مقدّمة
لا يخفى أنّ القرآن الكريم هو كتاب المسلمين الأوحد الذي اتفقت كلمتهم على قدسيته وعصمته، وهو المرجع لهم جميعاً في أحكامهم وتشريعاتهم، كما أنّ المسلمين جميعاً يقرّون أنّ الأفضل والأليَق من بينهم هو الأكثر قرباً من القرآن؛ ولذلك يعتبرون رسول الله(صلى الله عليه واله) هو أكثر المسلمين قرباً وأنساً بالقرآن الكريم، ولكن الكثير منهم يجهل أنّ عترته من بعده ومنهم الإمام الحسين(عليه السلام) كانوا هم الأقرب للقرآن والأكثر تفانياً وعملاً بتعاليمه.
ونتكلّم في هذه المقالة عن معنى (شريك القرآن)، اللقب المعروف للإمام الحسين(عليه السلام)، ومَن أطلقه عليه؟ ودلالة حديث الثقلين على هذه الشراكة، كما ونتطرق إلى ذكر بعض نماذج الشراكة والمشابهة بين الإمام الحسين(عليه السلام) والقرآن، وبيان مدى العلاقة والارتباط بينهما، ثمّ بيان معطيات هذه الشراكة ونتائجها.
معنى الشراكة
الشِّرْكَة والمشَارَكَة في اللغة بمعنى خلط الملكين واشتراك اثنين أو أكثر في ملك أو مال أو قضية أُخرى مادية أو معنوية[1]، «والشِّرْك: أن يجعل لله شريكاً في رُبوبيته»[2] و«الشَّرِيكُ يجمع على شُرَكَاءَ وأَشْرَاكٍ، مثل شريفٍ وشُرَفَاءَ وأَشْرَافٍ. والمرأَةُ شَرِيكَةٌ، والنساء شرائك، وشَارَكْتُ فلاناً: صرتُ شَرِيكَهُ. واشْتَرَكْنَا وتَشَارَكْنَا في كذا... قال الجعدي:[3]
وشَارَكْنَا قُرَيْشاً في تُقاها |
|
وفي أَحْسَابِها شِرْكَ العِنانِ»(3) |
وقال تعالى حكاية عن لسان النبي موسى(عليه السلام) في طلبه لأخيه هارون: (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)[4].
وبناءً على التعاريف المذكورة فإنّ شراكة الإمام الحسين(عليه السلام) يمكن أن تعني معاني عديدة، منها:
إنّه(عليه السلام) مندمج مع القرآن، لا يفارقه ولا يخالفه، أو أنّه(عليه السلام) شبيهه ومثيله، أو أنّ القرآن والإمام الحسين(عليه السلام) يشتركان في أمر خاصّ، من قبیل الهداية والقيادة والخلافة، أي: إنّ الإمام شريك القرآن في خصائصه وشؤونه، فكما أنّ القرآن يهدي فالإمام يهدي أيضاً، وكما أنّ القرآن معصوم فالإمام معصوم أيضاً، وهكذا. وكلّ هذه الموارد يمكن أن تنطبق على الإمام الحسين(عليه السلام)، لكن يبدو أنّ المعنى الثالث هو الأقرب إلى التعريف اللغوي، والمؤيد بالروايات التي سنذكرها.
لقب الشراكة مع القرآن في النصوص الروائية
إنّ لهذا اللقب أصل روائي، فقد أُطلق في الروايات على أهل البيت(عليهم السلام) عموماً بأنّهم شركاء القرآن، كما أُطلق على الإمام الحسين(عليه السلام) وعلى الإمام صاحب العصر والزمان(عجل الله فرجه الشريف) خصوصاً. جاء في الزيارة الجامعة للأئمّة(عليهم السلام): «السلام عليكم أئمّة المؤمنين، وسادة المتقين، وكبراء الصديقين، وأُمراء الصالحين، وقادة المحسنين، وأعلام المهتدين، وأنوار العارفين، وورثة الأنبياء، وصفوة الأوصياء، وشموس الأتقياء، وبدور الخلفاء، وعباد الرحمان، وشركاء القرآن، ومنهج الإيمان، ومعادن الحقائق، وشفعاء الخلائق، ورحمة الله وبركاته»[5].
وأمّا الإمام الحسين(عليه السلام) فقد خوطب بهذا اللقب في زيارات عديدة، منها: زيارته(عليه السلام) في أوّل رجب، وفي النصف من شعبان، فقد جاء فيها: «السلام عليك يا شريك القرآن»[6].
وورد هذا اللقب خصيصاً في زيارة الإمام صاحب الزمام(عجل الله فرجه الشريف): «السلام عليك يا خليفة الرحمن، السلام عليك يا شريك القرآن»[7].
حديث الثقلين وثيقة الشراكة بين القرآن والإمام الحسين(عليه السلام)
إنّ حديث الثقلين يعتبر وثيقة شاهدة ونصّ نبويّ صريح على شراكة الإمام الحسين(عليه السلام) مع القرآن، ومؤيداً لما ورد في الزيارة بوصفه شريك القرآن، ويُعدُّ حديث الثقلين من المتواترات، فقد نقله الفريقان، ولا يوجد ترديد في صدوره عن النبي(صلى الله عليه واله)، قال الشیخ الطوسي: «وقد روي عن النبي(صلى الله عليه واله) رواية لا يدفعها أحد، أنّه قال: إنّي مخلّف فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»[8]. ووصف الحر العاملي الحديث بالمتواتر بين العامّة والخاصّة عن النبي(صلى الله عليه واله)[9]. وقال العلّامة الأميني: «هذا الحديث ممّا اتّفقت الأئمّة والحفاظ على صحته»[10].
وذكر ابن حجر في كتابه (الصواعق): «وفي رواية صحيحة: كأنّي قد دُعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما آكد من الآخر، كتاب الله(عز وجل) وعترتي، أي: بالمثناة، فاُنظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ حوضي. وفي رواية وإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض، سألت ربي ذلك لهما فلا تتقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم. ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابياً... وسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما ـ إذ يُقال لكلّ خطير شريف ثقلاً ـ أو لأنّ العمل بما أوجب الله من حقوقهما ثقيل جداً»[11].
وسُئل أمير المؤمنين عن العترة في حديث الرسول(صلى الله عليه واله)، فقال(عليه السلام): «أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله(صلى الله عليه واله) حوضه»[12].
إذاً؛ بنصّ حديث الثقلين فإنّ أهل البيت(عليهم السلام) لا ینفصلون عن القرآن مطلقاً، بمعنى أنّ كلامهم وفعلهم وسيرتهم وسنتهم كلّها موافقة للقرآن ومكملة له، وهما معاً يمثلان الإسلام، وأنّهما خليفة الله في أرضه، ومن هنا؛ فإنّ الكلام عن العلاقة بين الإمام الحسين(عليه السلام) والقرآن هو كلام عن كتاب الله وتجلياته بكلا معنييه: اللفظي وهو ما موجود بين الدفّتين، والعملي المتحرك الناطق وهو المعصوم.
العلاقة المتبادلة بين الإمام الحسين(عليه السلام) والقرآن الكريم
في القرآن آيات عديدة نزلت في حقّ الإمام الحسين(عليه السلام) ـ باعتباره واحداً من الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) ـ وأشادت بفضله ومقامه الرفيع، من قبيل آية المباهلة، وآية التطهير، وآية المودّة، وآيات سورة الدهر، كما أنّ هناك العشرات من الآيات المؤوّلة بالإمام الحسين(عليه السلام)؛ بل إنّ العديد من الروايات صرّحت بأنّ مهمّة القرآن وغايته هي الدعوة إلى الإمام، فقد ورد في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)[13] أي: «يهدي إلى الإمام»[14].
وفي المقابل فإنّ الإمام المعصوم لاسيّما سيّد الشهداء كان يدعو الناس إلى القرآن والأخذ به والعمل بأوامره وترك نواهيه، كما جاء في كتابه إلى أهل البصرة: «وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه»[15]. ومن قبل ذلك، فقد جسّد الإمام بحياته وسيرته القرآن على أرض الواقع، وصار بحقّ القرآن الناطق، ونسخة أُخرى من القرآن الصامت الذي بين الدفتين، فقد ذاب فيه وأنس بتلاوته، فكانا لا يفترقان أبداً.
ومع أنّ التاريخ قد ظلم أهل البيت(عليهم السلام) كثيراً، ولم يصل إلينا إلّا القليل من تفاصيل حياتهم، ولكنّ هذا القليل ـ الذي وصلنا عنهم وعن الإمام الحسين(عليه السلام) بالتحديد ـ مُلئ بمظاهر العلاقة بالقرآن والتجسيد لآياته والأنس بتلاوته والتكريم لأهله.
كما ينقل في التاريخ أنّ الإمام
الحسين(عليه السلام) أعطى لـمَن علّم ولده سورة الحمد ألف دينار وألف حلّة، وحشا
فاه درّاً، فقيل له في ذلك ـ حیث استکثروا هذا العطاء ـ
فقال(عليه السلام): «وأين يقع هذا من عطائه؟ يعني تعليمه»[16].
ويرى الإمام الحسين(عليه السلام) أنّ نعمة القرآن التي حباه الله بها من أعظم النعم عليه، وقرنها بنعمة النبوّة، فقد قال في خطبته لأصحابه ليلة عاشوراء: «أُثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن»[17].
وإنّ لأُنسه(عليه السلام) بالقرآن شواهد عديدة، منها: قوله(عليه السلام) لأخيه أبي الفضل العباس(عليه السلام) مساء التاسع من المحرّم: «ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدٍ وتدفعهم عنّا العشية، لعلّنا نصلّي لربِّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي كنت قد أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار»[18]، فقد استمهل أعداءه من أجل تأخير المعركة ولو لليلة واحدة حتّى يتزوّد فيها من قراءة القرآن.
وينقل عن أحدهم أنّه شاهد الإمام الحسين(عليه السلام) وهو في طريقه إلى كربلاء، وقد ضرب فسطاطه بالفلاة، فلمّا دخل فسطاط الحسين(عليه السلام) وجده يقرأ القرآن والدموع تسيل على خديه[19].
وفي کربلاء وذلك المعترك وفي ظل تلك
الظروف الصعبة والساعات الحرجة التي يفقد فيها ـ أو في أقلّ منها ـ الإنسان
استقامته وتوازنه، نرى أنّ سيد الشهداء(عليه السلام) لم يفارق القرآن، بل كان يردد
آياته الكريمة بين الحين والآخر، فإذا سقط شهيد من صحبه تلا آية بما يتناسب مع
المقام، من قبيل قوله تعالى: (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم
مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[20]. ولما برز ابنه ـ وهو غصن الشجرة المحمدية
ـ تلا قوله تعالى: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) في إشارة إلى قوله تعالى: (إِنَّ
الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[21]، وإذا خاطب
القوم ضمّن خطابه آيات القرآن الكريم، وبذلك فقد جسّد(عليه السلام) أروع نماذج
الارتباط والتعلّق بالقرآن والقرب منه.
وأثبت الإمام الحسين(عليه السلام) على أرض الواقع عدم انفصاله عن القرآن، فكان يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، ويستشهد بآياته طيلة حركته ونهضته، وله ولأصحابه دوي كدوي النحل من الصلاة وتلاوة القرآن ليلة العاشر، ولم يترك القرآن حتّى في أحلك الظروف وأصعبها، وهذا بحدِّ ذاته تصديقاً لقول جدّه رسول الله(صلى الله عليه واله) في عدم الفرقة بينهما. وأكثر من ذلك ما نقله الفريقان من أنّ رأسه الشريف كان فوق الرمح يتلو القرآن[22]، الأمر الذي يعجز القلم عن وصفه.
المشتركات بين الإمام الحسين(عليه السلام) والقرآن الكريم
أمّا الموارد التي يشترك فيها الإمام الحسين(عليه السلام) والقرآن فهي كثيرة جدّاً، ولا شكّ في أنّ هناك ما لا نعرفه من تلك الموارد، وسنذكر أبرز ما وجدنا فيه النصّ من أوجه الاشتراك، وهي كالآتي:
1 ـ الاثنان هاديان
يمكن أن يقال: إنّ أبرز صفة للقرآن هي الهداية كما جاء هذا المعنى في آيات قرآنية عديدة، منها قوله تعالى: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [23]، وقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[24]وهداية الناس هي الغاية القصوى من إرسال جميع الکتب السماوية المنزلة من عند الله.
ووردت الهداية كصفة بارزة للإمام الحسين(عليه السلام) كما في المقولة المشهورة: إنّ الحسين(عليه السلام) «مصباح الهدى وسفينة النجاة»[25]، واقترن وصف (الهداية) للقرآن الكريم مع لفظ (الرشد)، وذلك في قوله تعالى: (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ)[26]، وكذلك بالنسبة للإمام الحسين(عليه السلام)، فقد جاء في كتابه الذي بعثه إلى أهل البصرة: «... وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد»[27].
2 ـ الاثنان وديعة الرسول(صلى الله عليه واله)
وهو ما صرّحت به الروايات المتواترة كحديث الثقلين الذي ورد بألفاظ مختلفة، منها: (تارك فيكم)، (تركت فيكم)، (خلّفت فيكم)، (مخلّف فيكم)، وغير ذلك من الألفاظ الدالّة على أنّ الثقلين (القرآن الكريم وأهل البيت(عليهم السلام)) وديعتا رسول الله في هذه الأُمّة.
3 ـ الاثنان معصومان
قال تعالى في وصف كتابه الكريم: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[28].
والإمام الحسين(عليه السلام) يشترك مع القرآن في هذه الخصوصية، فقد أذهب الله عنه الرجس والباطل بنصّ آية التطهير، قال تعالى:(إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[29].
وقد استدلّ بعض العلماء على عصمة الإمام من خلال عصمة القرآن، فقال: «... فكما امتنع على القرآن الباطل، كذا امتنع على الإمام تحققاً للمساواة من هذا الوجه، فكان الإمام معصوماً»[30].
4 ـ الاثنان شافعان
عن رسول الله(صلى الله عليه واله): «... فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع»[31]، كما جاء في الروايات أنّ القرآن يُعطى يوم القيامة مقام الشفاعة، فيشفع للناس، «... فإنّ كتاب الله شافع مشفّع يوم القيامة لأهل تلاوته، فيعلون درجات الجنّة بقراءة آياته»[32]. وكذلك الإمام الحسين(عليه السلام) فهو ـ كباقي الأئمّة(عليهم السلام) ـ ممّن أكرمهم الله بمقام الشفاعة، كما ذُكر في تفسير قوله تعالى: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)[33] فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «نحن أُولئك الشافعون»[34]. وبالنسبة إلى الإمام الحسين(عليه السلام) بالخصوص، فقد ورد التصريح بشفاعته في نصوص عديدة، من أشهرها ما ورد في زيارة عاشوراء: «اللهمّ ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود»[35].
5ـ الاثنان طريان على مرِّ الزمان
من الأسرار الإعجازية التي أودعها الله في القرآن الكريم، أنّه لا يُمَلّ من كثرة قراءته وتدبّره، وقد سُئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن ذلك، فقيل له: «ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة إلّا غضاضة؟ فقال: لأنّ الله لم ينزله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كلّ زمان جديد، وعند كلّ قوم غض إلى يوم القيامة»[36].
فالقرآن عند محبِّيه والمستأنسين به لذيذ وطري دائماً، والشيء نفسه نراه في الإمام الحسين(عليه السلام)، فلا يُمَلّ ذكره ولا تهدأ لوعة مصيبته، فيتجدد في كلّ عام مصابه ويُقبِل محبّوه بلهفة وشوق إلى إقامة العزاء والبكاء عليه، ولا يزعزعهم عن ذلك لوم اللائمين، فالحرقة واللوعة على إمامهم خارجة عن إرادتهم؛ لأنّه أمرٌ أودعه الله في قلوبهم، كما أخبر بذلك رسول الله(صلى الله عليه واله) حين قال: «إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً»[37].
وعليه؛ فالحزن على سيّد الشهداء هبة إلهية تدلّ على إيمان صاحبها، وما دام الإيمان موجود في القلب فإنّ الحزن على الإمام الحسين(عليه السلام) موجود أيضاً؛ لذلك ترى المؤمنين يواظبون على إحياء ذكر الحسين(عليه السلام) ولا يملّون منه، كما أنّهم لا يملّون من تلاوة القرآن الكريم. إذاً؛ اشترك القرآن والإمام الحسين(عليه السلام) في عدم الملل من ذكرهما على مدى الأزمان، وذلك من الإيمان.
ويمكن
أن يُفسّر ذلك الاشتراك
بالمعنى الظاهري الملموس، وهو
أنّ القرآن ـ كما
ورد في الرواية السابقة ـ لم يكن لزمان دون زمان، ففيه بيان لجميع المسائل، وحلّ
لجميع المشاكل، وتحليل لجميع القضايا، التي يواجهها البشر؛ لذا فهم بحاجة إليه
دائماً لتيسير حياتهم، وكذلك الإمام الحسين(عليه السلام) في ثورته ونهضته وتضحيته، فجميع الأجيال
والأقوام والشعوب تحتاج أن تستلهم منه الصبر، والفداء، والعدالة، ومقارعة الظلم،
والأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، والرحمة، والشفقة،
والعزّة، والكرامة، والصدق، والعدالة،
وكلّ ما في الإمام الحسين(عليه
السلام) من سيرة إلهية عطرة هي في الحقيقة نموذج رائع للحياة الكريمة.
6ـ تبيين الدين
إنّ القرآن الكريم هو الكتاب النازل من قِبل الله تعالى والمبيِّن لمراده والكاشف عن أوامره ونواهيه، كما أنّ الإمام الحسين وباقي الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) بعد النبي الأكرم(صلى الله عليه واله)، هم المكمِّلون لبيان مراد الله من خلال تبيين الآيات المباركة، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[38]، فـ «الإمام شريك القرآن في إبانة الأحكام، فإنّه لما كانت الأحكام غير متناهية والكتاب متناهٍ، فلم يمكن للمجتهد علم الأحكام منه؛ فلذلك احتيج إلى الإمام»[39].
7 ـ الاثنان يشفيان
وُصِف القرآن بأنّه شفاء في آيات عديدة، منها: قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا)[40]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)[41].
وقد اشترك الإمام الحسين(عليه السلام) مع القرآن بهذه الخاصية أيضاً، فقد جُعل الشفاء في تربته، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): «أنّ الله جعل تربة الحسين شفاءً من كلّ داء»[42]. فالأئمّة(عليهم السلام) ـ جميعاً ـ وإن كانوا سبباً لشفاء أمراض الناس الروحية والجسدية، ولكنّ الشفاء في تربة القبر هو ممّا اختصّ به الإمام الحسين(عليه السلام) دون غيره من الأئمّة(عليه السلام).
8 ـ الاثنان عزيزان
قال تعالى في وصف كتابه الكريم: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ)[43] وقال تعالى ـ أيضاً ـ: (وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[44]، وبما أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) هو سيّد المؤمنين، فهو أوْلى من غيره في الاتصاف بهذه الصفة الإلهية؛ لذا فهو أعزّ الناس بعد جدّه وأبيه وأُمّه وأخيه، وقد جسَّد هذه العزّة في جميع مفاصل حياته المباركة، ومن ذلك مقولته المعروفة: «لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد»[45]. ومقولته الأُخرى التي ما زالت تدوُّي في مطاوي الزمان، وصارت شعاراً للأحرار وهي: «هيهات منّا الذلة»[46].
9 ـ استحباب الحزن في ذكرهما
ورد في آداب تلاوة القرآن أن يقرأ في حزن وبكاء، قال تعالى عمّن امتدحهم: (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)[47]، وعن الإمام الصادق(عليه السلام)، قال: «إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرأوه بالحزن»[48]، وروي عن رسول الله(صلى الله عليه واله): «إنّ القرآن نزل بالحزن فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا»[49].
وكذلك بالنسبة للإمام الحسين(عليه السلام)، فقد ورد استحباب الحزن والبكاء عليه عند ذكره(عليه السلام)، من قبيل: ذكره(عليه السلام) عند شرب الماء، فقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: «... فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين(عليه السلام) ولعن قاتله إلّا كتب الله له مائة ألف حسنة...»[50]، وذكره عند زيارته(عليه السلام)، فقد روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) ـ أيضاً ـ «إذا أردت زيارة الحسين(عليه السلام) فزره وأنت كئيب حزين مكروب، شعث مغبر»[51]، بل ورد استحباب البكاء عليه على كلّ حال، كما رُوي عن الإمام الصادق(عليه السلام): «بأبي قتيل كلّ عبرة. قيل: وما قتيل كلّ عبرة يابن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلّا بكى»[52].
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا الحزن ليس من الحزن المذموم والمتعارف في علم النفس، ويختلف عن الكآبة من حيث الأسباب والعوارض والآثار، وعليه فهو حزن ممدوح ونافع، وسبب لسلامة النفس وارتياحها[53].
10 ـ الاثنان يَعِظان
سمّى الله تعالى القرآن الكريم بالموعظة حين قال(عز وجل): (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ)[54]، والموعظة: مقام رفيع لا يتصدّى له إلّا مَن كان لها أهلاً، وأنّ أوّل الواعظين هو الله تعالى؛ إذ وعظ عباده عن طريق القرآن، كما جاء في قوله تعالى: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ) [55]، وقوله تعالى: (إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)[56].
وكذلك الإمام الحسين(عليه السلام) ـ خليفة الله في أرضه، والناطق بحكمه ـ فقد وعظ القوم في كثير من المواقف، ومنها خطبته يوم العاشر، فقد قال(عليه السلام) لهم: «أيّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحق لكم عليّ وحتّى أعذر إليكم»[57].
وما أجمل تشابه الموقف بين القرآن الكريم والإمام الحسين(عليه السلام) في قبول المخاطب للموعظة ورفضها، فقد أطلقا موعظتهما من باب إرادة الخير للمخاطب، فإن قبل بها فهو المستفيد، وإن رفضها فهو الخاسر، من دون إجبار له أو إظهار الحاجة إليه، قال تعالى:(فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[58].
وقد طبّق الإمام الحسين(عليه السلام) هذا المعنى عندما وعظ، فقال(عليه السلام): «أيّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحق لكم عليّ وحتى أُعذر إليكم، فإن أعطيتموني النَّصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النَّصف من أنفسكم، فأجمعوا رأيكم، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة، ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون، إنّ وليي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين»[59].
11 ـ الاثنان خالدان
كما أنّ القرآن الكريم خالد إلى يوم
القيامة،
فكذلك الإمام الحسين(عليه السلام)
ومنهجه خالدان
أيضاً، وقد أفصحت عن هذه الحقيقة
السيّدة زينب(عليها السلام) عندما خاطبت
يزيد ـ وهو في شدّة عنفوانه وطغيانه ـ بقولها: «... ثمّ
كد كيدك، واجهد جهدك، فوالله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب، والنبوة والانتخاب، لا
تدرك أمدنا، ولا تبلغ غايتنا، ولا تمحو ذكرنا»[60]، وفي بعض المصادر إضافة: «ولا تُميت وحينا»[61]، وهذه العبارة
مرتبطة
بقولها(عليها السلام): «لا تمحو ذكرنا»، وهذا
يعني: ما دام أنّ الله تعالى حافظاً للقرآن الكريم
من الزوال والتحريف،
فكذلك عِدل القرآن الذين لا ينفصلون
عنه، فقد حفظ الله ذكرهم وأعلى كلمتهم.
12 ـ الاثنان نور
قال تعالى: (وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ)[62]، فعبّر عن القرآن الكريم بالنور، وكذلك أهل البيت(عليهم السلام)، فقد ورد في الزيارة الجامعة ما يدلّ على أنّهم(عليهم السلام) أنوار، ومن ذلك: «خلقكم أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين»[63]، «وأنتم نور الأخيار وهداة الأبرار»[64]، و«كلامكم نور»[65].
كلّ هذه الوجوه من الشراكة نصّت عليها الآيات والروايات. وإضافة إلى ذلك فقد أظهرت الوقائع التاريخية بعض التشابه والاشتراك في قضايا عجيبة، كاشتراكهما في المظلومية والجفاء؛ فقد رُميا بالنبال من قِبل أهل المطامع الخبيثة، فعندما وصل الأمر إلى الوليد بن يزيد تفاءل يوماً بالقرآن، فظهر قوله تعالى: (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)[66]، فرمى المصحف من يده، وأمر أن يجُعل هدفاً، ورماه بالنشاب، وأنشد أبيات إلحاديّة نعرض عن ذكرها[67].
وكذلك الإمام سيّد الشهداء(عليه السلام) صار طعمة للسيوف والرماح والنبال، فقد أتته النبال من كلّ صوب، وأُثخن جسده الشريف بالجراح[68]، وكانت الوحوش الأُمويّة متشمتة وفرحة بذلك.
وجاء في رواية عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «يابن ذر، فإذا لقيت رسول الله(صلى الله عليه واله)، فقال: ما خلفتني في الثقلين فماذا تقول له؟ قال: فبكى ابن ذر حتّى رأيت دموعه تسيل على لحيته، ثمّ قال: أمّا الأكبر فمزقناه، وأمّا الأصغر فقتلناه»[69].
وإنّ القرآن رُفع على الرماح في موقف ظاهره طلب الصلاح، لكنّ حقيقته محاربة الدين، وكذلك رأس الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد رفع على الرماح وكانوا يكبِّرون ويصيحون: إنّه رأس خارجي، والحقيقة إنّه رأس ريحانة رسول الله، وقد قتلوا بقتله تأويل القرآن وتنزيله، كما يقول الشاعر في ذلك:[70]
جاؤوا برأسك يابن بنت محمد |
|
مترمّلاً بدمائه ترميلا |
قتلوك عطشانا ولم يرتقبوا |
|
في قتلـك التنزيـل والتــأويلا |
ويُكبّرون بأن قُتلت وإنّما |
|
قتلوا بك التكبير والتهليلا(2) |
معطيات هذه الشراكة ونتائجها
1 ـ لا ينفع التمسّك بأحدهما دون الآخر، بل لا بدّ أن نتمسّك بهما معاً؛ لنأمن من الضلال وننال الفوز والنجاة، فالشراكة تعني ضرورة وجود الشركاء معاً حتّى يتم المطلوب.
2 ـ نصرة أحدهما نصرة للآخر، كما أنّ ظلم أحدهما وهجرانه ظلم وهجران للآخر، فظلم الإمام الحسين(عليه السلام) ظلم للقرآن، كما ورد في الزيارة: «لقد أصبح كتاب الله فيك مهجوراً»[71].
3 ـ مَن يدّعي حبّ الإمام الحسين(عليه السلام) عليه أن يهتمّ بالقرآن كما أنّ العكس صحيح أيضاً.
4 ـ إنّ مظلومية الإمام الحسين(عليه السلام) وجفاء الناس لحقه وخذلانهم له، يُنبئ عن مدى ابتعادهم عن حقيقة القرآن، فإنّهم وإن صاموا وصلّوا ورتّلوا آيات القرآن الكريم، لكنّهم خذلوه حين لم يحرّكوا ساكناً لنصرة الإمام(عليه السلام)؛ لأنّ التديّن والتمسّك بالقرآن دون العترة إنّما هو تديّن أجوف، كما أنّ شعار (حسبنا كتاب الله) للمدعين بالاهتمام بالقرآن دون العترة جاء لفصل الإمام(عليه السلام) عن القرآن، ولإلغاء دور الأئمّة(عليهم السلام) في تطبيق القرآن الكريم وتبيينه.
5 ـ إنّ مَن يكون شريكاً للقرآن فهو الأحق بخلافة رسول الله(صلى الله عليه واله)؛ لأنّ الرسول هو شريك القرآن الأوّل كما هو واضح لـمَن يلقي نظرة ـ ولو سريعة ـ على الآيات القرآنية، فقد اتّصف(صلى الله عليه واله) بصفات القرآن، من قبيل الهداية، والإنذار، والتبشير، والنور، والبركة، و... كما أنّ بعض الآيات قَرنت بين الرسول(صلى الله عليه واله) والقرآن بما لا يقبل الانفصال، وجعلتهما معاً حجّة لله على الخلق، ومنبع الفيض الإلهي للعالمين، ومن تلك الآيات: (قَدْ جَاءكُم مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)[72]، فقد ورد في تفاسير الفريقين أنّ المقصود بالنور هو الرسول(صلى الله عليه واله)، والكتاب هو القرآن الكريم[73].
وهناك آيات تجعل مهمّة الرسول هي تبليغ القرآن وتلاوته وتبيينه للناس، من قبيل قوله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)[74]، وقوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[75].
فكلّ هذه الآيات وغيرها تقرن رسول الله(صلى الله عليه واله) بالقرآن، وتعرفهما معاً كهاديين إلهيين يكمِّل أحدهما الآخر، وبدون أحدهما تبقى عملية الهداية غير مكتملة.
وبما أنّ القرآن باقٍ ورسالته خالدة إلى يوم القيامة، فلا بدّ أن يكون معه ـ بعد رحيل النبي(صلى الله عليه واله) ـ شريك ناطق به ومبيِّن له؛ ولذلك جاء حديث الثقلين ليبيِّن بنصٍّ واضح وصريح أنّ العترة الطاهرة هم خلفاء النبي الأكرم(صلى الله عليه واله)، وشركاء القرآن المتكفّلين بحفظه من الضياع، وتبيينه وتوضيحه للناس.
وكما أنّ آيات القرآن بدون النبيّ المفسِّر والمبيِّن والمطبِّق لها، ليس لها أيّ تأثير في واقع الحياة، فكذلك الحال من دون الإمام، ولعلّ هذا هو المقصود بالدعاء القائل: «اللهمّ وأحيي بوليّك القرآن»[76]، فبالإمام يُحيا القرآن ويطبّق على أرض الواقع.
النتيجة
1ـ لفظة (الشراكة) وردت في زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، وهو مفهوم قد أكّدته الروايات الصحيحة والمتواترة عند الفريقين، من قبيل حديث الثقلين.
2ـ معالم الاشتراك بين الاثنين كثيرة، منها: الهداية، والموعظة، والعصمة، والشفاعة، والخلود.
3ـ بعد ثبوت الشراكة والارتباط بين الاثنين تترتب على المسلمين أُمور عديدة، منها: التمسّك بالاثنين معاً، والوقوف إلى جنبهما، والمعارضة لظالميهما والبراءة منهم.
4ـ من الشراكة نستدلّ على أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) باعتباره واحداً من أهل البيت(عليهم السلام)، المصداق العيني للقرآن الكريم، والتجلّي التام لآياته، وأنّ أيّ واجب على الناس تجاه القرآن الكريم يسري نفسه على الإمام الحسين(عليه السلام).
5ـ كما أنّ هذه الشراكة تبيّن أحقّية الإمام الحسين(عليه السلام) في خلافته لرسول الله(صلى الله عليه واله).
المصادر والمراجع
* القرآن الكريم.
الاحتجاج، أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي، تحقيق: محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف ـ العراق، 1386هـ/1966م.
الإرشاد، محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد، مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد، بيروت ـ لبنان، 1414هـ/1993م.
إعلام الورى بأعلام الهدى، الفضل بن الحسن الطبرسي، دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1390هـ/1970م.
إقبال الأعمال، عليّ بن موسى المعروف بابن طاووس، دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، الطبعة الثانية، 1409هـ/1989م.
الألفين، العلامة الحسن بن يوسف الحلي، مكتبة الألفين، الكويت، 1405هـ/1985م.
الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، محمد بن الحسن العاملي، تحقيق: هاشم رسولي، أحمد جنتي، نويد، طهران ـ إيران.
بحار الأنوار، العلامة محمد باقر المجلسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1403هـ/1983م.
البداية والنهاية، إسماعيل بن كثير، تحقيق: عليّ شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1408هـ/1988م.
بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفّار، تحقيق: محسن كوجه باغي، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1404هـ/1984م.
البلد الأمين والدرع الحصين، إبراهيم بن عليّ الكفعمي، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1418هـ/1998م.
تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان.
التبيان
في تفسير القرآن، محمد بن حسن الطوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ
لبنان، الطبعة الأُولى.
تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، تحقيق: رسولي المحلاتي، المطبعة العلمية، طهران ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1422هـ/2002م.
التفسير الكبير، سليمان بن أحمد الطبراني، دار الكتاب الثقافي، أربد ـ الأردن، الطبعة الأُولى، 1428هـ/2008م.
تفسير نور الثقلين، عبد عليّ بن جمعة الحويزي، الناشر: إسماعيليان، قم المقدسة ـ إيران، الطبعة الرابعة، 1415هـ/1995م.
التوحيد، محمد بن عليّ المعروف بالصدوق، تحقيق: السيّد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم ـ إيران.
رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال)، محمد بن عمر الكشي، تعليقات: ميرداماد الأسترآبادي، مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام)، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1404هـ/1984م.
الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، أحمد بن حجر الهيتمي، مكتبة القاهرة، مصر، الطبعة الثانية، 1385هـ/1965م.
عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، محمد بن عليّ المعروف بالصدوق، ترجمة وتحقيق: أصفهاني، انتشارات علمية إسلامي، طهران ـ إيران، الطبعة الأُولى.
الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، العلامة عبد الحسين الأميني، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.
فضائل الأشهر الثلاثة، محمد بن عليّ بن بابويه، تحقيق: عرفانيان يزدي، مكتبة داوري، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1396هـ/1976م.
الكافي، محمد بن يعقوب بن إسحاق الكلينى، دار الكتب الإسلامية، طهران ـ إيران، الطبعة الرابعة، 1407هـ/1987م.
كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه، تحقيق: العلامة عبد الحسين الأميني، دار المرتضوية، النجف الأشرف ـ العراق، الطبعة الأُولى، 1397هـ/1977م.
كمال الدين وتمام النعمة، محمد بن عليّ بن بابويه، تحقيق: عليّ أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية، 1395هـ/1975م.
لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، تحقيق: جمال الدين الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1414هـ/1994م.
مثير الأحزان، جعفر بن محمد بن نما الحلي، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف)، نشر مدرسة الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف)، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1406هـ/1986م.
المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تحقيق: جلال الدين المحدث، دار الكتب الإسلامية، قم المقدّسة، الطبعة الثانية، 1412هـ/1992م.
المزار الكبير، محمد بن جعفر ابن المشهدي، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1419هـ/1999م.
المزار في كيفية زيارة النبي والأئمّة(عليهم السلام) (المزار للشهيد الأوّل)، الشهيد الأوّل محمد ابن مكي العاملي، تحقيق: موحد أبطحي أصفهاني، مؤسّسة الإمام المهدي(عليه السلام)، قم المقدّسة ـ إيران، 1410هـ/1990م.
مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، حسين بن محمد تقي النوري، مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام)، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1408هـ/1988م.
معاني الأخبار، محمد بن عليّ بن بابويه، تحقيق: عليّ أكبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة الأُولى، 1403هـ/1983م.
مفردات ألفاظ القرآن، حسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، دار القلم، بيروت، دار الشامية، دمشق، الطبعة الأُولى، 1412هـ/1992م.
مناقب آل أبي طالب، محمد بن عليّ المعروف بابن شهرآشوب، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1412هـ/1992م.
وسائل الشيعة، محمد بن الحسن العاملي، مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1414هـ/1994م.
المجلات والبحوث
مقالة بعنوان: (علاج الكآبة بين علم النفس القرآني والغربي)، مهدي عيسى البطاط، منشورات المؤتمر الدولي للقرآن والعلوم الإنسانية 23، مركز المصطفى(صلى الله عليه واله) العالمي للترجمة والنشر، 1439هـ/2019م.
[1] اُنظر: الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن: ص452.وأيضاً: الدامغاني، الحسين بن محمد، قاموس القرآن: ج4، ص20.
[2] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج10، ص449.
[3] الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، تاج اللغة وصحاح العربية: ج4، ص1593.
[4] طه: آية32.
[5] ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار الكبير: ص293.وأيضاً: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج99، ص163.
[6] ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار الكبير: ص427.ابن طاووس، عليّ بن موسى، إقبال الأعمال: ج2، ص217.وأيضاً: الكفعمي، إبراهيم بن عليّ، البلد الأمين: ص282.وأيضاً: الشهيد الأوّل، محمد بن مكي العاملي، المزار: ص143.
[7] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ص712.
[8] الطوسي، محمد بن حسن، التبيان في تفسير القرآن: ج1، ص4.
[9] اُنظر: الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج27، ص33.
[10] الأميني، عبد الحسين، الغدير في الكتاب والسنة والأدب: ج6، ص330،(الهامش).
[11] ابن حجر الهيتمي، محمد بن علي، الصواعق المحرقة: ص228.
[12] ابن بابويه، أحمد بن محمد، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): ج1، ص57.وأيضاً: ابن بابويه، محمد بن علي، معاني الأخبار: ص91.وأيضاً: الطبرسي، الفضل بن الحسن، إعلام الورى: ج2، ص180.
[13] الإسراء: آية9.
[14] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص216.وأيضاً: الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين: ج3، ص140.
[15] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص266.وأيضاً: ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص170.
[16] ابن شهرآشوب، محمد بن علي، المناقب: ج3، ص222.
[17] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص91.
[18]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص392.
[19] اُنظر: الذهبي، محمد حسين، تاريخ الإسلام: ج5، ص12.
[20] الأحزاب: آية23.
[21] آل عمران: آية33 ـ 34.
[22] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص117.وأيضاً: ابن شهرآشوب، محمد بن علي، المناقب: ج4، ص45.وأيضاً: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص121.وأيضاً: ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج60، ص370.وأيضاً: الدميري، محمد بن موسى، حياة الحيوان: ج4، ص86.
[23] الإسراء: آية9.
[24] البقرة: آية185.
[25]البحراني، عبد الله، العوالم (الإمام الحسين(عليه السلام)): ص1.
[26] الجن: آية2.
[27] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص266.واُنظر: ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص170.
[28] فصلت: آية41- 42.
[29] الأحزاب: آية33.
[30] العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، الألفين: ص210.
[31]العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي: ج1، ص4.وأيضاً: الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص599.
[32]ابن بابويه القمي، محمد بن علي، فضائل الأشهر الثلاثة: ص109.
[33] البقرة: آية255.
[34]العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي: ج1، ص 136.وأيضاً: البرقي، أحمد بن محمد، المحاسن: ج1، ص183.وأيضاً: الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين: ج1، ص258.
[35] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص179.وأيضاً: الكفعمي، إبراهيم بن علي، البلد الأمين: ص271.
[36]الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): ج2، ص57.
[37] النوري، حسين، مستدرك الوسائل: ج10، ص318.
[38] النحل: آية44.
[39] العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، الألفين: ص209.
[40] الإسراء: آية82.
[41] يونس: آية57.
[42] الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج14، ص521.
[43] فصلت: آية41.
[44] المنافقون: آية8.
[45] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص98.
[46] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص24.
[47] الإسراء: آية107- 109.
[48] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص614.
[49]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج89، ص191.
[50] اُنظر: ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص212.
[51] المصدر السابق: ص252.
[52] النوري، حسين، مستدرك الوسائل: ج10، ص318.
[53] للمزيد من الاطلاع على فلسفة هذا الحزن وحقيقته، اُنظر: مقال لنا بعنوان: (علاج الكآبة بين علم النفس القرآني والغربي)، منشور ضمن سلسلة منشورات المؤتمر الدولي للقرآن والعلوم الإنسانية.
[54] يونس: آية57.
[55] البقرة: آية231.
[56] النساء: آية58.
[57] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص97.
[58] البقرة: آية275.
[59] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص97.
[60] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص37.
[61] ابن نما الحلي، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص81.
[62] الأعراف: آية157.
[63] الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): ج2، ص519.
[64] المصدر السابق.
[65] المصدر السابق.
[66] إبراهيم: آية15.
[67] اُنظر: ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، تاریخ ابن خلدون: ج3، ص106.وأيضاً: المرتضى، علي بن الحسين، الأمالي: ص89.
[68] اُنظر: المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(عليه السلام): ص319.
[69] الكشي، محمد بن عمر، رجال الكشي: ج2، ص485.
[70] النيسابوري، محمد بن الفتّال، روضة الواعظين: ص195.وأيضاً: ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص263.
[71]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص376.
[72] المائدة: آية15.
[73] اُنظر: الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن: ج3، ص371.وأيضاً: الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان: ج3، ص270.وأيضاً: الطبراني، سليمان بن أحمد، التفسير الكبير للطبراني: ج2، ص371.
[74] آل عمران: آية164.
[75] النحل: آية44.
[76]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج53، ص190.