مقدّمة

حظيت الموضوعات المتعلّقة بالنهضة الحسينية ـ ذات الطابع التاريخي أو الأدبي ـ بعناية مختلف الباحثين منذ عقود طويلة من الزمن، بينما بقيت بعض الجوانب الأُخرى بحاجة إلى بحثٍ وتحقيق، وبخاصّة تلك التي ترتبط بمتلقّي النهضة والمتفاعل معها، والساعي إلى إحياء ذكراها، والإفادة من دروسها.

من هنا اختار هذا البحث المتواضع ظاهرة لافتة للنظر وجديرة بتأمّل دلالاتها، وتعدُّ شكلاً من أشكال استجابة الجمهور للنهضة الحسينية، كما تلازم مراسم الإحياء؛ حيث أصبحت مصداقاً من مصاديقها، وتمثيلاً ضرورياً لها، فما يكاد يحلّ شهر محرم الحرام من كلّ عام إلّا وتغصّ المباني والمؤسسات والشوارع والمواكب والأماكن العامّة بالأعلام والشعارات، وهو ما يعكس فهماً للنهضة، وموقفاً واضحاً منها، وينتج خطاباً بلاغياً له طرائقه وسياقاته ودلالاته الخاصّة.

ولكي يحقّق البحث اقتراباً من تأويلٍ عميقٍ لهذا الخطاب، كانت الاستعانة بمقولة (بلاغة الجمهور)، وهي اتجاهٌ جديدٌ في البلاغة العربية المعاصرة، الذي يعنى بالخطاب المُنتَج من قبل الجمهور المخاطب؛ من خلال استجابته لنصّ المتكلم، وإعادة تشكيله على وفق فهمه للنص، وموقفه من مضامينه.

بلاغة الجمهور والشعائر الحسينية

إنّ غاية بلاغة الجمهور ـ بوصفها اتجاهاً حديثاً في الدراسات البلاغية المعاصرة ـ هي «إمداد الإنسان العادي، الذي يشكّل اللبنة الأساسية للجمهور، بمعرفةٍ تمكّنه ـ في حال تعرّضه لخطابٍ بلاغيٍّ ما ـ من الكشف عن تحيّزات هذا الخطاب، ومبالغاته، ومغالطاته، ومفارقته للواقع، وتناقضاته الداخلية، والأغراض التي يسعى لإنجازها؛ حتى يتمكّن من التمييز بين خطاب سلطوي يسعى للسيطرة عليه، وخطاب حرّ يسعى لتحريره»^{^[1]}. ولا شكّ في أنّ هذه الاستجابة تتفاوت في مستوياتها، وتتنوّع في أنماطها، فهي ترتبط بسياقها، وتعتمد على الاستعداد الذاتي للمتلقّي ومقدرته في تشكيل خطابه، وستكون مهمّة الدارس أن يكشف عن طبيعة هذه الاستجابات ودلالاتها.

يعدّ خطاب عاشوراء خطاباً مهيمناً، مارس عبر قرون طويلة فعلاً مؤثراً وموجهاً للإنسان بمختلف انتماءاته العرقية والقومية والدينية، وقد تنوّعت أساليبه وأدواته بشكلٍ كبير، ويمكن أن نميّز بين نمطين من هذا الخطاب:

الأوّل: وهو الأصل الذي تمثَّل في النصوص الصحيحة السند، والمروية عن الثقات من الرواة، والخاصّة بتفاصيل رحلة الركب الحسيني الشريف، من ساعة خروجه من المدينة المنورة وحتى عودته إليها بعد حادثة استشهاد الإمام وأهل بيته عليهم السلام وأصحابه (رضوان الله عليهم)، وهو خطاب امتاز المنقول منه بتنوّع أشكاله، فمنها ما هو نصّيٌ ومنها ما هو عمليٌّ أو فعلي.

الثاني: فهو ما يمكن تسميته بخطاب القراءات المركزية، ونعني بها: مجموعة النصوص القديمة والحديثة التي انتجتها مجاميع من المؤلّفين والكتّاب والخطباء، وتمتاز بأنّ لها الحضور الأكثر هيمنةً وتأثيراً على جمهور المتلقّين، ويختلف هذا الخطاب عن الأوّل بأنّه قراءة لوقائع النهضة الحسينية، مشفوعة في بعض أشكالها بما يستدعي التفاعل العاطفي مع تفاصيل مقاتل الإمام عليه السلام والهاشميين وأصحابه، ومن الطبيعي أن تعمد بعض القراءات في هذا النمط من الخطاب بملء الفجوات التي تركها التاريخ فارغة، بما ينسجم مع الأحداث المدوّنة في كتب التاريخ، وعلى وفق قابلية الكاتب أو الخطيب، بوصفه قارئاً ذا عدّة معرفية معيّنة، له استجابته الخاصّة، وطريقته في الفهم والتفسير، وإعادة إنتاج المروي.

وتشكّل مراسم إحياء عاشوراء فضاءً لاستجابات جماهيرية متنوعة، تتّسم بالثبات النسبي في أشكالها وطرائقها، فهي مفتوحة على إضافات مستمرّة بمرور الزمن وتبدّل الأمكنة، بما يتناسب مع السياق وطبيعة الجمهور، ولعلّ السبب في ذلك يتمثّل بـ«عدم التعبّدية في مراسم الإحياء لرفع يد أي سلطة إلّا استثناءً، فلا ترى [في كثير من الدول] مواجهة رسمية واحدة تضبط الإحياء في صورة تأسيسية خاصّة ليلتزم بها الشيعة، بل إنّ الجهات الرسمية ـ أو حتى الشرعية ـ تقع في لحظةٍ ما تحت ضغط الجمهور، الذي يخرج من مجالسها إلى ما يناسب مزاجه من أساليب تعبيرية»^{^[2]}؛ من هنا كان تنوّع مظاهر الإحياء، وتغيّر طرائق بعضها، فما لم يكن موجوداً من قبل استحدثه الجمهور، مفيداً من تطوّر الصناعات والتكنولوجيا الحديثة، ولعلّ أبسط مثال على ذلك دخول المؤثّرات الموسيقية في تلحين بعض القصائد الرثائية، ما يُصطلح عليه بـ (اللطميات)، وكذلك إنتاجها مصوّرةً مع مشاهد تمثيلية، وغيرها من المظاهر الحديثة. ولا شكّ في أنّ هذه المظاهر الحديثة هي استجابات جمهور يعيش سياقاً خاصّاً به، ولا يستطيع الإفلات من مؤثّراته، بل لا يمكنه أن يكون خارجه؛ إذن هي بلاغة جمهورٍ تصوغ موقفاً، وتختار أُسلوباً تعبيرياً، يوجّهها العامل النفسي، وتضبطها ـ بشكلٍ نسبيٍّ ـ بعض القواعد والحدود.

من بين مظاهر الإحياء وأساليبه: رفع الأعلام والشعارات التي تلازم الكثير من مراسم العزاء، فترتفع مع بدء شهر محرم على البيوت، وتُنصب في الشوارع العامّة والأمكنة المختلفة، وتستأثر المواكب الحسينية بأعلام خاصّة، يحرص أصحابها على تنويعها، ويخصّصون عَلمَاً كبيراً يُخطُّ عليه اسم الموكب، وتاريخ تأسيسه ومكانه.

وتُجسّد الراية والشعار فعلاً تعبيرياً يعلن عن خصوصية المناسبة، ويرتبط بها دون غيرها من المناسبات الدينية الأُخرى، على الرغم من كثرتها.

الرايات: تلبية النداء وإيقونة الهوية

لا تخرج دلالة العَلَم اللُّغوية عن معنى الإشارة والعلامة في الكلام الوارد عن الحوراء زينب سلام الله عليها مخاطبةً فيه الإمام السجاد عليه السلام: «.. ينصبون لهذا الطف عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يُدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً، وأمره إلّا علوّاً..»^{^[3]}. ولعلَّ هذا النص هو الأوّل الذي يستشرف المستقبل، ويرد فيه ذكر العَلَم أو الراية مقترناً بقضية الطف ومشهد الإمام الحسين عليه السلام، ومن الواضح أنّ العقيلة تذكره بوصفه استجابة المؤمنين للحدث، وإحياءً لأمر الإمام وإدامة مبادئه، وهو ما سيتشكّل عبر الزمن في مظاهر متنوّعة.

لقد اكتسبت بعض المظاهر في مراسم إحياء ذكرى عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين عليه السلام دلالة ثابتة جديدة مرتبطة بالقضية الحسينية، ولم يتمّ ذلك بفعل قصدي، بل يفرضه في أحيان كثيرة طبيعة الإحياء ونمطه، فكثير من هذه المظاهر حملت مستويات رمزية اكتسبتها من سياقها الجديد، وتحوّلت إلى إيقونة شعارية، منها طبيعة الملابس التي يرتديها الفرد، ولونها، وطريقة ارتدائها واستعمالها، فالكوفية^{^[4]} ـ مثلاً ـ لا تكون إلّا مرقّطة بالسواد، أو سوداء، أو بُنّية، أو خضراء، وكلّها مرتبطة في دلالاتها بألوان الرايات التي ستتنوّع كما سنرى.

أمّا طريقة ارتدائها ـ التي يفرضها نمط العمل الذي يقوم به الفرد ـ فتتنوّع بين أن تُلفّ على الرأس بطريقة معروفة لدى العراقيين وتُسمّى (الجرّاوية)، أو تُلفّ حول الخصر كحزام، ويُرفع الثوب بواسطته لتسهيل الحركة، فضلاً عن الأجزاء الأُخرى من اللباس التي يفضّلها الشباب من المعزّين؛ إذ تتناسب مع طبيعة الخدمة التي يقدّمونها في الموكب الحسيني.

إنّ تنوّع استخدام الأعلام في المواكب أكسبها دلالات جديدة، مضافةً إلى الدلالات القديمة المرتبطة بها، بوصفها علامات على جماعات معيّنة، من الممكن أن يحقّق هذا التنوّع إشارات لأفواج مقاتلين زاحفين إلى ساحة الطف، على نحوٍ يماثل وجودها في التاريخ، إذ كان كلّ قسم من أقسام المعسكر الحسيني يحمل علماً بلونٍ ما، فهي امتداد تطويري لتلك الأعلام، وإثراء لدلالتها، فتنوّع الألوان يعني تنوّع الاستجابات وتعدّدها على اختلاف مشارب المُلبّين للنداء، وهي فضلاً عن ذلك استحضار رمزي للجهاد، يحفّز الجمهور على الاستعداد، ويصنع الفرد العادي فيه استجابته على النحو الذي يراه مناسباً، وهي في نهاية الأمر جزءٌ من هويته؛ بوصفه منتظراً راغباً بشوق كبير في الاشتراك في المعركة الكبرى، التي تطهّر الأرض من الفساد ورموزه، ومجسّداً للدعاء الوارد في زيارة عاشوراء: «فأسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك، أن يرزقني طلب ثأرك مع إمامٍ منصورٍ من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم»^{^[5]}، إذ تتضافر عند الداعي معرفة شأن الإمام ومنزلته ومقامه بالرجاء والسؤال من الله تعالى، فالداعي الزائر مُدرك إكرام المنعم (جلّ وعلا) له بهذه المعرفة وقيمتها، ويرغب في إتمام هذه النعمة برزق النصرة وإتمام النهضة التي أنجز مفتتحها الإمام الحسين عليه السلام، ويخصّص الطلب بأن تكون هذه النصرة تحت لواء الحجّة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو ما يعني إدراك امتداد النهضة وثورة الإصلاح الحسيني إلى آخر الزمان.

وتتجسّد هذه المعاني بطريقة أُخرى؛ إذ حملت بعض الرايات رسوماً رمزية للإمام الحسين عليه السلام، أو لوجه آخر من وجوه الطف الكريمة، وهي رسوم احتفظت ببُعدها الروحي والجهادي؛ لأنّها مستمدّة من أحداث الواقعة، أو من حياة الإمام وأهل بيته عليهم السلام، وتختزل بعضها أحياناً تفاصيل المأساة الإنسانية في استباحة الأطفال، من خلال صورة عبد الله الرضيع مذبوحاً، بينما تفتقر بعض هذه الرايات إلى العناية بالقياسات التصميمية للمشهد أو الشخصية المرسومة، وهو أمر عائد إلى طبيعة التصنيع والقائم به، والذي غالباً ما يكون غير واعٍ تماماً بجماليات الرسم والتصميم وتقنياتهما، ولا يقلّل هذا الأمر من دلالة الرايات الموظفة في المراسم والمواكب، فكيف ما تكون الصورة المرسومة فإنّها تمنح الراية دفقاً تعبيرياً مضافاً، وتجسّد تفاعلاً عميقاً مع شخصية الإمام ونهضته، فـ«الصورة يمكن أن تمثّل شيئاً أو شخصاً، ويمكنها أن تؤشر مفهومات تجريدية... لأنّ من النادر أن تفرض الصورة فرضاً معنًى وحيداً واحداً... يمكن للصورة أن تقول عدّة أشياء في آنٍ واحدٍ، وأنّها يمكن أن تحتوي على عدّة مجازات في نفس الوقت»^{^[6]}.

غير أنّ محور الدلالات سيكون حول الشهادة والعطاء والبذل، وهي من أبرز دروس الطف وأكبرها، وتتجلّى هذه المعاني بشكلٍ أكبر مع الرايات ذات الحجم الكبير، التي يحرص بعض الزائرين على حملها معهم من مناطق نائية في مدنهم باتّجاه كربلاء.

ويعدّ من نافل القول الحديث عن سيميائية ألوان الرايات، ففضلاً عن دلالات الألوان ورمزيتها المعروفة، تكتسب باقترانها مع الراية دلالات جديدة، تنسجم مع أفعال الإحياء الأُخرى ومظاهره، وتكثر الرايات ذات الألوان (الأسود، الأحمر، الأخضر)، مع وجود بنسبة أقلّ للألوان الأُخرى (الأصفر، الأزرق، والأبيض)، وقد تعتمد بعض الرايات أُسلوباً تعبيرياً مضافاً، عبر كتابة أسماء الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام عليها، أو تتعدّد الأعلام بعدد الأئمّة، وتجعل في مقدّمة المواكب في دلالة واضحة على الاقتداء بقيادتهم عليهم السلام الأُمّة، بوصفهم الثقل الثاني الذي خصّه حديث الثقلين بالتمسّك والطاعة.

لا شكّ في أنّ الجمهور هنا يستعمل ذائقته الجمالية، فهو يُدرك من خلالها جماليات الوسائل المستخدمة في الإحياء، ويكون التذوّق هنا «نتيجة تفاعل ما هو وجداني لديه مع بيئات جمالية تحمل الملامح الدلالية نفسها... فالمتلقي المسلم أقدر على تلقّي بيئة جمالية مثالية، أقرب منها إلى معتقده وسلوكياته وتصوراته»^{^[7]}، ولا يمكن إبعاد ما لكربلاء ـ المدينة التي أصبحت إيقونة الشهادة ـ من تأثير في تشكّل هذه البلاغة وهذه الذائقة. فـ«بعض الأماكن الطبيعية قد تتحوّل إلى فضاء بلاغي في بعض الحالات؛ حين تُصبح وعاءً لأنشطة تواصلية ذات طابع نفعي أو جمالي»^{^[8]}.

من جانبٍ آخر، تشهد المواكب حضور العلم العراقي بين الأعلام الأُخرى الخاصّة بذكرى عاشوراء، وهو ما له دلالة رمزية ذات بعدين:

البعد الأوّل: يتعلّق بالهوية الوطنية، ويرتبط بما يمرّ به البلد والمنطقة العربية من أحداثٍ وظروف استثنائية، فحرْصُ أغلب المواكب على رفع العلم العراقي إلى جوار أعلام عاشوراء كان لتبليغ رسالة مفادها الاعتزاز بالهوية، والاستعداد للتضحية من أجلها، فضلاً عن تضمّنها لمعانٍ تعبوية تتعلّق بفتوى الجهاد المقدّس، وهي تمثّل ردّاً بالهوية الراسخة الأصيلة على الهويات الطارئة على الوجود، متمثّلةً بعلم ما يسمّى بـ(داعش)، التي اقترنت بصور الذبح والقتل والتهجير وهتك الحرمات.

البعد الثاني: يتعلّق بالهوية الدينية، ويتضمّن إشارة عقدية ترتبط بهوية التشيّع، رداً على التُرّهات والأباطيل التي وُجّهت لهذه الهوية، وهي لا تستند إلى واقع تاريخي أو حقيقة علمية.

بلاغة الشعار: التجديد في النمط

يسعى خطاب الجمهور الذي يصنعه من خلال مظاهر مختلفة إلى إبراز الصورة الواقعية لأتباع مذهب آل البيت عليهم السلام، من خلال الشعارات المرفوعة التي حرصت على أن تبقى ضمن إطار النهضة الحسينية، ويسعى كذلك إلى مقابلة الفعل التشويهي الذي تمارسه وسائل الإعلام عبر صياغة أفكار غير واقعية عن أتباع المذهب، ونقل صورة مشوّهة عنه إلى العالم، صورة قائمة على اجتزاء بعض الحالات من سياقها الخاص، وارتباطها بمجموعة ما، وتقديمها إلى المتلقي الآخر على أنّها الصورة الواقعية والشاملة لمراسم إحياء ذكرى عاشوراء والأحداث التي تلَتها، فالرسالة التي يُقدّمها الجمهور للعالم عبر خطاب الشعارات المرفوعة ترتكز إلى أرضية صلبة ثابتة؛ لأنّها مرتبطة بجوهر النهضة الحسينية؛ ومن هنا لا يمكن فصل قراءة مدلولات الشعار الذي يرفعه موكب معيّن أو فردٍ ما منفصلاً عمّا يمارسه من فعل، كتقديم الخدمة للزائرين والتفاني فيها، وبذل المال والوقت والجهد، وتعريض النفس للأذى والخطر أحياناً، فهو لا يفصل هنا بين الشعار والممارسة، فتجده يرفع شعاره بخطٍّ واضحٍ وكبير (خادم وافتخر).

إنّ الانسجام الاجتماعي وتحقيق التعايش الإنساني بشكله الأمثل، وبمختلف صوره وأنماطه هو بعض ما يقوله الخطاب، كما أنّ مودة صاحب القضية والنهضة والذكرى، تتحقّق من خلال هذا الانسجام والتعايش مع أفراد المجتمع الإنساني، على اختلاف انتماءاتهم القومية والعرقية والدينية أيضاً.

لقد امتاز الخطاب الذي يصنعه جمهور الزائرين والقائمين على خدمتهم من أصحاب المواكب بالانفتاح على الإنسانية ووعي سبل صلاحها، فالفرد العادي يُدرك ببساطة تفكيره ووعيه أن شعاره الذي يرفعه، وممارسته الإحيائية التي يقوم بها، تُعدّ مثالاً حياً وملموساً لما يريده صاحب المناسبة من الفرد المؤمن، الأمر الذي تجسّده بلاغة بعض الشعارات الموظّفة في رفضها ثقافة الخنوع، من مثل: (هيهات منّا الذلة)، (كلّنا حسينيون من الأنبار إلى كربلاء)، (عاشوراء ثورة المظلوم على الظالم)، (من كربلاء الحسين كلّنا أُسود الرافدين)، (الحسين سرّ انتصاراتنا)، إلى الحدّ الذي أصبح فيه الموكب إيقونة شعاريّة تتّصل بماضٍ اتّسم بالرفض لممارسة السلطات المانعة من إحياء عاشوراء، وهو ما يعني في دلالته العميقة فعلاً استلابياً يُقيّد الفرد ويخنق حرّيته ويسحق إرادته، فيمكن قراءة كثافة فعل الجمهور عبر هذه الكثرة اللافتة للنظر في المواكب والشعارات والرايات تفويضاً جماعياً متعدّداً للجمهور منحه هو لنفسه؛ للتعبير عن قوّته ووعيه وحضوره في الحياة، إذ يكرّس الشعار ودلالة رفع الرايات انتصار الإرادة وقدرة الجمهور على القيام بفعلٍ مؤثّر، واستحالة إخضاعه وتحويله إلى آلة بيد السلطات الدنيوية، أو النظر إليه على أنّه خانع عاجز، وقاصر عن تحقيق حياة كريمة.

ومن الواضح ارتكاز هذا النمط من الشعارات إلى جمل شريفة، كالنص الوارد «أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائر»^{^[9]}، الذي كان من شعارات الطف الحسيني، التي حرص الإمام الحسين عليه السلام على إشهاره وتجسيده، بل كان بمثابة «اللائحة السياسية للمنهج الممتدّ، حمله وحكم به مفردات الحياة والدولة، وألزم الأُمّة المشاركة في صنع وتطبيق هذه اللائحة، التي تفرض مفهوم الاستبداد والعبثية بجميع صورها، وأيّاً كان مصدرها»^{^[10]}. وكذلك تنهل شعارات المواكب من الإعلان الكبير للنهضة الحسينية، أو ما يمكن تسميته مجازاً بالبيان الأوّل لها، على الرغم من أنّ الإمام عليه السلام يذكر في مستهلّهِ بما يفيد أنّه وصية، إذ يقول عليه السلام: «هذا ما أوصى به الحسين ابن علي إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عنده، وأنّ الجنة والنار حقّ، وأنّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القبور، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي سلام الله عليها، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام، فمن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ، ومَن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين...»^{^[11]}.

من هنا كان الشعار في دلالته الأُولى ثورة على النفس ونوازعها، وهو يقترن بفعل إحياء شاقّ ومتعب، كالمشي لمسافات طويلة، أو الوقوف نهاراً كاملاً لأكثر من عشرين يوماً بشكل متواصل، إذ تذوب المصلحة الذاتية إزاء الهدف الأسمى، ويتحرّك الجميع في فضاء من التفاني والإيثار، كلّ فرد يسعى لخدمة الآخر وتلبية حاجاته، ويتّجه الجميع نحو هدفٍ واحد، ومحور مركزي شاخص.

وتسعى بعض الشعارات إلى بيان المنهج الحياتي الإصلاحي الذي يتبنّاه الجمهور، ومنها: (أنا حسيني لا أُطلق الرصاص في الهواء)، (أنا حسيني لا أتعامل بالربا)، (أنا حسيني لن أكون مفسداً)؛ فخطابه يدلّل على حسّه الوطني والديني العميق إزاء مظاهر الفساد الموجودة في الحياة، أو التي من الممكن أن تظهر، وهو يسعى إلى معالجتها ومحاربتها، عبر ترجمة أهداف الإصلاح الحسيني إلى واقع عملي، وهو من وجهٍ آخر يُمثّل فعلاً تثقيفياً يمارسه الجمهور، ليؤكّد لنفسه ولغيره أنّه على تماسٍّ كبير ووعي فائق بالقضايا الاجتماعية وبعض مظاهر الفساد الأخلاقي، ويطرحها بأكثر الصيغ وضوحاً، عبر لغةٍ مباشرة تبدأ من الذات باتّجاه المجموع، وتكون وظيفة الشعار التحريض على المشاركة في الفعل الإصلاحي، فضلاً عن وظيفة التنبيه التي استعمل لأجلها الشعار، ويُعدّ هذا الفهم من أندر أشكال التفاعل مع الحياة في نفوس الأفراد من المجتمع؛ إذ إنّ استنباته في النفوس، وتثبيت وجوده وإنمائه أُمور في غاية الصعوبة، تتطلّب مشاريع تثقيفية كبرى، قد لا تحقّق هذه الأهداف بالمستوى نفسه الذي نراه هنا، فالارتباط بالقدوة الحسنة والقيادة المثالية، والتسالم على هذا الارتباط ما بين مئات الأجيال المتلاحقة، أمرٌ لا يحقّقه غير الدين وبتسديد إلهي.

إنّ تفاعلاً للجمهور مع دروس النهضة الحسينية بهذا المستوى، يمكن أن يتمخّض في المستقبل عن تمثُّل أكبر، تجتاز فيه بلاغة الجمهور حدود الشعار التي تحصره بالواقعة، إلى فضاء يفيد منه الجمهور في قراءة الحاضر ومشاكله، وتشخيص مسبّبات هذه المشاكل وتسجيلها بصورة فعلية في ضوء الدروس الكبيرة المستخلصة من النهضة الحسينية، ورفع ذلك شعاراً وتجسيده فعلاً على ساحة العمل.

وهنا نجد أنّ من الممكن العمل على توجيه الشعارات ابتداءً؛ من خلال لجان متخصّصة تصوغ الخطاب الجماهيري بما يربّي لدى الفرد العادي الحس الديني/السياسي؛ ليرفع في مستقبل الأيام شعاره الخاصّ الذي يُصيغه بنفسه، ويختار دلالته ويحدّد هدفه.

بلاغة النموذج في بعض الشعارات

هنا تكاد تغيب الإضافة التلقائية والذاتية من قبل الأفراد في مقابل حرص شديد منهم على استعمال المتعارف عليه من الشعارات المتعلّقة بالنهضة الحسينية، ولا يدلّ تشابه الشعارات وتماثلها، ووحدانية السلوك المتّسم بالإيثار، على خضوع بلاغة الجمهور لموجِّه يسمّيه علم الاجتماع بالإيحاء الاجتماعي؛ وذلك لأنّ الأخير يتضمّن معنى وقوع الفرد تحت تأثير التقليد اللا واعي، وهذا بخلاف واقع الحضور الفاعل والمدرك لأبعاد شعيرة الإحياء الذي يمارسه الجمهور. ولكي يكون التشخيص أكثر دقّة وعلمية، وابتعاداً عن التعميم والمبالغة في الوصف، نقول: إنّ مستويات وعي هذه المفاهيم تتفاوت بلا شكّ؛ نتيجة تفاوت مستويات التفكير والوعي والالتزام الديني، وتباين قوة القيم الثقافية المحرّكة له، وهو أمر طبيعي، غير أنّ هذه البلاغة تجسّد ثقافة نادرة، عجزت عن تحقيقها أكثر المجتمعات الحديثة تطوّراً، هي ثقافة المشاركة واستعداد الجمهور لأن يكون قوّة مؤثرة في صنع الحياة الكريمة التي خرج من أجلها الإمام الحسين عليه السلام.

يمكن إحصاء بعض النماذج من هذه الشعارات، (يا لثارات الحسين)، (يا ثأر الله)، (يا غريب كربلاء)، (يا شهيد)، (يا حسين)، (لبّيك يا حسين)، (لبّيكِ يا زينب)، (لبّيك يا ثأر الله)، (يا صريع كربلاء)، (يا قمر بني هاشم)، (نور عيني يا حسين)، (يا صاحب الزمان)، (السلام على الخد التريب)، (السلام عليك يا قتيل العبرات)، (السلام على ساقي عطاشى كربلا)، (أميري حسين ونِعمَ الأمير)، (الأرض تبكي والسماء وا حسيناه)، (السلام على المظلوم بلا ناصر، الحسين رمز السلام)، (الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)، (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله)...

ويمكن أن نقرأ الوجه الآخر لبلاغة هذا التشابه والتكرار، فقد جسّد نمط من الشعارات روح الحشد الجماعي الذي تذوب فيه الذات وتنصهر، وتؤكد انتماءً روحياً للنهضة، وتجاوزاً للفروقات المختلفة، فتصبح (أنا الذات) أنا الجمهور والجماعة، وهو ما يعني القدرة على تشكّل بنية موحدة، أساسها المبادئ الواحدة، والسعي إلى الحفاظ على ديمومتها. ولعلّنا نقرأ في كثير من شعارات المواكب والأفراد أصداء شعارات الطف التي رفعت ـ قولاً وعملاً ـ يوم المعركة وقبلها، واستمرّت مجسّدة في الركب الحسيني فيما بعد. يريد الجمهور من ذلك تأكيد نبذ الخوف من الطغاة، وتحويله إلى حالة استنفار للطاقات والجهود بشكل فاعل ومؤثر روحياً وجسدياً، ولا شكّ أنّ تحقّق ذلك على النحو الأمثل يتطلب فعلاً تكميلياً لهذا الحراك العفوي والاستجابة التلقائية، وهو الدور الذي يُناط بالبُـنى المؤسساتية المنظّمة من خلال بناء الوعي العلمي بأهداف الحسينية، وإثراء استجابة الجمهور لها.

وتستمدّ بعض هذه النماذج من الشعارات مضمونها من الأحاديث الشريفة الواردة بشأن إحياء ذكر الإمام الحسين عليه السلام، ومن ذلك النص الشريف «لمّا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: يا أبت، متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خالٍ منّي ومنك ومن علي. فاشتد بكاؤها وقالت: يا أبتِ، فمَن يبكي عليه؟ ومَن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبي: يا فاطمة، إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال، وكلّ مَن بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة. يا فاطمة، كلّ عينٍ باكيةٌ يوم القيامة، إلّا عينٌ بكت على مصاب الحسين، فإنّها ضاحكةٌ مستبشرةٌ بنعيم الجنة»^{^[12]}.

من هذه المضامين أنجزت بلاغة الجمهور شعارات انتشرت بشكلٍ واسعٍ جداً، تحرص أغلب المواكب وأكثر الأفراد على رفعها والتفنُّن بإشهارها، ومنها: (والله لا تمحو ذكرنا)، (ولا تُميت وحينا)، (أبد والله يا زهراء ما ننسى حسينا)، (نأتيك زحفاً سيدي يا حسين)، (وددت لو أنّ الطريق لكربلاء من مولدي سيراً لحين مماتي؛ لأُنادي في يوم الحساب تفاخراً أفنيت في حبّ الحسين حياتي)، (يلّه نقصد كربله مشاية)، (حياتي حسين مماتي حسين)، (مشاية تقصدك أنصارك)، (مشاية وفاية للحسين من البحر إلى النحر). على أنّ سمة التماثل هذه لا تقتصر على الشعارات الموظفة من قبل الجمهور فحسب، بل هي ظاهرة نجدها في كثير من المراسم الحسينية، وعلى مستوى دولي، فمِّما يُسهم في تحقّق التفاعل ما بين المنشد والراوي من جهة، وبين الجمهور المتنوّع من جهةٍ أُخرى في التعازي الحسينية هو اختلاف طرائق الإنشاد، ليس في البلد الواحد فحسب، وإنّما في بلدان أُخرى أيضاً، على الرغم من التوحّد الديني؛ وذلك بفعل التأثيرات البيئية، واختلاف السياقات الثقافية الذي ينعكس على تنوّع طبيعة استجابة الجمهور، غير أنّ هذا التنوع لا يعني اختلافاً كبيراً، أو خروجاً عن نسقٍ عامٍّ، حتى وإن اعتمد المنشدون والخطباء منهجاً مبتكراً في تعازيهم^{^[13]}.

يتجاوز الشعار هنا حدود زمنه الذي رُفع فيه ليمتدّ مشروعاً دائمياً، محرضاً على التطبيق، ومنبّهاً قارئه على أهمّية مضامينه، بمعنى أنّه يمارس دوراً مزدوجاً؛ يتجسّد في إلفات النظر وتوجيه الجهود نحو تشخيص الفاسد من الأوضاع والأُمور العامّة، والحض على الشروع في الإصلاح الذي هو جوهر النهضة الحسينية ودرسها الكبير.

الخاتمة

حرصت هذه الدراسة المتواضعة على مقاربة ظاهرة دالّة من ظواهر إحياء النهضة الحسينية في المجتمع العراقي بشكلٍ عامّ، مع عناية بمجتمع مدينة كربلاء بخاصّة؛ لما تشهده هذه المدينة من تجمّع بشري ضخم جداً، تنفرد به مكاناً ومناسبةً وطبيعةَ إحياء، وكان ذلك من خلال ما يمنحه الاتجاه البحثي الجديد في ميدان الدراسات البلاغية الحديثة، وهو بلاغة الجمهور الذي ظهر حديثاً في مصر. ولا تدّعي هذه الصفحات أنّها أغلقت باب الإضافة أو معاودة القراءة لتجلّيات بلاغة الجمهور في هذه الموضوعة، فهي بلا شكّ قراءة أُولى تنفتح على إضافات واقتراحات ممكنة.

لقد امتازت بلاغة الراية الموظفة في إحياء عاشوراء بتحوّلها إلى إيقونة ثورية، ما تكاد أيّام المحرم تبدأ حتى ترفع علامة وإشارة ورسالة، وهي من خلال تعدّد ألوانها وأشكالها تؤدّي دلالات ترتبط بدروس النهضة، وتفصح من جانب آخر عن استجابة جماهيرية خاصّة، لها بلاغتها وأساليبها التعبيرية الدالة، وقد استعانت بلاغة الراية في بعض أشكالها بالصورة أو الإيقونة المرسومة التي لها صلة بواقعة الطف، من خلال وجه من وجوه الواقعة الشريفة.

من جانبٍ آخر، كان للشعار دوره الهامّ في تجسيد بلاغة الجمهور، فهو قد حقق تنوعاً في أنماطه، من خلال التجديد والانفتاح على مستجدات الحياة وظروفها الطارئة، فضلاً عن وظيفته الرئيسة، المتمثّلة بالتوصيل والإقناع، وقد حقّق ذلك في كلّ صوره؛ لأنها حرصت على أن تكون مرتبطة بشخص الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة، ولم تكن الشعارات ـ التي جاءت نمطية متكرّرة ـ خالية من بلاغة دالّة ومقصودة بذاتها، فاستمرار شعارٍ ما في الظهور، والإلحاح على رفعه، والحرص على تبنّيه لا يفرغه من محتواه أو دلالته العميقة، بل يدلّل على أهمّية المضامين، وارتباطه بجوهر القضية، وهو ما جّسدته بعض النماذج من الشعارات. والحمد لله ربِّ العالمين.

[1] عبد اللطيف، عماد، بلاغة الحرية، معارك الخطاب السياسي في زمن الثورة: ص61.

[2][2] خازم، علي، عاشوراء بين الحياة والإحياء: ص84.

[3] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج28، ص57.

[4] الكوفية: نسيج يلبس على الراس تحت العقال، والظاهر أنه لفظ مولد. انظر: قلعجي، محمد، معجم لغة الفقهاء: ص317.

[5] العاملي، محمد بن مكي العاملي، كتاب المزار: ص180.

[6] لعيبي، شاكر، بلاغة اللغة الإيقونية (الصورة بوصفها بلاغة) كتاب الصباح الثقافي: ص13.

[7] وادي، علي شناوة، دراسات في الخطاب الجمالي البصري: ص125.

[8] عماد عبد اللطيف، بلاغة الحرية، معارك الخطاب السياسي في زمن الثورة: ص116.

[9] المتقي الهندي، علي بن حسام، كنز العمّال: ج3 ، ص64.

[10] آل نور، نعمة جابر، النهضة الحسينية والعناصر الحيوية للإبداع والتأثير في الأُمّة، مجلّة الإصلاح الحسيني: العدد5، ص113.

[11] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329.

[12] المصدر السابق: ج44، ص292 ـ293.

[13] اُنظر: أوهان، فاروق، الأبعاد الدرامية في السير الملحمية الدينية، دراسة مقارنة بين الجمعة الحزينة والتعازي الحسينية: ص157.

بلاغة الراية والشعار في المواكب الحسينية دراسة في ضوء بلاغة الجمهور