بن أحمد، مدارك التنزيل وحقائق التأويل: ج4، ص353. البيضاوي، عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج5، ص520.

[66] اُنظر: الأزدي، مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل: ج3، ص510. الفخر الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب: ج32، ص63. الطباطبائي، محمد بن حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص246.

[67] القسم هو: أُسلوب قرآني مألوف ورد في عشرين سورة قرآنية ابتدأت بالقسم، وجلّها من السور المكّية، وهو أُسلوب يلفت الانتباه لتأكيد حقائق ما أقسم عليه، وقد صرّح الله تبارك وتعالى بعظمة ودقّة القسم الإلهي الذي يذكره في كتابه الكريم، كما في قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)، الواقعة: آية75ـ76. بالإضافة إلى ذلك لا بدّ من وجود علاقة ومناسبة بين القسم والمقسم به، فمثلاً قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)، العصر: آية1ـ 2، فالعصر هو آخر وقت من أوقات النهار، وعمر الإنسان هو مجموع ساعات الليل والنهار التي تتعاقب عليه منذُ ولادته إلى حين وفاته، فهو في حالة خسران ـ أي: نقصان ـ مستمر لعمره.

[68] اختلف المفسّرون في تحديد متعلّق القسم في سورة العاديات، فمنهم مَن ذهب إلى أنّه الآيات الثلاث الأُولى، وبعضٌ آخر ذهب إلى أنّه الآيات الخمس الأُولى منها. أمّا جواب القسم فلم يتطرّق المفسّرون إلى نهايته بعدما اتّفقوا على بدايته، وهو قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ).

[69] اُنظر: السبحاني، جعفر، الأقسام في القرآن الكريم: ص189 ـ 190.

[70] الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج20، ص401.

[71] اُنظر: الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان: ج1، ص229. الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج20، ص344. أبو السعود العمادي، محمد بن محمد، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: ج9، ص190. أبو حيّان الأندلسي، محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط: ج8، ص501.

[72] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص 342 ـ 346. اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص75ـ 78. ابن كثير، إسماعيل بن كثير، البداية والنهاية: ج8، ص202 ـ 204.

[73] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج٢، ص١١٠ـ١١٢. النيسابوري، محمد بن الفتّال، روضة الواعظين: ص188ـ189.

[74] البقرة: آية87.

[75] المعارج: آية19ـ27.

[76] الشورى: آية23.

[77] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج1، ص510.

[78] الصفدي، خليل بن أيبك، الوافي بالوفيات: ج6، ص202.

[79] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج2، ص212ـ213.

[80] السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور: ج6، ص385. اُنظر: المتقي الهندي، علي بن حسام الدين، كنز العمال: ج1، ص363.

النهضة الحسينية ودورها في تفسير بعض الآيات القرآنية - سورة العاديات أُنموذجاً