مقدّمة

أمام التراث الإسلامي الديني الحضاري الضخم الذي بين أيدينا، نجد أنّنا ـ ومع توسّع مجالات الالتقاطات المعرفية والحفريات الفكرية ـ نمتلك فرصاً جديدة ثرّة، تعمّق انتماءنا لمنظومتنا في العقيدة الولائية الحقّة، على صعيد ديني، وتجعلنا في قطب التمركز الحضاري العالمي على صعيد آخر.

ومع أنّ هذه ليست بديلاً عن كلّ الذي نمتلكه من رصيد في ثقافتنا الدينية، لكنّها تصلح أن تكون رديفاً له، ومتعشّقة به، وهي تزيد التفكير فكرةً، والإيمان إيماناً، والاستيقان يقيناً، بل تجعلنا متواصلين مع المحيط المعرفي الإنساني من خلال مسلّمات الدراسات المعاصرة، التي أخذت أبعاداً مهمّة في السبر والتوغّل، وقطعت أشواطاً طويلةً في الكينونة الثقافية، والصيرورة البحثية.

ومن ضمن هذا نجد في الدراسات الدلالية إثراءً جديداً يدعم رصيدنا المحكم من عقيدتنا الحقّة؛ في إمامة سادتنا أهل بيت رسول الله محمد(صلى الله عليه واله)، وهذا الإثراء له جِدّته المعاصرة من جهة، وطريقته في الإلفات إلى بؤر التقاط مفعمة بالدلالات، من جهة ثانية.

ومن خلال الدراسة الدلالية نكتشف المغازي العميقة لكثير من النصوص الدينية[1] التي غبّشت فهمَها الآراءُ المذهبية، والتمحّلاتُ الطائفية، والتكلّفاتُ العقدية.

فلو بحثنا ـ مثَلاً دلالياً ـ في جذور كارثة النفاق التي راح ضحيتها الإمام الحسين وأهل بيته الكرام (عليه وعليهم السلام)، وطبّقنا أقوال أشخاص بعينهم، واستقصينا مواقفهم وأفعالهم، في حقول التطبيق الدلالي للنفاق.. لأفصحت الكاشفية الدلالية دون تردّد عن اتصاف جماعة به منذُ أواخر أيام وجود النبي الأكرم(صلى الله عليه واله) وخاصّة في (رزية الخميس) وما تلاها، وسيكونون مفضوحين عندنا ـ دلالياً ـ إلى حدّ اليقين، مع كل طرقهم النفاقية في التخفّي والتورّي، وعلى الرغم من كلّ محاولات أتباعهم في التزوير والتبرير، والتحريف والتجديف!

لذا؛ من خلال العالَم الدلالي الـمُثري يمكن أن ننتج فهماً تحديدياً، وسَبراً تجديدياً، وتفسيراً تطبيقياً، واستقراءً توثيقياً، في التأمّل الموضوعي المجرّد بآيات النفاق في القرآن الكريم، فنعرف المنافقين بأسمائهم وشخوصهم، حتّى وإن وقف تاريخ السواد الأعظم من المسلمين عاجزاً عن تحديد أسماء الذين ارتكبوا جريمة النفاق، ممّن عاشوا في زمن رسول الله محمد(صلى الله عليه واله).

أمّا كيف تأتّتْ لنا هذه القدرة الخارقة على التمييز والتحديد والتشخيص، وبكلّ ثقة ويقين؟

فهذا؛ بسبب ما توفّره لنا الحقول الدلالية من تحديد لا يقبل الشك والتردد، في كلّ مجال من مجالاتها، بما في ذلك الدلالة الصوتية[2]، ونحن نتابع أيّاً من شخوص التاريخ الإسلامي، بالتتبع الدلالي لكلّ أقواله، وأفعاله، وأفكاره، ومواقفه، بل حتّى نبرة صوته، وإشاراته.

ويبدو لي أنّ حادثة استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) لا تزال ساحةً بكراً أمام الباحثين في العلوم المعاصرة، بكلّ ما رافقها من أحداث ومواقف لكلّ مَن حرّك الواقع في ذلك الأوان، أو استطاع أن يحرّك واقع الوعي والتلقّي من أوانها الموغل في عمق التاريخ، وإلى زماننا هذا، وما تتلوه من أزمنة لا تجد أجيالها مناصاً عن التأثر بها، أو التعاطي معها.

ومن أجل التوضيح الدلالي، والربط التطبيقي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ نجد من الأهمية القصوى أن نعرف الدلالة القوية جداً في ربط النبي محمد(صلى الله عليه واله) كتاب الله بعترته أهل بيته، وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض[3]، وما اقترب من هذا الوصف والتصوير فيما يتصل بأخيه ووصيه أوّل العترة سيّدنا أمير المؤمنين(عليه السلام)، من قبيل: «علي مع القرآن والقرآن مع علي»[4]، أو «حسين منّي وأنا من حسين»[5]، الذي يدخل في صلب بحثنا هذا، ثمّ الانطلاق من هذه اللحظة الزمانية معرفياً ببحوث دلالية تضع حدّاً للتجزؤِ والابتسار اللذين طغيا على الذهنيات المذهبية، والاختناقات الطائفية، التي عانى منها العقل العربي المكبّل بعبادة الأشخاص، ووثنية الارتباط بمَن تسلّط وحكم، وبالتنمّر على كلّ مَن ناضل فقُتل.

إنّ الحقل الدلالي[6] بكلّ تفاصيل اقتداره ـ المستمَدّ من قوى (الترادف)، و(الاشتمال)، و(الجزئية والكلية)، والمتابعة الدقيقة لشحنات (التضاد)، و(التنافر) ـ ينبغي أن يُفعّل في تحليل الذهنية العربية من زوايا العقيدة الإسلامية تارةً، ومن نقاط تشكّل القناعات المرتبطة بفهم دين الإسلام تارةً ثانية.

نعم، لو تمّ تفعيل هذا المنحى الدلالي بروح موضوعية بحتة لأعاننا كثيراً في ردم الهوّة؛ بإعطاء الكلمة الفصل فيما يخصّ أشخاصاً بعينهم تمحور حول تفضيلهم ووجوب اتّباعهم أكثرُ الجدل بين المسلمين، فتفرّقوا شِيَعاً، وتنافروا أحزاباً، وتذابحوا (عدواناً)، بدلاً من أن يتفاهموا (إخواناً). خاصّةً وأنّنا نجتمع تحت مظلّة دلالية للغة القرآن المجيد، تلك اللغة التي ترفل بالإعجاز البياني القرآني النديّ، والإيجاز الأدبي البلاغي الجميل، والإنجاز التعبيري والتصويري النابض[7].

وفيما يخصّ موضوع الدراسة، التي تستحقّ أن تُشبع بحثاً في كتاب ضخم، سأُحاول أن أختصر كثيراً من تفاصيل الحقول الدلالية، لأكبس المادّة البحثية في عمومات المجال الدلالي الـمُفصِح عن مكنونات استدلالية ناعمة، أو نائية، حتّى نخرج بنتائج بحث يفتح مجالاً معرفياً واسعاً، ومداراً فكرياً هائلاً وإن كانت دائرة ارتباطه الأُولى متمحورة باحتجاج الإمام الحسين(عليه السلام) بالقرآن الكريم (له أكمل الخلود والدوام)، حتّى كأنّنا نرى القرآن رأي العين متجسّداً بشخص الإمام الحسين(عليه السلام)، كما نسمع الإمام الحسين(عليه السلام) ملء السمع يُتلى بكلمات القرآن الكريم!

وهذا الفهم ليس قفزاً على البحث الدلالي، بل هو متمخّض عنه، أو منسجم معه بوتائر عالية؛ خاصّة وأنّ البحث الدلالي المعاصر بدأ ينظر في العلاقات المتقاربة لكلّ ما هو منتمٍ إلى دائرة معرفية ما، بدلالات الألفاظ والإشارات والإيماءات، حتّى باتت الشوارد اللغوية القديمة ـ مثلاً ـ مادّةً مهمةً في البحث الدلالي اللغوي واللساني المعاصر، لوجود وجوه تشابه بين الجهود العربية العلمية في البحث عن الشوارد اللغوية، وبين الحقول الدلالية المعروفة في اللسانيات الحديثة، وقام بعض من علماء اللغة بإنشاء رسائل مستقلّة تحمل الواحدة منها في طياتها المفردات المنتمية إلى موضوع واحد[8]، لينفتح من خلال ذلك مجال واسع من البحث العلمي الدلالي.. فكيف إذا كانت المفردات القرآنية، ودلالات الوحي، وإيماءات الغيب مقصودة في كلام سادتنا المعصومين(عليهم السلام) بتمام القصد؟ بل ويبقون إلى آخر المطاف وهم يتعاطون بروح العصمة مع كلّ المواقف والنوائب، فإذا بالعصمة تتجسّد في كلّ شيء يصدر من المعصوم، بما في ذلك أنّة كسر الأضلاع، وآهة شخب دماء الأوداج!

آثار العصمة على الوعي دلالياً

من الموضوعية أن نقول: إنّ الجهود العلمية العربية الإسلامية كان أُسُّها الأساس هو التأثّر بالآثار العلمية الأدبية التي وصلت مرويةً عن سيّدنا رسول الله وآله الكرام (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام)، باعتبارها مادّةً أُولى مكانةً وقِدَماً بعد القرآن، في التأصيل المعرفي الذي تلا فَعَلا؛ وبهذا يكون التأسيس الدلالي عِلمياً وعَمَلياً قد تقوّم بنتاج سادتنا المعصومين(عليهم السلام)، وهو نتاج مؤسَّس على الفكر القرآني كفكر ممتدّ، وعلى المعاني القرآنية، وألفاظ القرآن، كمعانٍ سامية، وألفاظ دالّة. ومن هنا ينبغي لنا أن نفهم آثار الإمام الحسين(عليه السلام) المترجمة للقرآن المجيد، كقيمة دينية مثلى، وكضرورة حضارية قصوى، وبرؤية دلالية أثرى.

الحسين قرآن يُتلى

ليس هذا عنواناً أملاه خيال منبهر به، بل هو حقّ حقيق لـمَن تملّى فيه، فالقيمة الدلالية لكلّ أقواله وأفعاله ومواقفه ومطالبه وقناعاته، كلّها قرآنية 100%. وحتى يكون كلامنا موضوعياً محايداً، لا عاطفياً متعاطفاً، سنأخذ عيّنات تطبيقية، ضمن حقول محددة:

الحضور القرآني الاقتباسي والتناصّي في كلامه(عليه السلام)

إذا أتينا إلى الانتماء الدلالي بين كلام الإمام الحسين(عليه السلام) وكلام ربّنا العظيم في قرآنه الكريم، نجد بكلّ وضوح تمام التواؤم والتمازج، وكامل الانتماء والانمياث بين هذا الكلام وذاك، وكأنّهما ينبوعان صافيان من منبع واحد، مع إعطاء المنتهِلينَ منهجاً حياتياً إسعادياً متكاملاً.

إنّنا نجد القرآن المجيد حاضراً في كلّ كلام الإمام، سواء بالاقتباس والتضمين، أم بإعطاء فكر قرآني يتمحور حديثه حوله؛ ليكوّن الفهم الواعي من خلال رؤية قرآنية جالية، وليصيّر التثقيف الرصين من نماء الذكْر الحكيم نفسه. وأفعال الإمام هي كأقواله في هذا الصدد، وكلاهما (الأقوال والأفعال) انعكاس تام للفكر الحسيني القرآني، الذي حمله وعياً، وحركةً، وبوحاً.

وكشاهد على ذلك خطابه الرصين حين دعا الحسين(عليه السلام) براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته: «أيّها الناس، اسمعوا قولي،‏ ولا تُعجلوني، حتّى أعظكم بما يحقّ (لحق) لكم علي، وحتّى أُعذر (أعتذر) إليكم (من مقدمي عليكم)، فإنْ (قبلتم عذري، وصدّقتم قولي، و) أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، (ولم يكن لكم عليّ سبيل)، وإن (لم تقبلوا منّي العذر، و) لَمْ تُعطوني النصف من أنفسكم فأجمعوا رأيكم ‏(أمركم وشركاءكم)، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غُمّةً، ثمّ اقضوا إليّ ولا تُنظرون،‏ إنّ وليّـيَ اللهُ الّذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين»[9].

فبالعودة إلى القرآن الكريم نجد روعة هذا الاقتباس القرآني والتضمين الحسيني، وبأبهى ما يكون من تواؤم وتناغم: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ الله فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ * فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ * ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ)[10].

وينبغي أن لا يُنسى القصد الخفي (المحتمل) لمجمل قصّة النبي نوح في هذه الآيات القرآنية، ومعاناته، ونهاية مطاف قومه، ونهاية مطاف سفينته، ونهاية مطاف عمره، حين اختاره الإمام رمزاً للاقتباس، وشاهداً للتناصّ. وكذا ينبغي الالتفات إلى ما سبق هذه الآيات، خاصّة الآيتين الكريمتين السابقتين لها: (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ)[11]، بما لهما من حزمة دلالات (زلزالية) على هذا المشهد الحسيني (الكوني)، الذي يختصر كلّ شيء في (طفّ كربلاء)!

هذا مع انطلاقة حسينية بيانية من أعذب الكلام، وصفها واصف بقوله: «ثمّ حمد الله، وأثنى عليه، وذكر الله بما هو أهله، وصلّى على النبيّ(صلى الله عليه واله) وعلى ملائكة الله وأنبيائه، فلم يُسمع مُتكلّـمٌ قطُّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقٍ منه»[12].

تصاعد الخطاب .. حتّى الذروة القرآنية

كذلك يأخذ الخطاب الحسيني خطّه البياني بأعلى مستويات الصعود المستمرّ، ضمن منحنى التأثير المنقطع النظير (إلّا النظائر التي حفظها التاريخ عن جدّه المصطفى وأبيه المرتضى وأُمه الزهراء وأخيه المجتبى وأُخته الحوراء وأبنائه الأئمّة المعصومين الأصفياء)، والغريب ليس هذا الترابط الوثيق بين الخطاب القرآني والخطاب الحسيني وحسب؛ بل انعكاس ذلك على كلّ مَن يستمع كلام الإمام الحسين(عليه السلام) المتفتّح بالقرآن كتفتّح الزهور بالأريج، فلا انفكاك بين الزهرة وعطرها، كما لا انفكاك بين كلام الإمام الحسين(عليه السلام) وكلام الله العظيم، وبأجلى التعانق الدلالي الوثيق؛ لذا كان احتجاجه بالقرآن الكريم ترجمة حيةً لكتاب الله باعتباره فرقاناً تطبيقياً على أرض الواقع، في أحرج لحظة من لحظات الوجود الإنساني كلّه، على صعيد كربلاء، التي اختصرت تاريخ الأرض وعلاقتها بالسماء!

ولذا؛ حاول أعدى أعداء الإمام أن يستفيد من هذه الوتيرة المذهلة من الاستيحاء القرآني، فقال عن نفسه الشمرُ بن ذي الجوشن: «هو يعبدُ الله على‏ حرفٍ‏ إن كان يدري (ما تقول)»[13]. وهنا يبادر من معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) شخص ذائب في القرآن وفي الإمام، هو حبيب بن مظهّر الأسدي، ليجيب الشمر قائلاً له: «والله، إنّـي لأراك تعبدُ الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك»[14].

ثمّ على هذا المنحى يواصل الإمام الحسين(عليه السلام) كلامه المشرّب بروح كلام القرآن الكريم، قائلاً: «فإن كنتم في شكٍّ من هذا، أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيِّكم؟! فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم أتطلبونّي بقتيلٍ منكم قتلته؟! أو مالٍ لكم استهلكته؟! أو بقصاص جراحة؟!»[15].

ولذا؛ لم يستطع أحد مواجهة هذا المدّ الحسيني القرآني الهادر بالحقيقة، الدامغ بالحجّة، المقنع لكلّ مَن ألقى السمع وهو شهيد، وقد عبّر التاريخ عن حالة أعدائه (بعشرات آلافهم) بجملة مختصرة جداً، لكنّها دالّة جداً: «فأخذوا لا يكلّمونه»[16].

لماذا لم يستطع أحد أن يكلّمه؟ فضلاً عن أن يردّ عليه؟

إنّها الحجّة البالغة، (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)[17]. وعنت الوجوه، فما تسمع حتّى همساً.

وكانت أقصى محاولة للتعتيم على الحقيقة، من عدوّ حاول أن يكسر هيمنة الإمام على القلوب والعقول والقناعات، فقال له: «أَوَ لا تنزل على حكم بني عمّك، فإنّهم لن يُروك إلّا ما تُحبّ، ولن يصل إليك منهم مكروه؟»[18].

فكانت الكلمة المدوّية بالإباء، والناطقة بالشمم، التي أذهلت التاريخ والأجيال معاً، وقد راح ينشدها كلّ محبّ للحسين، وكلّ حرّ أبيّ مستفيد من درسه الذي لا يُنسى على مرّ الأعوام والقرون: «لا والله، لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أُقرُّ إقرار العبيد»[19]. ثمّ كانت الكلمة الحسينية القرآنية المتحدة بما لا يقبل التفكيك، ويستحيل منهما الانفكاك: «عِبَادَ الله‏، (إِنِّي وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ)[20]،‏ (أَعُوذُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)[21]»[22]، وبأجلى ما يكون احتجاجٌ بالقرآن الكريم.

وهكذا يُتوَّج موقف من المواقف الحسينية برؤية تجمع الرضا، بل الأمر الإلهي مع المبتغى الإنساني؛ بإعلان السلام لا الاستسلام، والوئام لا الانعدام، لكن أعداءه قابلوه بالعمى، وصُمّوا عن الهدى، واختاروا طريق الخزي والردى، كلّ هذا نستشفّه من خلال الوصف التاريخي الشديد الاختصار، العميق الدلالة: «ثمّ إنّه أناخ راحلته، وأمر عُقبة بن سمعان فعقلها، وأقبلوا يزحفون نحوه»[23].

تعانق الحسين والقرآن

ثمّة موقف آخر يعطينا كامل الدلالة على التعانق التامّ بين القرآن الكريم (له الخلود)، والإمام الحسين(عليه السلام)؛ إذ يقول التاريخ: إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) جمع أصحابه، ثمّ حمد الله وأثنى عليه، وقال: «اللهمّ لك الحمد على ما علّمتنا من القرآن، وفقّهتنا في الدين، وأكرمتنا به من قرابة رسولك محمد(صلى الله عليه واله)، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين...»[24].

وكبعد السماء عن الأرض، كان بُعد أعداء الإمام عن القرآن المجيد؛ ولذا كانت قراءة الإمام الحسين لهم بأنّهم (نبَذة الكتاب) كاشفةً عن قلب الحقيقة، فقال لهم غير مستسلم ولا هيّاب: «فبعداً وسحقاً لطواغيت هذه الأُمّة، وبقيّة الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومطفئي السنن، ومؤاخي المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عِضين، وعصاة الإمام، وملحقي العهرة بالنسب، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. أفهؤلاء تعضدون؟! وعنّا تتخاذلون؟!»[25].

وهنا الربط الدلالي الكثيف، بجملة من آيات القرآن الحكيم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، في البعد الدلالي لنبذ الكتاب هذه الآية: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)[26]. وبذلك يأخذ الاحتجاج بالقرآن منحيين رديفين؛ الأول: عمَلي، بحمل القرآن، ونشره، والدعوة للاحتكام إليه، والثاني: باختيار ألفاظ بعينها فيها الاستيحاء الدلالي من القرآن الكريم وإن لم يكن بالاقتباس المباشر.

وأمّا هذا المقطع من الآية ففي تفسيره لدى المسلمين إحالات دلالية كثيرة، لا يسع المقام هنا لسردها[27].

نمطان دلاليان.. علنيّ وخفيّ

وكلّما تأمّلنا بمزيد من النظر الاستدلالي يدهشنا هذا التحشيد المتقن للمدّ الدلالي المستقي من القرآن الكريم، وهو يزيّن الخطاب الحسيني بأمواج من الدلالة العلنية، تتبدّى في طياتها أمواج لطيفة من الدلالة الخفيّة، في طيات طوفان الاحتجاج القوي، والموقف الصلب. وكشاهد على ذلك من ضمن شواهد كثيرة، نأخذ قول الإمام(عليه السلام): «هيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك، ورسوله، والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، ونفوس أبيّة، وأنوف حميّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأُسرة على قلّة العدد وكثرة العدو، وخذلة النّاصر»[28]. ففيه نفي الذلّ عنه(عليه السلام)، كدلالة علنية، وكذلك في قوله وسمٌ لأعدائه بالذلّة التي ضُربت على اليهود من قبلُ، في دلالة خفيّة بأنّهم يهود الأُمّة الأذلاء. وهكذا في ربط إبائه بالله ورسوله والمؤمنين، مع الإشارة لآيات الولاية لله ولرسوله وللمؤمنين بالنص أو بالمعنى، ومنها: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ)[29].

الإباء الحسيني المختوم بالعودة إلى القرآن

ونرى ربطاً دلالياً وثيقاً في الخطاب الحسيني بالقرآن الكريم، امتزاجاً، أو احتجاجاً، على شكل (قفل الذروة) إذا تمّ لي هذا الوصف، وأعني به: أن يتصاعد البيان بوتائر من الشدّ الآسر، كاستشراف الغيب مثلاً، الذي فيه طيف خفيّ من النداء القرآني البعيد، ثمّ يقفل الذروة التأثيرية بنص قرآني دامغ، أو غير قابل للردّ والالتفاف عليه، كما في قوله(عليه السلام) في آخر ساعة قبيل استشهاده: «أَعلى قتلي تجتمعون؟ أَما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله أسخط عليكم لقتله منّي، وأيم الله، إنّي لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أَما والله، لو قتلتموني لألقى الله بأسكم بينكم، وسفك دماءكم، ثمّ لا يرضى بذلك منكم حتّى يُضاعف لكم العذاب الأليم»[30].

وفي هذا الصدد تبرز أهمية ما ينقله الطبري عن أبي مخنف: «حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: سمعت الحسين يومئذٍ وهو يقول: اللهمّ، أمسك عنهم قطر السماء، وامنعهم بركات الأرض، اللهمّ، فإن متّعتهم إلى حين ففرّقهم فِرَقاً، واجعلهم طرائقَ قِدَداً، ولا تُرضِ عنهم الولاة أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا، فعدوا علينا فقتلونا»[31].

الدعاء .. والتنبؤ.. ثمّ إلى القرآن مجدّداً

وعلى هذه الوتيرة يكون دعاء المعصوم (الذي لا يُردّ) على أعدائه المجرمين، مع استشراف المستقبل الحتمي، المترشّح بأطياف دلالية عن إشارات قرآنية، يكون ختامها مع قفل الذروة القرآني. وقد روى التاريخ بعضاً من المواقف العجيبة، ومنها ما ذكره الطبري في تاريخه: «عن القاسم بن الأصبغ بن نُباتة، قال حدّثني مَن شهد الحسين في عسكره أنّ حسيناً حين غُلب على عسكره، ركب المسناة يريد الفرات، قال: فقال رجل من بني أبان بن دارم: ويلكم، حولوا بينه وبين الماء لا تتامّ إليه شيعته، قال: وضرب فرسه وأتبعه الناس حتّى حالوا بينه وبين الفرات، فقال الحسين: اللهمّ أظمه. قال: وينتزع الأبانيّ بسهم فأثبته في حنك الحسين. قال: فانتزع الحسين السهم، ثمّ بسط كفيه فامتلأتا دماً. ثمّ قال الحسين: اللهمّ، إنّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيّك. قال: فوالله، إن مكث الرجل إلّا يسيراً حتّى صبّ الله عليه الظمأ، فجعل لا يروى، قال القاسم بن الأصبغ: لقد رأيتني فيمن يروّح عنه، والماء يُبرَّد له فيه السَّكَر وعساس فيها اللبن، وقلال فيها الماء، وإنّه ليقول: ويلكم، اسقوني قتلني الظمأ. فيُعطى القلّة أو العُسَّ كان مُروياً أهل البيت فيشربه فإذا نزعه من فيه اضطجع الهُنيهةَ ثمّ يقول: ويلكم، اسقوني قتلني الظمأ. قال: فوالله، ما لبث إلّا يسيراً حتّى انقد بطنه انقدادَ بطن البعير»[32].

وكذا ما يرويه التاريخ عن دعاء الإمام: «اللهمّ، احبس عنهم قطر السّماء، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف، وسلّطْ عليهم غلام ثقيف، فيسومهم كأساً مصبَّرة، فإنّهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك أنبنا وإليك المصير»[33]. وهذا النص القرآني فيه إحالة إلى الموقف الإبراهيمي الصريح على آخر مفترق الطريق بينه وبين قومه المكذّبين به: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِالله وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [34].

انتقاء اللقطة القرآنية

ونرى أيضاً في الرصد الدلالي للخطاب الحسيني التقاطات نابضة من قلب القرآن المجيد، تُوهِّج الصورة، وتُذكي الإحساس، وتُلهِب الشعور، وترقّق التعبير، وتعمِّق المعنى، فمثلاً قوله(عليه السلام): «ولكنْ أسرعتم إليها كطِيَرة الدبَّا، وتداعيتم عليها كتهافت الفَراش»[35]، نجد فيه صوراً متحركة، تعبّر تمام التعبير عن الحركة النفاقية المعاكسة لدى الأُمّة الميّتة تحت سياط الجلاّدين، وهي تعيش الارتماء بأحضان الفتنة الأُمويّة، أملاً في الخلاص من بطش الأُمويين وإجرامهم، ولكن لا بالثورة عليهم، بل بالانتظام في صفوف قواهم الإجرامية، حتّى وإن كان القصد هو قتل سيّد شباب أهل الجنّة. وكان الأَوْلى بهم أن يخافوا من القارعة، يوم يكون الناس كالفَراش المبثوث[36]. فاختار الإمام الحسين(عليه السلام) مفردة (الفَراش) التي لم ترد في القرآن إلّا مرّة واحدة، وهي تعبّر عن الكثرة، والحيرة، والانتشار، والانجرار، ليجعلها في قمّة إيحاء اللقطة التي شحنها بكلامه الصريح مع أعدائه: «تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم، فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم. فهلّا ـ لكم الويلات ـ تركتمونا والسّيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لـمّا يستحصف، ولكنْ أسرعتم إليها كطِيَرة الدبَّا، وتداعيتم عليها كتهافت الفَراش، ثمّ نقضتموها، فسحقاً لكم يا عبيد الأُمّة، وشذاذ الأحزاب...»[37].

ناطقية الكاشفية الدلالية

إنّ للتتبّع الدلالي الدقيق في آثار الإمام الحسين(عليه السلام) أثراً بالغاً في فهم علاقة الإمام الشهيد بكتاب ربِّنا العظيم، سواء على صعيد الفهم العلمي، أم على صعيد التطبيق العملي، أم على صعيد البيان المقالي. وتدهشنا بحق هذه المنظومة المتكاملة من تلاوة القرآن حقّ تلاوته لدى إمامنا الحسين(عليه السلام)، بما يُنتج فهماً قرآنياً سليماً تماماً، ومنطقاً قرآنياً صادقاً تماماً، وتطبيقاً قرآنياً مخلصاً تماماً، حتّى في أعسر المواقف التي ينهار فيها الإنسان، ويخرّ على وجهه!! ولعلّ هذا الخلود الحسيني المتكامل مع الخلود القرآني، هو السرُّ في نضارة الإسلام، وبقائه غضّاً جديداً، لا يبلى ولا يفنى، بل يزداد نضارة وقدرة فريدة على مخاطبة أجيال البشرية جيلاً بعد جيل بروح وثّابة، تفتح آفاق المستقبل رائدةً للحركة الإنسانية باتجاه التكامل الأرقى المنشود، بحيث لولا الحسين لما بقيَ من الإسلام حتّى اسمه، ولما سلم من القرآن حتّى رسمه.

وبذلك نكتشف كما أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان يحتجّ بالقرآن الكريم لإثبات صواب خطه القويم، فإنّ القرآن الكريم ظلّ يحتجّ بالإمام الحسين لتظلّ هداية الله من خلاله إلى الصراط المستقيم.

وختاماً يمكن أن نقدّم هذا الجدول الدلالي البسيط كعيِّنة للاشتغال على هذه الموضوعة البحثية الدلالية المهمّة جدّاً، ليتبيّن لنا دقيق احتجاج الإمام الحسين(عليه السلام) بالقرآن الكريم، وعميق احتجاج القرآن الكريم بالإمام الحسين(عليه السلام)، وبدامغ الحجّة، مع وضوح المحجّة، أمام العقل البشري على امتداد الزمان، واختلاف المكان، وتطوّر الأذهان.

نص قرآني	نص للإمام الحسين(عليه السلام)	موقف للإمام(عليه السلام)
(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[38].	يا أيّها الناس، نافِسوا في المكارم وسارعوا في المغانِم[39].	احتضان الإمام الحسين (عليه السلام) ابن أخيه عبد الله بن الحسن، وهو صابر محتسب[40]!
(وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [41].	إنّ العِزّ والغنى خرجا يجولان فَلَقيا التوكّل فاستَوطَنا[42].	سقى جيش الحرّ الرياحي الماء بكلّ رحمة بعد أن أشرفوا على الهلاك[43] وهو يدري أنّهم قاتلوه.
(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[44].	اصبر على ما تَكرَه فيما يُلزِمُكَ الحق، واصبِر عن ما تُحِبُّ فيما يدعوكَ إليه الهوى[45].	في احتدام المعركة، يلتفت أحد أصحابه إلى وقت الصلاة، فيقول الإمام: سلوهم أن يكفوا عنّا حتّى نصلّي[46].

أكتفي بهذا القدر من شواهد أقوال الإمام الحسين(عليه السلام) الشريفة، التي لها تطابق دلالي مع أفعاله الصادقة، وهي ترجمة حقيقية مرئية للآيات القرآنية.

إذ بالاطلاع على القرآن الكريم نجد دلالياً أنّ كلّ ما قاله الإمام(عليه السلام)، أو فعله، هو استيحاء تام، وترجمة ثانية (تطبيقية مرئية ومسموعة) لمعاني الآيات المباركة، تؤكّده وتدلّ عليه مواقفه، التي لا تختلف عن أيّ قول من أقواله، ولا تتخلّف عن أية فضيلة ألمحت أو صرّحت بها آية قرآنية خالدة.

ولقد تبيّن لنا دقيق تفعيل كلّ قِيَم القرآن السامية في حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، فكراً وقولاً وفعلاً، لنخرج باستنتاج عن (مرآتية) الاتحاد التام بين الحسين والقرآن؛ من خلال التحليل الدلالي في كلّ أقواله، وأفعاله، بمعيارية العرض على القرآن الكريم حسينياً، والعرض على الإمام الحسين قرآنياً.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1. الإرشاد في معرفة حجج اللـه على العباد، محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (ت413هـ)، تحقيق مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع.

2. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، صورة عن الطبعة الأُولى بالمطبعة الحسينية المصرية.

3. سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف، 1415هـ/1995م.

4. صحيح الأدب المفرد، محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة الدليل، 1414هـ/1994م.

5. صحيفة الحسين(عليه السلام)، جواد القيومي الإصفهاني، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، الطبعة الأُولى، 1416هـ.

6. علم الدلالة دراسة نظرية وتطبيقية، فريد عوض حيدر، مكتبة الآداب، القاهرة، الطبعة الأُولى، 2005م.

7. علم الدلالة، أحمد مختار عمر، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الأُولى، 1402هـ/1982م.

8. في أُصول الحوار وتجديد علم الكلام، طه عبد الرحمن، إصدار المركز الثقافي الغربي، الدار البيضاء ـ المغرب، الطبعة الثانية، 2000م.

9. الكامل في التاريخ، علي بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1387هـ/1967م.

10. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان.

11. مباحث في علم الدلالة والمصطلح، أحمد صادق قنيبي، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الطبعة الأُولى، 2005م.

12. مبادئ اللسانيات، أحمد محمد قدور، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأُولى، 1996م.

13. محاضرات في الألسنية العامّة، فردينان دي سوسور، ترجمة يوسف غازي ومجيد الناصر، المؤسّسة الجزائرية للطباعة.

14. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1408هـ/1988م.

15. مفاتيح الألسنية، جورج مونان، ترجمة: الطيب البكوش، منشورات الجديد، تونس، 1981م.

16. مقتل الحسين(عليه السلام)، السيّد عبد الرزاق المقرّم، قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدّسة، الطبعة الأُولى، 1436هـ/2015م.

17. مقتل الحسين(عليه السلام)، الموفّق محمد بن أحمد الخوارزمي، تحقيق الشيخ محمد السماوي، الناشر أنوار الهدى، الطبعة الأُولى، 1418هـ.

[1] بما أنّ الحقل الدلالي يضمّ مجموعة من الكلمات المرتبطة في الدلالات، فستتكوّن من مجموع الحقول الدلالية في هذه المجالات الدينية شبكة ممتدة وقد تكون متشابكة، تعطينا إثراءً علمياً مهماً؛ لأنّه يتناول أطيافاً واسعة من المعارف والعلوم والثقافات التي تلتقي متنافرةً أو متضافرةً في مصب الدين، لتكون المحصّلة النهائية أعمق في الفهم الديني، والوعي المعرفي.

[2] وقد تألق العالم الموسوعي الشيعي الشيخ ابن جني(رحمه الله)، في التفاته إلى تقارب المعاني نتيجة تقارب جرس الأصوات، أي: وضع الألفاظ على صورة مناسبة لمعانيها. اُنظر: حيدر، فريد عوض، علم الدلالة.. دراسة نظرية وتطبيقية: ص28.

[3] هذا الحديث رواه محدِّثو المسلمين، وعدّه من الأحاديث الصحيحة كبارُ علماء أبناء السنة والجماعة وأئمّة مشايخهم، وأثبتوه في أُمهات مصادر الحديث النبوي، منهم: النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم: ج7، ص123. الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج5، ص328. الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن، سنن الدارمي: ج2، ص432. البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الكبرى: ج7، ص30. ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج3، ص14، وص17، وص26، وص59. ج5، ص181. الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين: ج3، ص109. النسائي، أحمد بن الحسين، سنن النسائي: ج5، ص45، وص51، وص130. وفي تخريج ذلك اُنظر: الألباني، محمد ناصر الدين، سلسة الأحاديث الصحيحة: ج4، ص355، تحت الرقم (1761)، وغيرها العشرات من المصادر، والآلاف من المراجع والدراسات والبحوث.

[4] رواه جمع من كبار علماء أبناء السنّة ومشايخهم، وقد صحّحه الحاكم النيسابوري قائلاً: «سمعت رسول الله(صلى الله عليه واله) يقول: علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض. هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء، ثقة مأمون، ولم يخرّجاه». الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين: ج3، ص134.

[5] هذا الحديث ذكرته مئات المصادر والمراجع من كتب المسلمين، ومنها: البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح الأدب المفرد: ج1، ص153. الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي: ج5، ص658. ابن ماجة، محمد بن يزيد، سنن ابن ماجة: ج1، ص51. الطبراني، سليمان بن محمد، المعجم الكبير: ج22، ص274. الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين: ج3، ص194. ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج4، ص172. وغيرهم كثير.

[6] الحقل الدلالي: هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها، وتوضع بمادة تحت لفظ عام يجمعها، مثال ذلك كلمة الألوان في اللغة العربية، فهي تقع تحت المصطلح العام (لون) وتضمّ ألفاظاً مثل: أحمر، أزرق، أصفر، أبيض، وغيرها. اُنظر: عمر، أحمد مختار، كتاب علم الدلالة: ص79.

[7] للباحث طه عبد الرحمن نظرة في قواعد الأصل اللغوي، ضمن الكيفيات التي تكون بها اللغة العربية (أبلغ) من سواها، يؤكدها في ثلاث قواعد مهمّة جداً، هي قاعدة الإعجاز، أي: التسليم بأنّ اللسان العربي استعمل في القرآن الكريم بوجوه من التأليف، وطرق الخطاب، يعجز الناطقون عن الإتيان بمثله دائماً. وقاعدة الإنجاز، أي: الالتزام بإنشاء الكلام جارياً على أساليب العرب وعاداتهم في التبليغ. وقاعدة الإيجاز، أي: اختصار في العبارة وتأدية المقاصد. اُنظر: عبد الرحمن، طه، أُصول الحوار وتجديد علم الكلام: ص99.

[8] يؤكد الباحث أحمد عزوز على الجهود العربية العلمية في البحث عن الشوارد اللغوية، وبين الحقول الدلالية المعروفة في اللسانيات الحديثة، ليجعل من ذلك دليلاً أو مؤيداً على أصالة البحث الدلالي عند العرب، كما في كتابه (نشأة الدراسة الدلالية العربية وتطورها): ص172.

[9] هذا النصّ مشهور في كثير من كتب التاريخ التي تعرّض مؤلفوها إلى ذكر أحداث سنة إحدى وستين للهجرة، وما بين الأقواس على رواية الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص322. والنص في كتاب )الكامل في التاريخ) لابن الأثير، قريب جداً من رواية الطبري، وليس فيه سوى بعض تغييرٍ، من قبيل: «حتى أعظكم بما يجب لكم عليّ»، و«... وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد». ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص16.

[10] يونس: آية71ـ74.

[11] يونس: آية69ـ70.

[12] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج6، ص242. اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص61.

[13] (أو: ما تَقَوَّلَ، أو: ما يقول) حسب اختلاف المرويات، أو القراءات، وقد وثّق الطبري هذا النص في كتابه. اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص323. والنص في كتاب الكامل في التاريخ: «فقال شمر ـ وهو يعبد الله على حرف ـ: إن كان يدري ما يقول». ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص62. وقد سبق منّي شرح المعنى المقصود من هذه العبارة التي فيها تعقيد لفظي ومعنوي على حدّ سواء، اُنظر: آليات تطوير الخطاب المنبري، مجلة الإصلاح الحسنيي، العدد ٢٨، ١٤٤١هـ/٢٠١٩م: ص٩١ـ ٩٤.

[14] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج6، ص243. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص63، وغيرهما كثير جداً.

[15] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص223. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص63.

[16] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص223. وفي كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير على هذا النحو: «فلم يكلّموه». ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص63. وقد أكّدت مئات المصادر والمراجع التاريخية هذا بنصه أو بمعناه.

[17] الأنعام: آية149.

[18] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص223. وفي كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: «أوَ لا تنزل على حكم ابن عمّك ـ يعني ابن زياد ـ فإنّك لن ترى إلّا ما تحبّ». ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص63. والعدو القائل هو قيس بن الأشعث، وهو أخو أخيه الذي عرض الأمان على مسلم بن عقيل في الكوفة؛ ولذا قال له الإمام الحسين(عليه السلام): «أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟».

[19] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص223. وفي كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: «ولا أقرّ إقرار العبد»، ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص63.

[20] الدخان: آية20.

[21] غافر: آية27.

[22] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص223. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص63.

[23] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص223. وفي كتاب الكامل في التاريخ «ثمّ أناخ راحلته، ونزل عنها... وخرج زهير بن القين... فسبّوه وأثنوا على ابن زياد وقالوا: والله، لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومَن معه». ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص63.

[24] الخوارزمي، محمد بن أحمد، مقتل الحسين(عليه السلام): ج1، ص349.

[25] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص24.

[26] البقرة: آية100.

[27] نجد في الخطب الحسينية أبعاداً دلالية قرآنية، تضمّ مادّة تصلح أن تكون كتاباً ضخماً؛ لذا نكتفي بهذه الإشارة السريعة، عسى أن يُوفّق الباحثون إلى تتبعها في القرآن الحكيم، ويقتنصوا من كتب التفسير التفاتات لمفسّرين تصلح أن تكون ضمن هذا البحث الدلالي المهم. وكنواة بحثية للالتقاط الدلالي أُشير إلى ما جاء في كتب التفسير من الحديث عن نقض اليهود للعهود، بتفصيلات لغوية ونحوية وصرفية، تكون مادّة خصبة لإثراء الحقول الدلالية. فعلى الباحث في الحقول الدلالية، أن يستنطق تلك النصوص التفسيرية استنطاقاً دلالياً عميقاً، وعليه أن لا يغفل مقاصد الربط الدلالية بين جيش يزيد (أعداء الإمام الحسين(عليه السلام)) واليهود. هذه عينة واحدة من ملايين العيّنات التي حوتها ملايين الكتب المطبوعة والمخطوطة في تراثنا الضخم.

[28] ابن نما الحلي، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص40.

[29] المائدة: آية55ـ 56.

[30] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص77.

[31] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص345. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص77.

[32] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص345. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص77.

[33] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص56. الخوارزمي، محمد بن أحمد، مقتل الحسين(عليه السلام): ج3، ص7، وغيرها من كتب المقاتل.

[34] الممتحنة: آية4.

[35] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص332.

[36] في إحالة إلى القرآن الكريم، سورة القارعة.

[37] المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص332، وهذا النص ذكره كُتّاب المقاتل ومؤرخو أحداث مقتل الإمام الحسين(عليه السلام).

[38] المطففين: آية26.

[39] الإربلي، علي بن عيسى، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص239.

[40] يروي الطبري في تاريخه عن أبي مخنف موقف هذا الطفل البريء الذي لم يكن قد بلغ سنّ المراهقة، بهذا النص المؤلم: «جاء يشتدّ إلى الحسين، فقام إلى جنبه، قال: وقد أهوى بحر بن كعب بن عبيد الله من بني تيم الله بن ثعلبة بن عكاية إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام: يابن الخبيثة، أَتقتل عمّي؟! فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده، فأطنّها إلى الجلدة، فإذا يده معلّقة، فنادى الغلام: يا أُمّتاه، فأخذه الحسين فضمّه إلى صدره، وقال: يا بن أخي، اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين، برسول الله وعلي بن أبي طالب، وحمزة، وجعفر، والحسن بن علي (صلّى الله عليهم أجمعين)». الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص345. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص77. فيه بعض الاختصار.

[41] البقرة: آية177.

[42] القيومي الإصفهاني، جواد، صحيفة الحسين(عليه السلام): ص326.

[43] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص334. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص77.

[44] الشورى: آية36.

[45] النوري، حسين، مستدرك الوسـائل: ج11، ص218.

[46] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص344. وقد ذكر ذلك في أوّل سرده أحداث سنة إحدى وستّين للهجرة، قائلاً: «وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي اليربوعي، حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حرِّ الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشِّفوا الخيل ترشيفاً. فقام فتيانه فرشّفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتّى أرووهم وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عب فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوا الخيل كلّها. قال هشام: حدّثني لقيط عن علي بن الطعّان

المحاربي، كنت مع الحرّ بن يزيد فجئت في آخر مَن جاء من أصحابه فلمّا رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال: أنخ الراوية، والراوية عندي السقاء، ثمّ قال: ابن أخي أنخ الجمل، فأنخته. فقال: اشرب، فجعلت كلّما شربت سال الماء من السقاء. فقال الحسين: اخنث السقاء، أي: اعطفه. قال: فجعلت لا أدري كيف أفعل؟ قال: فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسي». ابن الأثير، علي ابن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص77.

احتجاج الإمام الحسين(عليه السلام) بالقرآن الكريم - دراسة دلالية