مقدّمة

القرآن الكريم هو كلام الله ووحيه، والفرقان بين الحقّ والباطل، وهو الثقل الأكبر، والمصدر الأوّل للتشريع، والمبيِّن لكلّ شيء، والحافل بكلّ ما يحتاج إليه البشر في جميع العصور، وقد قال الإمام الرضا(عليه السلام) واصفاً القرآن الكريم: «هو حبلُ الله المتين، وعروته الوثقى، وطريقته المثلى، المؤدّي إلى الجنّة، والمنجي من النار، لا يخلق على الأزمنة، ولا يغث على الألسنة؛ لأنّه لم يُجعل لزمان دون زمان، بل جُعل دليل البرهان، والحجّة على كلّ إنسان، (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[1].

ولعلّك لا تجد فرقة من الفرق الإسلامية إلّا وهي تحاول الاستدلال على عقائدها وممارساتها بالقرآن الكريم؛ لكونه مقدّساً لدى جميع المسلمين، ولا يمكن لأحد التشكيك في صدقه والاعتراض عليه، بل هو حجّة دامغة على جميع المسلمين؛ لذا مارست الدولة الأُموية والحكومات الجائرة والجماعات الدينية المتطرّفة أساليب متنوّعة للالتفاف حول النصّ القرآني من خلال التأويل الخاطئ لآياته، أو صرف الآيات عن مواردها؛ بهدف إيجاد شرعية لوجودهم في السلطة، والتحكّم بمقدّرات الشعوب؛ فنرى معاوية بن أبي سفيان ـ مثلاً ـ استغل قوله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)[2] من أجل طلب الثأر بدم الخليفة الثالث عثمان بن عفّان بدعوى أنّه ولي الأمر[3]، إلّا أنّ الإمام علي(عليه السلام) أبطل دعوى معاوية بأنّه ليس من أولياء المقتول، وأنّ ورثة عثمان هم أحقّ بالمطالبة بدمه.

كما بذل معاوية أيضاً الأموال الطائلة للرواة؛ لغرض تأويل الآيات القرآنية وصرفها عن معانيها الحقيقية، وتوجيهها إلى تأويلات خاطئة، فقد رُوي أنّه بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم لكي يروي أنّ هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهي قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)[4]، وأنّ الآية الأُخرى نزلت في عبد الرحمن ابن ملجم، وهي قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ)[5]، فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم، فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف، فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف، فقبِل، وروى ذلك[6].

ولذا كانت النهضة الحسينية التي قام بها الإمام الحسين(عليه السلام)، الذي هو عِدل القرآن ـ كما في حديث الثقلين[7]ـ هي من أجل الدفاع عن الإسلام ورسالة القرآن من الانحرافات الفكرية، التي كانت كفيلة بطمس الإسلام ومفاهيم القرآن الصحيحة.

ولا يخفى مدى حضور القرآن الكريم في النهضة الحسينية، فإنّنا نجد بشكل واضح وكبير خطب الإمام الحسين(عليه السلام) وأُسرته المباركة ومواقفهم، وهم يستندون إلى الآيات القرآنية؛ ممّا يكشف أنّ النهضة المباركة قد استمدّت مضامينها وأهدافها من الوحي الإلهي.

كان الإمام الحسين(عليه السلام) شريك القرآن، وسنده، والعالم به، والقرآن الناطق، وكان عشيق القرآن، يتلوه آناء الليل، وأطراف النهار، في حلّه وترحاله، حتّى في أحلك الساعات وأصعبها، وقد استلهمت ثورته المباركة مفاهيمها ومعانيها من القرآن الكريم، وكانت كلماته وخطبه التي ذكرها في مسيرته من المدينة المنورة[8]، مروراً بمكّة[9]، وانتهاءً بكربلاء[10]، حتّى بعد شهادته(عليه السلام) ورأسه على الرمح[11]، خير دليل على أنّ القرآن الكريم كان مواكباً لهذه المسيرة الخالدة في كل خطوةٍ وفي كلّ مرحلةٍ من مراحلها، فكان(عليه السلام) ينتقي الآيات القرآنية بحسب المقامات المناسبة، ممّا يدلّ على مدى علاقته وعلمه ومعرفته بالقرآن الكريم.

وكذلك ما نقرأه عن مواقف الأُسرة الشريفة في مرحلة النهضة وعلاقتها بالقرآن الكريم، فقد قامت هذه الأُسرة ـ بعد شهادته(عليه السلام) ـ بإكمال المسيرة ، وهذا الأمر لا يقلّ أهمّية عمّا قام به(عليه السلام) في الميدان، فكانت لهم تلك المواقف البطولية، والكلمات المدوّية التي كانت مستندة إلى الآيات القرآنية، والتي فضحوا بها السلطة الأُموية، وأزاحوا الستار عن فسادها وجورها وانحرافها عن الإسلام.

ومن تلك المواقف حوار للإمام زين العابدين(عليه السلام) مع ذلك الشامي؛ إذ ذكّره ببعض المفاهيم القرآنية الورادة بحقّهم، واستطاع الإمام زين العابدين(عليه السلام) من خلال آياتٍ من القرآن الكريم أن يهدي هذا الشيخ، ويربك النظام الأُموي؛ ممّا حدا بيزيد ابن معاوية أن يأمر بقتل ذلك الشيخ[12].

وكذلك ما وقع من خطبتين للسيّدة زينب(عليها السلام) في الكوفة[13] والشام[14]، وما احتوته هاتان الخطبتان من آيات قرآنية أرادت من خلالها أن تُشخّص للأُمّة حالة يزيد بن معاوية الذي وصلت به المعاصي وارتكاب المحرّمات والتوغّل فيها إلى مرحلة الكفر والتكذيب بآيات الله، كما بيّنت شناعة وعظم الجريمة التي ارتكبها شيعة آل أبي سفيان بحقّ العترة الطاهرة من قتل سبط رسول الله(صلى الله عليه واله)، وأهل بيته، وسبي بنات الوحي.

إذن، جاءت النهضة الحسينية وكان من أهم عناوينها التي أُعلنت هو الإصلاح الديني والفكري في أُمّة النبيّ المصطفى(صلى الله عليه واله)، وهو ما نراه جليّاً وصريحاً في مواقف الإمام الحسين(عليه السلام) وخطبه، والإمام زين العابدين(عليه السلام)، والسيّدة زينب(عليها السلام)، وهم يتحدّون سلطة الخلافة الجائرة بصلابة الحق، ومقارعة الحجّة بالحجّة، بإعطاء التفسير الصحيح للقرآن الكريم، باعتبارهم عِدل القرآن بموجب حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين.

وفيما يلي سوف نطلُّ على بعض ما قامت به النهضة الحسينية من دور كبير في التصدّي للمؤامرة الخطيرة على محو الإسلام، عبر تحريف مفاهيم القرآن من خلال التطبيقات الخاطئة لآياته المباركة.

أوّلاً: إطاعة ولي الأمر

بعدما هلك معاوية بن أبي سفيان في النصف من شهر رجب لسنة ستين للهجرة ليصبح من بعده يزيد بن معاوية ـ شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة ـ خليفة على المسلمين، ومن أجل تذليل رقاب العباد، وتوطيد الملك له، عمدت السلطة الأُموية إلى زرع بذور مفهوم الطاعة لولي الأمر، استناداً إلى آياتٍ حُرّفت عن مضامينها، وطُبّقت بشكل خاطئ، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)[15]، واستناداً لأحاديث مكذوبة، تنصّ على طاعة ولي الأمر وإن كان ظالماً أو فاجراً؛ وعليه يحرم الخروج على السلطان، وتكون ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ثورة باطلة حسب زعمهم، ويستحقّ(عليه السلام) القتل؛ لخروجه عن طاعة ولي الأمر يزيد ابن معاوية!

مَن هم أولو الأمر؟

ذهبت الإمامية إلى أنّ أُولي الأمر الذين تجب طاعتهم في الآية الشريفة، هم الأئمّة الاثنا عشر(عليهم السلام)، وقد ذكروا في المقام روايات عدّة في هذا المضمون، منها:

1ـ رُوي عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: «سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لمّا أنزل الله)عز وجل) على نبيّه محمد(صلى الله عليه واله): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) قلتُ: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله،‏ فمَن أُُولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال(صلى الله عليه واله): هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين من بعدي: أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين…»[16]، حتّى أورد أسماء الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام) أجمع.

2ـ عندما طلب معاوية من الإمام الحسين(عليه السلام) أن يصعد المنبر ويخطب في الناس، قال(عليه السلام) فيما يتعلّق بتنصيبه إماماً: «نحن حزب الله الغالبون، وعترة نبيّه الأقربون، أحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله(صلى الله عليه واله) ثاني كتاب الله، فيه تفصيل لكلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره، لا نتظنّى تأويله، بل نتّبع حقائقه، فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مفروضة؛ إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)، وقال: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)»[17].

3ـ عن أبي بصير، عن الإمام الباقر(عليه السلام) في معرض تفسيره للآية المباركة:(وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) أنّه قال: هم: «الأئمّة من ولْد عليّ(عليه السلام) وفاطمة(عليها السلام) إلى أن تقوم الساعة»[18].

4ـ عن أبان، أنّه دخل على الإمام أبي الحسن الرضا(عليه السلام) فسأله: «عن قول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) ، فقال: ذلك عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، ثمّ سكت، قال: فلمّا طال سكوته، قلت: ثمّ مَن؟ قال: ثمّ الحسن، ثمّ سكت، فلمّا طال سكوته، قلت: ثمّ مَن؟ قال: الحسين، قلت: ثمّ مَن؟ قال: ثمّ عليّ بن الحسين، وسكت، فلم يزل يسكت عند كلّ واحد حتّى أُعيد المسألة، فيقول، حتّى سمّاهم إلى آخرهم(عليهم السلام)»[19].

وفي المقابل هناك نظرية عند بعض المسلمين تذهب إلى أنّ وليّ الأمر هو السلطان الحاكم، سواء أكان برّاً أم فاجراً؛ ولذا ذهب جمع من أهل السنّة من الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين بأنّه لا ينعزل الحاكم بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يُخلع، ولا يجوز الخروج عليه[20]، وذكروا روايات لذلك تحاول إضفاء الشرعية للحكّام ووجوب طاعتهم وإن أخذوا أموال الناس ظلماً وعدواناً، واستولوا على مقدّرات الناس، بل عليهم السمع والطاعة[21].

متى تجب طاعة ولي الأمر؟

إنّ المسوّغ الشرعي لبقاء الحاكم في السلطة هو اعتبار عدالته، وبفقدها يفقد شرعيّته، وقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «إنّما هلك الناس حين ساووا بين أئمّة الهدى وأئمّة الكفر، فقالوا: إنّ الطاعة مُفترضة لكلّ مَن قام مقام النبي(صلى الله عليه واله) براً أو فاجراً، فأتوا من قِبل ذلك، قال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)»[22].

وركّز الإمام الحسن بن علي(عليهما السلام) على هذا المبدأ في خطبة له بمحضر معاوية، قائلاً: «إنّما الخليفة مَن سار بكتاب الله وسُنّة نبيّه، وليس الخليفة مَن سارَ بالجور»[23].

ثمّ جاءت النهضة الحسينية ضدّ النظام الأُموي؛ لتفنّد بصورة عملية وفاعلة مبدأ الطاعة للحاكم الجائر، الذي اتخذته السلطة الأُموية وباقي السلطات الجائرة شعاراً يراد منه تخدير الأُمّة، والاستسلام الكامل لسياستها الظالمة في التسلّط على رقاب الناس، والقتل، وسرقة بيت المال.

فلو كان(عليه السلام) يعلم بوجوب طاعة الحاكم، وحرمة الخروج عليه وإن كان ظالماً، لما خرج على حكم يزيد بن معاوية، وبذل مهجته الشريفة ومهج أهل بيته وأصحابه؛ بل كانت صرخة الإمام(عليه السلام) عاليةً ومدوّيةً في أرجاء المعمورة برفض البيعة ليزيد، بل كان(عليه السلام) يذكر بصراحة في أكثر من مناسبة ظلم وفسق الحاكم الأُموي يزيد، ومن جملة تلك التصريحات ما ذكره(عليه السلام) لمعاوية بن أبي سفيان من عدم أهلية يزيد للخلافة، فقد قال(عليه السلام): «ثمّ ولّيت ابنك، وهو غلام يشرب الشراب، ويلهو بالكلاب، فخنت أمانتك، وأخربت رعيتك، ولم تؤدِّ نصيحة ربّك، فكيف تولّي على أُمّة محمد مَن يشرب المُسكر؟! وشارب المُسكر من الفاسقين، وشارب المُسكر من الأشرار، وليس شارب المُسكر بأمين على درهم، فكيف على الأُمّة؟!»[24]، وقال: «والله، لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت ـ والله ـ يزيد بن معاوية أبداً»[25].

وكذلك ما ذكره من الحديث المشهور عن النبي(صلى الله عليه واله) عندما راسل أشراف الكوفة، قائلاً: «مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يُدخله مدخله. وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وإنّي أحقّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله(صلى الله عليه واله)»[26].

ففي هذا الحديث يدعوا رسول الله(صلى الله عليه واله) بشكل واضح إلى مواجهة الحاكم الجائر، والتغيير عليه بقولٍ أو فعل، ولذا ذكر الإمام(عليه السلام) أنّ بني أُميّة هم أبرز مصداق لحكومة الجور، ومخالفة العهود، وذلك يوجب على الأُمّة أن تقف بوجههم وتجاهدهم كما أمر رسول الله(صلى الله عليه واله)؛ لأنّهم (لزموا طاعة الشيطان)، و(عطّلوا الحدود)، و(أحلّوا حرام الله)، و(حرّموا حلاله).

وعليه يتضح أنّ كلام سيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) ـ الذي هو عِدل القرآن ـ فيه دلالة واضحة على أنّه ليس في مدلول الآية الكريمة ما يدلّ على وجوب طاعة ولي الأمر وإن كان فاسقاً وظالماً كوجوب طاعة الله ورسوله، بل إنّ موقفه وكلامه(عليه السلام) نابعٌ من صميم القرآن الكريم الذي نهى عن الركون والمداهنة للظلمة، بل والتهديد بدخول النار في الآخرة لـمَن يقدّم العون لهم، وهو ما نجده بشكل واضح وصريح في سورة هود، فقد قال تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)[27]، والركون هو: «الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به، قال قتادة: معناه لا تودّوهم ولا تطيعوهم»[28]، وقال الجصّاص: «الركون إلى الشيء: هو السكون بالأُنس والمحبّة، فاقتضى ذلك النهي عن مجالسة الظالمين ومؤانستهم والإنصات إليهم»[29].

مضافاً إلى آيات أُخرى تدلّ بإطلاقها وعموماتها على حرمة إطاعة أهل المعاصي والذنوب، منها قوله تعالى: (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)[30]، وقوله تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ)[31]، وغيرها من الآيات الشريفة.

وأمّا الروايات التي نقلوها عن وجوب طاعة السلطان وإن كان فاجراً، فإنّه مع غضّ النظر عن سندها، فإنّها مبتلاة بوجود المعارض لها، من قبيل: ما رواه البخاري عن النبيّ(صلى الله عليه واله) من أنّه قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»[32]، وما رواه أبو داوود في السنن، عن النبيّ(صلى الله عليه واله) قوله: «إنّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب»[33].

كما ذهب عدّة من المفسّرين إلى عدم انطباق قوله تعالى:(وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) على الحاكم الظالم، فقد قال الزمخشري في الكشاف: «إنّ أُمراء الجور، الله ورسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم»[34]، وقال البيضاوي في تفسيره: «أمر الناس بطاعتهم بعدما أمرهم بالعدل؛ تنبيهاً على أنّ وجوب طاعتهم ما داموا على الحقّ»[35].

ثانياً: العقوبة جزاء الذنوب

لقد وُجِّهت إلى الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة العديد من التهم المزيّفة التي حاول الأُمويّون عبر التاريخ ترويجها؛ لتشويه صورة حركته المباركة في أذهان الناس، فقد قام يزيد بن معاوية بترويج أنّ ما جرى على الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته في كربلاء إنّما هو جزاء لأعمالهم وذنوبهم، مستشهداً بالآية القرآنية التي قرأها أمام الإمام زين العابدين(عليه السلام)، وهي قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)[36]، فالآية الكريمة تدلّ على أنّ المصائب التي يواجهها الإنسان في نفسه أو أهله أو أمواله، إنّما هي ناشئة عن سوء فعله، وبسبب ما صدر منه من الذنوب.

مواجهة التطبيق الخاطئ

لقد تصدّى الإمام زين العابدين(عليه السلام) بكلّ صلابة وشجاعة لردّ هذه الفرية ودحضها، وأثبت لجميع الحاضرين عدم فهم الخليفة الأُموي للقرآن الكريم، ففي قبال استناد يزيد بن معاوية إلى آية: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، قد استند(عليه السلام) إلى آية أُخرى منطبقة على أهل البيت(عليهم السلام)، فقد قال(عليه السلام): «كلّا، ما هذه فينا نزلت، إنّما نزلت فينا: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ...) إلى قوله:(وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)[37]. فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا ولا نفرح بما آتانا»[38]، أي: إنّ جميع البلايا التي تقع على الإنسان هي مقدّرة ومحفوظة في اللوح المحفوظ، وفي قضائه قبل أن توجد في هذا العالم، ونحن أهل البيت مصداق الآية المباركة؛ إذ إنّنا راضون بقضائه وبما كان في علمه أن يكون، فلا نأسى على ما فاتنا من نعم الدنيا، ولا نفرح بما آتانا منها.

وقد ذكر المسعودي، أنّه لما أُدخل الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) على يزيد، قال له: كيف رأيت يا علي بن الحسين؟ قال: «رأيت ما قضاه الله)عز وجل) قبل أن يخلق السماوات والأرض»[39]. ولكن هذا لا يعني تبرئة يزيد بن معاوية من جريمته النكراء في قتل سيّد شباب أهل الجنّة وأهل بيته، وسبي نساء آل بيت النبوّة؛ لذا نرى في نقل آخر أنّه عندما ذكر يزيد بن معاوية آية: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، أجابه(عليه السلام) قائلاً: «هذا في حقِّ مَن ظَلَم لا في حقِّ مَن ظُلِم»[40].

وذكرت السيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين(عليه السلام) في خطبتها في الكوفة الآية الكريمة نفسها التي استشهد بها الإمام زين العابدين(عليه السلام)، فقالت: «... فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة (فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)»[41].

أضف إلى ذلك أنّ الابتلاءات التي جرت على الإمام الحسين(عليه السلام) وكذلك سائر الأنبياء والأئمّة المعصومين(عليهم السلام) إنّما هي لغرض رفع مقاماتهم عند الله تبارك وتعالى، كيف لا وهم المعصومون عن جميع الذنوب بنصّ آية التطهير، وقد ورد في الكافي بإسناده عن علي بن رئاب، قال: «سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن قول الله)عز وجل): (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، أرأيت ما أصاب علياً وأهل بيته(عليهم السلام) من بعده، أهو بما كسبت أيديهم، وهم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: إنّ رسول الله(صلى الله عليه واله) كان يتوب إلى الله ويستغفر في كلّ يوم وليلة مائة مرّة من غير ذنب، إنّ الله يخصُّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب»[42]، وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: «البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان، وللأنبياء درجة، وللأولياء كرامة»[43].

ثالثاً: تخطئة حركة الإمام الحسين(عليه السلام)

من ضمن الاتهامات التي حاول الأُمويّون عبر التاريخ ترويجها لتسويغ حربهم، وتبرير جريمتهم النكراء، هي تخطئة الإمام الحسين(عليه السلام) في خروجه ورفضه لبيعة يزيد، باعتبار أنّه اعتراض على الإرادة الإلهية التي كانت سبباً وراء وصول يزيد إلى السلطة، وجلوسه على عرش الخلافة؛ لأنّ الله تعالى هو الواهب للملك والسلطان؛ لذا عندما شاهد يزيد رأس الإمام الحسين(عليه السلام)، قال: «أتدرون من أين أتى ابن فاطمة؟ وما الحامل له على ما فعل؟ وما الذي أوقعه فيما وقع فيه؟ قالوا: لا. قال: يزعم أنّ أباه خير من أبي، وأُمّه فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) خير من أُمّي، وجدّه رسول الله خير من جدّي، وأنّه خير منّي، وأحقّ بهذا الأمر منّي، فأمّا قوله: أبوه خير من أبي، فقد حاجّ أبي أباه إلى الله)عز وجل)، وعلم الناس أيّهما حكم له، وأمّا قوله: أُمّه خير من أُمّي، فلعمري إنّ فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) خير من أُمّي، وأمّا قوله: جدّه رسول الله خير من جدّي، فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى أنّ لرسول الله فينا عِدلاً ولا ندّاً، ولكنّه إنّما أتى من قلّة فقهه، لم يقرأ:(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء) ، وقوله تعالى: (وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء) »[44].

فقد أراد يزيد القول ـ من خلال الآية الكريمة (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء) وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء) ـ: إنّ المُلك يصل إلى صاحبه بأمر الله، ويُنزَع منه بأمر الله أيضاً، وعندها لا يحقّ لأحدٍ مهما كان نسبه ومنزلته الاعتراض على الحاكم؛ لأنّه اعتراض على إرادة الله (جلّ وعلا)، حتّى قال شاعرهم مسكين الدارمي حينما دخل على معاوية بن أبي سفيان: [45]

بَنِي خلفاءِ الله مهلاً فإنّما		يُبوِّئها الرحمنُ حيثُ يريدُ
إذا المنبر الغربيّ خلاّه ربّه		فإنّ أميرَ المؤمنين يزيدُ(2)

مواجهة التطبيق الخاطئ

قد أوضحت السيّدة زينب(عليها السلام) ـ وهي في مقام المواجهة للتفسير الخاطئ للقرآن الكريم، أمام طاغية الشام يزيد بن معاوية ـ أنّ الملك والسلطان الذي تحت يده هو حقّ أهل البيت(عليهم السلام)، وهم أوْلى بالخلافة والملك على العباد من بني أُميّة، فقد قالت: «أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أنّ بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة، وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده؟! فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأُمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا»[46].

وكذلك صرّح الإمام زين العابدين(عليه السلام) أمام يزيد قائلاً: «يابن معاوية وهند وصخر، لم تزل النبوّة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد، ولقد كان جدّي علي ابن أبي طالب في يوم بدر وأُحد والأحزاب في يده راية رسول الله(صلى الله عليه واله)، وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفّار»[47].

إنّ المُلك بالضم هو بمعنى: القدرة والعظمة والسلطان[48]، ولا يقال للحاكم الظالم الذي استولى على الحكم والسلطة بغير حق: إنّ الله آتاه المُلك واسترعاه الخلق، بل هو المتغلّب والغاصب لما في يده، فيقال: هذا ثوب فلان، وهذا مال فلان، وإن كان في قبضة الغاصب والظالم، وعندما سئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن الآية الكريمة: أليس قد آتى الله)عز وجل) بني أُميّة المُلك؟ قال: «ليس حيث تذهب إليه، إنّ الله)عز وجل) آتانا المُلك وأخذَتْه بنو أُميّة، بمنزلة الرجل يكون له الثوب فيأخذه الآخر، فليس هو للذي أخذ»[49].

ولذا؛ ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المراد من المُلك في الآية:(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء...) ، هو النبوّة والإمامة، فالله سبحانه وتعالى يؤتي النبوّة والإمامة مَن يشاء من عباده، وأمّا الكافر والفاسق فمهما غَلَب أو مَلَك فليس ذلك من حقيقة المُلك؛ لأنّه تعالى قال:(لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[50].

وذهب العلّامة الطباطبائي في الميزان إلى أنّ إيتاء الملك يكون على وجهين:

الوجه الأوّل: «إيتاء تكويني، وهو انبساط السلطنة على الناس، ونفوذ القدرة فيهم، سواء كان ذلك بالعدل أم بالظلم، في قال تعالى في نمرود: (أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ)، وأثره نفوذ الكلمة، ومضي الأمر والإرادة»[51].

الوجه الثاني: «إيتاء تشريعي، وهو القضاء بكونه ملكاً مفترض الطاعة، كما قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا)، وأثره افتراض الطاعة، وثبوت الولاية، ولا يكون إلّا العدل... والذي كان لبني أُميّة من الملك هو المعنى الأوّل وأثره...»[52].

رابعاً: إلقاء النفس في التهلكة

من التطبيقات الخاطئة للقرآن الكريم التي حاول وعّاظ السلاطين من خلالها تبرئة يزيد بن معاوية من جريمته النكراء في قتل السبط الإمام الحسين(عليه السلام)، هو قوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [53]، باعتبار أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان عالماً بشهادته حتّى قبل بداية الثورة، فهو القائل: «كأنّي بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً، وأجربةً سغباً...»[54]، وفي نصّ آخر يُروى عنه(عليه السلام) قوله: «والله، لا يَدَعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي...»[55]، إلى غير ذلك من كلماته التي صرّح فيها بأنّه مقتول لا محالة، وعليه ألا يكون هذا إلقاء للنفس في التهلكة، وهو محرّم بنصّ الآية الشريفة؟

معنى التهلكة

التهلكة: تعني الهلاك، وقيل: «كلّ شيء تصير عاقبته إلى الهلاك»[56]، وقد ورد الهلاك في القرآن الكريم بمعانٍ عدّة، منها: الموت والفناء، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا)[57] ، وقال تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) [58]. ومنها: الكفر والضلال، قال تعالى: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ) [59]. ومنها: الزوال والفناء، قال تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[60] ‏.

كما وردت التهلكة في الروايات الشريفة في مصاديق عدّة، منها:

1ـ الإسراف والتبذير في النفقة إلى حدّ ضياع المال، فقد جاء في الكافي، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «لو أنّ رجلاً أنفق ما في يديه في سبيل الله ما كان أحسن ولا وفِّقَ، أليس يقول الله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، يعني: المقتصدين»[61].

2ـ مخالفة التقية؛ لأنّ في ذلك إيقاع للنفس في التهلكة، فقد ورد عن حذيفة، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، قال: «هذا في التقية»[62].

3ـ اقتراف الذنوب تعريض للنفس إلى التهلكة؛ إذ إنّ الذنوب تستوجب العذاب الإلهي يوم القيامة، وقد تستوجبه في الدنيا أيضاً؛ ولذلك ورد في القرآن الكريم:
(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[63]، وقد رُوي عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، أنّه قال: «إنّما هلك مَن كان قبلكم بما عملوا من المعاصي، ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك»[64].

مواجهة التطبيق الخاطئ

إنّ الآية الكريمة: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ)تريد القول: إنّ الجهاد كما هو بحاجة إلى الرجال والمقاتلين، كذلك بحاجة إلى الإنفاق الذي هو أعمّ من المال والسلاح والغذاء ووسائل النقل، فإذا ترك المسلمون الإنفاق في الجهاد الذي من خلاله يتمّ تأمين وسائل الجهاد من السلاح وغيره، فسوف يقعون في التهلكة، ولكن مفهوم الآية أوسع من ذلك؛ إذ يشمل موارد أُخرى، منها: قتل النفس من دون مبرّر.

وأمّا القول: إنَّ الآية الكريمة تنطبق على نهضة سيّد الشهداء(عليه السلام)، فهو إنّما نشأ من الجهل وعدم إدراك مفهوم الآية المباركة، أو هو قولٌ يريد التمويه على عامة الناس بأنّ الإمام(عليه السلام) كان مخطئاً في ثورته ضدّ النظام الأُموي.

ويمكن الجواب عن ذلك بما يلي:

ليس كلّ إتلاف للنفس هو إلقاء لها في التهلكة ومحرم شرعاً، بل الآية الكريمة إن كان لها إطلاق وشمول، فهي مخصّصة بكثير من الموارد التي لا يكون فيها إتلاف النفس وإلقاؤها في التهلكة محرّماً، نذكر منها موردين:

الأوّل: الإنسان الذي يتكلّم بكلمة حقّ أمام السلطان الجائر ويُقتل بسببها، فهو من أفضل الشهداء، بل سيّدهم، ولا يقال: إنّه ألقى نفسه في التهلكة، فقد قال رسول الله(صلى الله عليه واله): «أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل تكلّم بكلمة حقّ عند سلطان جائر فقتله»[65]، والإمام الحسين(عليه السلام) مصداق بارز لهذه الأحاديث، فقد نطق بكلمة الحق أمام الجائر، فهو القائل أمام والي المدينة: «ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»[66]، وقال أمام الأعداء: «ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة»[67].

الثاني: الجهاد والقتال في سبيل الله، فقد أثنى الله على المؤمنين في إقدامهم على القتال والجهاد في سبيله، وذلك لا ينفك عن هلاك النفوس، وسفك المُهَج، ولم يقل: إنّهم ألقوا أنفسهم في التهلكة، بل وعد تعالى المجاهدين بأنّ لهم الجنّة، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)[68].

إنّ إلقاء النفس في التهلكة يتعلّق بالموارد الّتي لا يكون فيها الهدف أثمن من النفس، وإلّا فلا بدّ من التضحية بالنفس والنفيس حفاظاً على ذلك الهدف المقدّس كما صنع الإمام الحسين(عليه السلام)؛ إذ كانت وظيفته(عليه السلام) هي إنقاذ الإسلام من الانحراف الشديد، والضياع الذي مُنيت به الأُمّة الإسلامية، وهو ما عبّر عنه(عليه السلام) في قوله: «وعلى الإسلام السلام؛ إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد»[69]، فقام وضحّى بنفسه، وبذل مهجته في سبيل أثمن شيء في الحياة مطلقاً، ألا وهو دين الله وشريعة السماء، ولولا تضحياته الكبيرة لدفن الإسلام تحت ركام البدع والانحرافات التي جاء بها النظام الأُموي، فآية التهلكة لا تشمل التضحية بالنفس إذا كانت لغاية أعظم، وهدف أنبل وأشرف؛ إذ لا شكّ في تقديم مصلحة إقامة الدين وحفظه على مصلحة حفظ النفس والمال والعرض.

فالإمام الحسين(عليه السلام) لم يُلقِ بنفسه في التهلكة؛ بل عمل بكتاب الله)عز وجل) الذي أمر بالجهاد والإنفاق في سبيل الله، وهل هناك إنفاق أعظم وأغلى ممّا أنفقه الإمام الحسين(عليه السلام) في سبيل حفظ الإسلام؟! إذ بذل النفس والأبناء والأهل والأحبة من أجل إعلاء كلمة الله.

خامساً: مخالفة مشيئة اللّه تعالى

لقد عمدت السلطة الأُموية إلى ترسيخ بعض العقائد، ومنها نظرية الجبر، من أجل توطيد ملكهم العضوض، ولتبرير سياسة النار والحديد التي انتهجوها في الأُمّة، وخاصّة لمواجهة المعارضين منهم، ومفاد هذه النظرية: أنّ الناس مجبورون على فعلهم، ومسيّرون في حركتهم، والإنسان مهما صنع فهو مجبور من قِبل الله)عز وجل)، وقد استُدلّ على هذه العقيدة ببعض الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[70]، وقد جعلت السلطة الأُموية من قضية الجبر مرجعاً لمنهجها السياسي من أنّ الله قد أراد وقدّر أن يصلوا إلى الخلافة والحكم؛ ولذا عندما أراد معاوية بن أبي سفيان تنصيب ابنه يزيد خليفةً من بعده، اعترض عليه عبد الله بن عمر، فقال له معاوية: «... إنّ أمر يزيد قد كان قضاءً من القضاء، وليس للعباد خيرةٌ من أمرهم»[71]، وكذلك عندما اعترض عبد الله بن مطيع العدوي على عمر بن سعد لقتله للإمام الحسين(عليه السلام)، فقال عمر بن سعد: «كانت أُموراً قُضيت من السماء، وقد أعذرت إلى ابن عمّي قبل الوقعة، فأبى إلّا ما أبى»[72].

وهذا الأمر سار عليه يزيد وعبيد الله بن زياد، فقد بذلا جهداً كبيراً من أجل أن يغرسا في أذهان الناس أنّ الذي قتل الإمام الحسين(عليه السلام) هو الله تعالى؛ ولذا لمّا ورد موكب السبايا إلى الشام، قال يزيد مخاطباً الإمام علي بن الحسين(عليه السلام): «يا علي، أبوك الذي قطع رحمي، وجهل حقّي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت»[73]، وغيرها من الكلمات التي ستتضح في طيّات البحث.

مواجهة التطبيق الخاطئ

كان للنهضة الحسينية دور كبير في تفنيد هذه العقيدة الباطلة؛ إذ كانت خطب الإمام السجاد(عليه السلام)، وحرائر بيت العصمة(عليهم السلام) في الكوفة والشام، ومواقفهم البطولية، قد فضحت وكشفت زيف ووهن هذه النظرية، وأوضحوا للناس أنّ المسؤول الوحيد عن قتل الإمام الحسين(عليه السلام) هو شخص يزيد وأعوانه، نشير إلى بعض تلك الخطب والمواقف:

1ـ عندما دخل الإمام زين العابدين(عليه السلام) على عبيد الله بن زياد في الكوفة، قال له: «مَن أنت؟ فقال: أنا علي بن الحسين. فقال: أليس قد قتل الله علياً؟ فقال له علي(عليه السلام): قد كان لي أخ يُسمّى علياً قتله الناس. فقال له ابن زياد: بل الله قتله. فقال علي بن الحسين(عليه السلام): (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا)»[74].

لقد أراد الإمام السجاد(عليه السلام) بالآية الكريمة أن يقول: إنّ الذي يموت موتاً طبيعياً أو قتلاً فالله تعالى هو الذي يتوفّاه ويقبض روحه؛ إذ قبض الروح راجع إليه سبحانه وتعالى، ولكنّ هذا لا ينفي المسؤولية عن مرتكبي الجريمة، فالإنسان هو الفاعل المختار المسؤول عن فعله، فإنّ سبب قتل وموت الشخص راجع إلى مرتكبه، وهو القاتل؛ ولذلك يُقتصّ منه، وإن كان المقتول قد قبضه الله حين موته.

الفرق بين الموت والقتل

الموت عبارة عن خروج الروح من جسد الإنسان[75]، بينما القتل: هو الفعل الذي يؤدّي إلى الموت، مثل الضرب، أو الرمي بالحجر، أو السم، وهو ما يُسمّى بإزهاق النفس عمداً وعدواناً[76]. والموت لايقدر عليه أحد إلّا الله)عز وجل)؛ ولذا من أسماء الله الحسنى: (المُحيي والمُميت)، أمّا القتل فهو يتمّ بفعل المتولّي لذلك، وهو القاتل، فالموت أعمّ من القتل، فقد يكون الموت طبيعياً، لبلوغ الإنسان أجله، أو بسبب المرض، أو بسقوط من مكان مرتفع، وأحياناً يكون الموت بالقتل، سواء كان القتل خطأً أم عمداً، فإنّ كلّ قتل موت، وليس العكس.

وممّا يدلّ على أنّ الموت يختلف عن القتل ما ورد في القرآن الكريم، فقد قال الله)عز وجل): (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ) [77]، وقال تعالى: (لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ)[78] ، وقال تعالى: (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ)[79]، وقال تعالى: (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ)[80]. فإنّ التأكيد والتكرار في لفظين يدلّ على أنّهما لا يرجعان إلى معنى واحد، ولو كان الموت هو القتل نفسه لما عطف عليه؛ لأنّ الشيء لا يعطف على نفسه.

وممّا يؤيّد ذلك ما ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) في رواية زرارة بن أعين، أنّه قال: «كرهت أن أسأل أبا جعفر(عليه السلام) في الرجعة، فأقبلت مسألة لطيفة أبلغ فيها حاجتي، فقلت: جُعلت فداك، أخبرني عمّن قُتل مات؟ قال: لا، الموت موت، والقتل قتل. قال: فقلت له: ما أحد يُقتل إلّا مات، قال: فقال: يا زرارة، قول الله أصدق من قولك، قد فرّق بينهما في القرآن، قال: (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ)، وقال: (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ)، ليس كما قلت يا زرارة، الموت موت، والقتل قتل»[81].

2ـ عندما خطب الإمام السجاد(عليه السلام) خطبته في مسجد الشام، وضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد من الفتنة، أمر المؤذّن أن يؤذّن حتّى يقطع على الإمام كلامه، فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، التفت الإمام(عليه السلام) من فوق المنبر إلى يزيد، وقال: «محمد هذا جدّي أم جدّك؟! فإن زعمت أنّه جدّك، فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنّه جدّي، فلِمَ قتلت عترته؟!»[82].

3ـ حينما أُدخل الإمام زين العابدين(عليه السلام) على يزيد قال له مخاطباً: «أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين، فالحمد لله الذي أذلهّما، وسفك دماءهما»، فأجابه الإمام قائلاً: «... ويلك يا يزيد! إنّك لو تدري ما صنعت، وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي، إذاً لهربت في الجبال، وفرشت الرماد! ودعوت بالويل والثبور أن يكون رأس الحسين بن فاطمة وعلي منصوباً على باب المدينة! وهو وديعة رسول الله(صلى الله عليه واله) فيكم، فأبشر بالخزي والندامة غداً إذا جُمع الناس ليوم لا ريب فيه»[83].

فإنّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) يؤكّد بشكل جلي وواضح أنّ الذي قتلهم وسفك دماءهم وسبى نساءهم، هو يزيد بن معاوية.

4ـ عندما دخل الركب الحسيني إلى الكوفة، قال عبيد الله بن زياد للسيّدة زينب(عليها السلام): «كيف رأيت صُنْع الله بأخيك وأهل بيتك؟»[84]، فالغاية من سؤاله هو التأكيد على نسبة قتل الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الله تعالى، وتبرئة ساحة بني أُميّة من ذلك؛ إذ اختار لفظ (صنع)، وأضافه إلى لفظ الجلالة، والصُنع كما يقول الراغبُ: «إجادةُ الفِعلِ، فكلُّ صُنْعٍ فِعلٌ، وليسَ كلُّ فِعلٍ صُنْعاً، ولا يُنسَبُ إلى الحيواناتِ والجمادات، كما يُنسَبُ إليها الفِعلُ»[85].

فكان الردّ من السيّدة زينب(عليها السلام) كالصاعقة على رأس ابن زياد، فقد قالت: «ما رأيت إلّا جميلاً، هؤلاء قومٌ كُتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتُحاجُّ وتُخاصمُ، فاُنظر لـمَن الفلج يومئذٍ، ثكلتكَ أُمّك يابن مرجانة»[86].

لقد استطاعت السيّدة زينب(عليها السلام) من خلال هذه الكلمات والاقتباس القرآني إبراز نقاط الضعف في منطق الإعلام الأُموي، وتفنيد ادّعاء وافتراء عبيد الله بن زياد، فقد أرادت القول: بأنّ الله تعالى كتب وقدّر على الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه القتل والجهاد، فبرزوا إلى مصارعهم، وقُتِلوا باختيارهم وإرادتهم، وإلّا سقط الأجر والثواب، وكذلك لم يكتب على القاتل أن يكون قاتلاً بالجبر؛ لأنّ الله أعطاهم العقل والقدرة الاختيارية على ارتكاب القتل أو عدمه، وإلّا سقط القصاص والعقاب؛ ولذا صرّحت بأنّه في يوم القيامة سيجمع الله بينك وبينهم، وكلّ سينال جزاءه الذي يستحقّه.

5ـ خطاب العقيلة زينب(عليها السلام)، وهي تصوّر عظم الجريمة التي ارتُكِبَت بحقّ الإمام الحسين(عليه السلام) وعترته الطاهرة، وهي تخاطب القوم قائلة: «أتدرون ـ ويلكم ـ أيّ كبدٍ لمحمدٍ فَريتم، وأيّ عهدٍ نَكثتم، وأيّ كريمةٍ أبرزتم، وأيّ دمٍ له سفكتم، (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا)»[87].

6ـ خطبة عقيلة الهاشميين زينب الكبرى(عليها السلام) في عاصمة الخلافة الأُموية، فقد أدانت فيها النظام الحاكم، وحمّلته المسؤولية الكاملة للجرائم البشعة التي اقتُرفت بحقّ أهل البيت(عليهم السلام) في كربلاء، فقالت: «... لعمري، لقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دم سيّد شباب أهل الجنّة... اللهمّ، خذْ بحقّنا، وانتقم من ظالمنا، واحلُل غضبك على مَن سفك دماءنا، ونقض ذمارنا، وقتل حماتنا، وهتك عنّا سُدولنا»[88].

7ـ خطبة السيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين(عليه السلام) في أهل الكوفة، وهي تكشف زيف ادّعاء الحكم الأُموي بأنّ الله قتلهم، فكان ممّا قالت: «... وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت؛ لحقد متقدّم، قرّت بذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراءً منكم على الله، ومكراً مكرتم، والله خير الماكرين، فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة، في كتاب من قبل أن نبرأها، إنّ ذلك على الله يسير»[89].

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1. إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب، علي بن الحسين المسعودي، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة.

2. الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، تحقيق: السيّد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف ـ العراق، 1386هـ/1966م.

3. أحكام القرآن، أحمد بن علي الجصاص، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1415هـ/1994م.

4. الإرشاد، محمد بن محمد المفيد، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.

5. الإمامة والسياسة، عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق: طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي وشركائه للنشر والتوزيع.

6. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، تحقيق: السيّد إبراهيم الميانجي، محمد الباقر البهبودي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة المصحّحة، 1403هـ/1983م.

7. البداية والنهاية، إسماعيل ابن كثير، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1408هـ/1988م.

8. تاج العروس، مرتضى الزبيدي، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1414هـ/1994م.

9. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

10. تاريخ مدينة دمشق، علي بن الحسن بن عساكر، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، 1415هـ.

11. تفسير البيضاوي، عبد الله بن عمر البيضاوي، دار الفكر، بيروت.

12. تفسير العيّاشي، محمد بن مسعود العيّاشي، تحقيق وتصحيح وتعليق: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران ـ إيران.

13. تفسير القمّي، علي بن إبراهيم القمّي، تحقيق وتصحيح وتعليق وتقديم: السيّد طيب الموسوي الجزائري، مطبعة النجف الأشرف، النجف الأشرف ـ العراق، 1387هـ.

14. تفسير مجمع البيان، الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1415هـ/1995م.

15. الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي، تحقيق: أبو إسحاق إبراهيم أطفيش، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1405هـ/1985م.

16. دعائم الإسلام، القاضي المغربي النعمان بن محمد، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف بمصر، القاهرة ـ مصر، الطبعة الثانية.

17. سنن أبي داوُد، سليمان السجستاني، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأُولى، 1410هـ/1990م.

18. شرح نهج البلاغة، عبد الحميد بن أبي الحديد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاؤه.

19. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401هـ/1981م.

20. صحيح مسلم بشرح النووي، يحيى بن شرف النووي، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، 1407 هـ/1987م.

21. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

22. الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت.

23. عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، محمد بن علي الصدوق، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، 1404هـ/1984م.

24. الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي، تحقيق: علي شيري، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأُولى، 1411هـ.

25. الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، علي بن محمد بن الصباغ، تحقيق: سامي الغريري، دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة الأُولى، 1422هـ.

26. الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، الطبعة الرابعة، 1365ش.

27. الكشاف، محمود بن عمر الزمخشري، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1385 هـ/1966م.

28. كمال الدين وتمام النعمة، محمد بن علي الصدوق، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، 1405هـ/1363ش.

29. لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، نشر أدب الحوزة، 1405هـ.

30. اللهوف في قتلى الطفوف، علي بن موسى بن طاووس، نشر أنوار الهدى، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

31. مثير الأحزان، محمد بن جعفر بن نما، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف ـ العراق، 1369هـ/1950م.

32. معجم ألفاظ الفقه الجعفري، أحمد فتح الله، مطبعة مطابع المدوخل، الدمام ـ السعودية، 1415هـ/1995م.

33. معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1408هـ/1988م.

34. مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الإصفهاني، تحقيق وتقديم وإشراف: كاظم المظفر، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف ـ العراق، الطبعة الثانية، 1385 هـ/1965م.

35. مقتل الحسين(عليه السلام)، أبو مخنف لوط بن يحيى، تحقيق وتعليق: حسين الغفاري، المطبعة العلمية، قم المقدّسة ـ إيران.

36. مناقب آل أبي طالب، محمد بن علي بن شهر آشوب، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الحيدرية، النجف الأشرف ـ العراق، 1376 هـ/1956م.

37. الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة.

38. وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث بقم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1414هـ.

39. ينابيع المودّة لذوي القربى، سليمان بن إبراهيم القندوزي، تحقيق: سيّد علي جمال أشرف الحسيني، دار الأُسوة للطباعة والنشر، الطبعة الأُولى، 1416هـ.

[1] الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): ج1، ص137ـ 138.

[2] الإسراء: آية33.

[3] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج3، ص93.

[4] البقرة: آية204.

[5] البقرة: آية207.

[6] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج4، ص73.

[7] قال رسول الله(صلى الله عليه واله): «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا: كتاب الله)عز وجل) حبل ممدود، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة: ص235.

[8] اُنظر: ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص17، وص21، وص22.وأيضاً: ابن نما، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ج5، ص15.

[9] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص36.وأيضاً: أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين(عليه السلام): ص68.

[10] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص306، وص322.وأيضاً: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص103.وأيضاً: القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودّة لذوي القربى: ج3، ص63.وأيضاً: ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص250.وأيضاً: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص192، وص317.

[11] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص117.وأيضاً: ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص218.وأيضاً: ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج22، ص117.

[12] اُنظر: ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص102ـ103.

[13] اُنظر: ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص262.

[14] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص133.

[15] النساء: آية 59.

[16] الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة: ص253.

[17] الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج27، ص195.

[18] الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة: ص222.

[19] العيّاشي، محمد بن مسعود، تفسير العيّاشي: ج1، ص251.

[20] اُنظر: النووي، يحيى بن شرف، صحيح مسلم بشرح النووي: ج12، ص229.

[21] اُنظر: النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج6، ص17، وص20.وأيضاً: البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج4، ص8، وج8، ص88.

[22] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج66، ص82.

[23] الإصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين: ص47.

[24] القاضي المغربي، النعمان بن محمد، دعائم الإسلام: ج3، ص133.

[25] الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص21.

[26] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص382.

[27] هود: آية113.

[28] القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن: ج9، ص108.

[29] الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن: ج3، ص214.

[30] الشعراء: آية151 ـ 152.

[31] القلم: آية 8.

[32] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج4، ص7، ج8، ص106.

[33] السجستاني، سليمان، سنن أبي داوود: ج2، ص322.

[34] الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف: ج1، ص536.

[35] البيضاوي، عبد الله بن عمر، تفسير البيضاوي: ج2، ص206.

[36] الشورى: آية30.

[37] تمام الآية: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد: آية22 ـ 23.

[38] القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي: ج2، ص352.

[39] المسعودي، علي بن الحسين، إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب: ص171.

[40] ابن الصبّاغ، علي بن محمد، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص837.

[41] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص28ـ 29.

[42] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص449ـ450.

[43] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج64، ص235.

[44] ابن كثير، إسماعيل، البداية والنهاية: ج8، ص212ـ213.

[45] أبو الفرج الإصفهاني، علي بن الحسين، الأغاني: ج20، ص227.

[46] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص133.

[47] المصدر السابق: ص136.

[48] اُنظر: الزبيدي، مرتضى، تاج العروس: ج13، ص647.

[49] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج8، ص266.

[50] اُنظر: الطبرسي، الفضل بن الحسن، تفسير مجمع البيان: ج2، ص271.

[51] اُنظر: الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن: ج3، ص142.

[52] المصدر السابق.

[53] البقرة: آية 195.

[54] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص38.

[55] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص296.

[56] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج10، ص506

[57] غافر: آية 34.

[58] النساء: آية 176.

[59] الأنفال: آية 42.

[60] القصص: آية 88.

[61] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص53.

[62] الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج16، ص213.

[63] الأنعام: آية 26.

[64] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص57.

[65] الجصاص، أحمد بن علي، أحكام القرآن: ج1، ص319.

[66] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص17

[67] المصدر السابق: ص59.

[68] التوبة: آية111.

[69] ابن نما، محمد بن جعفر، مثير الأحزان: ص15.

[70] الصافات: آية 96.

[71] ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج1، ص161ـ162 .

[72] ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى: ج٥، ص148.

[73] الطبري، محمد بن جرير، تاريـخ الأُمم والملوك: ج4، ص352.

[74] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص116.

[75] اُنظر: قلعجي، محمد، معجم لغة الفقهاء: ص468.

[76] اُنظر: فتح الله، أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفري: ص329.

[77] آل عمران: آية144.

[78] آل عمران: آية156.

[79] آل عمران: آية157.

[80] آل عمران: آية158.

[81] العيّاشي، محمد بن مسعود، تفسير العيّاشي: ج2، ص112.

[82] ابن أعثم الكوفي، أحمد، كتاب الفتوح: ج5، ص132ـ133.

[83] المصدر السابق: ص132.

[84] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص116.

[85] الراغب الإصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات غريب القرآن: ص286.

[86] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص116.

[87] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص262.

[88] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص36.

[89] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص28ـ 29.

النهضة الحسينية في مواجهة التطبيق الخاطئ للقرآن الكريم