مقدّمة

مـمّا لا ريب فيه أنّ كلّ ما يصدر من أهل البيت(عليهم السلام) من أقوال وأفعال وحركات وسكنات ينسجم مع القرآن الكريم، ويستند إليه، فقد نزّههم الله تعالى من الرجس، وطهّرهم تطهيراً، وجعلهم الرسول(صلى الله عليه واله) عِدل الكتاب، لا يفارقونه حتّى يردوا عليه الحوض.. ولذا فإنّ مَن يطالع سيرتهم(عليهم السلام) لا يجد لهم خطلةً في فعلٍ، ولا كذبةً في قولٍ، بل ولا أدنى من ذلك، فهم(عليهم السلام) يحافظون على المستحبات فضلاً عن الواجبات، ويتركون المكروهات فضلاً عن المحرّمات.

وهذا ممّا لا ينبغي التشكيك فيه، فلو أنّ التاريخ قد سجّل عليهم بعض المخالفات للقرآن الكريم ـ والعياذ بالله ـ لنشرها خصومهم، ونوّه بها أعداؤهم.. وقد سمعنا في الأخبار أنّ عَمْرو بن العاص بحث في أحوال عليّ(عليه السلام) ـ وهو خصمه اللدود والمعاصر له ـ فلم يجد ما يذمّه به إلّا قوله: فيه دُعابة، فلمّا بلغ أمير المؤمنين(عليه السلام) ذلك قال: «عجباً لابن النابغة يزعم لأهل الشام أنّ فيَّ دُعابة، وأنّي امرؤ تلعابة، أُعافس وأُمارس، لقد قال باطلاً، ونطق آثماً. أَما وشرّ القول الكذب، إنّه ليقول فيكذب، ويَعِدُ فيخلف، ويَسأل فيلحف، ويُسأل فيبخل، ويخون العهد، ويقطع الإل، فإذا كان عند الحرب فأيّ زاجر وآمر هو، ما لم تأخذ السيوف مآخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته. أَما والله، إنّي ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة، إنّه لم يبايع معاوية حتّى شرط له أن يؤتيه أتية، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة»[1].

ومن هذا المنطلق عند مطالعتنا لسيرة سيّد الشهداء(عليه السلام)، نجد أنّ نهضته المباركة تضمّنت الكثير من السلوكيات القرآنية، ابتداء من اندلاع شرارة الثورة برفض البيعة للطاغية يزيد، وانتهاء بمصرعه الشريف على ثرى الطف.

وسنحاول في هذه المقالة رصد وتسجيل بعض تلك السلوكيات مع شيء من التحليل والتفصيل المؤيد بالمنقولات التاريخية، والمصدّر بالآيات القرآنية.

السلوك الأوّل: الكفر بحكومة الطاغوت

وتمثّل ذلك برفض بيعة يزيد، قال الله تعالى: ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِالله فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ * الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[2].

وقال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا )[3].

في هاتين الآيتين وموارد أُخرى ـ ربما تأتي الإشارة إليها ـ يأمر الله تعالى صراحةً برفض الطاغوت، وكلّ حكومة تبتعد عن أحكام الله تعالى، وتبتدع شرائع تناقض القرآن، فهي لون من ألوان الطغيان، والعتو عن أمر الله تعالى، وقد ثبت بالدليل القاطع أنّ الطاغية يزيد غير خليق بأدنى مراتب الإيمان فضلاً عن أعلاها، وغير مؤهّل لتسنّم منصب القيادة والزعامة في الأُمّة، الذي ينبغي فيمَن يتسنّمه أن يقود الأُمّة نحو الهداية والرشاد، ويردّها إلى صراط الحقّ والسداد، وقد كان الإمام أبو عبد الله الحسين(عليه السلام)، رافضاً لتولّي يزيد السلطة منذُ أن بدأ معاوية بالدعوة لولايته، وقد واجهه(عليه السلام) بكلام جريء وبيان صريح لا يصدر إلّا من البطل المقدام الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، فقد ذكر ابن قتيبة أنّ معاوية اجتمع بالحسين(عليه السلام) وابن عباس في المدينة، فتكلّم في شأن يزيد وولايته، وكان ممّا قال: «... وقد كان من أمر يزيد ما سبقتم إليه وإلى تجويزه، وقد علم الله ما أحاول به في أمر الرعية من سدّ الخلل، ولَمِّ الصدع بولاية يزيد، بما أيقظ العين، وأحمد الفعل، هذا معناي في يزيد، وفيكما فضل القرابة، وحظوة العلم، وكمال المروءة، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما، مع علمه بالسنّة، وقراءة القرآن، والحلم الذي يرجح بالصُّمِّ الصلاب»[4].

فأراد ابن عباس أن يُجيبه، فأومأ له الحسين(عليه السلام) بالتريّث، وانتفض للردّ على معاوية، فكان ممّا قال: «... وهيهات هيهات يا معاوية، فضح الصبح فحمة الدجى، وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضلت حتّى أفرطت، واستأثرت حتّى أجحفت، ومنعت حتّى محلت، وجزت حتّى جاوزت، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه بنصيب، حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر، ونصيبه الأكمل، وفهمت ما ذكرته عن يزيد، من اكتماله وسياسته لأُمّة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ، وقد دلّ ذلك من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي، تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم، حتّى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلّا غمضة، فتُقدِم على عمل محفوظ في يوم مشهود (وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ )...»[5].

ومن هذا النص يجد القارئ الكريم أنّه(عليه السلام) خبير بأحوال يزيد قبل توليه السلطة، وفي أيام أبيه معاوية، كما أنه(عليه السلام) ضمَّنَ كلامه مقطعاً من قوله تعالى: ( كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ )[6].

ولا يخفى أنّ الإمام(عليه السلام) كان رافضاً لحكم معاوية فضلاً عن ابنه يزيد، ولكن الذي أوقفه عن مواجهته له والخروج عليه التزامه بصلح أخيه الحسن(عليه السلام)، وقد كان(عليه السلام) يصرِّح بأنّ معاوية طاغية على رؤوس الأشهاد، فقد قام خطيباً ذات مرّة في مِنى بمحضر من الصحابة والتابعين، فقال: «أمّا بعدُ: فإنّ الطاغية [يعني: معاوية] قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أُريد أن أسألكم عن أشياء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتموا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم، مَن أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متمُّ نوره ولو كره الكافرون، فما ترك الحسين شيئاً أنزل الله فيهم من القرآن إلّا قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأُمّه وأهل بيته إلّا رواه، وكلّ ذلك يقول الصحابة: اللهمّ نعم، قد سمعناه وشهدناه، ويقول التابعون: اللهمّ قد حدّثنا مَن نصدِّقه ونأتمنه، حتّى لم يترك شيئاً إلّا قاله، ثمّ قال: أنشدكم بالله إلّا رجعتم وحدّثتم به مَن تثقون به، ثمّ نزل وتفرّق الناس على ذلك»[7].

وعلى هذا النسق كان رفض الإمام(عليه السلام) لبيعة يزيد، عندما طلبها منه عامل بني أُميّة في المدينة الوليد بن عتبة عند وصول خبر هلاك معاوية، فإنّ في قبول البيعة خرق لصلح الحسن(عليه السلام)، الذي نصّ أحد بنوده على أن يكون الأمر من بعد معاوية للحسن(عليه السلام)، فإن حدث به حادث فلأخيه الحسين(عليه السلام)، وليس لمعاوية أن يعهد بالأمر لأحدٍ من بعده[8].

هذا أوّلاً، وثانياً ـ وهو الأهم ـ هو أنّ قبول الإمام ببيعة يزيد يعني إعطاءه الشرعية في قيادة الأُمّة، وهو ما رفضه الإمام(عليه السلام) رفضاً قاطعاً وبقوّة، ولو كان ثمن ذلك دمه الطاهر، وبذلك سلخ الشرعية من حكومة ذلك الطاغوت، وقد جاء في جوابه(عليه السلام) للوالي: «أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، مُعلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله...»[9]. فكان(عليه السلام) يرى أنّ قيادة مثل يزيد لمسيرة الأُمّة يعني اندراس معالم الهدى، وضياع جهاد وجهود جدّه المصطفى(صلى الله عليه واله وسلم).

وعندما لقيه مروان في صبيحة تلك الليلة التي رفض فيها البيعة، قال للحسين(عليه السلام) ـ وهو يزعم أنّه ناصح له ـ «يا أبا عبد الله، إنّي لك ناصح، فأطعني تُرشد، فقال الحسين(عليه السلام): وما ذاك؟ قلْ حتّى أسمع! فقال مروان: إنّي آمرك ببيعة يزيد بن معاوية؛ فإنّه خير لك في دينك ودنياك، فقال الحسين(عليه السلام): إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام، إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»[10]، وبقيَ(عليه السلام) رافضاً لتلك البيعة أمام حدّ السيوف حتّى آخر رمق في حياته.

السلوك الثاني: الهجرة

كلّ قائد ومصلح يحمل رسالة ومنهجاً يرى فيه خيراً لبني البشر، فإنّه يحبّ لرسالته أن تطبّق على الأرض، فإنّ ضُيِّق عليه الخناق في مكان تطلّع إلى مكان آخر، ولهذا نجد جملة من الأنبياء هاجروا، فإبراهيم(عليه السلام) أبو الأنبياء ولد في (ذي قار) من أرض العراق، وهاجر منها إلى (بابل)، وفيها كانت قصّته مع النمرود الذي أمر بإحراقه، فأنجاه الله، وجعل النار برداً وسلاماً، ثمّ هاجر منها إلى (فلسطين)، فسمّيت باسمه (الخليل)، ومنها هاجر إلى (الحجاز)، وترك ذريته بوادٍ غير ذي زرع.

وهكذا نجد أنّ رسول الله(صلى الله عليه واله) عندما ضيّقت عليه قريش الخناق، واضطهدت أتباعه، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة، ثمّ هاجر(صلى الله عليه واله وسلم) إلى المدينة، فخرج من مكّة وعيناه عليها، حتّى جاء في دعاء الإمام زين العابدين(عليه السلام): «وهاجر إلى بلاد الغربة، ومحلّ النأي عن موطن رحله، وموضع رجله، ومسقط رأسه، ومأنس نفسه، إرادةً منه لإعزاز دينك، واستنصاراً على أهل الكفر بك، حتّى استتبّ له ما حاول في أعدائك، واستتمّ له ما دبّر في أوليائك»[11].

ولأنّ للإنسان مأنساً في الوطن يصعب فراقه والابتعاد عنه كتب الله للمهاجرين عظيم الأجر، فقد جاءت الآيات تترى في مدح المهاجرين في سبيل الله تعالى، منها: قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[12]. وآيات أُخرى[13].

وفي الحديث عن النبي(صلى الله عليه واله): «مَن فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنّة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلّى الله عليهما وآلهما»[14].

واستناداً إلى هذا الخلق القرآني الذي جسّده الأنبياء والصلحاء كان للحسين(عليه السلام) هجرتان:

الهجرة الأُولى

خرج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة مهاجراً، آمّاً البيت الحرام؛ للدفع بالتي هي أحسن، وتجنّب الاصطدام بالوالي في المدينة، وهو يرى في مكّة الكهف الذي ينبغي أن يأوي إليه؛ لأنّها البلد الآمن، وملتقى المسلمين من كلّ حدب وصوب، فلرسالته في مكّة فضاء أرحب وانتشار أسرع.

الهجرة الثانية

الخروج من مكّة نحو العراق، وذلك لأسباب عدّة:

الأوّل: أنّه رأى أنّ بني أُميّة لن يتورّعوا عن قتله ولو كان متعلِّقاً بأستار الكعبة، وفي ذلك هتك لحرمتها، وهذا ما صرّح به(عليه السلام) لعبد الله بن الزبير حين طلب منه المكوث في مكّة، فقال(عليه السلام): «إنّ أبي حدّثني أنّ بمكّة كبشاً به تُستحل حرمتها، فما أُحبّ أن أكون ذلك الكبش، ولئن أُقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أن أُقتل فيها»[15].

الثاني: توالت عليه كُتب الكوفيين، تدعوه لنصرتهم، والانتصاف لهم من عدوّهم، فكان اللازم على الإمام الاستجابة لهذه الدعوة، ولم يكن بوسعه(عليه السلام) التنصّل عن واجبه في القيام بحقّهم، والدفاع عنهم، ولو أنّه(عليه السلام) قعد عن ذلك للاحقه التاريخ بالتثريب والتسقيط، وأنّ الأُمّة دعته لقيادتها والأخذ بزمام سفينتها ـ وهي ترى أنّه أهل لذلك ـ فلم يجبها، وتخاذل وتنصّل عن ذلك، والعياذ بالله!

فخرج(عليه السلام) مع علمه بنتيجة هذه الحركة، معلناً أنّها مشروع شهادة في سبيل الله، فخطب ليلة التروية، وخرج في صبيحتها، وكان من خطبته: «خُط ّالموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف! وخيّر لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي وأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفّينا أُجور الصابرين، لن تشذّ على رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده، مَن كان باذلاً فينا مهجته، وموطِّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله»[16].

السلوك الثالث: الدعاء

من السلوكيات التي واجه بها الإمام الحسين(عليه السلام) عدوّه هو الدعاء، وقد ورد في الحديث عن الإمام الرضا(عليه السلام): «أنّه كان يقول لأصحابه: عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء»[17]. وهو من الأُمور التي حثّ عليها الله تعالى، وأمر بها في كتابه العزيز، فقد استعرضت الآيات المباركة الكثير من دعوات الأنبياء وآثارها في المجتمعات الظالمة والمنحرفة، منها: دعاء نوح على قومه، قال تعالى: ( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا * رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)[18].

وتتبيّن أهمّية هذا السلاح من جملة الآيات الحاثّة عليه، وطبيعة الخطاب فيها، كقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[19]، وقوله تعالى: ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ الله قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ )[20].

وقد كان للدعاء في واقعة الطفّ حضور لافت، يمكن رصده من خلال النقاط الآتية:

النقطة الأُولى

إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) افتتح نهضته المباركة في المدينة بالدعاء، فقد ذكر المؤرّخون أنّه(عليه السلام) بعد أن رفض بيعة الطاغية، أقبل في الليلة التالية نحو قبر رسول الله(صلى الله عليه واله) زائراً، ودعا بهذا الدعاء: «اللهمّ إنّ هذا قبر نبيّك محمد(صلى الله عليه واله وسلم) وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهمَّ إنّي أُحبّ المعروف، وأُنكر المنكر، وأسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ القبر ومَن فيه إلّا اخترت لي ما هو لك رضىً ولرسولك رضىً. وبكى»[21].

النقطة الثانية

لو رجعنا إلى يوم الواقعة لوجدنا أنّ الحسين(عليه السلام) افتتح المعركة بهذا الدعاء: «اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمرٍ نزل بي ثقةٌ وعدّة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته وكشفته، وأنت ولي كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة»[22].

واختتم حياته الشريفة بدعاء من أعظم وأروع الأدعية التي تُقرأ عند نزول الكرب، فحينما كان أبو عبد الله(عليه السلام) صريعاً على وجه الصعيد، كان يقول(عليه السلام): «اللهمّ متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غني عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابق النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دُعيت، مُحيط بما خلقت، قابل التوبة لـمَن تاب إليك، قادر على ما أردت، ومُدرك ما طلبت، وشكور إذا شُكرت، وذكور إذا ذُكرت، أدعوك محتاجاً، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً، وأبكي إليك مكروباً، وأستعين بك ضعيفاً، وأتوكّل عليك كافياً. احكم بيننا وبين قومنا بالحقّ، فإنّهم غرّونا، وخدعونا، وغدروا بنا، وقتلونا، ونحن عترة نبيّك، وولد حبيبك محمد بن عبد الله، الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على وحيك، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً برحمتك يا أرحم الراحمين»[23].

النقطة الثالثة

دعوات الإمام الحسين(عليه السلام) أثناء المعركة، فقد كان(عليه السلام) يملأ أحداث المعركة بالدعوات في أكثر مفاصلها، ومنها على سبيل المثال:

1ـ دعاؤه(عليه السلام) عندما برز ولده علي الأكبر(عليه السلام)، فقد روى المؤرّخون أنّه نظر إليه نظرة آيسٍ منه وقال: «اللهمّ كن أنت الشهيد عليهم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه، اللهمّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً؛ فإنّهم دعونا لينصرونا، ثمّ عَدوا علينا يقاتلوننا...»[24].

2ـ دعاؤه(عليه السلام) عند مصرع ولده الرضيع، قال(عليه السلام): «هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله تعالى، اللهمّ لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح، إلهي إن كنت حبست عنّا النصر فاجعله لما هو خير منه، وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل، اللهمّ أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد(صلى الله عليه واله)»[25].

3ـ دعاؤه(عليه السلام) عند مصرع عبد الله الأصغر بن الحسن السبط(عليه السلام)، فقد روى المؤرّخون أنّه: «خرج ـ وهو غلام لم يراهق ـ من عند النساء يشتدّ حتّى وقف إلى جنب الحسين(عليه السلام)... وأهوى أبجر بن كعب إلى الحسين(عليه السلام) بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يابن الخبيثة، أَتقتل عمّي؟! فضربه أبجر بالسيف فاتّقاها الغلام بيده فأطنّها إلى الجلدة، فإذا يده معلّقة... فأخذه الحسين(عليه السلام) فضمّه إليه... ثمّ رفع الحسين(عليه السلام) يده، وقال: اللهمّ إن متّعتهم إلى حين ففرّقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا، ثمّ عَدوا علينا فقتلونا»[26].

النقطة الرابعة

ومن مظاهر عظمة هذا السلاح سرعة الإجابة، وهو ما زعزع أركان الأعداء، وحطّم معنوياتهم، وجعل بعضهم ينسحب من المعركة[27]، وبعضهم ينقلب إلى معسكر الحسين(عليه السلام)[28]، وقد حصلت الاستجابة السريعة في ثلاثة موارد:

المورد الأوّل: قال المقرّم: «وأقبل القوم يزحفون نحوه، وكان فيهم عبد الله بن حوزة التميمي، فصاح: أَفيكم حسين؟ وفي الثالثة قال أصحاب الحسين(عليه السلام): هذا الحسين فما تريد منه؟ قال: يا حسين، أبشر بالنار. قال الحسين: كذبت، بل أقدِمُ على ربٍّ غفورٍ كريمٍ مُطاع شفيع، فمَن أنت؟ قال: أنا ابن حوزة. فرفع الحسين يديه حتّى بان بياض إبطيه، وقال: اللهمَّ حِزَّه إلى النار. فغضب ابن حوزة، وأقحم الفرس إليه ـ وكان
بينهما نهر ـ فسقط عنها، وعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس، وانقطعت قدمه وساقه وفخذه، وبقيَ جانبه الآخر معلّقاً بالركاب، وأخذت الفرس تضرب به كلّ حجرٍ وشجرٍ، وألقته في النار المشتعلة في الخندق، فاحترق بها ومات، فخر الحسين ساجداً شاكراً حامداً على إجابة دعائه...»[29].

المورد الثاني: رفع الحسين(عليه السلام) صوته داعياً بقوله: «اللهمّ إنّا أهل بيت نبيّك وذريته وقرابته، فاقصم مَن ظلمنا وغصبنا حقّنا، إنّك سميع قريب. فقال له محمد بن الأشعث: أيّ قرابةٍ بينك وبين محمد؟ فقال الحسين(عليه السلام): اللهمّ إنّ محمد بن الأشعث يقول ليس بيني وبين محمد قرابة، اللهمّ أرني فيه هذا اليوم ذلاً عاجلاً. فاستجاب الله دعاءه، فخرج محمد بن الأشعث من العسكر، ونزل عن فرسه لحاجته، وإذا بعقرب أسود يضربه ضربة تركته متلوثاً في ثيابه ممّا به، ومات بادي العورة»[30].

المورد الثالث: بعد أن بقيَ الحسين(عليه السلام) وحيداً فريداً، كان(عليه السلام) يقاتل و« يُكثر من قول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العظيم، وطلب في هذه الحال ماءً، فقال الشمر: لا تذوقه حتّى ترد النار. وناداه رجل: يا حسين، أَلا ترى الفرات كأنّه بطون الحيّات؟ فلا تشرب منه حتّى تموت عطشاً. فقال الحسين: اللهمّ أَمته عطشاً. فكان ذلك الرجل يطلب الماء فيؤتى به فيشرب حتّى يخرج من فيه، وما زال كذلك إلى أن مات عطشاً»[31].

أقول: ولا عجب في سرعة استجابة دعوات الإمام المظلوم(عليه السلام) بعدما نسمع في الحديث «عن علي بن أبي طالب... عن النبي(صلى الله عليه واله) أنّه قال في وصيته له: يا عليّ، أربعة لا تُردّ لهم دعوة: إمام عادل، ووالد لولده، والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب، والمظلوم، يقول الله (جلّ جلاله): وعزّتي وجلالي لأنتصرنّ لك، ولو بعد حين»[32].

السلوك الرابع: الاحتجاج بالحق والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن

حثّ القرآن الكريم على الدعوة إلى الله بطرق عدّة، منها المحاجّة، والمجادلة،
وتمييز الموقف الحق من الباطل، وبيان العقائد الحقّة من خلال عرض الأدلّة والبراهين، قال تعالى: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )[33].

وقـال تعـالى: ( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )[34].

وقال تعالى فيما اقتص من خبر إبراهيم: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[35].

ودعوات الأنبياء(عليهم السلام) كلّها قائمة على أساس بيان التوحيد، وما يرتبط بهذه العقيدة الحقّة من ملازمات، كالبعث، والنشور، والحساب، والعقاب، والثواب، وغيرها.

وجرياً على هذا الخُلق القرآني حاول الإمام الحسين(عليه السلام) أن ينصح القوم ويعظهم، ويُحذّرهم غضب الجبار، لعلّهم يرتدعون، وذلك من خلال الخطب والبيانات، ابتداءً من لقائه بالحرّ بالقرب من ذي حُسم[36] إلى أن وقعت الواقعة، وقد أكثر من الوعظ والإرشاد والتحذير لهم صبيحة اليوم العاشر، وكانت له أكثر من خطبة، احتجّ بها على القوم، حتّى جعلهم حيارى لا يدرون ما يقولون، وكما قال الشاعر:[37]

خلــط البـــراعة بالشجاعة		فالصــليل عــن الـدليل
للسانه وسنانه		صـــدقان مــن طعن وقيل⁽²⁾

ومن أمثلة البيانات الحسينية، ما يلي:

أوّلاً: محاجّة الحسين(عليه السلام) مع عمر بن سعد

«وأرسل الحسين(عليه السلام) إلى عمر بن سعد مع عمر بن قرظة الأنصاري: إنّي أُريد أن أُكلّمك، فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك. فخرج إليه ابن سعد في عشرين، وخرج الحسين(عليه السلام) في مثلها، فأمر الحسين(عليه السلام) أصحابه فتنحوا، وبقيَ معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر، وأمر ابن سعد أصحابه فتنحوا، وبقيَ معه ابنه حفص، وغلام له، فقال له الحسين(عليه السلام): ويلك يا بن سعد، أَما تتقي الله الذي إليه معادك، أَتقاتلني وأنا ابن مَن علمت؟! ذرْ هؤلاء القوم وكنْ معي، فإنّه أقرب لك إلى الله. فقال ابن سعد: أخاف أن تُهدم داري. فقال الحسين(عليه السلام): أنا أبنيها لك. فقال: أخاف أن تُؤخذ ضيعتي. فقال الحسين(عليه السلام): أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز. فقال: لي عيال وأخاف عليهم. ثمّ سكت ولم يجبه إلى شيء، فانصرف عنه الحسين(عليه السلام) وهو يقول: ما لك؟! ذبحك الله على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من بُرّ العراق إلّا يسيراً. فقال: في الشعير كفاية عن البُرّ. مستهزءاً بذلك القول»[38].

ويتّضح من هذه المحاورة أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لم يدعْ عُذراً لهذا الطاغية، وأنّ ما قدّمه من أعذار إنّما هي أكاذيب ومماطلة وهروب من الحقّ، وركون إلى جبهة الباطل، وأنّ الهدف الحقيقي الذي دفعه لارتكاب جريمته هو ملك الري، الذي وعده به ابن مرجانة، وأبياته التي أنشأها وحفظها التاريخ دليل صارخ على كذبه، فكان يقول:[39]

أَأترك ملك الريّ والريّ رغبة		أم أرجع مذموماً بقتل حسينِ
وفي قتله النار التي ليس دونها		حجاب وملك الري قرّة عينِ⁽¹⁾

وكانت عاقبة أمره أن خَسر ولاية الري، وفي ثورة المختار أرسل إليه مَن يذبحه على فراشه، وباء بغضب الله، ولعنة التاريخ والأجيال.

ثانياً: الخطبة الأُولى قبل بدء المعركة

«دعا الحسين براحلته، فركبها ونادى بأعلى صوته، فقال: أيّها الناس، اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتّى أعِظكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتّى أُعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فأجمعوا رأيكم، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة، ثمّ اقضوا إليّ ولا تُنظرون، إنّ وليي الله الذي نزّل الكتاب، وهو يتولّى الصالحين... ثمّ قال: أمّا بعدُ، فانسبوني فانظروا مَن أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! أَلستُ ابن بنت نبيّكم، وابن وصيّه وابن عمّه، وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول الله بما جاء به من عند ربّه؟! أَوَليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟! أَوَليس جعفر الطيار في الجنّة بجناحين عمّي؟! أَو لم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟! فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق، والله ما تعمّدت كذباً منذُ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم مَن لو سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يُخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله(صلى الله عليه واله) لي ولأخي، أَما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!... ثمّ قال لهم الحسين(عليه السلام): فإن كنتم في شكٍّ من هذا، أَفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم؟! فوالله، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم أَتطلبوني بقتيلٍ منكم قتلته، أو مالٍ لكم استهلكته، أو بقصاص جراحة؟! فأخذوا لا يكلّمونه، فنادى: يا شبث بن ربعي، يا حجار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا يزيد ابن الحارث، أَلم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار، واخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جند لك مجنّد؟! فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول، ولكن انزل على حكم بني عمّك، فإنّهم لن يروك إلّا ما تُحبّ. فقال له الحسين(عليه السلام): أنت أخو أخيك، أَتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد. ثمّ نادى: يا عباد الله، إنّي عُذت بربّي وربّكم أن ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبِّرٍ لا يؤمن بيوم الحساب. ثمّ إنّه أناخ راحلته، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها»[40].

وبتحليل هذا البيان يمكن أن نلاحظ أنّه(عليه السلام) ضمّن خطبته هذه أربع آيات، في بدايتها اثنتان، وفي نهايتها اثنتان، وهذا دأبه(عليه السلام)؛ إذ إنّه(عليه السلام) يضمِّن خطبه آيات من الكتاب العزيز.

ففي بداية الخطبة نرى أنّ قوله(عليه السلام): «فأجمعوا رأيكم، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة، ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون، إنّ وليي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين»، تضمّن جزءاً من آية في قوله تعالى: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ الله فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ )[41]، وآية كاملة، وهي قوله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّـيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[42].

وكذلك في نهاية الخطبة، فقد أشار(عليه السلام) ـ ضمناً ـ في قوله: «إنّي عُذت بربّي وربّكم أن ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّرٍ لا يؤمن بيوم الحساب»، إلى قوله تعالى: (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ)[43]، وقوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)[44].

وواضح من هذه النصوص الشريفة أنّها من كلمات الأنبياء(عليهم السلام) في مواجهة مجتمعاتهم المنحرفة، وإنّما ضمّنها في تلك الخطبة وقبل أن يحمى الوطيس؛ لأنّ حاله كحال أُولئك الأنبياء(عليهم السلام)، وحال أعدائه كحال تلك المجتمعات المنحرفة المواجهة لأنبيائها، ورسالات ربّها.

ثمّ إنّه(عليه السلام) فسح المجال لبعض أصحابه أن يكلّموا القوم، فكلّمهم زهير، وتبعه برير، ثمّ عاد(عليه السلام) وخطب فيهم خطبة ثانية.

ثالثاً: الخطبة الثانية قبل بدء المعركة

ثمّ عاد الحسين(عليه السلام) يكلّم القوم بعد خطبتي زهير وبرير، ولكن هذه المرّة على فرسه، وقد أخذ مصحفاً ونشره على رأسه، قابضاً على سيف النبي(صلى الله عليه واله)، معتمّاً بعمامته، لابساً لامته، «ثمّ استشهدهم عن نفسه المقدّسة، وما عليه من سيف النبي(صلى الله عليه واله)، ولامته، وعمامته، فأجابوه بالتصديق، فسألهم عمّا أقدمهم على قتله، قالوا: طاعة للأمير عبيد الله بن زياد. فقال(عليه السلام): تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً، أحين استصرختمونا والهِين، فأصرخناكم موجفين، سَللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم، فأصبحتم إلْباً لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلّا لكم الويلات، تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدَّبا، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش، ثمّ نقضتموها، فسُحقاً لكم يا عبيد الأُمّة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرِّفي الكلم، وعصبة الإثم، ونفثة الشيطان، ومطفئي السنن، ويحكم! أهؤلاء تعضدون، وعنّا تتخاذلون؟! أجَلْ والله غدرٌ فيكم قديم، وشجت عليه أُصولكم، وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمرة، شجى للناظر، وأكلة للغاصب، أَلا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجور طابت وطهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، أَلا وإنّي زاحف بهذه الأُسرة على قلّة العدد، وخذلان الناصر، ثمّ أنشد أبيات فروة بن مُسيك المرادي:

فإن نَهزمْ فهزّامونَ قُدْماً		وإن نُهــزَمْ فغير مهزَّمينــا
وما إن طبّنا جبنٌ ولكن		منايانا ودولة آخرينا
فقلْ للشامتينَ بنا أفيقوا		سيلقى الشامتون كما لقينا
إذا ما الموتُ رفع عن أُناسٍ		بكلكـلهِ أنـاخَ بآخـرينـا

أَما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يُركب الفرس، حتّى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله، (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ)، ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )»[45].

وهذه الخطبة من جلائل خطبه(عليه السلام)، ومن أعمقها معنىً، ولعلّ المقام يطول ببيان مضامينها، ولكن نختصرها في عدّة نقاط:

النقطة الأُولى: أنّه(عليه السلام) عاد هذه المرّة راكباً فرسه، ممتشقاً سيفه، بعد أن يأسَ من تراجع القوم عن غيّهم، تعبيراً عن أنّه مستعد للنزال بقدم ثابتة فيما إذا أراد القوم ذلك.

النقطة الثانية: دلالة نشره القرآن على رأسه هي أنّ موقفه ينطلق من القرآن وإلى القرآن، كيف لا وهو واحد من العترة الطاهرة، وهم الثقل الآخر الذي قرنه النبي(صلى الله عليه واله) بالقرآن، وأمر بالتمسّك بهما، وصرّح بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.

النقطة الثالثة: أمّا دلالة بروزه بسيف النبي(صلى الله عليه واله وسلم) وعمامته ولامته، فهي تعبير عن حديثه(صلى الله عليه واله): «حسين منّي وأنا من حسين»[46]، وأنّ مَن يواجه دم رسول الله(صلى الله عليه واله) ولحمه وسيفه وعمامته ولامته، فإنّما يواجه الإسلام وهو على حدّ الكفر.

النقطة الرابعة: ومن تمثُّله بأبيات المرادي نفهم أنّه(عليه السلام) قد عزم على الموت الذي لا بدّ منه، لا سيّما أنّه(عليه السلام) قال قبل ذلك كلمته العظيمة التي أصبحت شعاراً يحمله الأحرار والثوار، وينادون به كلّما كانت هناك منازلة بين الحقّ والباطل، وهي: «أَلا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة».

النقطة الخامسة: أنّه(عليه السلام) ذيّل خطبته بآيتين، الأُولى: فيها كلمة نبي الله نوح لقومه، والثانية: فيها كلمة نبي الله هود لقومه، وفيهما ما لا يخفى من مطابقة المقال لمقتضى الحال.

ونترك بقيّة معاني الخطبة لتأمّل القارئ الكريم؛ لأنّها من العمق ما لا يسعها المقال بالشرح والتفصيل، وفيها ما لا يخفى من اللوم والتوبيخ للقوم، وموقفهم البائس.

السلوك الخامس: الجهاد

قال تعالى: ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ الله الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ الله الْحُسْنَى وَفَضَّلَ الله الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا )[47].

الجهاد في القرآن الكريم من السلوكيات المشروعة ضمن حدود وأهداف مقدّسة قد لا تتجاوز الثلاثة، وهي:

الهدف الأوّل: الدفاع عن النفس، قال تعالى: ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ الله وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ )[48].

الهدف الثاني: الدفاع عن المظلومين والمستضعفين، قال تعالى:( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا )[49].

الهدف الثالث: إزالة الموانع التي تقف في طريق هداية الناس من الجبابرة والطواغيت وأئمّة الكفر، قال تعالى:( الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[50].

وقال تعالى: ( وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ)[51].

وهذه الأهداف العالية كلّها تنطبق على حركة الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته، أمّا الهدف الثالث فقد كان (عليه السلام) في مواجهة طواغيت بني أُميّة من خلفاء وولاة جزّارين حاولوا ويحاولون أن يُعيدوا الأُمّة إلى جاهليتها، وطمس معالم دينها.

وأمّا الهدف الثاني (الدفاع عن المظلومين والمستضعفين)، فهو نتيجة طبيعية لطغيان بني أُميّة الذين اتّخذوا مال الله دُولاً وعباده خولاً، وما كان للإمام الحسين(عليه السلام) أن يخرج إلى الكوفة، لولا أنّهم استنصروه واستصرخوه، إلّا أنّهم تخاذلوا وتراجعوا أمام سلطة النار والحديد، والقتل والسجون والتهجير، والأخذ على الظُّنّة والتهمة.

وأمّا الهدف الأوّل (الدفاع عن النفس)، فقد تجسّد في الواقعة بأجلى صوره؛ إذ إنّه(عليه السلام) حاول جهد الإمكان أن يتجنّب الاصطدام، وأن يدفع بالتي هي أحسن، إلّا أنّ الأعداء أجبروه على المواجهة، لكنّه مع ذلك ـ وحتّى ساعة الصفر من صباح اليوم العاشر ـ رفض أن يبدأ القوم بالقتال، وقال في جواب مسلم بن عوسجة حين أراد أن يرمي شمر بن ذي الجوشن بسهم: «(لا ترمه فإنّي أكره أن أبدأهم»[52].

وأحسب أن مساعي الحسين (عليه السلام) لدفع الحرب نابعة من كونها حرباً داخلية، أي: في داخل دائرة الإسلام، والضحايا فيها من الطرفين من المسلمين، فوقوعها إضعاف لجبهة المسلمين الهشّة، والمهدّدة من قِبل الأعداء الخارجيين من يهود وروم؛ ولهذا كان زهير بن القين(رحمه الله) في موعظته للقوم يقول: «نحن حتّى الآن إخوة، وعلى دين واحد، وملّة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف»[53]، فأثنى عليه الحسين(عليه السلام) ثناءً جميلاً، ممّا يدلّ على أنّه(عليه السلام) أقرّه على ما قال[54].

وبعد بيانات ومحاجّات تقدّمت الإشارة إليها، لم يكن أمام الحسين(عليه السلام) إلّا خيار القتال؛ دفاعاً عن نفسه وحريمه، وذلك بعدما تقدّم اللعين عمر بن سعد وأخذ قوساً ونبلاً ورمى به معسكر الحسين(عليه السلام)، وهو يقول: «اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل مَن رمى. فقال(عليه السلام): قوموا إلى الموت الذي لا بدّ منه فنهضوا جميعاً»[55].

السلوك السادس: التضحية

حينما يدخل المجاهد ساحة المعركة، فإنّ أمامه محتملات عديدة: فقد يُقتل، وقد يفقد أحد أعضائه، وقد يُجرح، وقد يُؤسر... فالتضحية من نتائج الجهاد، وهي من السلوكيات التي حثّ عليها الكتاب العزيز عندما لا يكون هناك طريق آخر لحفظ الأنفس، والنواميس، والمقدّسات، وإنّ أعلى درجات التضحية هي الشهادة في سبيل الله، بل هي أعلى درجات البِرِّ، كما ورد في الحديث عن النبي(صلى الله عليه واله): «فوق كلّ بِرٍّ بِرٌّ، حتّى يُقتل الرجل في سبيل الله (عز وجل)، فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه بِرّ...»[56].

وعلى هذا النسق جاءت الآيات القرآنية تترى في مدح المضحّين في سبيل الله تعالى، ومنها: قوله تعالى: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[57]، وقوله تعالى: ( إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )[58]. وقوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَالله رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ )[59]، وقوله تعالى: ( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )[60]، وقوله تعالى: ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )[61].

والمسألة لا تتوقف عند حدود التضحية بالنفس، وإن كانت هي أعزّ ما يملك المرء، فقد يضحّي الإنسان بالمال، أو الولد، أو الإخوة، أو الصحب، أو الأهل، ومن عجائب نهضة الإمام الحسين(عليه السلام)، وفرائدها ضحّى بكلّ هذه الجهات، فلم يدّخر شيئاً إلّا وضحّى به وقدّمه في سبيل الله تعالى، هذا مع التسليم والرضا، فهناك فرق بين أن يضحّي الإنسان بشيء عزيز عليه وهو صابر، وبين مَن يقدّم وهو مسلِّم راضٍ، بل وهو شاكر يرى أنّ ما أصابه في سبيل الله نعمة اختصّه الله بها تستحق الشكر، وليس مصيبة تقابل بالصبر... وهذا هو أعلى درجات العرفان والتسليم والأدب أمام الله تعالى.

وفي هذا المعنى ما ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «... فقلت: يا رسول الله، أوَ ليس قد قلت لي يوم أُحد حيث استُشهد مَن استُشهد من المسلمين وحيزت عنّي الشهادة فشقّ ذلك عليّ، فقلت لي: أبشر فإنّ الشهادة من ورائك. فقال لي: إنّ ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذاً؟! فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر»[62].

وهكذا كان الحسين(عليه السلام) يقدّم الأضاحي تلو الأضاحي مع الرضا والتسليم والشكر، فنسمعه يقول في أكثر من موقف: «هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله»[63].

السلوك السابع: الإعلام وكشف الحقائق ما بعد الشهادة

ومن الأخلاق والسلوكيات القرآنية التي نتعلّمها من أبي الأنبياء إبراهيم(عليه السلام)، هي أنّ المصلح المُخلص لرسالته التي يحملها لا يريد لها أن تموت بموته، بل يريد أن تبقى حاضرةً حيّةً في عقبه وذريته وأُمّته؛ ليواجهوا بها الإلحاد والشرك والانحراف؛ وهو ما جسّـده الخليل(عليه السلام) في دعائه، قال تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ )[64]، وقال تعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )[65]، وقال تعالى: ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء)[66].

ومن هذا المنطلق فإنّ من الأُمور التي خطّط لها الإمام الحسين(عليه السلام)، أنّه أراد لوهج هذه الثورة والنهضة أن لا ينطفئ، فكان لا بدّ من مواصلة الجهاد، واستثمار دمه الطاهر في هدم حكم آل أبي سفيان، وإحياء الإسلام، وهذا أحد أسباب حمله لعياله، فقد أراد(عليه السلام) لهم أن يمارسوا دورهم في الدعاية والتبليغ؛ لكشف الزيف الأُموي وإعلامه المضلّل لأبناء الأُمّة، فهو(عليه السلام) كان يُدرك أنّ القمع والإرهاب الذي مارستهما السلطة الأُمويّة لم يدعْ مجالاً حتّى للكلمة أن تنطلق، فقد قُطعت الأعناق المعارضة، وغُلَّت الأيدي المنابذة، وكُمّمت الأفواه الحُرَّة، وقد رأينا يزيد يهتف بإنكار الوحي، متمثِّلاً بأبيات ابن الزبعرى: [67]

لعبت هاشمُ بالملكِ فلا

خبرٌ جاءَ ولا وحيٌ نزلْ⁽⁴⁾

والمسلمون بمسمعٍ وبمنظر، فقد كان المسجد غاصّاً بالناس، ولم يجرؤ أحدٌ على الردّ عليه، فكان من الضروريّ أن يُخطّط الحسين(عليه السلام) لوجود مجموعةٍ من الأفواه الشجاعة الحُرّة الناطقة؛ لتمارس الدعاية والإعلام ضدّ هذا الاستبداد والظلم الأُمويّ، وضدّ الإعلام المُضلِّل، وتقوم بالتعريف بأهداف نهضته النبيلة[68].

وقد أدّى آلُ الحسين(عليه السلام) هذا الدور كما ينبغي، فكان لخطب الإمام زين العابدين(عليه السلام)، والعقيلة، وأُمّ كلثوم، وسكينة، وفاطمة الصغرى، في الكوفة والشام بالغ الصدى والأثر في قلب الموازين، ممّا جعل الطغاة يرتعبون، وهم في عُقر دارهم، وبين حواشيهم وجيوشهم وشرطتهم، كما بقيت لتلك الخطب والمقالات رنّة في مسمع التاريخ والأجيال، تُعلن مظلوميّة الحسين(عليه السلام) وانتصار دمه الطاهر على شفير سيف الجلاد، ممّا يعني انتصار القيم التي حملها ودافع عنها سيّد الشهداء(عليه السلام)، كما صرّح بذلك الإمام زين العابدين(عليه السلام) ـ بعد رجوعهم من السبي ـ حين سأله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله بقوله: «يا علي ابن الحسين، مَن غلب؟ وهو مغطّى رأسه، وهو في المحمل... فقال له علي بن الحسين[(عليه السلام)]: إذا أردت أن تعلم مَن غلب، ودخل وقت الصلاة، فأذِّن ثمّ أقم»[69].

فبنو أُميّة أرادوا لهذا الدين أن يندرس، وأراد له أبو عبد الله(عليه السلام) أن يحيى، فكانوا هم المهزومين، وكان هو الفاتح العظيم على حدّ تعبيره(عليه السلام): «مَن لحق بي استُشهد، ومَن لم يلحق بي لم يُدرك الفتح»[70].

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام)، محمد السماوي (ت1370هـ)، تحقيق: الشيخ محمد جعفر الطبسي، مركز الدراسات الإسلامية لممثلية الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1419هـ/1989م.

الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، تحقيق وتعليق وملاحظات: السيّد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، 1386هـ/1966م.

الإرشاد، محمد بن محمد بن النعمان المفيد، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.

أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

الأمالي، محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية (مؤسسة البعثة)، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1414هـ.

الإمامة والسياسة، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تحقيق: طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي وشركائه للنشر والتوزيع.

بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، مؤسسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1403هـ/1983م.

تاج العروس، محمد مرتضى الزبيدي (ت1205هـ)، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1414هـ/1994م.

تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، الشيخ باقر شريف القرشي، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1395هـ/1975م.

الخصال، محمد بن علي بن الحسين الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1403هـ/1362ش.

شرح خطب نهج البلاغة، محمد عبده، دار الذخائر، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1412هـ/1370ش.

الصحيفة السجادية الكاملة، أدعية الإمام زين العابدين(عليه السلام)، دفتر نشر الهادي، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1418هـ.

صلح الحسن(عليه السلام)، الشيخ راضي آل ياسين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ
لبنان، الطبعة الأُولى، 1402هـ/1992م.

الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الرابعة، 1365ش.

الكامل في التاريخ، علي بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، 1386هـ/1966م.

اللهوف في قتلى الطفوف، السيّد علي بن موسى بن طاووس، أنوار الهدى، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

لواعج الأشجان، السيّد محسن الأمين، منشورات مكتبة بصيرتي، قم ـ إيران، 1331هـ.

مثير الأحزان، محمد بن جعفر المعروف بابن نما الحلي، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1369هـ/1950م.

مقتل الحسين(عليه السلام)، السيّد عبد الرزاق المقرّم، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، الطبعة الرابعة، 1392هـ/1972م.

يوم الحسين(عليه السلام)، الشيخ فاضل المالكي، مؤسسة البحوث والدراسات الإسلامية، 1392هـ.

المجلات

الإصلاح الحسيني، مجلّة فصلية متخصّصة في النهضة الحسينية، تُعنى بالدراسات الدينية، السنة الخامسة 1438هـ/2017م، العدد الثامن عشر.

[1] عبده، محمد، شرح خطب نهج البلاغة: ج1، ص147ـ 148.

[2] البقرة: آية256ـ 257.

[3] النساء: آية60.

[4] ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج1، ص160.

[5] المصدر السابق: ص160ـ161.

[6] ص: آية3.

[7] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص19.

[8] اُنظر: آل ياسين، راضي، صلح الحسن(عليه السلام): ص259.

[9] القرشي، باقر شريف، حياة الإمام الحسين(عليه السلام): ج2، ص209.

[10] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص18.

[11] الصحيفة السجادية الكاملة، أدعية الإمام زين العابدين(عليه السلام): ص34.

[12] الأنفال: آية74.

[13] كقـوله تعـالى:(الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ الله وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ)*(خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(التوبة: آية20ـ 22).وقوله تعالى:(وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ الله يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى الله وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا)(النساء: آية100).وقوله تعالى:(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا الله فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا) الكهف: آية16)).

[14] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج19، ص31.

[15] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص191.

[16] ابن نما الحلي، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص29.

[17] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص468.

[18] نوح: آية26 ـ 28.

[19] البقرة: آية186.

[20] النمل: آية62.

[21] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص142.

[22] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص96.

[23] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص348.

[24] الأمين، محسن، لواعج الأشجان: ص169.

[25] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص333.

[26] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص111 ـ 112.

[27] «قال مسروق بن وائل الحضرمي: كنت في أوّل الخيل التي تقدّمت لحرب الحسين؛ لعلّي أن أُصيب رأسه، فأحظى به عند ابن زياد، فلمّا رأيت ما صُنع بابن حوزة عرفت أنّ لأهل هذا البيت حرمة ومنزلة عند الله تعالى، وتركت الناس، وقلت: لا أقاتلهم فأكون في النار».اُنظر: المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص278.

[28] كما فعل الحرّ بن يزيد الرياحي، وآخرون..وقد ذكر بعض الباحثين أنّ المتحوّلين من معسكر ابن سعد إلى معسكر الحسين(عليه السلام) نيّف وثلاثون رجلاً.اُنظر: المالكي، فاضل، يوم الحسين(عليه السلام): هامش ص53.

[29] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص278.

[30] المصدر السابق: ص278.

[31] المصدر السابق: ص339.

[32] الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص197.

[33] النحل: آية125.

[34] العنكبوت: آية46.

[35] البقرة: آية258.

[36] ذو حُسم(بضم الحاء المهملة) جبل في أطراف القادسية، كان النعمان بن المنذر يصطاد فيه.اُنظر: الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس: ج 16، ص151.السماوي، محمد، إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام): 44.

[37] الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص626.

[38] المصدر السابق: ج1، ص113.

[39] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص53.

[40] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص273.

[41] يونس: آية71.

[42] الأعراف: آية196.

[43] الدخان: آية20.

[44] غافر: آية27.

[45] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص281.

[46] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج43، ص261.

[47] النساء: آية95 ـ 96.

[48] البقرة: آية194.

[49] النساء: آية75.

[50] النساء: آية76.

[51] التوبة: آية12.

[52] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص96.

[53] الطبري، محمد بن جرير، تـاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص324.

[54] اُنظر: المصدر السابق.

[55] الحلي، ابن نما، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص41.

[56] الصدوق، محمد بن علي، الخصال: ص9.

[57] الأحزاب: آية 23.

[58] التوبة: آية111.

[59] البقرة: آية 207.

[60] آل عمران: آية140.

[61] النساء: آية74.

[62] عبده، محمد، شرح خطب نهج البلاغة: ج2ص49 ـ 50.

[63] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص69.

[64] البقرة: آية127 ـ 129.

[65] البقرة: آية124.

[66] إبراهيم: آية40.

[67] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص105.

[68] اُنظر: النداوي، عبد الرزاق، مصرع عبد الله الرضيع..رؤية تحليلية، مجلة الإصلاح الحسيني، العدد١٨، 1438هـ/2017م: ص244.

[69] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص677.

[70] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص87.

السلوكيات المستندة إلى القرآن الكريم ـ سلوكيات مواجهة العدو في واقعة الطفّ أُنموذجاً