تمهيد

ذكرنا في مقالنا في العدد السابق أنّ البحوث التي يتحتم علينا تناولها في سلسلة متراتبة هو ما يخصّ الآيات المرتبطة بالإمام الحسين (عليه السلام) أولاً، ثمّ الآيات التي خاطب الإمام (عليه السلام) أصحابه وأهل بيته بها، ثمّ الآيات التي خاطب بها الأعداء، وقد حاولنا جاهدين أن نلملم أطراف الموضوع في الآيات التي طبّقها الإمام الحسين(عليه السلام) على نفسه في بحث موحّد؛ ليتسنى لنا نشر بقيّة البحوث المرتبطة بأصحابه وأهل بيته، وكذلك البحث المخصص للآيات التي خاطب بها أعداءه، ولكن نظراً لكثرة الآيات التي طبّقها الإمام الحسين(عليه السلام) على نفسه في بياناته المباركة، وعدم إمكان احتوائها في بحث موحّد بصفحات تتناسب مع مقررات المجلّة وضوابطها؛ وقع اختيارنا على أُنموذج من الآيات المرتبطة بالأنبياء والرسل (عليهم السلام) دون غيرها من الآيات، وهي الآية المرتبطة بالنبي موسى (عليه السلام) ؛ كي نكون قد أعطينا فكرة واضحة عن كلّ جانب من الجوانب التي ذكرناها في البحث السابق.

مقدّمة

اتفقت كلمات علماء التفسير على أنّ النبي (صلى الله عليه واله) لم يقتصر في مهمّته الإلهية على تبليغ الآيات القرآنية وتلاوتها للأمّة، بل تصدّى لتفسيرها وبيان معانيها أيضاً وإن اختلفوا في كون المقدار الذي تم تفسيره من قبله(صلى الله عليه واله) ، هل هو جميع الآيات القرآنية أو بعضها^{^[1]}؟ وذلك لوضوح المعنى المقصود في بعض الآيات. كما أنّهم أسموا التفسير المستند إلى الروايات التفسيرية الواردة عنه(صلى الله عليه واله) بـ:(التفسير بالمأثور)، باعتباره يعتمد في بيان المعاني المرادة من الآيات القرآنية على الروايات المأثورة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) ، فضلاً عن اعتماده على بعض الجوانب المهمّة في معرفة المعنى، التي تُعدّ أعمدة أساسية في تفسير الآيات، كما في شأن نزول الآية، وأسباب نزولها وغيرهما من المسائل المأثورة عن تراثنا الذي تبلور في صدر الإسلام.

وفي ضوء هذه الأهمية؛ فقد احتلّ الحديث عن شأن النزول والأسباب المباشرة في نزول الآيات القرآنية مكانة مهمّة في كتب التفسير؛ إذ نجد أنّ الأعم الأغلب من المفسرين لم يكتفِ بذكر ما هو متفق عليه فقط ـ أو ما يؤمن بصحته ـ من الروايات المتعلّقة بشأن النزول أو سببه، وإنّما سعى لاستقصاء الأقوال التي حصل عليها مشافهة بواسطة الرواة أو وجدها مدونة في كتب القدماء من علماء الإسلام، وإن لم تكن متماشية مع ما يتبنّاه ويعتقده؛ وفي ضوء ذلك وجدنا إرثاً ضخماً في المجال التفسيري لكتاب الله(عز وجل) .

وقد اتفقت كلمات علماء المسلمين على أنّ المورد لا يخصص الوارد^{^[2]}، بمعنى أنّ الشخص أو الحادثة التي صدر النصّ ـ الأعم من الآيات القرآنية والنصوص الروائية ـ لأجلها، أو جاء لكي يخصّها بالخطاب لا تجعله جامداً عليها وغير قابل للتطبيق على غير ذلك من الموارد أو الأشخاص المشابهين لموردها، بل يمكن انطباقه على أشخاص آخرين في أزمنة وأماكن مختلفة، وقد سبق أن ذكرنا ذلك في البحث السابق ضمن حديثنا عن نظرية الجري والانطباق.

وحينما يقوم الباحث بعملية مسح ميداني حول الآيات التي تُليت في واقعة الطف على لسان الإمام الحسين(عليه السلام) ـ التي استشهد بها على حقّانية نهضته وسلامة موقفه من خلال التشابه الكبير بينه(عليه السلام) وبين الشخص الذي يُعتبر شأناً من شؤون النزول في الآية الكريمة أو ما أثبته انطباقها الأولي ـ تواجهه حقيقتان مهمتان لا يمكنه التغاضي عنهما، وهاتان الحقيقتان هما:

1ـ ورود هذه الآيات القرآنية في المصادر المعتبرة التي نقلت تفاصيل حادثة كربلاء، وتصريحهم بأنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد وظّفها في خطاباته ورسائله واحتجاجاته
التي تُعتبر مؤشرات بيانية مهمّة في نهضته المباركة، وقد تقدّم ذكر بعض المصادر التي نقلت لنا هذه الآيات في البحث السابق^{^[3]}.

2ـ ضرورة القول: بأنّ المتكلّم ـ وهو الإمام الحسين(عليه السلام) ـ حينما تلا هذه الآيات لا بدّ أن يكون مراعياً للضوابط والشروط التي جرى عليها العقلاء في المخاطبات العرفية فيما بينهم، فضلاً عن كونه(عليه السلام) إماماً معصوماً.. ومن أهم ركائز المخاطبات العرفية أن يكون المتكلّم مراعياً للعلاقة بين الموقف الذي هو فيه وما يصدره من كلام حوله، وقد اشتُهر ـ بين عامّة الناس فضلاً عن خاصّتهم ـ الحديث المأثور عن أمير المؤمنين(عليه السلام) : «لكلّ مقامٍ مقال»^{^[4]}، أو قولهم: لكلّ حادثٍ حديث؛ ولذا يُعاب على مَن يتكلّم بكلام لا علاقة له بالمسألة التي هو في معرض الحديث عنها ـ أو غير منطبق على ذلك ـ وإنّما جاء به نتيجة الانفعالات النفسية دون مناسبة بين كلامه وما هو فيه.

ومن هنا؛ يجد الباحث ضرورة مُلحّة إلى استبيان العلاقة بين أولئك الأفراد الذين ذُكروا في الآيات الكريمة التي تلاها الإمام الحسين(عليه السلام) وبين شخص الإمام(عليه السلام) وموقفه في واقعة الطف، وهذا ما نعتقد أنّ له ارتباطاً وثيقاً بنظرية الجري والانطباق التي تحدّثنا عنها سابقاً^{^[5]}.

وبما أنّ تناول جميع الآيات التي تُليت على لسان الإمام الحسين(عليه السلام) والتي طُبِّقت على شخصه سيخرجنا عن الحدود المقررة في المجلّة؛ لذا فإنّنا سنقتصر على ذكر أُنموذج من الشخصيات التي قارن(عليه السلام) بينها وبين نفسه، ونختار منها شخصية النبي موسى(عليه السلام) ، على أنّنا سنقتصر في هذا القسم من البحث ـ مراعاة لما تقدّم ـ على آية من الآيات المرتبطة بالنبي موسى(عليه السلام) ، تاركين البحث في بقيّة الآيات إلى ما نروم جمعه في كتاب مستقل حول الحضور القرآني في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام).

وبنظرة متأنية إلى الآيات التي رُصدت في بيانات الإمام الحسين(عليه السلام) نجد أنّ معظمها لا يمكن معرفة العلاقة والارتباط بين موردها وبين الإمام الحسين(عليه السلام) ـ التي كانت سبباً لاستذكار الإمام(عليه السلام) لها في مواقفه ـ إلّا عن طريق إجراء الخطوات الآتية:

الخطوة الأُولى: المعنى التفسيري للآية الكريمة.

الخطوة الثانية: الموقف الذي دعا الإمام(عليه السلام) لقراءة الآية الكريمة.

الخطوة الثالثة: المقارنة بين المعنى التفسيري وملابسات الحادثة التي واجهها الإمام(عليه السلام) .

وهذا ما سنتبيّنه بوضوح في الآية الآتية ضمن نقاط.

الآيةالمتضمّنةللخوفوالترقب

لقد تكرر ذكر قصة النبي موسى (عليه السلام) وحركته الإصلاحية ضدّ طاغية زمانه فرعون في سور عدّة وآيات كثيرة، وكان لهذا التنوع في سرد القصة بأساليب مختلفة الأثر البالغ في ترسيخ صورة متكاملة عن هذا المقطع الزمني الذي عاشه النبي موسى (عليه السلام) مع قومه، وقد وجدنا أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد ضمّن بعضاً من هذه الآيات في بياناته التي صدرت عنه أثناء حركته الإصلاحية، سواء في بدايات مسيرته المباركة أم في أواخر لحظات حياته، ومن أبرز الآيات التي تستوقفنا للبحث عن السبب الذي دعا الإمام الحسين (عليه السلام) لقراءتها في بداية انطلاقة نهضته المباركة، هو قوله تعالى: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)^{^[6]}؛ وذلك لأنّ المعطيات التي يخرج بها الباحث حينما يطالع أحداث خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة توصله إلى عدم وجود خوف ـ بمعناه المألوف ـ عند الإمام الحسين(عليه السلام) في هذه الحادثة، كما لا يجد للتخفي والتستر أثراً في ركب الإمام(عليه السلام) المنطلق من المدينة إلى مكة المكرمة، وفي ضوء ذلك كلّه سوف يكون ما ذكره الشيخ المفيد في إرشاده بقوله: «سار الحسين إلى مكة وهو يقرأ:(فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)...»^{^[7]}، ملفتاً للنظر ومدعاة للتحقيق في المعنى الذي قصده الإمام(عليه السلام) ، كما يدعونا إلى الوقوف عند المعنى المراد من الآية الكريمة أيضاً؛ فإنّ الذي يتتبع سياق هذه الآية المباركة يقف على أنّها من الآيات التي تحكي لنا قصة النبي موسى(عليه السلام) حين قتل القبطي وخرج من مدينة فرعون؛ فمن اللازم أن نعمل على تطبيق الخطوات الثلاثة المتقدّمة لمعرفة العلاقة بين الحادثتين:

الخطوةالأُولى: المعنىالتفسيريللآيةالكريمة

تكاد تتفق كلمات المفسرين حول معظم الجوانب المهمّة في الحادثة التي وقعت في زمن النبي موسى(عليه السلام) والمرتبطة في هذه المرحلة من مراحل نبوته؛ إذ تذكر المصادر التفسيرية: «... أنّ موسى لما أنذره مؤمن آل فرعون، وأنّ أشراف قومه ورؤساءهم قد ائتمروا على قتله، وأمره بالخروج من المدينة؛ خرج(عليه السلام) (خَائِفًا يَتَرَقَّبُ)، أي: يطلب ما يكون ويتوقعه، والترقب: طلب ما يكون من المعنى على حفظه للعمل عليه، ومثله التوقع، وهو طلب ما يقع من الأمر متى يكون... وقيل: خرج بغير زاد، وكان لا يأكل إلّا حشاش الصحراء إلى أن بلغ ماء مدين. وقوله:(قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). حكاية ما دعا به موسى ربه، وأنّه سأله أن يخلّصه من القوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله، وذلك يدلّ على أنّ خوفه كان من القتل...»^{^[8]}.

وبعد مراجعة الكتب التفسيرية حول هذه الآية تتضح الأُمور الآتية:

الأمر الأول: إنّ ما قام به النبي موسى(عليه السلام) هو بداية لمسيرته الإصلاحية في قومه ويُعدُّ انطلاقة أُولى في المشروع الإلهي^{^[9]}، وقد كان من أهم أهدافه إنقاذ الناس وتخليصهم من الظلم والقسوة التي كان يعاني منها قومه في زمن فرعون؛ فكان من أبرز مهامه مساعدة المستضعفين في هذه المدينة وهدايتهم إلى الحق، والإسهام في بناء الذات للفرد، وتصحيح مسار المجتمع، وتتضح معالم هذه المهمّة في جميع مفاصل حياته المباركة، من بدايات حركته الإصلاحية إلى حين عودته إلى فرعون وقوله له: (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)^{^[10]}. ووقوفه معهم في جميع المحن التي مرّت بهم، وهذه المهمّة هي وظيفة إلهية يريدها الله من الإنسان في جميع الأزمنة والأمكنة.

ولذا؛ فهو(عليه السلام) حريص على حفظ نفسه لحين إنجاح مشروعه ووصوله إلى ما يريده الله منه؛ ولم يكن يسمح أن يفرِّط بنفسه قبل ذلك؛ ولهذا السبب اقتضى أن يخاف على نفسه ويترقب أيّ خطر متوقع؛ حذراً من الوقوع بيد أعدائه، وهذا ما يؤكّده قوله تعالى:(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ * فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ)^{^[11]}، إذ إنّه مع إحساسه بالخطر أقدم مرّة أُخرى ليقف في وجه أعداء الله إكمالاً لمشروعه الإصلاحي الذي يهدف منه انتشال الطبقة المتضرّرة من حكم الفراعنة.. ولو لم يكن قد عُرف عنه التبني الصريح لمنهج الإصلاح والدفاع عن المستضعفين لما أمكن الاستنكار والاعتراض عليه بالقول:(إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ)، على كلا الاحتمالين في قائل هذه الجملة^{^[12]}.

الأمر الثاني: لم يتطرّق معظم المفسرين إلى معنى الخوف في هذه الآية، وهل هو يتنافى مع عصمة النبي موسى(عليه السلام) أو لا؟ وإنّما أشار بعضهم إلى ذلك في آيات أُخرى تضمّنت مفردة الخوف، كما في الآية التي تتحدّث عن رؤيته للعصا^{^[13]}، أو التي تحدّثت عن تحديه السحرة أيضاً^{^[14]}، ونصُّ كلامه هو أنّ: «قوله:(قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا)أي: حالتها(الْأُولَى)، وهي أنّها عصا. فيه دلالة على خوفه(عليه السلام) مما شاهده من حية ساعية، وقد قصّه تعالى في موضع آخر؛ إذ قال:(فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ)^{^[15]}، والخوف وهو: الأخذ بمقدّمات التحرز عن الشرّ. غير الخشية التي هي: تأثر القلب واضطرابه، فإنّ الخشية رذيلة تنافي فضيلة الشجاعة، بخلاف الخوف؛ والأنبياء(عليهم السلام) يجوز عليهم الخوف دون الخشية، كما قال الله تعالى:(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ)^{^[16]}»^{^[17]}.

وقد حاول بعض المعاصرين أن يُثير إشكالاً ـ حول الخوف الوارد في آيات عدّة في قصة النبي موسى(عليه السلام) ـ بقوله: «وبالرغم من أنّ خوف موسى هنا قد أثار التساؤل لدى بعض المفسرين: بأنّ هذه الحالة كيف تناسب موسى مع الشجاعة التي عهدناها لدى موسى، وأثبتها عملياً طوال عمره عند محاربته الفراعنة؟ إضافة إلى صفات وشروط الأنبياء بصورة عامّة...»^{^[18]}.

ثمّ أجاب عنه قائلاً: «إلّا أنّ الجواب عن هذا السؤال يتضح بملاحظة نكتة واحدة، وهي أنّ من الطبيعي أنّ كلّ إنسان ـ مهما كان شجاعاً وغير هيَّاب ـ إذا رأى فجأة قطعة خشب تتحوّل إلى حيّة عظيمة وتتحرّك بسرعة، فلا بدّ أن يرتبك ويخاف ولو لمدّة قصيرة، ويسحب نفسه جانباً توقّياً، إلّا أن يكون هذا المشهد قد تكرر أمامه مراراً، وردُّ الفعل الطبيعي هذا لا يكون نقطة ضعف ضدّ موسى أبداً. ولا تنافي الآية(39) من سورة الأحزاب حيث تقول:(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ)، فإنّ هذا الخوف طبيعي ومؤقت وسريع الزوال أمام حادثة لم تحدث من قبلُ قطّ، وخارق للعادة»^{^[19]}.

كما أنّ بعض المفسرين من علماء الجمهور قد ذكر نصّاً يتضمّن بعض الآراء حول معنى الخوف الذي ورد في الآيات التي تحدّثت عن المخاطر التي مرّ بها النبي موسى(عليه السلام) ، قائلاً: «قوله تعالى:(خُذْهَا وَلَا تَخَفْ)... قال الجنيد(رحمه الله) : كان خوف موسى(عليه السلام) خوف تسليط، لا خوف الطبع. قال الواسطي(رحمه الله) : خوف موسى من العصا أنّه شاهد أثر سخطه فيه... وقال أيضاً: رأى موسى على عصاه كسوة من سخط الحق فلم يأمن مكره..»^{^[20]}. ونحن إذ نورد هذا النصّ من تفسير السلمي إنّما نهدف إلى استعراض النظرة السائدة لدى علماء الجمهور حول هذه المسألة.

الرأيالقائلبأنّخوفموسى) عليه السلام) بالمعنىالسائد

يرى بعض المفسرين أنّ الخوف الذي تحدّث عنه القرآن الكريم في قصّة النبي موسى(عليه السلام) لم يكن سوى أمر طبيعي وحالة فطرية لدى الإنسان^{^[21]}؛ فكما يتألم الشخص حينما يُصاب بجرح ويحزن عند سماعه خبراً غير سارٍّ، ويشعر باحتياجه إلى الطعام، فكذلك حينما يداهمه خطر شديد التوقع أو حتمي الوقوع فمن الطبيعي جداً أن يوعز الذهن إلى نفسه بالخطر؛ فينتج من ذلك الخوف القهري، وهذا الأمر لا يختلف بين المعصوم وغيره^{^[22]}.

نعم، يستطيع المعصوم أن يقاوم هذا الجوع أو الخوف إلى أن تنفد طاقته ويفارق الحياة من دون جزع وتذمّر، بل لا يفكر بالاعتراض على حكم الله وقضائه؛ وهذا ما جسّده الإمام الحسين(عليه السلام) في أنفاسه الأخيرة حينما بقيَ يناجي الله(عز وجل) بكلمات ملؤها الرضا والتسليم، وكأنّه بأتم حالات الرخاء: «اللهمّ، متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دُعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، ومدرك ما طلبت، وشكور إذا شكرت، وذكور إذا ذُكرت...»^{^[23]}. حتّى وصفه بعض الرواة بقوله: «فوالله، ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل وُلده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه(عليه السلام) ، إن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب»^{^[24]}. إلّا أنّ ما سوف يأتي في السطور اللاحقة يمنعنا من قبول هذا الرأي.

نظرة متأنية إلى معنى خوف النبي موسى(عليه السلام)

من الممكن أن يكون السبب في عدم التطرّق لمعنى الخوف في الآية مورد البحث من قِبَل المفسرين هو عدم تسنُّمه منصب النبوّة بعدُ؛ فلا يضرّ في شخصية موسى على رأي معظم علماء السنّة ـ إن لم نقل: جميعهم ـ ما دام لم يتولّ منصب النبوّة الإلهية.

إلّا أنّ المشكلة تبقى عالقة وفق المعتقد الشيعي حول شخص النبي، ذلك المعتقد القائل: بأنّ النبي لا بدّ أن يكون منزهاً عن كلّ الرذائل التي لا تليق بمقام النبوّة، سواء قبل تولِّي هذا المنصب الإلهي أم أثناء مسيرته التبليغية الإلهية.

ومن الطبيعي جداً أن نتساءل عن حقيقة علم موسى، فهل أنّه كان يعلم حقيقة الأمر والنتائج التي ستؤول إليه في كلّ موقف يواجهه؟ أو أنّه كسائر الناس في علمه بالغيب وإنّما يختلف عنهم في إيمانه وتوكّله على الله؟

وفق المعطيات الدينية يجب أن تكون الإجابة لصالح الفرض الأول؛ إذ إنّ الأنبياء والرسل مرتبطون مع الله(عز وجل) ويتلقون الأوامر الإلهية منه مباشرة، وهذه هي إحدى النقاط الفارقة بين النبي وبين سائر البشر، وقد قدّمنا بعض النصوص الدالة على ذلك في النقطة الأُولى من هذا البحث، كما أنّ هناك روايات تبيّن أنّ النبي موسى(عليه السلام) كان عالماً بالأحداث المستقبلية، كالرواية الصحيحة^{^[25]} التي ذكرها الكليني بسنده إلى البزنطي قال: «قلت لأبي الحسن(عليه السلام) : قول شعيب(عليه السلام) :(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ) أيُّ الأجلين قضى؟ قال: الوفاء منهما أبعدهما عشر سنين. قلت: فدخل بها قبل أن ينقضي الشرط أو بعد انقضائه؟ قال: قبل أن ينقضي. قلت: فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين، يجوز ذلك؟ فقال: إنّ موسى قد علم أنّه سيتم له شرطه، فكيف لهذا بأن يعلم أن سيبقى حتّى يفي؟!»^{^[26]}. وقد ذكرها بعض علمائنا الأعلام^{^[27]} في صدد الاستدلال على عدم صحة إجارة الشخص لنفسه كمهر للتزويج، ولم يناقشوا فيها من جهة عدم صحة دعوى العلم الذي فرق به الإمام(عليه السلام) بين النبي موسى وسائر البشر وإن ناقشوا فيها من جهات أُخرى.

وأمّا إذا كانت الإجابة لصالح الفرض الثاني، فلا تبقى خصوصية للنبي على غيره من الناس؛ إذ إنّ كثيراً منهم مَن يمتلك هذا التوكّل والإيمان الكبير الذي يجعله يقدم على فعل التكاليف الإلهية ولو كانت نتائجها الموت والفناء من عالم الدنيا ومن دون تردد أو تخوف على نفسه.

وفي تقدير الباحث أنّ هذه المحطة في حياة النبي موسى(عليه السلام) جديرة بالبحث والتنقيب بشكل أوسع مما قام به علماء التفسير، ينظر فيها إلى الجوانب العقائدية والنفسية وغير ذلك من الأمور التي لها علاقة وثيقة بحياة النبي وما يفترض أن يكون عليه من خصائص وصفات تميّزه عن الآخرين.

فنقول: وردت مجموعة من الآيات تتحدّث عن الخوف الذي اعترى النبي موسى(عليه السلام) في مواطن متفرّقة، وأبرزها:

* قوله تعالى:(فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) ، الآية مورد البحث.

* قوله تعالى:(وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)^{^[28]}.

* قوله تعالى:(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى)^{^[29]}.

وفي صدد التحقيق حول هذا الموضوع لا بدّ أن يتضح للقارئ الكريم أنّنا ـ بعد البحث الطويل عن جواب مناسب يضع النقاط على الحروف في هذه المسألة ـ وجدنا حديثاً لأمير المؤمنين(عليه السلام) يتحدّث فيه عن محنته التي امتُحن بها حينما غُصبت منه الخلافة، قال فيه: «ما شككت في الحقّ مذ رأيته، لم يوجس موسى خيفة على نفسه، أشفق من غلبة الجهّال، ودول الضّلال»^{^[30]}.

ففي الوقت الذي يوضح(عليه السلام) للأُمّة السبب الذي اضطره إلى السكوت عن حقّه يتكفّل لنا أيضاً تفسير الخوف ويبين معناه وحقيقته ليدفع عن النبي موسى(عليه السلام) تهمة الخوف الذي يتنافى مع مقام النبوة؛ كما ذكر ذلك العلّامة المظفر(رحمه الله) بقوله: «فهو في هذه الكلمة يتأسى بموسى(عليه السلام) ؛ إذ رموه بالخيفة، ولكن فرقاً بين الخوف على الحياة والخوف من غلبة الباطل: وهذا أفضل تفسير لقوله تعالى:(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى). وفيه تبرئة لنبي الله من الوهن والشك»^{^[31]}.

وقد ذُكر هذا المعنى في تفسير الكشاف للزمخشري، إلّا أنّه نسبه إلى القيل الذي يدل على التضعيف لهذا الرأي، أو لا أقل من عدم تبنِّيه له^{^[32]}.

وهذه الإجابة التي ذُكرت في قول أمير المؤمنين يدعمها السياق القرآني الذي خوطب به موسى(عليه السلام) ؛ إذ في قوله تعالى:(إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى)دلالة واضحة على أنّ خوفه لم يكن من الأفاعي التي رآها حين ألقى السحرة؛ وإنّما كان خوفه على عاقبة أمر بني إسرائيل بعد أن رأوا المشهد المهول بأعينهم، فطمأنه الله(عز وجل) أنّ الغلبة سوف تكون من نصيبه في نهاية المطاف؛ ما يعني أنّ خوفه وقلقه كان من أجل مكر العدو وحيله التي قد تنطلي على السذّج من الناس ـ وهم كثيرون ـ فلا يهتدون بهديه، ولا يسلكون منهجه الإصلاحي الذي أراده الله للبشر، والذي شغل فكر النبي موسى(عليه السلام) لسنين من عمره.

كما أنّ معنى الخوف في قوله تعالى:(....يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)^{^[33]}. يمكن أن يكون بمعنى الحذر من التصرفات التي قد تؤدي إلى الحرمان من المدد والدعم الرباني؛ لأنّه(عليه السلام) قد عرف أنّ هذا الدعم وهذا التسديد قد يُحرم منه الإنسان مهما كانت منزلته فيما لو لم يسلك السبيل المناسب ـ كما في الحادثة التي حصلت مع النبي يونس(عليه السلام) ؛ إذ لولا:(فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)^{^[34]}ـ الأمر الذي يحول دون تحقيق الهدف الإلهي للنبي موسى(عليه السلام) الذي خاطر من أجله بحياته وهاجر بسببه عن الأوطان؛ فجاءه الخطاب الإلهي تطميناً لدوام التسديد الإلهي والدعم الرباني أيضاً.

وفيما يخصّ الآية مورد البحث فإنّ توظيف الإمام الحسين(عليه السلام) وقراءته لها عند خروجه من المدينة ـ مع أنّه لم يكن في نفسه مكاناً للخوف والضعف والوهن ـ
يساعدنا في معرفة الخوف المقصود فيها، وهو أنّ خوف النبي موسى(عليه السلام) لم يكن بسبب الوهن والضعف، وإنّما معناه الحذر والحيطة للحفاظ على نفسه من جلاوزة فرعون وأزلامه؛ لأنّهم إن قبضوا عليه فسوف يقتلونه بتهمة الإفساد وإثارة الفتنة والتفرقة بين الأقباط وبني إسرائيل، وهذا الأمر يحول دون تحقيق أهدافه الرسالية.

وبما أنّ خوف الإنسان من القتل لا يعني الجبن وظهور علامات الوهن والضعف في كلّ الأحوال؛ فلا يمكننا أن نعتبر خوف موسى (عليه السلام) أمراً معيباً أو مستهجناً في نظر العقلاء أيضاً؛ لأنّ مَن يدافع على نفسه في ساحة القتال ويدفع القتل عنها لا يُعدُّ خائفاً أو ضعيفاً أمام العدو وإنّما يحسب موقفه هذا من ردود الأفعال الطبيعية لما يواجهه، بل حتّى الاحترازات التي يقوم بها الإنسان لدفع الخطر عن نفسه تُعدّ من الأمور الطبيعية أيضاً لأي شخص يداهمه الخطر ـ ولهذا فلم يُتّهم النبي الأكرم(صلى الله عليه واله) حينما خرج من مكة إلى المدينة بالخوف على نفسه من القتل، أي: ذلك الخوف المستقبح في نظر العقلاء، بل نظر المؤرخون إلى ذلك الموقف منه(صلى الله عليه واله) على أنّه ضمن التكتيك الإلهي لإكمال المسيرة الإصلاحية.

ومن المؤشرات المهمّة على أنّ موسى لم يكن خائفاً على نفسه ما ذكره الله بعد قوله تعالى: «(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ). بمعنى أنّه خاف موسى أن يطالب بدم القبطي، وتوقع الشرّ من فرعون وقومه.. وبينما هو كذلك،(فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ... * فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا). أراد موسى أن يبطش بالقبطي؛ لأنّ الأقباط هم الذين كانوا يعتدون على الإسرائيليين، ويعاملونهم معاملة العبيد...»^{^[35]}، إذ مع ذلك الخوف الذي يصفه الله تعالى أقدم مرّة أُخرى على مساعدة الرجل الذي من شيعته ودفع الظلم عنه.

وتجدر بنا الإشارة إلى أنّ خوف النبي موسى(عليه السلام) ، الذي صرّح به القرآن الكريم في أكثر من آية لا يتنافى مع التوكّل على الله(عز وجل) أو اليقين بأنّه سوف ينجو من محاولات القتل؛ فإنّ ذلك نظير ما كان يقوم به النبي الأكرم(صلى الله عليه واله) من تحذير لأصحابه، بل إنّه كان يحذر من بعض الأُمور التي قد تودي بحياته أو تؤدي به إلى القتل قبل إتمام مشروعه الإلهي، وقد عدَّ بعض المفسرين أوامره الصادرة لأتباعه بالهجرة إلى الحبشة أو بحفر خندق في معركة الأحزاب وغير ذلك من الموارد الاحترازية التي قام بها(صلى الله عليه واله) خوفاً من أن تحول دون إتمام مشروعه الإلهي^{^[36]}.

الأمر الثالث: يُعتبر العدو الذي واجهه النبي موسى(عليه السلام) في مسيرته الإصلاحية من أعتى وأطغى الحكّام والجبابرة الذين عرفهم التاريخ البشري؛ إذ عُرف بغطرسته وطغيانه في تعامله مع قومه؛ كما أنّه نازع الإله وادّعى الربوبية المطلقة، ولم يكن للحوار والإقناع المستند إلى الحقائق نصيب لدى ذلك الجهاز الحاكم في زمنه؛ لذلك اضطر النبي إلى مغادرة هذه المدينة بعد أن تآمروا عليه، ولم يفكّر في البقاء للحوار وتبرئة نفسه.

إلى هنا ـ ومن خلال كلمات المفسِّرين والروايات الواردة حول النبي موسى(عليه السلام) ـ نكون قد وقفنا على مجموعة من النقاط المهمّة في معرفة تفسير الآية التي تلاها الإمام الحسين(عليه السلام) حين خروجه من المدينة.

الخطوةالثانية: الموقفالذيدعاالإمام )عليه السلام) لقراءةالآيةالمباركة

من الضروري جداً معرفة الظروف التي عاشها الإمام(عليه السلام) والتي دعته لقراءة الآية الشريفة، ومن خلال التتبع والتنقيب في المصادر المهمّة حول هذه الحقبة الزمنية من نهضة سيّد الشهداء(عليه السلام) نجد أنّ هناك جملة من النصوص التي وثّقها المؤرخون توصلنا إلى عدّة نقاط مهمّة، نذكر منها:

1ـ إنّ ما قام به الإمام الحسين(عليه السلام) يعدّ حركة إصلاحية إلهية بامتياز، وكان الهدف منها إنقاذ المجتمع وانتشاله من الظلم والجور الذي تفشّى في الأوساط الإسلامية؛ وهذا ما تؤكّده البيانات الكثيرة التي صدرت عنه(عليه السلام) وفي موارد متعددة، كما في قوله(عليه السلام) : «... وإنّما خرجت لطلب الصلاح في أُمة جدّي...»^{^[37]}، وقوله(عليه السلام) : «اللهمّ، إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان... ولكن لنُري المعالم من دينك ونُظهر الإصلاح في بلادك»^{^[38]}. أو قوله(عليه السلام) : «أَلا ترون إلى الحق لا يُعمل به والباطل لا يُتناهى عنه»^{^[39]}. وقوله (عليه السلام) لجيش عبيد الله بن زياد في يوم عاشوراء: «... لا تعجلوا! والله، ما أتيتكم حتّى أتتني كُتب أماثلكم بأنّ السنّة قد أُميتت، والنفاق قد نجم، والحدود قد عُطّلت؛ فأقدم لعلّ الله يُصلح بك الأُمة...»^{^[40]}، وهذه البيانات والنصوص التي نطق بها الإمام الحسين(عليه السلام) تُفصح لنا عن حجم الفساد والباطل الذي وصل إليه الجهاز الحاكم بعد أن كان قد انحرف عن المسار الحقيقي بشكل تدريجي منذُ أول انعطافة تاريخية بعد وفاة النبي(صلى الله عليه واله) .

إلّا أنّ الفارق الكبير والبُعد الشاسع بين الحكومات التي عاصرها الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) ، عن الحكومات التي عاصرها الإمامان الحسن والحسين(عليهما السلام) ، أنّ الأُولى كانت تضطر إلى الرجوع للإمام علي(عليه السلام) في المسائل الدينية والأمور التي ترتبط بالغيب والسماء؛ حتّى عُرف عن بعضهم قوله: «اللّهمّ، لا تُبقني لمعضلة ليس لها أبو الحسن»^{^[41]}. وقد نتج عن هذا الرجوع المحافظة النسبية على القيم والمثل الإسلامية، بخلاف ما كان من موقف الحكومات المتأخرة؛ فقد عمدوا إلى إقصاء الأئمّة(عليهم السلام) عن هذه المهمّة أيضاً، بعد أن أحكموا قبضتهم، وجثموا على صدور المسلمين، وأيقنوا عدم عودة الأئمّة إلى المنصب السياسي الذي افترضه الله(عز وجل) لهم.

2ـ إنّ قرار الإمام الحسين(عليه السلام) في خروجه من المدينة كان مفاجئاً للسلطة المحلية آنذاك، فلم يكن في الحسبان أنّ الإمام(عليه السلام) يتخذ هذا القرار ويُبطل مخططاتهم التي يراد منها القضاء على حياته(عليه السلام) بشكل سرِّي وفي ليلة ظلماء من دون علم أحد من المسلمين، لتخلو لهم الساحة السياسية دون أيِّ أصداء لمعارضته، وهذا ما نستفيده من قول يزيد: «... فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، ليست فيه رخصة ولا هوادة حتّى يبايعوا، والسلام»^{^[42]}، وكذا قول مروان بن الحكم حين أشار على الوليد بن عتبة: «... أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر، فتدعوهم إلى البيعة، فإن بايعوا قبلت ذلك منهم، وإن أبوه قدّمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بوفاة معاوية»^{^[43]}. وغير ذلك من الوثائق التي تؤكّد إصرارهم على قتل الإمام(عليه السلام) فيما لو امتنع عن البيعة ليزيد.

ولم يكن في مخيّلتهم ولا في توقعاتهم أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) سوف يقوم بهذه النهضة المباركة؛ إذ لم يكونوا مسبوقين بمعارضة مشابهة لما قام به الإمام الحسين ابن علي(عليهما السلام) إلى هذه اللحظة؛ فلم يناجز الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) القوم لأخذ حقّه المغصوب، مع إقرار غالبية المسلمين باستحقاقه لهذا المنصب، ولكنّه مع ذلك ولظروف وملابسات أفصح عنها سلام الله عليه في مواطن كثيرة^{^[44]} صبر على ذلك إلى أن عاد الحق إليه بعد مدّة من الزمن لم تكن بالقليلة، كما أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) بعد أن كانت زمام الأمور بيده إلّا أنّه قَبِل بالصلح مع معاوية الماكر المخادع، بل حتّى الإمام الحسين(عليه السلام) حين استُشهد أخوه الإمام الحسن(عليه السلام) وطلب منه القوم من شيعته أن يناهض معاوية ـ إذ لم يكن هو طرفاً في المصالحة التي أمضاها أخوه وإمامه المفترض الطاعة ـ إلّا أنّه(عليه السلام) رفض أن يقوم بأيّ حركة وأمرهم بالصبر والتحمّل^{^[45]}.

فكان من الطبيعي جداً أن لا يتوقعوا من الإمام الحسين(عليه السلام) فضلاً عن غيره أيّ حركة مسلحة؛ لما عهدوه من أهل البيت(عليهم السلام) في جميع المؤامرات التي قد تنتهي بانشقاق المسلمين وارتداد حديثي العهد بهذا الدين.

3ـ كانت خطوات الإمام الحسين(عليه السلام) منذُ بداية الأحداث مدروسة ومملوءة بالحذر واليقظة من الوقوع في فخِّ الأعداء في حدث سابق لأوان نهضته المباركة، وقبل تحقيق أهدافها؛ فقد اصطحب معه أهل بيته إلى قصر الوالي حين دعاه ليلاً^{^[46]}، مع أنّ البوادر لم تكن واضحة لأحد، وكذلك حينما رفض البيعة وعلّل رفضه بعدم جدوائية البيعة السرية، وأنّ في الصباح يكون الموقف المناسب أمام الملأ، قائلاً: «أمّا ما سألتني من البيعة؛ فإن مثلي لا يُعطي بيعته سرّاً، ولا أراك تجتزئ بها منِّي سرّاً دون أن نظهرها على رؤوس الناس علانية»^{^[47]}، ويكون هذا المعنى أكثر وضوحاً فيما لو تأمّلنا الحوار الذي دار بينه(عليه السلام) وبين مروان في اليوم التالي؛ إذ مع رفضه البيعة ليزيد إلّا أنّه لم يفصح عن نيته له؛ فقال: «وعلى الإسلام السلام إذ بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»^{^[48]}؛ فهذا الخطاب ونظائره يحمل في طياته مداليل كثيرة من الحذر واليقظة ممّا لا يحتاج إلى بيانه وإثباته كلفة زائدة على التأمّل في النصّ ذاته، ولعلّه(عليه السلام) يُشير إلى هذه الحيطة والحذر حينما تنكّب الطريق الأعظم وهو يقرأ قوله تعالى:(فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) ؛ لكثرة المارّة فيه مما يفشل أيَّ محاولة لاغتيال الإمام(عليه السلام) ، بالإضافة إلى أنّ الهدف من اختياره(عليه السلام) لهذا الطريق هو أنّ اغتنام الفرصة للإفصاح عن معارضته الصريحة لما يراد بالأُمة من مؤامرة تكون ضربة قاضية لروحها، تلك الأُمّة التي أخذت تلفظ أنفاسها الأخيرة.

4ـ لقد واجه الإمام الحسين(عليه السلام) في موقفه هذا طاغية عصره يزيد بن معاوية الذي وصفه بأنّه: «قاتل النفس المحرّمة»^{^[49]}؛ وأزلامه الذين لا يتورّعون في قتل كلّ مَن يقف أمام تحقيق أهدافهم ونيل مآربهم.. ممّا يعني أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد أيقن القتل فيما لو امتنع عن البيعة؛ وكان الأمر آنذاك بحاجة إلى قرار حاسم لا يقبل التردد، قرار مَن توكّل على الله وأيقن أنّه سيهديه سواء السبيل.

الخطوةالثالثة: المقارنةبينالمعنىالتفسيريوملابساتالحادثةالتيواجههاالإمام)عليه السلام)

بعد أن سلّطنا الأضواء على النقاط المتقدّمة في الخطوات السابقة لمعرفة وجه العلاقة بين الإمام الحسين(عليه السلام) والنبي موسى(عليه السلام) والظروف التي مرّ بها كلّ منهما في حركته الإصلاحية نستطيع أن نقارن بين هذين الموقفين من خلال الإشارة إلى وجوه الشبه بينهما(عليهما السلام) ؛ إذ إنّ وجوه الشبه كثيرة جداً، كما أنّها أصبحت من الوضوح بمكان، وسوف نذكر ذلك تباعاً في النقاط الآتية:

1. إنّ هذه الآية القرآنية في قصّة النبي موسى اعتُبرت نقطة انطلاق لحركته الربانية للوقوف في وجه الطغيان والظلم؛ إذ كلّ ما كان قبلها لا يشكل إلّا تغييراً جزئياً في حياة بني إسرائيل؛ وأمّا خروجه من مدينته خائفاً.. فقد كان نقطة انطلاق للتغيير العام، مع أنّه عُرف عنه الصلاح والورع في مواقفه؛ لكنّه بعد أن اتُّهم بالفساد وإثارة الفتنة ليكون مبرراً لمحاكمته والقضاء عليه من قِبل الظلمة والجبابرة في حكومة فرعون فقد خرج لكي يُتم مسيرته الإصلاحية قبل أن توأد في مهدها.

وكذا الحال في مسيرة الإمام الحسين(عليه السلام) الإصلاحية؛ فبعد أن عُرف عنه الصلاح والورع في المواقف، خصوصاً حين رصدت حكومة معاوية أنّ شيعته والموالين له حاولوا استنهاضه في وجه الظلم بعد شهادة الإمام الحسن(عليه السلام) ^{^[50]}، ولكنّهم حين رفض البيعة ليزيد معلناً موقفه الصريح من ذلك بعد أن أحكم خطته ليلة بُعث إليه للمثول أمام الوالي وأعوانه الماكرين والمتآمرين معه، أخذوا يتهمونه بالفساد وشق عصا المسلمين وإثارة الفتنة بينهم؛ حينها أيقن أنّ هذه التهمة يستحق لأجلها أن تُضرب عنقه بمرأى ومسمع من المسلمين ومن دون نكير من أحد.

وبعد أن كانت مهمته الإلهية تحتم عليه الإبقاء على نفسه إلى حين تُبصر الناس ملابسات ما يُخطّط ضدّهم من قِبل الأعداء الدخلاء في الدين؛ فقد خرج من المدينة خائفاً على نفسه أن تزهق قبل تهيئة الظروف الملائمة لإنجاح نهضته المباركة؛ ولأجل ذلك خرج وهو يتلو قوله تعالى:(فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

2. وفقاً للنظريات البنيوية التي اعتمدها علماء اللغة المعاصرون؛ يدلّنا توظيف الإمام الحسين(عليه السلام) لهذه الآية بوجه خاصّ على أنّ حركته(عليه السلام) الإلهية متشابهة تماماً مع نهضة النبي موسى المبعوث من قِبل الله(عز وجل) ؛ ولذا فإنّه(عليه السلام) ومنذُ بداية انطلاقه يعتمد بالدرجة الأُولى والأساس على التخطيط الإلهي ويطلب المدد والعون من الله(عز وجل) ؛ قائلاً:(...رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، جاعلاً من الأسباب الأُخرى أموراً ثانوية، لها نسبة من الإسهام في الوصول إلى الهدف الذي رسمه الله(عز وجل) له، ومن هنا يعرف القارئ الكريم أنّ الأجوبة التي وردت عن الأسئلة الموجهة إليه من قِبل المعترضين أو الناصحين له من الذين حاولوا أن يثنوه عن الخروج إلى العراق ـ والتي هي من قبيل قوله(عليه السلام) : بأنّه مقتول لا محالة، «إنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً»^{^[51]}، وغيرها من النصوص التي صدرت عنه ـ إنّما كانت تصدر عنه بما يناسب الشخص المخاطب ومستوى تفكيره تجاه الظروف التي يعيشها المسلمون.

3. تنبئنا النظرة التي قمنا بها بين هذين الموقفين عن التشابه الكبير بين الطغيان الفرعوني الذي واجهه النبي موسى(عليه السلام) وبين الطغيان اليزيدي الذي واجهه الإمام الحسين(عليه السلام) ، من ناحية التغطرس والتجبّر والتسلّط على رقاب العباد، ومن ناحية الكفر والإنكار لوجود خالق الكون؛ فلا يزال الطغيان الفرعوني مضرب مثل لدى الجميع إلى يومنا هذا؛ لما كان من إنكاره لوجود خالق للكون واستخفافه بعقول الناس كما دلّت الآيات على ذلك^{^[52]}، والأمر كذلك بالنسبة لحكومة يزيد بن معاوية؛ إذ لم تعهد الأُمّة ممارسات طغيانية بهذا الحدّ كما شاهدوه في حكومة يزيد، وإن كانت بوادر ذلك واضحة في الحكومات المتقدّمة عليه؛ إلّا أنّها لم تصلْ إلى هذا الحدّ من التجاهر بالكفر والبوح به بالقول:

لعبت هاشم بالـمُلك فلا خبر جاء ولا وحي نزل^{^[53]}

فالإمام الحسين(عليه السلام) وإن لم يحكم على يزيد في محضر الوالي بالكفر والطغيان بشكل صريح إلّا أنّه وبدلالة ضمنية نوّه لذلك من خلال الإشارة إلى اللوازم التي لا تكون إلّا عن عدم إيمان مرتكبها؛ أضف إلى ذلك الرمزية التي تحملها الآية التي وظّفها الإمام الحسين(عليه السلام) للدلالة على ذلك، بالبيان الذي ذكرناه آنفاً.

4. يُشير النصّ القرآني الذي وظّفه الإمام الحسين(عليه السلام) إلى تحمّل أعباء هذه المهمّة الخطيرة بنفسه، وعدم اعتماده على الأُمّة التي طالما ناشدته واستنهضته للخلاص ممّا هم فيه؛ فمع أنّهم متحمسون لتغيير الواقع المرير ـ والذي عبّرت بعض الآراء عن حالهم بأنّ: «قلوبهم معك وسيوفهم عليك»^{^[54]}ـ الذي وصلوا إليه، إلّا أنّه(عليه السلام) يعلم بأنّه سوف ينهض بأعباء التغيير والإصلاح بوحده، وما هذه الثلّة التي سوف ترافقه في مسيرته هذه إلّا كمثل القطرة في بحر بالقياس إلى سائر المسلمين، وبالتالي فكما كان موسى قد خرج لوحده خائفاً يترقب كذلك كان حال الإمام الحسين(عليه السلام) ؛ لذلك قال كلمته الخالدة: «أَلا وإنّي زاحف بهذه الأُسرة على قلّة العدد، وكثرة العدو، وخذلة الناصر»^{^[55]}، وأوضح من ذلك قوله لأصحابه وأهل بيته في ليلة العاشر من المحرّم: «... وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يطلبون غيري، ولو أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم»^{^[56]}، فهذا النصّ أدلّ على أنّ مهمّة الإصلاح كانت قد أُنيطت بالدرجة الأساس بالإمام المفترض الطاعة.

المحصلةالنهائية

وفي نهاية المطاف نخرج بحصيلة مهمّة من وجوه التشابه بين الإمام الحسين والنبي موسى(عليهما السلام) ، ومن أهمها:

1ـ إنّ الظروف التي مرّ بها الإمام الحسين(عليه السلام) حين خروجه من المدينة كانت مشابهة بشكل كبير للظروف التي مرّ بها النبي موسى(عليه السلام) حينما خرج من مصر.

2ـ أنّ المهمّة التي أُنيطت بهما واحدة.

3ـ إنّ الخوف الذي حصل من الخطر المداهم لهما(عليهما السلام) لم يكن نتيجة الضعف والوهن في شخصية النبي أو الإمام(عليهما السلام) وإنّما يعني أخذ الحيطة والحذر من الأسباب التي قد تحول دون تحقيق الأهداف الإلهية.

4ـ إنّ العدو الذي واجهه الإمام الحسين(عليه السلام) كالعدو الذي واجهه النبي موسى(عليه السلام) في كثير من الخصائص والصفات، وهذا الشيء هو الذي حتم على الإمام الحسين(عليه السلام) أن يقف في وجه يزيد بن معاوية.

وبما أنّنا قد شارفنا على تخطِّي الحدّ المقرّر لعدد صفحات البحث؛ لذا سوف نتوقف عند البحث في الآية الأُولى المرتبطة بالنبي موسى(عليه السلام) ونوكل الحديث عن الآيات الأُخرى إلى فرصة أُخرى إن شاء الله تعالى.

المصادروالمراجع

* القرآن الكريم.

* نهج البلاغة.

1. الأخبار الطوال، أحمد بن داوود الدينوري (ت 276هـ)، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأُولى، 1960م.

2. الإرشاد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد(ت 413هـ)، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ.

3. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي.

4. أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري (ت 279هـ)، معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالاشتراك مع دار المعارف بمصر، 1959م.

5. التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي (ت 460هـ)، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1209هـ.

6. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 1403هـ.

7. تاريخ مدينة دمشق، الحسن بن علي بن عساكر (ت 571هـ)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، 1415هـ.

8. تحف العقول عن آل الرسول، الحسن بن علي بن شعبة الحرّاني(ت القرن الرابع الهجري)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1404هـ.

9. تفسير السلمي، محمد بن الحسين السلمي (ت 412هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الأُولى، بيروت ـ لبنان، 1421هـ.

10.التفسير الكاشف، محمد جواد مُغنية (ت 1400هـ)، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة،1981م.

11.التفسير الكبير، فخر الدين محمد بن عمر الرازي (ت 606هـ)، الطبعة الثالثة.

12.تفسير مجمع البيان، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت548هـ)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1415هـ.

13.تفسير نور الثقلين، عبد علي بن جمعة الحويزي(ت 1112هـ)، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الرابعة، 1412هـ.

14.التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، محمد هادي معرفة(ت 1427هـ)، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، الطبعة الثانية، 1425هـ.

15.الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي(ت 671هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1405ه‍.

16.الحدائق الناضرة، يوسف البحراني(ت 1186هـ)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدّسة ـ إيران.

17.دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري الشيعي(ت القرن الرابع الهجري)، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1413هـ.

18.روضة الواعظين، محمد بن الفتّال النيسابوري(ت 508هـ)، منشورات الشريف الرضي، قم المقدّسة ـ إيران.

19.رياض المسائل، علي الطباطبائي(ت 1231هـ)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1412هـ.

20.السقيفة، محمد رضا المظفر(ت 1383هـ)، مؤسسة أنصاريان، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1415هـ.

21.سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي(ت 748هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، الطبعة التاسعة، 1413هـ.

22.شرائع الإسلام، المحقق جعفر بن الحسن الحلي(ت 676هـ)، انتشارات استقلال، طهران ـ إيران، الطبعة الثانية، 1409هـ.

23.شرح الأخبار، القاضي النعمان بن محمد المغربي(ت 363هـ)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1414هـ.

24.عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي(ت القرن السادس الهجري)، دار الحديث، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى.

25.غاية المرام في شرح شرائع الإسلام، المفلح الصميري البحراني(ت 900هـ)، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى،1420هـ.

26.الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي(ت 314هـ)، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1411هـ.

27.الكافي، محمد بن يعقوب الكليني(ت 329هـ)، دار الكتب الإسلامية، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الخامسة، 1363هـ ش.

28.الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، محمود بن عمر الزمخشري(ت 538هـ)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1966م.

29.اللهوف في قتلى الطفوف، علي بن موسى بن طاووس(ت 664هـ)، أنوار الهدى، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

30.المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز، عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي(ت 546هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1422هـ.

31.مختلف الشيعة، العلامة الحسن بن يوسف المطهر الحلي(ت 726هـ)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1413هـ.

32.مصباح المتهجد، محمد بن الحسن الطوسي(ت 460هـ)، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1411هـ.

33.الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي(ت 1402هـ)، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدّسة ـ إيران.

المجلّات

34.مجلة الإصلاح الحسيني، منشورات مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، النجف الأشرف ـ العراق، الطبعة الأُولى، 2019م.

[1] اُنظر: معرفة، محمد هادي، التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب: ج1،ص159.

[2] اُنظر: مُغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف: ج1، ص274.

[3] اُنظر: الساعدي، صباح، مدخل إلى الحضور القرآني في بيانات الإمام الحسين (عليه السلام) ، مجلة الإصلاح الحسيني: العدد29،ص15ـ 42.

[4] الليثي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ: ص402.

[5] لقد ذكرنا في بحثنا المنشور في العدد 29: أنّ هناك بعض الآيات التي استند إليها الإمام الحسين (عليه السلام) في خطاباته ولم تكن من باب الجري والانطباق، وإنّما كانت من الآيات التي نزلت في حقّه (عليه السلام) ، كما في قوله (عليه السلام) لمروان بن الحكم: «...إليكعنّي فإنّك رجس، وإنّا أهل بيت الطهارة الذين أنزل الله (عز وجلاله) على نبيّه محمد (صلى الله عليه واله) ، فقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)...». اُنظر: الساعدي، صباح، مدخل إلى الحضور القرآني في بيانات الإمام الحسين (عليه السلام) ، مجلة الإصلاح الحسيني: العدد29: ص25.

[6] القصص: آية21.

[7] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص35.

[8] الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان: ج8، ص140. واُنظر: الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان: ج7، ص427. الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف: ج3، ص169ـ 170.. فخر الدين الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير: ج24، ص236. القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن: ج13، ص266. الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين: ج4، ص120. مُغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف: ج6، ص85. الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج16،ص17. الشيرازي،ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج12،ص205.

[9] وذلك بقرينة قوله تعالى: (هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) (القصص: آية15). بمعنىأنّ النبي موسى (عليه السلام) قد انطلق في حركته الإصلاحية الإلهية، ما يعني أنّ له مشروعاً إلهياً في تلك المدّة السابقة على قتل القبطي، بل إنّه (عليه السلام) قد أعطي العلم والحكم في مراحل متقدّمة أيضاً، وهذا لا يتنافى مع كون العلامات الدالة على النبوة جاءت بعد قتله للقبطي؛ وإنّما يدلّ على الاختلاف في المراتب والدرجات التي حصل عليها، قال العلامة الطباطبائي: «... وأمّا الحكم فالمراد به ـ كما استظهرناه ـ
إصابة النظر في حقيقة الأمر وإتقان الرأي في العمل به. فإن قلت: صريح الآية أنّ موهبة الحكم كانت بعد واقعة القتل، ومفاد آيات سورة القصص أنّه (عليه السلام) أُعطي الحكم قبلها، قال تعالى:
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)14(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ...)(القصص: آية14ـ15)، ثمّ ساق القصة وذكر القتل والفرار. قلت: إنّما ورد لفظ الحكم ههنا ـ وفي سورة القصص ـ منكّراً وهو مشعر بمغايرة كلّ منهما الآخر، وقد ورد في خصوص التوراة أنّها متضمّنة للحكم، قال تعالى: (وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ الله )(المائدة: 43)، وقد نزلت التوراة بعد غرق فرعون وإنجاء بني إسرائيل. فمن الممكن أن يقال: إنّ موسى (عليه السلام) أُعطي مراتب من الحكم بعضها فوق بعض قبل قتل القبطي، وبعد الفرار قبل العود إلى مصر، وبعد غرق فرعون، وقد خصّه الله في كلّ مرّة بمرتبة من الحكم حتّى تمت له الحكمة بنزول التوراة، وهذا بحسب التمثيل نظير ما يرزق بعض الناس أوان صباه سلامة في فطرته قلما يميل معها طبعه إلى الشرّ والفساد، ثمّ إذا نشأ يُعطى اعتدالاً في التعقل وجودة في التدبير؛ فينبعث إلى اكتساب الفضائل؛ فيرزق ملكة التقوى، والصفات الثلاث في الحقيقة سنخ واحد ينمو ويزيد حالاً بعد حال. ويظهر بما تقدّم عدم استقامة تفسير بعضهم الحكم بالنبوة لعدم دليل عليه من جهة اللفظ ولا المقام». الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج15،ص264.

[10] الأعراف: آية104ـ105.

[11] القصص: آية18ـ 19.

[12] هناك اختلاف بين المفسرين في قائل هذه العبارة للنبي موسى (عليه السلام) ، فبعضهم يرى أنّه المستضعف الذي استصرخه على القبطي، فيما ذهب آخرون إلى أنّه القبطي الذي أراد موسى أن يبطش به، ولما كان قد شاع خبر قتل القبطي في الحادثة الأُولى وعرف بأنّ القاتل هو النبي موسى (عليه السلام) لذلك وجه إليه تهمة الإفساد. اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج16،ص21.

[13] كما في قوله(عز وجلاله): (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (النمل: آية10).

[14] كما في قوله تعالى: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى) (طه: آية67).

[15] القصص: آية31.

[16] الأحزاب: آية39.

[17] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج14،ص144.

[18] الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج9،ص542.

[19] المصدر نفسه.

[20] السلمي، محمد بن الحسين، تفسير السلمي: ج1، ص440.

[21] ويستفاد ذلك من قول بعضهم أيضاً: «إنّه أوجس في نفسه خيفة، أي: لحقه ما يلحق البشر، وروي أنّ موسى تناولها بكمي جبته، فنهي عن ذلك، فأخذها بيده، فصارت عصا كما كانت أول مرّة ...». الأندلسي، عبد الحق، المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز: ج4، ص42.

[22] اُنظر: الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج9،ص542.

[23] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجد: ص828.

[24] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص111.

[25] ذكر المحقق الخونساري أنّ بعض العلماء يعتقد ضعف هذه الرواية. اُنظر: الخونساري، أحمد، جامع المدارك: ج4، ص385. ولم يُبيِّن مَن هو القائل بضعفها أو السبب في تضعيفه لها، ولعلّ مقصوده المحقق الحلي في شرائع الإسلام: ج2، ص545. إذ فسّر بعض الشراح على الشرائع المراد من قوله: «... وقيل بالمنع: استناداً إلى رواية، لا تخلو من ضعف...». بأنّ مقصوده هذه الرواية وأنّ السبب في ضعف سندها هو عدم التصريح بعدالة رواتها. اُنظر: البحراني، المفلح الصميري، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام: ج3، ص133. إلّا أنّ التدقيق في رواة سندها يوصلنا إلى أنّها من الروايات الصحيحة.

[26] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص414. وهذه الرواية وإن كانت تتحدّث عن علم النبي موسى (عليه السلام) بعد مقتل القبطي، وبعد خروجه خائفاً؛ إلّا أنّها تفيدنا في معرفة الخوف الذي حكاه الله(عز وجلاله) في الآيات الأُخرى المخصصة للمقطع الزمني المتأخر عليها، فتصلح كدليل لرفض الآراء التي فسّرت الخوف بمعناه الطبيعي.

[27] اُنظر: العلامة الحلي، الحسن بن المطهر، مختلف الشيعة: ج7، ص136. البحراني، المفلح الصميري، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام: ج3، ص133. الخونساري، أحمد، جامع المدارك: ج4، ص385. البحراني، يوسف، الحدائق الناضرة: ج24، ص422. الطباطبائي، علي، رياض المسائل: ج10، ص406. وغيرهم كثير.

[28] النمل: آية10.

[29] طه: آية67ـ 68.

[30] خطب الإمام علي (عليه السلام) ، نهج البلاغة: ج1، ص39.

[31] المظفر، محمد رضا، السقيفة: ص155.

[32] اُنظر: الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف: ج2، ص544.

[33] النمل: آية10ـ 11.

[34] الصافات: آية143ـ144.

[35] مُغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف: ج6، ص56.

[36] اُنظر: القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن: ج13، ص202.

[37] الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص21.

[38] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص239.

[39] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4،ص305.

[40] الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج3، ص301.

[41] القاضي المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج2، ص317.

[42] البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج5، ص299.

[43] المصدر السابق: ص300.

[44] تقدّم قبل صفحات قوله (عليه السلام) : «ما شككت في الحقّ مذُ رأيته، لم يوجس موسى خيفة على نفسه، أشفق من غلبة الجهّال، ودول الضّلال».

[45] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص150. الدينوري، أحمد بن داوود، الأخبار الطوال:ص222.

[46] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص33.

[47] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4،ص251.

[48] الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص17.

[49] الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5،ص14.

[50] اُنظر: ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص205.

[51] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص40.

[52] كما في قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُيَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْلِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىإِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (القصص: آية38).

[53] النيسابوري، محمد بن الفتّال، روضة الواعظين: ص191.

[54] الطبري، محمد بن جرير، دلائل الإمامة: ص182.

[55] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص219.

[56] الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص95.

الحضور القرآني في بيانات الإمام الحسين (عليه السلام) ـ آية الخوف والترقب أُنموذجاً