تمهيد

ينقل لنا التأريخ صوراً وأحداثاً قامت في ماضي الزمان، كان لها أثر في التأريخ كلّه، ففي الجانب المنير من التأريخ علمٌ ينتشر، أو عالمٌ يبزغ، أو مصلحٌ يدعو الناس إلى الهدى؛ وفي الجانب الآخر (المظلم) مُفْسِدٌ يدعو الناس إلى الردى، أو ظالمٌ يُطفئ نوراً، وأما الجانب الثالث فهو يحمل الجانبين المظلم والنيّر معاً، كمعركة حقّ تحدّث، فيها جانب الخير والعدل، وجانب الظلم والبغي والعدوان. وكذلك غيرها من الأحداث المختلفة التي تكفّلت كتبُ التأريخ بنقلها للأجيال.

ومن هذه الأحداث التاريخية ما يأخذ بُعداً عالمياً وكونياً؛ ليُحدث هزّة في دنيا الوجود، فلا يموت هذا الحدث، بل تبقى جذوته مستعرةً يوماً بعد يومٍ، يفيد من هذه الجذوة كلّ طالبٍ للحقيقة سواء أكان عالماً أم جاهلاً، كبيراً كان أم صغيراً، متخصّصاً كان أم غير متخصّص، ذكراً كان أم أنثى؛ فهو حدثٌ للجميع، يأخذ منه الناس كلُّهم بمختلف طبقاتهم وقوميّاتهم وألوانهم وألسنتهم، فهو حدثٌ بمستوى الكون.

ولا أحسب أنّ هناك حدثاً له هذه الجذوة التأريخية الكبيرة بمقدار النهضة التي قام بها الإمام الحسين(عليه السلام) في الطفّ، هذه الواقعة التي حصلت فيها مواجهة بين مَن يجسّد الإسلام بدمه ونفسه وأهل بيته وأصحابه، وبين مَن يدّعي حمل الإسلام، وهو يكتفي بقول منه؛ لكي يحصل على نصيب في الدنيا.

خصائص النهضة الحسينية

إنّ النهضة الحسينية بما مثّلته من مواجهة حقيقية بين الحقّ والباطل، وبين الصدق والكذب، سوف تكون عامل قوّة وحيوية للمطّلع عليها، وستبقى حيَّةً لا تموت أبداً، تتجدّد مع توالي الأيّام، ولعلّ هذه النقطة هي من أظهر ما يميّز هذه النهضة المباركة؛ ولذا خاطبت السيّدة زينب(عليها السلام) ابن أخيها الإمام السجّاد(عليه السلام) بعد استشهاد أبيه(عليه السلام) قائلة له: «لا يُجزعنّك ما ترى؛ فوالله أنّ ذلك لعهدٌ من رسول الله(صلى الله عليه واله) إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أُناسٍ من هذه الأُمّة... أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيُوارونها، وهذه الجسوم المضرّجة، وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يُدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كُرور اللّيالي والأيّام...»[1].

وها نحن اليوم بعد أربعة عشر قرناً من شهادة الإمام الحسين(عليه السلام)، نرى الحبّ والعشق والاتّباع للإمام الحسين(عليه السلام) يزداد في قلوب الموالين، بل وحتى غير الموالين من الديانات الأُخرى، واللّغات الأُخرى، ولا يُذْكر الإمامُ الحسين(عليه السلام) على لسانٍ إلّا وجرت له الدموع بحرارة.

ومن الأُمور التي تميّزت بها هذه النهضة المباركة، أنّها كانت تريد إرجاع الروح للإسلام بعدما عمل معاوية وبنو أُميّة على إرجاع الناس إلى جاهليتهم، وغيّروا صورة الإسلام من النقاء والطهر والإنسانية إلى التسلّط والإثرة والعنف والوحشية، فكان لا بدّ من وقفة تُعيد الجذوة الأُولى للإسلام التي عمل بها رسول الله(صلى الله عليه واله) وانتشر بها الإسلام.

كما تميّزت هذه النهضة كذلك بأسلوب إعلامي منظّم منذُ اليوم الأوّل لحركتها من المدينة إلى مكّة، ثمّ إلى كربلاء، وبعد استشهاد قائدها استمرّ هذا الجانب الإعلامي في مسيرة السبايا إلى الكوفة، والشام، والمدينة. فقد امتازت بالتخطيط المسبق من قائدها؛ ليجعلها صوتاً ناطقاً محرّكاً، ولم يردها أن تكون منحصـرة في جانب صغير، فقد أراد(عليه السلام) إحداث نقلة جوهرية في محيطه ومجتمعه تصل إلى العالم أجمع، وعلى طول حركة التأريخ[2].

ولذا فلم يكن حمل الإمام الحسين(عليه السلام) لتلك العائلة المباركة اعتباطاً، بل كان لهدف إلهي قد خطّط(عليه السلام) من أجله؛ ولذا حين سُئل عن حمل العائلة أجاب قائلاً: «إنّ الله قد شاء أنْ يراهُنّ سبايا»[3]، وهذه المشيئة الإلهية التي خطّط لها الإمام(عليه السلام) كانت من أجل إظهار الحقّ على أطهر ألسنة تبقى على وجه المعمورة؛ لتهزّ الكيان الظالم، وتُعيد إلى الإسلام الّذي يُراد اجتثاث جذوره الحيوية الفاعلة[4].

دور أهل البيت(عليهم السلام) في بقاء النهضة الحسينية

لقد كان للأئمّة المعصومين(عليهم السلام) دورٌ واضحٌ في الحثّ على إحياء ذكرى سيّد الشهداء(عليه السلام) في كلّ عام، بل في كلّ أمر يذكِّر بالحسين(عليه السلام) كشرب الماء؛ حتّى وردت في ذلك مختلف الروايات، وعلى مختلف الصُّعد:

1ـ الزيارة: عن يونس بن عبد الرحمن، عن حنان، عن أبيه، قال: «قال أبو عبد الله(عليه السلام): يا سدير، تزور قبر الحسين(عليه السلام) في كلّ يومٍ؟ قلت: جُعلت فداك، لا. قال: فما أجفاكم! قال: فتزورونه في كلّ جمعة؟ قلت: لا. قال: فتزورونه في كلّ شهر؟ قلت: لا. قال: فتزورونه في كلّ سنة؟ قلت: قد يكون ذلك. قال: يا سدير، ما أجفاكم للحسين(عليه السلام)، أَما علمت أنّ لله(عز وجل) ألفي ألف ملك شعثٍ غبرٍ، يبكون، ويزورون لا يفترون؛ وما عليك يا سدير أنْ تزور قبر الحسين(عليه السلام) في كلّ جمعةٍ خمس مرّاتٍ، وفي كلّ يومٍ مرّةً؟ قلت: جُعلت فداك، إنّ بيننا وبينه فراسخ كثيرة. فقال لي: اصعد فوق سطحك، ثُمّ تلتفت يمنةً ويسرةً، ثُمّ ترفع رأسك إلى السماء، ثُمّ تنحو نحو القبر، وتقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته؛ تُكتب لك بذلك زورة، والزورة حجّة وعمرة»[5].

2ـ إقامة المجالس: عن علي بن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبيه، قال: «قال الرضا(عليه السلام): مَن تذكّر مصابنا وبكى لِما ارتُكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومَن ذُكّر بمصابنا، فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومَن جلس مجلساً يُحيا فيه أمرنا لم يمتْ قلبه يوم تموت القلوب»[6].

3ـ الجزع والبكاء: قال الإمام الصادق(عليه السلام): «كلّ الجزع والبكاء مكروهٌ سوى الجزع والبكاء على الحسين(عليه السلام)»[7].

وبناءً على ما تقدّم كان الأئمّة(عليهم السلام) يحثّون على إحياء هذه المآتم، مراعين في ذلك الأُسلوب الجمعي الجماهيري في إحيائها؛ لإعطائها جانباً إعلامياً محفّزاً للآخرين.

إعلامية الخطابة الحسينية

من أهمّ الجوانب الإعلامية التي استُعملت لإحياء الثورة الحسينية هو أُسلوب الخطابة الحسينية، وهو من أوضح السبل الإعلامية المتّبعة لإحياء هذه الفاجعة الأليمة، منذُ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وإلى يومنا الحاضر.

إنّ أصل وجود الخطابة هو من أجل إيجاد الدافع الإعلامي الجماهيري مورد ما، فإذا أتينا إلى الأصل اللُّغوي الذي جاءت منه هذه المفردة فهو يدلُّ على الحضور والتكلّم في قبال فرد أو أفراد[8]؛ وأمّا اصطلاحاً فالخطابة «هي فنُّ مشافهة الجمهور وإقناعه واستمالته»[9]، والملاحظ في التعريفين اللّغوي والاصطلاحي هو الجانب الإعلامي من حيث وجود الجماعة والجمهور، أي: أكبر عدد ممكن، والهدف منها هو إقناعه واستمالته نحو الفكرة التي يُريد الخطيب أن يوصله إليها ويقنعه بها.

وإذا خصّصنا الخطابة بالحسين(عليه السلام)، فلا بدّ أن نعطي هذا الإمام العظيم حقّه ولا نظلمه، وذلك بأن نوضّح الحقائق الإلهية التي كان(عليه السلام) يسعى إليها، ويحاول أن يفعّلها في المجتمع، لكي يُحيي الإسلام، وقد بذل لها كلّ شيء حتّى استُشهد في رمضاء كربلاء؛ وحينئذٍ ستؤدّي الخطابة دورها الفاعل الذي يريده المعصومون(عليهم السلام) من خلال هذا الإحياء، وتكون وسيلة مفيدة في مقام بناء الشخصية الإسلامية، وتربية أجيال واعية[10].

ولو رجعنا إلى تأريخية الخطابة الحسينية لوجدناها بدأت منذُ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، حين وصل ركب السبايا إلى الكوفة؛ إذ استثمر أهل بيت الحسين(عليه السلام) الفرصة إعلامياً لبيان الحقيقة للناس، فخطب الإمام السجاد(عليه السلام) في الناس، وخطبت زينب الحوراء(عليها السلام) فيهم، وكذلك غيرهما من بنات الرسالة، خطبنَ بما أُخرست به الألسن.

خطبة السيّدة زينب(عليها السلام) في الكوفة

وبحثنا هنا يستهدف إظهار المعالم الرئيسة لخطبة السيّدة زينب(عليها السلام) في الكوفة؛ لأنّها أوّل خطبة حول الإمام الحسين(عليه السلام) وثورته، قد خرجت ممّن عرفت الحسين(عليه السلام) حقّ معرفته، وعرفت أهدافه، وأسراره الإلهية، مَن التي تربّت وعاشت في بيت النبوّة، وتميّزت بـكونها «لسان دار ببلاغة نهج البلاغة، وفكر تشبّع بحكمة أمير الكلمة الحقّة، وتدبّر آيات القرآن بالذّوق والإلهام، المتبصّر بلغته الفريدة، وإلمامه بوجوه الخطاب والحنكة في سياسة المنطق»[11]، وهي بهذا من أفضل مَن يؤدّي هذه الوظيفة الإعلامية حقّها بما يريده أهل البيت(عليهم السلام) من هذا الإحياء.

وسبب إظهار معالم هذه الخطبة؛ لكي يكون الأُسلوب الخطابي الزينبي ـ الذي هو امتداد لمدرسة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ مثالاً يقتدي به الخطباء الحسينيون في خطبهم؛ لأنّ هذا الأُسلوب هو الأُسلوب الأمثل في المعالجة الخطابية للقضية الحسينية.

وهذه الخطبة القيّمة علاوةً على ما تقدّم تحمل الصدق الإيماني، والحرارة الملتهبة، والقوّة الرصينة، والبلاغة العالية، ولا يخفى ما فيها من عاطفة جيّاشة، وهي تصاحب تلك المصيبة الكبرى، فهذه الأُمور كلّها وغيرها أعطتها هذه الأهميّة الكبيرة.

ولأهميّة الخطبة ولكونها محلّ البحث نوردها كلّها كما رُويت مع شرح لغوي لبعض مفرداتها في الهامش.

روى الخوارزمي عن بشير بن حذيم الأسدي، قال: «نظرتُ إلى زينب بنت عليّ يومئذٍ، ولم أرَ خفرةً قطّ أنطق منها، كأنّما تنطق عن لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وتُفرغ عنه، أومأت إلى الناس أن اسكتوا! فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس، فقالت: الحمد لله، والصلاة على أبي محمّد رسول الله، وعلى آله الطيبين الأخيار آل الله.

وبعدُ؛ يا أهل الكوفة! ويا أهل الختل، والخذل، والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة[12]، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثاً، أَتتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم، أَلا وهل فيكم إلّا الصلفُ[13]، والطنفُ[14]، والشنف[15]، والنطف[16]، وملق[17] الإماء، وغمزُ [18] الأعداء، أو كمرعى على دمنةٍ[19]، أو كقصّةٍ[20] على ملحودةٍ[21]! أَلا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون. أَتبكون وتنتحبون؟ إيْ والله، فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً؛ فلقد ذهبتم بعارها وشنارها[22]، ولن ترحضوها[23] بغسلٍ بعدها أبداً.

وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم[24]، ومدره[25] ألسنتكم؟! أَلا ساء ما تزرون، وبُعداً لكم وسحقاً! فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسـرت الصفقة، وبؤتم بغضبٍ من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة.

ويلكم، يا أهل الكوفة! أَتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله(صلى الله عليه واله) فريتم؟ وأيّ دمٍ له سفكتم؟ وأيّ كريمةٍ[26] له أبرزتم؟ وأيّ حريمٍ[27] له أصبتم؟ وأيّ حُرمةٍ[28] له انتهكتم؟ (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا)[29].

إنّ ما جئتم بها لصلعاء[30]، عنقاء[31]، سوءاء[32]، فقماء[33]، خرقاء[34]، شوهاء[35]، كطلاع[36] الأرض، وملاء [37] السماء.

أفعجبتم أن قطرت السماء دماً؟! ولعذاب الآخرة أشدّ وأخزى، وأنتم لا تنصرون. فلا يستخفنّكم المهل؛ فإنّه(عز وجل) لا يحفزه البِدارُ، ولا يخاف فوت الثار. كلا، إنّ ربّكم لبالمرصاد، فترقّبوا أوّل النحل[38]، وآخر صاد[39].

قال بشير: فوالله، لقد رأيتُ الناس يومئذٍ حيارى، كأنّهم كانوا سُكارى، يبكون ويحزنون، ويتفجّعون ويتأسّفون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم»[40].

خصائص الخطبة ومزاياها

إذا دقّقنا النظر في بنية هذه الخطبة العصماء خرجنا بنقاط عدّة امتازت بها:

أوّلاً: القوّة الخطابية لدى عقيلة بني هاشم(عليها السلام)، وهذا الأمر يظهر واضحاً من قول الراوي في بداية الخطبة: «إذ ارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس»، وأثناء الخطبة يرتفع البكاء والنحيب من الجمهور كما هو واضح من كلامها(عليها السلام)، وهذا يدلّ على مدى التأثير العالي الذي أحدثته الخطبة في نفوسهم، والتفاعل والانشداد الموجود بين الخطيب والمتلقّي. يظهر أيضاً من وصف الراوي بعد انتهاء الخطبة، لحالهم بالحيرة وقوله: (كأنّهم سكارى يبكون ويحزنون، ويفجعون ويتأسّفون)، فإنّ هول المصاب وشدّة وقع الخطبة عليهم جعلهم لا يدرون ما يفعلون، أمّا الحوراء(عليها السلام) وإن كان المصابُ مصابَها، والفجيعةُ فجيعتَها إلّا أنّ قوّتها الخطابيّة ـ وهي منبثقة من قوّتها النفسية المستمدّة من إيمانها بالله تعالى إيماناً حقيقيّاً ـ سيطرت على جميع قواهم، حتّى جعلتهم في حالة نفسية صعبة تصل إلى الانهيار النفسي.

وممّا يؤكّد هذه القوّة الألفاظُ والصيغ والتراكيب العالية في بنائها ومضمونها؛ إذ لا يستطيع أيّ خطيبٍ أن يأتي بها إلّا حين تمكّنه من زمام اللّغة، وهذا إذا نظرنا إلى حال زينب الحوراء(عليها السلام)، وهي فاقدة لإخوتها وبنيها وأحبّتها، وهي في حال السبي والأسر، والأغلال في يديها، وهي واقفة بين أيدي العتاة المجرمين.

ومن هذا نعرف أنّ على الخطيب أن يكون واثقاً من نفسه، جريئاً في قوله، صلباً في موقفه، لا تفقده العاطفةُ القوّة، بل تكسبه الحيوية ويمزجها بفكرته؛ ليجعل الجمهور متفاعلاً معه، ومن هنا لا بدّ أن يعرف نقاط القوّة والضعف عند الجمهور ويحرّكها فيه؛ لكي يكسب قلوبهم وعواطفهم، ومتى كَسَبَ الخطيبُ القلبَ ملك العقلَ، وأثّر فيه، وترك بصماته عليه، وحينئذٍ تؤدّي الخطابة أثرها، وتعمل على تغيير المتلقّي بما يهدف إليه الخطيب، وهنا يتحقّق تعريف الخطابة بكونها أُسلوب إقناع.

ثانياً: الأُسلوب الخطابي المثالي؛ لقد جاءت الخطبة بأُسلوبها المثالي المتبّع عند العرب في الإسلام مبتدئة بحمد الله والصلاة على رسوله وآله، ثمّ الانتقال إلى كلمة (وبعدُ) أو (وأمّا بعدُ)، وهذه العبارة ترد في بدايات خُطب العرب، فقد أُثِرَ عن سحبان ـ الذي يُضرب به المثل في الخطابة ـ قوله: [من الطويل][41]

لقد عَلِمَ الحيُّ اليمانونَ أنّني

إذا قلْتُ (أمّا بعدُ) أنّي خطيبها(1)

فالواضح من هذا البيت أنّ هذه الجملة تفتتح بها الخطبة بعد الحمد والثناء؛ ومن ثَمَّ بدأت زينب الحوراء(عليها السلام) بنداء الحاضرين، وقد كرّرت النداء لاحقاً لكي تعيد إلى الأذهان الانتباه إلى الخطبة، هذا مع الانتقال بين الأساليب بين نداء واستفهام وخبر، إلى أن أنهت الخطبة، والمتلقّي شاعرٌ بنهايتها غير محتاج إلى مزيد، وقد كانت الخطبة معتدلة في طولها، فلم تكن قصيرة مخلّة ولا طويلة مملّة، بل كانت مستوفيةً للمكان والزمان والموقف.

ونستفيد من هذه النقطة بأنّ على الخطيب أن يلتزم بالأُسلوب الأمثل المتّبع في الخطابة في عصـره، وأن يكون ملائماً للنهضة الحسينية، فلا يكون شاذّاً، ولا غريباً، بل يكتسب من التراث نقاط القوّة، ويعمل على إضافتها، ويواكب عصره مواكبة ممنهجةً لا تخالف التراث، ولا تخرج عن الذوق العام، ولا تحيد عن الأُسلوب الحسيني في الخطاب، فلا يجدّد تجديداً مفاجئاً يرفضه المتلقّي، بل يبثّ ما يريد تجديده وتغييره أثناء الكلام محافظاً على الأُسلوب الأمثل، ولا بدّ له أن لا ينسى المكان الذي هو فيه، فلكلّ مكان أُسلوب خاصّ لا يلائم غيره.

وفي الوقت نفسه لا بدّ له ألّا يطيل فيملّ، ولا يوجز فيخلّ، بل يكون كلامه فصلاً لا نذر ولا هذر، يكتفي من القول بما يفيد المتلقّي، ويتسلسل معه في الأفكار والرؤى حتّى يوصله إلى النهاية.

ثالثاً: كان الاستشهاد بالقرآن الكريم حاضراً في جميع الخطبة من بدايتها إلى نهايتها، والألفاظ والأساليب القرآنية هي الحاكمة في النص، فقد اقتبست في خطبتها آيتين بالنص كما هو واضح في الخطبة، وخمس مرّات أوردت الأساليب والألفاظ القرآنية في أثناء الخطبة، وذلك كما في قولها:

1ـ «أَلا ساءَ ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون»، وقد استوحته من قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)[42].

2ـ «فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً»، وقد استوحته من قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)[43].

3ـ «وبُؤتم بغضبٍ من الله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة»، وقد استوحته من قوله تعالى: (...وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ...)[44].

4ـ «ولعذاب الآخرة أشدّ وأخزى، وأنتم لا تُنصرون»، وقد استوحته من قوله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ)[45].

5ـ «إنّ ربّكم لبالمرصاد»، وقد استوحته من قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)[46].

إضافةً إلى الإشارة في آخر الخطبة إلى بداية سورة النحل وآخر سورة ص.

ومن خلال هذا الاستشهاد القرآني نعرف أنّ السيّدة زينب(عليها السلام) عاشت مع القرآن، فامتزج القرآن بروحها وقلبها وضميرها، وهي متعمّقة في النصّ القرآني بشكله، وألفاظه، وتراكيبه، ودلالاته، ومن خلال هذا التعمّق فيه استطاعت توظيف الصياغات والأساليب القرآنية في الخطبة، فكان الأُسلوب القرآني يجري على لسانها كشلّال متدفّق من أعالي الجبال؛ بسلامة طبع، وبلاغة تعبير، وعمق معانٍ، وشمول جامع مانع لكلّ مقتضيات الحال، وهذا يؤيّد ما نقله الشيخ جعفر النقدي عن بعض كُتّاب السير أنّها(عليها السلام): «كان لها مجلس في بيتها أيّام إقامة أبيها(عليه السلام) في الكوفة، وكانت تفسـّر القرآن للنساء»[47]. ولا عجب من هذا، فقد نزل القرآن في البيت الذي تربّت فيه، فتشرّبت بالقرآن، وانصهرت روحها فيه.

والاقتباس القرآني الذي استعملته زينب الحوراء(عليها السلام)، هو أحد فنون البلاغة العربية، وله «أهميّة مشهودة في السمو بأساليب المقتبسين ورفعة فنون قولهم؛ لأنّ المقتبس من القرآن الكريم الذي هو أعلى رتبة من البلاغة... يزيد قدر ثمار قريحته، ويزيّنها بأجمل العبارات وأبلغ الصياغات»[48].

ومن هنا؛ فعلى الخطيب أن يجعل ثقافته تدور في رحاب القرآن، وينتقي الألفاظ القرآنية؛ ليعطي القوّة والفاعلية لنصه، فضلاً عمّا في النصوص القرآنية من فاعلية حركية في الوجدان الإنساني تدفعه إلى السير في النهج الأقوم، الذي أراده الله سبحانه وتعالى وبيّنه من خلال كتابه الكريم الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[49]؛ وفوق هذا كلّه فإنّ ربط الكلام بالقرآن يعمّق من صلة الجمهور بهذا الكتاب العظيم، فهو انطلاقة من القرآن وعودة إلى القرآن، ومتى ما التزمنا القرآن منهجاً في الفعل والقول تغيّر حالنا بما تهدف إليه النهضة الحسينية المباركة.

رابعاً: كانت زينب الحوراء(عليها السلام) مبيّنة لمنزلة أهل البيت(عليهم السلام)، فقد ابتدأت كلامها بالصلاة على (أبيها) رسول الله(صلى الله عليه واله)، فبيّنت الانتماء النسبي إلى الرسول المصطفى، ثمّ صلّت على آله الطيّبين الأخيار وهم (آل الله)، وهي بهذا بيّنت عظم الجريمة التي ارتكبها النظام القائم بقتلهم الطيّبين الأخيار آل الله من ذريّة رسول الله(صلى الله عليه واله)، وقد بيّنت منزلة الحسين الشهيد(عليه السلام) بالنسبة للأُمّة؛ فهو فضلاً عن كونه ابن رسول الله(صلى الله عليه واله) الوحيد آنذاك، فهو سيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتهم، ومفزع نازلتهم، ومنار حجتهم، ومدره ألسنتهم؛ وفي هذا تقريع وتأنيب لهم على ما اقترفوه من ذنب لا يُغفر لهم، قد بكت عليه السماء والأرض دماً، حتّى أنّ «السماء اسودّت اسوداداً عظيماً حتّى رؤيت النجوم نهاراً، ولم يرفع حجر إلّا وُجِدَ تحته دمٌ عبيطٌ»[50].

ومن هذه النقطة لا بدّ للخطيب أن يعرّف الناس بأهل البيت(عليهم السلام)، في جوانبهم كلّها ومن خلال أحاديثهم، ومن أهمّ الجوانب هي علاقتهم بالله تعالى؛ إذ إنّ مصدر قوّتهم، وسبب عظمتهم هو علاقتهم بالله تعالى، تلك العلاقة التي استحوذت على كلّ كيانهم، فغدوا متخلّقين بخلق الله، لا يراهم الرائي حتّى يذكر الله تعالى، وكانت مجرد رؤيتهم تحمل الناس على كلمة التوحيد[51]؛ وإذا عرف المخاطَب هذا الجانب الرئيس المكوّن لشخصية أهل البيت(عليهم السلام) والجوانب الأُخرى، تمسّك بهم تمسّكَ «عقيدةٍ راسخةٍ، وأعمال صحيحة بنيّةٍ خالصةٍ، وقلب طاهر سليم، وأخلاق فاضلة، التي هي روح الدين، وجوهر الإسلام، والتي طفح بها الكتاب والسنّة»[52].

ومن الجوانب الأُخرى المتعلّقة بأهل البيت(عليهم السلام) التعريف بدورهم وأثرهم في حياة الإنسان، وكيف يؤدّي الالتزام بنهجهم إلى النجاة في الآخرة، وماهيّة هذا المنهج الإلهي، وحجم الخسران الذي يؤدّي إليه ابتعاد الموالي عنه.

خامساً: تعدّد الألفاظ والصياغات والتراكيب وتنوعّها، مع فصاحتها وكونها من لسان العرب، ممّا يدلُّ على المنزلة العلمية والأدبية لها(عليها السلام)، فهذا الكمُّ من المفردات المتنوّعة والصياغات المختلفة والاستشهاد بالقرآن لا يستطيع أيّ خطيب أن يلمّ به إلّا إذا كان موسوعياً جامعاً للمعارف والعلوم، وهذا يذكّرنا بقول الإمام زين العابدين(عليه السلام) لعمّته الحوراء زينب(عليها السلام): «وأنتِ بحمد الله عالمةٌ غير مُعلّمة، فهمة غير مُفهّمة»[53].

ومع هذا التعدّد في الألفاظ إلّا أنّها تتميّز بدقّة استعمالها، فهي(عليها السلام) عندما قالت: «فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة» جاءت بالدمعة والرنّة مفردتين، وكان باستطاعتها أن تقول: (فلا رقأت الدموع ولا هدأت الرنّات)، ولكنّها بقولها هذا زادت التقريع والتأنيب عليهم، ودعت عليهم ألّا تجفّ دمعة واحدة منهم، ولا تهدأ لهم صيحة واحدة، بل تزداد وتستمر، ولو قالتها جمعاً لم يكن لها الوقع الذي هو عليه بهذه الصورة؛ وحينما قالت: «تبّتِ الأيدي»، فهي، أشارت إلى اجتماع القوم على خذلان الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا ما نلمسه من قولها: «فريتم، أبرزتم، سفكتم، انتهكتم...» فهي تتكلّم بصيغة الجمع؛ لتبيّن أنّ المتخاذلين عن القتال مع الإمام الحسين هم مشتركون مع ابن زياد وشمر وابن سعد في الجريمة.

ومن هذه المزيّة نفيد أنّ الخطيب يراعي آلية استعمال الألفاظ بدقّة؛ لكي يوصل مراده من خلال ألفاظ صحيحة، فيطابق لفظه المعنى الذي يقصده، ولا يكون لفظه غير دالّ على معناه، فيفهم منه المتلقّي غير ما يقصد، بل يكون معناه ملء لفظه.

ومن ناحية أُخرى لا بدّ أن يُشْعِرَ الخطيبُ المخاطبَ بالوجهة الصحيحة التي
لا بدّ له أن يكون فيها، وكيف يمارس دوره في المجتمع، وما هو المطلوب منه، وكيف يكون الإنسان عاملاً على تصحيح خطّ المجتمع، ولا يكون عاملاً سلبياً فيه، بل عامل إيجابي ينتفع به مَن يراه ويسمع قوله، وتُذكّره بالله رؤيته. وهذا كلّه يتبع الأُسلوب في الخطاب، والأُسلوب هو وليد المكان والزمان والحدث والمخاطَب؛ فإنّ السيّدة زينب(عليها السلام) حينما استعملت الأُسلوب التقريعي كان مناسباً مع واقع المخاطَب، ومع الزمان والمكان وقرب وقوع الحدث وتقصير الأُمّة؛ ولذا أدّى فعله. أمّا في موطن آخر فقد لا ينفع هذا الأُسلوب، بل يكون منفّراً للسامع؛ إذ ظروف الخطابة تملي على الخطيب أن يتّبع أُسلوب التذكير والنصح، أو غيرها ممّا يراه مناسباً بعد دراسته لتلك الظروف الموضوعية.

سادساً: الفنون البلاغية العالية والمتنوّعة في أرجاء الخطبة ممّا لا يأتي به إلّا كبارُ أُدباء البيان والمعاني والبديع؛ فهي(عليها السلام) على نهج أبيها في خطبه، تفيض بلاغة وأدباً جمّاً؛ فقد تنوّعت الأغراض البلاغية على لسانها بكلّ يسـر. واستكمالاً لهذا البحث أُعرض هنا بعض الأمثلة البيانية في هذه الخطبة.

الأمثلة البيانية في الخطبة

كلامنا هنا عن جزء من بلاغة زينب الحوراء(عليها السلام) في هذه الخطبة، وبلاغتها هي سمة بارزة فيها، فقد امتازت ببلاغة عالية رفيعة المستوى، فكلامها «يشبه إلى حدٍّ بعيد كلام السيّدة فاطمة(عليها السلام) من حيث جزالته، وقوّة أسره، وشدّة وقعه»[54].

وكانت(عليها السلام) تتفوّه بكلامها بانسيابية كاملة من دون تكلّف ولا مبالغة ولا عَيٍّ؛ تتفجّر البلاغةُ من جوانب كلامها تفجّراً؛ لأنّ البلاغة الكامنة في كلامها أصبحت ملكةً راسخةً عندها ورثتها من جدّها وأبيها وأُمّها وإخوتها، وحسبها بأبيها(عليه السلام)؛ «إذ كان أمير المؤمنين(عليه السلام) مَشْرَعَ الفصاحة وموردَها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه(عليه السلام) ظهر مكنونها، وعنه أُخِذَتْ قوانينها، وعلى أمثلته حذا كلُّ قائلٍ خطيب، وبكلامه استعان كلّ واعظٍ بليغ»[55]؛ فكلامه دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين، وقد استمدّت الحوراء(عليها السلام) ذلك منه، فكانت «تتلاعب في قلوب سامعيها، وأُسلوبها يشبه إلى حدٍّ بعيد أُسلوب والدها عليّ بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، وكأنّ البلاغةَ إرثٌ تحدّر إليها مع الدم»[56].

ولذلك بعد أن ألقت خطبتها وقف الناس حيارى من كلامها الذي أشبه كلام أبيها حُسناً، وذكّرت الناس بخطبه(عليه السلام) بلاغةً وعلماً وأدباً وأُسلوباً، ممّا كمّم الأفواه، وأدهش العقول، وأخرس الألسنة، وأجرى الدموع؛ لذلك انبرى اللعين ابن زياد قائلاً: «هذه سجّاعة، ولعمري، لقد كان أبوها سجّاعاً شاعراً. فقالت [(عليها السلام)]
ما للمرأة والسجاعة؟! إنّ لي عن السجاعة لَشغلاً، ولكن نفث صدري بما قلت»[57].

ولعمري، إن كانت خطبتها تلك مجرّد نفثة[58]، فماذا كنّا سنسمع لو كانت غيرها؟! ماذا كنّا سنسمع لو حلّقت في فضاء العلم والمعرفة والأدب؟! تنهل من معين الإسلام من آلها الأطهار، مذكّرة بالله، ومعلّمة لأحكام الإسلام، وداعية إلى الأُسلوب الأمثل في الأخلاق، ولعلّ ذاك كائن في بعض المجالس الخاصّة التي لم ينقلها التأريخ؛ أقول: لو وصلنا من ذاك شيئاً لوصلتنا بلاغة أرقى، وخُطَبَاً أسمى، ولقرأنا أدباً يقف بإجلال أمامه الأدباءُ والبلغاءُ، كما وقفوا بإجلال أمام خطبتها في مجلس ابن زياد، وقد وصف المبرّد (285هـ) خطبتها(عليها السلام) حين دخلت على ابن زياد قائلاً: «وكانت أسنَّ مَن حُمل إليه منهنّ، وقد كلّمته، فأفصحت وأبلغت، وأخذت من الحجّة»[59].

وفي هذه الخطبة مواضع بلاغية جميلة تدهش السامع والقارئ وتأخذ بلُبّه، نأخذ هنا بعضاً منها باختصار، فلا نستطيع أن نفي بحقّها كلّها:

1ـ قولها(عليها السلام): «كمرعى على دمنةٍ، أو كقصّةٍ على ملحودةٍ».

في هذا الموضع شبّهت موقف أهل الكوفة في حالهم التي هم عليها عند مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، بصورة مرعى على دمن، وصورة جصّ موضوع على لحد، واستثمرت هاتين الصورتين لتوصل من خلالها أنّ حال هؤلاء في انتسابهم إلى الدين والأخذ منه، ما هو إلّا كمرعى على دمن، فإذا كان المنبتُ وبيلاً فلا بدّ على الإنسان أن لا يغترّ بالمظهر؛ لأنّ الأساس هو المنبت، وما لم يكن طيّباً فلا يؤتي ثمراً صالحاً؛ وكذلك لا فائدة من جص يوضع فوق قبر أو لحد، فلا فائدة مرجاة من شيء جميل أو شيء نفيس يوضع على مكان لا نفع من ورائه، فما نفع اللّحد بالجصّ، وكذلك ما فائدة المرعى الذي يكون فوق أكوام من النفايات، فإنّ منبته وبيء، وكذلك حال أهل الكوفة؛ فإنّهم لم يطهّروا ضمائرهم من الغلّ، والحسد، والحقد، والدغل؛ فباتت نفوسهم منابت وبيئة قذرة، أمّا ظاهرهم فكان جميلاً يخدع الناظر إليه؛ وذلك لأنّه يراهم قوم دين، وهم يرتدون الدين جلباباً لأجل منافعهم، ويأخذون منه بمقدار ما يخدم مصالحهم، «إنّ الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون»[60]، فإذا وصل وقت المال، والجاه، والثروة، وطاعة السلطان الظالم لنيل رضاه، فلا حاجة لهم بالدين؛ لأنّ «هؤلاء القوم يتمظهرون للدين، ولا يفقهون منه شيئاً، فلا يملكون إلّا ألسن النفاق المزيّنة للأشياء بزينة الشيطان بالضدّ من باطنهم المريض بالأضغان، والحقد المشابه للدمنة والملحودة التي يسودها البياض من الخارج إلّا أنّ داخلها (جيفة)، فمنحت الصورة التشبيهية إيضاحاً للمعنى، وتثبيتاً له، وتعميقاً للنظر في معانيه ورفعها، وتضعيف قواها في تحريك النفوس، واستمالة القلوب»[61].

وكانت السيّدة زينب(عليها السلام) في تشبيهها هذا قد قارنت بين صورتين، بين عطاء وإتلاف، وبين جمال وقبح، وبيّنت أنّ هاتين الصورتين لا يمكن أن تجتمعا معاً، فإمّا أن يكون الإنسان كلّه جميلاً، أو يكون كلّه قبيحاً؛ أمّا أن يحاول أن يجمع بينهما، فلا بدّ أن يأتي اليوم الذي يظهر فيه على حقيقته. وقد بيّنت(عليها السلام) هذا المعنى من خلال إشارتها إلى فائدة المرعى الحقيقيّة لو كانت نافعة، وكذلك إشارتها إلى الجصّ؛ فـ«إذاً أشار المرعى إلى قوّة‏ الخير والعطاء التي كان يمكن أن يمثّلها الكوفيّون لو وقفوا الموقف السليم، [و] أشارت الدمنة ‏إلى قوّة الإتلاف والتخريب التي حوّلت ذلك المرعى من مصدر للخير إلى نفاية مؤذية...»[62].

2ـ قولها (عليها السلام): «وفي العذاب أنتم خالدون».

ذكرت(عليها السلام) هنا العذاب، والخلود فيه، وهذا النصّ هو اقتباس قرآني جميل كما تقدّم، فضلاً عن كونه يحمل معنى مجازيّاً، فهي أرادت هنا الخلود في النار، وقالت: (في العذاب)، أي: ذكرت الحال، وهي تريد المحلّ، وهذا هو مصداق العلاقة الحالية في المجاز المرسل.

وقد نستطيع تأويل النصّ بشكل آخر، فإنّ العذاب الحقيقي هو عذاب النار في يوم القيامة، إلّا أنّ هناك عذاباً في الدنيا سيعانونه، هذا العذاب هو العذاب النفسي، والشعور بفظاعة الأمر، والشعور بالتقصير الدائم.

وقد أكّدت هذا الأمر باستعمالها الجملة الاسمية التي أثبتت الأمر، أي: لا مفرّ هناك لهم إلّا الخلود في العذاب؛ لأنّهم لا يستطيعون أن يغسلوا العار الذي لحق بهم بقتلهم ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه واله)؛ فمقتل الإمام الحسين(عليه السلام) ذنبٌ ليس كمثله ذنب.

3ـ قولها(عليها السلام): «وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء، وسيّد شباب أهل الجنّة».

في هذا النصّ نوع من الكناية جميلة، قال الدكتور عليّ زيتون: «تلمّست السيّدة الحادث من خلال شهادته، ونظرت إلى النبي من خلال أهميّة النبوّة والإسلام، فهي لم تذكر النبي(صلى الله عليه واله) باسمه، بل كنَّت عنه بكنايتين هما: (خاتم النبوّة) و(معدن الرسالة) [63]؛ لتبرز مقام الرسول(صلى الله عليه واله) المتفوّق على سائر الأنبياء(عليهم السلام)، وهي لم تعمد إلى هاتين الكنايتين بشكل عفوي، ولكنّها قصدتهما لتحمّل كلمة (سليل) التي أضيفت إليهما، الدلالة التي تراها لذلك السليل. فلم تعد سلالة دموية جسدية فحسب، بل صارت سلالة عقيدية إيمانية، وانتماءً إلى أرقى ما في النبوّة منذُ وُجدت النبوّة أيضاً. وتأتي جملة (سيّد شباب أهل الجنّة) المعطوفة على (سليل خاتم النبوّة)، لا لتُذكّر برأي الرسول(صلى الله عليه واله) في الحسين(عليه السلام) فحسب، ولكن لتقدّم مظلومية هذا الإمام ومقامه عند ربّ العالمين أيضاً، ولتُضيء كلمة (سليل) إضاءة جديدة فتجعلها (سليلاً مميّزاً) تُومئ إلى العصمة، وإلى الدور الذي ترتّبه العصمةُ على المعصوم في الحياة الدنيا»[64].

4ـ قولها(عليها السلام): «وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدره ألسنتكم».

في النصّ المتقدّم مجموعة صفات جاءت بها السيّدة زينب(عليها السلام)؛ لكي تشبّه بها أخاها الإمام الحسين الشهيد(عليه السلام)، وتقرّع الكوفيين بها؛ إذ كلّ هذه الصفات هي ممّا يحتاجه الكوفيون في شخصية كالحسين(عليه السلام) ترعى شؤونهم، وتهديهم إلى الصراط المستقيم، ولكنّهم فرّطوا بها أيّ تفريطٍ حين انتهكوا حرمته في أعظم واقعة شهد بها التأريخ.

وكان المجيء بهذه الصفات بصورة بالغة الدقّة، إذ جاءت بها متساوية كامل التسوية بينها وبين الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد قامت بحذف المشبّه به وهو الإمام الحسين(عليه السلام)، واكتفت بالمشبّه (ملاذ، مفزع...)، فصار التشبيه بليغاً، وقد حوّلت الصورة من المعقول إلى المحسوس، فهم لم يقتلوا الشخص، بل قتلوا الملاذ والمفزع والمنار والمِدَره، فأصبحت الصورة استعارية «لتغني صورة الإمام الحسين(عليه السلام) بأبعاد جديدة، هي: قوّة الشفاء، والرأي، والهداية، فتخرجه من هويّته البشـرية مضفيةً عليه بُعْداً روحيّاً يصير معه قضيّة إيمانية كبرى تُعيد الضائع إلى رشده، وتقوّي منطقه في مواجهة الآخرين، يعني كلّ ذلك أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان محور القضية بالنسبة إلى السيّدة زينب(عليها السلام) يختصر كلّ الشهداء، ويعبّر عنهم، ويظلّ علامة فارقة لا تلتبس بمَن ينتمي إليها»[65]، وهو(عليه السلام) لم يكن محوراً لها في خطبتها لعلاقتها النسبيّة به، بل هو محور لها لما يمثّله في الواقع الإسلامي على الأرض، فهو حجّة الله تعالى على أرضه.

5ـ قولها(عليها السلام): «إنّ ما جئتم بها لصلعاء، عنقاء، سوءاء، فقماء، خرقاء، شوهاء».

في هذا القول استعارة جميلة لطيفة جاءت بها الحوراء زينب(عليها السلام) في غاية الروعة والبلاغة، قال الباحث هادي سعدون: «جاء التصوير الاستعاري في الخطاب متمثّلاً بالاستعارة المكنيّة بحذف المستعار منه (الأفعال)، وصرّحت بالمستعار له (القوم)، فتعاضد في سموّ التصوير حسنُ الاختيار ورفعةُ التوظيف، أمّا حُسن الاختيار يتجلّى بالأوصاف المساقة (شوهاء خرقاء)؛ إذ يكاد مدلولها اللّغوي أن ينعقد على معنى شناعة الخُلُق، أي: إنّ النصّ قصد إلى توظيف هذه المفردات، الدالّة على تلك المعاني واقتراب مستواها منها»[66].

وهنا لا بدّ أن يفيد الخطيب من الجانب البلاغي في الخطبة في تنمية الجانب الأدبي عنده، فمتى ما كان أديباً في قوله، استطاع التأثير أكثر؛ ولذا فممّا يُنْقَل عن أحد العلماء أنّه كان يوصي الخطباء بقوله: كونوا أُدباء لتُبكوا الناس على الحسين(عليه السلام).

ومهما يطول الكلام في هذه الخطبة فإنّه يبقى ناقصاً؛ إذ هي من أُمّهات الخطب، فهي قصيرة السطور، ولكنّها عظيمة الحضور.. تلك الخطبة التي كانت من الزلازل الأُولى التي هدّمت عرش بني أُميّة وأسقطته... فقد كانت السيّدة زينب(عليها السلام) في موقفها عند خطبتها ومواقفها الأُخرى في مسيرة السبايا ضاربةً للكيان الأُموي، مزلزلةً أركانه، محطّمة بنيانه، بكلماتها وسكناتها، بعزّتها وإبائها، بصبرها وتحدّيها، ولله درُّ الدكتورة بنت الشاطئ إذ تقول: «لم تمضِ زينب إلّا بعد أن أفسدت على ابن زياد ويزيد وبني أُميّة لذّة النصر، وسكبت قطرات من السمّ الزعاف في كؤوس الظافرين! فكانت فرحة لم تطل... وكان نصراً مؤقّتاً لم يلبث أن أفضى إلى هزيمة قضت آخر الأمر على دولة بني أُميّة»[67].

وكانت هذه الخطبة التقريعيّة تحاول إرجاع الناس إلى الله تعالى من خلال تقريعهم، وتعنيفهم، وتذكيرهم، فالهدف الأوّل والأخير من الثورة الحسينية هو الإصلاح، وهو ما قامت به السيّدة زينب(عليها السلام) في خطبتها التي بعثت روحاً مغيّرة في النفوس من خلالها، وكانت تُريد أن تُعيد للإسلام اسمه ورسمه، بعد أن أبقى الطغاة من الإسلام اسمه فقط.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1. الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، دار الأندلس، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1430هـ/2009م.

2. الأمالي، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

3. الإمام الحسين(عليه السلام) شمس لن تغيب، جميل الربيعي، دار البلاغة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1437هـ/2016م.

4. الإمام الخميني وثقافة عاشوراء، مجموعة من الباحثين، مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، الشؤون الدولية، الطبعة الثانية، 1427هـ/2006م.

5. البلاغة والتطبيق، أحمد مطلوب، وكامل حسن البصير، مطابع بيروت الحديثة، الطبعة الثانية، 1431هـ/2010م.

6. تاج العروس من جواهر القاموس، السيّد محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق: عبد الستّار أحمد فراج، وزارة الإرشاد والأنباء، الكويت، 1385هـ/1965م.

7. تاريخ الخلفاء، الحافظ جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى.

8. تحف العقول عن آل الرسول، الحسن بن علي بن شعبة الحرّاني، منشورات المكتبة والمطبعة الحيدرية في النجف، الطبعة الخامسة، 1380هـ/1961م.

9. التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، مركز نشـر آثار العلامة المصطفوي، القاهرة، لندن، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1430هـ/2009م.

10. التصوير الفني في خطب المسيرة الحسينية من مكّة إلى المدينة، هادي سعدون هنّون، العتبة العلوية المقدّسة، 1432هـ/2011م.

11. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، محمّد بن الحسن بن علي الطوسي، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق، تهران، الطبعة الأُولى، 1418هـ.

12. تهذيب اللّغة، محمّد بن أحمد الأزهري، حقّقه وقدّم له: عبد السلام محمّد هارون، الدار المصـرية للتأليف والترجمة.

13. دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلامية، محمّد باقر المقدسي، المؤتمر الدولي حول التجديد في المنبر الحسيني، العتبة العباسية المقدّسة، معهد العلمين، الطبعة الثالثة، 1438هـ/2017م.

14. زينب الكبرى، جعفر النقدي، دار جواد الأئمّة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1432هـ/2011م.

15. زينب صرخةٌ أكملت مسيرة، أنطون بارا، العتبة الحسينية المقدّسة، الطبعة الأُولى، 1432هـ/2012م.

16. سمات الأدب النسائي في بلاغات النساء لأحمد بن طيفور، عبد اللّطيف الأرنؤوط، مجلّة التراث العربي، العدد 50.

17. السيّدة زينب عقيلة بني هاشم(عليها السلام)، عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، منشورات الشـريف الرضي، قم.

18. الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة، أحمد بن حجر الهيثمي، حقّقه: عبد الوهّاب عبد اللّطيف، دار الطباعة المحمّدية، درب الأتراك بالأزهر بالقاهرة.

19. الطراز الأوّل والكِناز لما عليه من لغة العرب المُعوّل، علي بن أحمد بن محمّد معصومٍ الحسيني المعروف بابن معصوم المدني، تحقيق: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التُّراث، مشهد ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1426هـ.

20. فنّ الخطابة، أحمد محمّد الحوفي، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، الطبعة الرابعة.

21. الكافي، محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، تحقيق: قسم إحياء التراث، مركز بحوث دار الحديث، قم، الطبعة الثالثة، 1434هـ.

22. كامل الزيارات، جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسّسة نشـر الفقاهة.

23. الكامل في الأدب، محمّد بن يزيد المبرد، حقّقه وعلّق عليه وصنع فهارسه: محمّد أحمد الدالي، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1418هـ/1997م.

24. كتاب الأمالي، محمّد بن الحسن بن علي الطوسي، تحقيق وتصحيح: بهراد الجعفري، وعلي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الأُولى، 1380هـ.ش.

25. كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1980م.

26. كتاب جمهرة الأمثال، أبو هلال العسكري، حقّقه وعلّق حواشيه ووضع فهارسه: محمّد إبراهيم، وعبد المجيد قطايش، المكتبة العصرية، بيروت، 1426هـ/2005م.

27. كتاب جمهرة اللّغة، محمّد بن الحسن بن دُريد، حقّقه وقدّم له: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1987م.

28. كتاب مَن لا يحضره الفقيه، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، صحّحه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدّسة، الطبعة الثانية.

29. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، علي بن أبي الفتح الإربلي، منشورات الشريف الرضي، قم، الطبعة الأُولى، 1421هـ.

30. اللهوف في قتلى الطفوف، رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، تحقيق وتقديم: الشيخ فارس تبريزيان (الحسّون)، دار الأُسوة للطباعة والنشر، الطبعة الرابعة، 1425هـ.

31. المعجم الوسيط، قام بإخراجه: أحمد حسن الزّيّات، وآخرون، دار الدعوة، استانبول ـ تركية، 1989م.

32. معجم مقاييس اللّغة، أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق وضبط: عبد السلام محمّد هارون، دار الفكر، 1399هـ/1979م.

33. مقتل الحسين(عليه السلام)، الموفّق محمّد بن أحمد المكّي الخوارزمي، تحقيق: الشيخ محمّد السماوي، انتشارات أنوار الهدى، الطبعة الثانية، 1423هـ.

34. موسوعة الإمام محمّد الحسين آل كاشف الغطاء، الآثار الكلامية، إعداد: مركز إحياء التراث الإسلامي، طهران، الطبعة الأُولى، 1439هـ/2018م.

35. موسوعة الثورة الحسينية، محمّد نعمة السماوي، دار المرتضى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1422هـ/2001م.

36. النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمّد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليّان، قم، الطبعة الرابعة.

37. نهج البلاغة، المختار من كلام أمير المؤمنين(عليه السلام)، لجامعه: محمّد بن الحسين بن موسى المعروف بالشريف الرضي، تحقيق: السيّد هاشم الميلاني، العتبة العلوية المقدّسة، مكتبة الروضة الحيدرية، 1431هـ/2010م.

[1] ابن قولويه القمّي، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: هامش ص444.

[2] اُنظر: الربيعي، جميل، الإمام الحسين(عليه السلام) شمس لن تغيب: ص573 - 574.

[3] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص128.

[4] اُنظر: السماوي، محمّد نعمة، موسوعة الثورة الحسينية: ج7، ص182.

[5] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي: ج9، ص348 - 350.واُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمّد، كامل الزيارات: ص480 - 481.وأيضاً: الصدوق، محمّد بن علي، مَن لا يحضره الفقيه: ج2، ص599.وأيضاً: الطوسي، محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص128 - 129.

[6] الصدوق، محمّد بن علي، الأمالي: ص131.

[7] الطوسي، محمّد بن الحسن، الأمالي: ص254.

[8] اُنظر: المصطفويّ، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم: ج3، ص92.

[9] الحوفي، أحمد محمّد، فنّ الخطابة: ص5.

[10] اُنظر: المقدسي، محمّد باقر، دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلامية: ص265 - 266.

[11] بارا، أنطون، زينب صرخةٌ أكملت مسيرة: ص266.

[12] «الرنّة: الصيحة الحزينة».الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج8، ص54.

[13] «الصلف: قلّة الخير».الأزهري، محمّد بن أحمد، تهذيب اللّغة: ج12، ص190.

[14] «الطَّنْفُ: نفس التُّهمة، ورجل مطنَّف: أي متّهم».الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج7، ص435.

[15] «الشَّنَف: شدّة البغض».المصدر السابق: ج6، ص267.

[16] «النَّطف: التلطّخ بالعيب».المصدر السابق: ج7، ص436.

[17] «الملق: الودّ واللّطف الشديد».المصدر السابق: ج5، ص174.

[18] «غمز بالرجل: سعى به شرّاً، وغمز فيه: طَعَنَ».ابن معصوم المدني، علي بن أحمد بن محمّد، الطراز الأوّل: ج10، ص232.

[19] «الدِّمنة: الموضع الذي يجتمع فيه الغنم، فتتلبّد أبوالها وأبعارها فيه».ابن دُريد، محمّد بن الحسن، كتاب جمهرة اللّغة: ج2، ص683.

[20] «القصّ والقصّة، بفتحهما: لغة في الجِصِّ والجِصَّةِ - بكسرهما - وليس أحد الحرفين بدلاً من صاحبه، لاستواء التص-رّف، ولكنَّ الفصحاء على القاف، وهي لغة الحجاز، ومنه: نهى عن تقصيص القبور، أي تجصيصها».ابن معصوم المدني، علي بن أحمد بن محمّد، الطراز الأوّل: ج12، ص237.

[21] «اللّحد: ما حُفِرَ في عرض القبر».الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج3، ص182.

[22] «الشنار: العيب والعار».المصدر السابق: ج6، ص251.

[23] رحض: «أصل يدلُّ على غسل الشيء».ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللّغة: ج2، ص496.

[24] «الحُجّة: وجه الظفر عند الخصومة».الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج3، ص10.

[25] «مِدْرَهُ القوم، أي: الدّافع عنهم».المصدر السابق: ج4، ص24.وعن أبي زيد: «المِدْرَهُ: لسان القوم والمتكلّم عنهم».الأزهري، محمّد بن أحمد، تهذيب اللّغة: ج6، ص198.

[26] «الكريمة: الرجل الحسيب، تقول: هو كريمة قومه».الأزهري، محمّد بن أحمد، تهذيب اللّغة: ج10، ص239.وقال الزبيدي: «الكريمة: الأهل، وقيل: شقيقة الرجل، والجمع الكرائم».الزبيدي، محمّد مرتضى، تاج العروس: ج33، ص349.والظاهر أنّ المعنى المراد هو الأهل بدلالة فعل الإبراز الذي تعلقت به هذه المفردة.

[27] «الحريم: الذي حرُمَ مَسُّه فلا يُدْنى منه».الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج3، ص222.

[28] «قال يحيى بن ميسرة الكلابي: الحرمة: المهابة.قال: وإذا كان للإنسان رَحِمٌ، وكُنّا نستحيي منه قلنا: له حرمةٌ.قال: وللمسلم على المسلم حُرمةٌ ومهابةٌ».الأزهري، محمّد بن أحمد، تهذيب اللّغة: ج5، ص42.

[29] مريم: آية 89 - 90.إنّ اقتباس السيّدة زينب(عليها السلام) لهذه الآية المباركة في خطبتها، كأنّه تشبيهٌ بين ما فعله أهل الكوفة بالإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته، وبين ادّعاء المشركين بأنّ للرحمن ولداً، فتفطّر السماوات وانشقاق الأرض وخرّ الجبال هو استعظام لتلك الكلمة العظيمة، قال الزمخشري فيها: «استعظاماً للكلمة، وتهويلاً من فظاعتها، وتصويراً لأثرها في الدين، وهدمها لأركانه وقواعده».الزمخش-ري، محمود بن عمر، الكشّاف: ج3، ص45.وفي عاشوراء وما تلاها حصل ما هو أفظع وأكبر من هذه الكلمة؛ لذا ناسبت السيّدة زينب(عليها السلام) بين هذه الآية والموقف.ثمّ إنّ الأثر الكوني - المشار
إليه في الآية - قد حصل بالفعل مع مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد ذكرته السيّدة زينب(عليها السلام) في خطبتها أيضاً، وهو ما يُروى من أنّ السّماء بكت دماً، واضطربت الأرض ومَن عليها وما فيها، قال السيوطي: «ولمّا قُتِلَ الحسين(عليه السلام) مكثت الدُّنيا سبعة أيّام، والشمس على الحيطان كالملاحف المصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكان قتله يوم عاشوراء، وكُسِفَت الشمس ذلك اليوم، واحمرّت آفاق السّماء ستّة أشهر بعد قتله، ثمّ لا زالت الحمرة تُرى فيها بعد ذلك، ولم تكن تُرى فيها قبله».السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، تاريخ الخلفاء: ص165.

[30] «الصلع: ذهاب شعر الرأس من مقدّمه إلى مؤخّره، وإن ذهب وسطه فكذلك، والنعت: أصلع وصلعاء».الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج1، ص302.

[31] «العُنُق: معروف [الرقبة]...العنقاء: الداهية».المصدر السابق: ج1، ص168 - 169.

[32] «السوأة: كلّ عمل وأمر شائن...والسوأَة السوءاء: المرأة المخالفة».المصدر السابق: ج7، ص328.

[33] «الفَقَم: ردّة في الذَّقَن، والنَّعتُ: أفقم وفقماء».المصدر السابق: ج5، ص182.وهذا الأصل «يدلُّ على اعوجاج وقلّة استقامة».ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللّغة: ج4، ص442.

[34] الخرق: «وهو مَزق الشيء...والخرقاء: المرأة لا تحسن عملاً».ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللّغة: ج2، ص172.

[35] «الشوَهُ: مصدر الأشْوَه والشوهاء، وهما القبيحا الوجه والخلقة».الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج4، ص68.

[36] «الطلاع: ما طلعت عليه الشمس، وطلاع الأرض: ملء الأرض».المصدر السابق: ج2، ص12.

[37] «الملأ: جماعة من الناس...المِلْءُ: من الامتلاء».المصدر السابق: ج8، ص346.والظّاهر أنّ المعنى هنا هو السماوات مجتمعة بما فيها.

[38] أي: بداية سورة النّحل: (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).

[39] أي: آخر سورة ص: (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).

[40] الخوارزمي، مقتل الحسين(عليه السلام):ج2، ص45 - 47.

[41] أبو هلال العسكري، الحسن بن عبد الله، جمهرة الأمثال: ج1، ص212.

[42] المائدة: آية80.

[43] التّوبة: آية82.

[44] البقرة: آية61.

[45] فصّلت: آية16.

[46] الفجر: آية14.

[47] النقدي، جعفر، زينب الكبرى: ص35.

[48] مطلوب، أحمد، والبصير، كامل حسن، البلاغة والتطبيق: ص443.

[49] فصّلت: آية42.

[50] ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، الصواعق المحرقة: ص192.والدم العبيط: الدم الطري.اُنظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين: ج2، ص21.

[51] قال ابن الأثير: «إنّ عليّاً رضي الله عنه كان إذا برز قال الناس: لا إله إلّا الله، ما أشرف هذا الفتى! لا إله إلّا الله، ما أعلم هذا الفتى! لا إله إلّا الله، ما أكرم هذا الفتى! - أي: ما أتقى - لا إله إلّا الله، ما أشجع هذا الفتى! فكانت رؤيته تحملهم على كلمة التوحيد».ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، النهاية في غريب الحديث والأثر: ج5، ص77.

[52] كاشف الغطاء، محمّد الحسين، الآثار الكلامية جنّة المأوى: ج6، ص211 - 212.

[53] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص348.

[54] الأرنؤوط، عبد اللطيف، سمات الأدب النسائي في بلاغات النساء لأحمد بن طيفور، مجلّة التراث العربي، العدد50، ص107.

[55] الشريف الرضي، محمّد بن الحسين، نهج البلاغة: المقدّمة ص34.

[56] الأرنؤوط، عبد اللطيف، سمات الأدب النسائي في بلاغات النساء لأحمد بن طيفور، مجلّة التراث العربي، العدد50، ص107.

[57] الإربلي، علي بن أبي الفتح، كشف الغمّة: ج2، ص276.

[58] النّفثة: هي ما يخفّف به عن الصدر، ويروّح به عن النفس.اُنظر: الزيّات، أحمد حسن وآخرون، المعجم الوسيط:ج2، ص937.

[59] المبرّد، محمّد بن يزيد، الكامل في الأدب: ص1185 - 1186.

[60] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص174.

[61] هنّون، هادي سعدون، التصوير الفنّي في خطب المسيرة الحسينية: ص4.

[62] مجموعة من الباحثين، الإمام الخميني وثقافة عاشوراء: ص89.

[63] هذا الوصف غير موجود في الخطبة التي نقلها الكاتب.نعم، هو مذكور في نقل آخر للخطبة.اُنظر: الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص304.

[64] مجموعة من الباحثين، الإمام الخميني وثقافة عاشوراء: ص84 - 85.

[65] المصدر السابق: ص85.

[66] هنّون، هادي سعدون، التصوير الفنّي في خطب المسيرة الحسينية: ص104.

[67] بنت الشاطئ، عائشة عبد الرحمن، السيّدة زينب عقيلة بني هاشم: ص158.

مزايا الخطابة الحسينية في ضوء خطبة السيّدة زينب(عليها السلام)