مقدّمة

إنّ البحث في المشهد الحسيني يحمِّل الباحثَ مسؤولية جمّة؛ بالنظر إلى فرادة الشخصية التي يبحث فيها، استحضاراً لعوامل الجمال والكمال، وخصوصيتها الإسلامية والشعبية في آن واحد. وارتأى البحث تسليط الضوء على المشهد الحسيني من زاوية ربّما غابت عن مخيلة الباحثين في عمقها، سبراً لمعطيّات تأثيرية عبر المحسوسات السمعية التي تنتقل من مستواها المجرّد إلى مجموعة من الصور، تستدعي معها معاني مختلفة باختلاف الصور الذهنية والمواقف التي تشكلها؛ تحويلاً لدوالها الذهنية إلى دوال سمعية، قد تدخل حاسة البصر في إثرائها على وفق الطبيعة التصويرية للمشهد، أو المنقول بالخبر المتواتر مشاهدة عينيّة، أو نقلاً عن مشاهدة عينيّة عِبر السرد لأبعادها الماثلة أمام الرائي والسامع.

وإنّما يتوخى البحث في هذا المضمار التأكيد على أنّ ما تفرزه الصور الذهنية من أصوات سواء كانت عبر صور تخييليّة أو وهمية أو حقيقية أو غير ذلك، ليست أمراً اعتباطياً، وإنّما تحكمه قوانين يفرضها العقل تبعاً للسياق الذي ترد فيه، وما ينتج عنه من مفاهيم وصور.

وقد تطلب ذلك بحثاً شاملاً، لكلّ ما نقل من صور الإمام الحسين(عليه السلام)، في واقعة الطفّ وغيرها، مستنداً في ذلك النقل على السرد التاريخي، أو التصوير الشعري؛ لذلك ارتأى البحث النظر في المشهد الحسيني على مستوى الأدب (شعراً)، وعلى مستوى الخبر (سرداً) لكلّ ما يمكن أن يخلص منه الباحث إلى صورة سمعية نقلها الشاعر عبر الخيال، أو جسّدها الراوي فيما ينقل من وقائع سجّلها التاريخ، حقيقية كانت أو خارقة للمألوف البشري. وعالج كلّ ذلك معالجة أدبية، توخّى فيها التركيز على جمالية ذلك المنقول، عن تلك الشخصية العظيمة، معتمداً مجموعة من الاختيارات النصيّة، التي يتمكّن الباحث من سماع جمالها الصوتي، فضلاً عن رؤية صورها البليغة عبر ما يستحضره الذهن من الصور.

مفهوم الصورة الذهنية

لا تنفكّ الدراسات النقدية عن عرض تصوّراتها عن الصورة التي رسمت قيمةً جدليّة، تتجاذبها الآراء على اختلاف منطلقاتها وتوجهاتها، والنظر في محفزاتها الصوتية والتخييليّة؛ على أنّ ما تمثله الصورة (الدال والمدلول) هو صورة الأشياء في الوجود؛ لذا فإنّ اعتماد أمر ما سابقٍ لعملية تكوين الصور الذهنية شرطٌ لتحقيق هذا الوجود «فمن التصور ما لا يتم إلّا بتصوير يتقدّمه، كما لا يمكن تصور الجسم ما لم يُتصور الطول والعرض والعمق»^{^[1]}.

وبهذا يشمل ذلك مختلف الصور الحسيّة المستقبلة في الذهن بعد إغفالها، لحصول إمكانية تخيّلها وتصوّرها ليس على صعيد الفكر المطلق المجرّد الكلي^{^[2]}. فهي تعنى بتصوير جمال الأشياء؛ لإثارة المخيلة، إشباعاً للحاجات النفسية، فضلاً عن سعيها إلى إشباع الحاسّة الجمالية عبر الخيال^{^[3]}.

والذهن مجازاً: هو «القوّة في العقل والمُسْكَة»^{^[4]}، وهو قوة للنفس، تشمل الحواس الظاهرة والباطنة المعدّة لاكتساب العلوم، والاستعداد التام لإدراك العلوم والمعارف بالفكر^{^[5]}، لحصول الإدراك بتفكّر وتدبّر لأثر الأشياء^{^[6]}، أو حصول تصوّرٍ، أو تصور بسيط بعين الشيء مفصّلاً، تمييزاً لذلك المدرَك عمّا سواه^{^[7]}؛ على أنّ «المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان. فكلّ شيء له وجود خارج الذهن فإنّه إذا أُدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق لما أدرك منه، فإذا عبّر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك أقام اللفظ المعبّر به هيئة تلك الصورة الذهنية في أفهام السامعين وأذهانهم، فصار للمعنى وجود آخر من جهة دلالة الألفاظ»^{^[8]}.

وثمّة مسلكان لإثارة المعاني واقتباسها، ومن ثمّ تكوين الصورة:

الأوّل: يرتبط بالقوّة الشاعرية بأنحاء اقتباس المعاني وملاحظة الوجوه التي فيها تلتئم، ويحصل ذلك بقوّة التخيّل والملاحظة.. وأن تُنشأ على ذلك صوراً شتّى من ضروب المعاني في ضروب الأغراض.

والثاني: يرتبط بسبب زائد على الخيال هو ما استند فيه بحث الفكر إلى كلام جرى في نُظم أو نثر أو تاريخ أو حديث أو مَثل.. فيبحث الخاطر فيما يستند إليه من ذلك على الظفر بما يسوّغ له معه إيراد ذلك الكلام^{^[9]}. وهكذا تتفاعل الصورة الذهنية مع العلوم التي يكتسبها الإنسان؛ لتنتج صوراً تأخذ مداها لدى المتلقي قراءة وسماعاً وتبصرّاً، ممّا يجعلها معنًى كاملاً يكوّنه قصد المرسل (منشئ النص) مرتكزاً فيه على المعرفة.

وإنّ ارتباط الصور الذهنية بالإحساس، هو محور قيمتها التأثيرية^{^[10]}؛ لأنّ توليد الصور في الذهن إنّما يرتبط بإدراك الأشياء الذي يقع على أعضاء الحسّ لدينا، وتبقى هذه الصور مخزونة في الذاكرة عندما لا يغدو للأشياء ذاتها وجود^{^[11]}، فينتج ذلك الإبداع الذهني الصرف الذي لا ينبثق من المقارنة، وإنّما من الجمع بين حقيقتين واقعتين تتفاوتان في البُعد قلّة وكثرة^{^[12]}.

وبعد هذا فمن الواضح أنّ المعنى أمر متخيَّل، يحمل إشارات وأشياء محسوسة، تنتقل عبر النصّ من ذهن المرسل إلى ذهن المتلقي على وفق تعددية أُسلوبية وصياغيّة، تتفاوت في قوتها وضعفها، وضوحها وإبهامها، تبعاً للطبيعة البشرية، وما تحوزه من قدرة على الإبداع، وفي تكوينات الصورة تفاوت بين المبدع والمتلقي؛ بالنظر إلى التباين بين طرفي (الإرسال والاستقبال) في اللحظة الزمنية لحدوث الانفعال النفسي، ولحظة السماع، فضلاً عن الواقع الاجتماعي، والتفاوت الزمني بين الشاعر والمستمع.

إنّ اعتماد الصور الذهنية الأصوات المختلفة هو العامل المقرِّب بينها وبين فهم المستمع، لتفكّ خيوطها المنسوجة من الحسّيات الغائبة عند لحظة الإبداع في ذهن المبدع، ومن ثَمّ تشكيل رموز لها عِبر معارف اكتسبها بتذكّر هادئ لتجاربٍ حيّة سابقة^{^[13]}، فتثير الصورة مجموعة من الروابط بين الصور الحسّية المختلفة بما فيها حاسّة السمع عِبر الألفاظ، أو الأصوات، أو الموسيقى الخارجية^{^[14]}، «فإنّ حاسَّة السمع هي الحاكمة في هذا المقام، بحسن ما يحسن من الألفاظ، وقبح ما يقبح»^{^[15]}؛ لأنّ الصورة السمعية للكلمات هي من أكثر الأحداث الذهنية وضوحاً^{^[16]}، وذلك يعود إلى أنّ القدرة على تكوين الصور الذهنية هي أصل الفن؛ لتحكّم الخيال فيه، على أنّ الفكر شرطٌ يمثّل الضرورة التي تسبق الخيال، فكانت فاعلية العقل الفنّية ـ أي: مقدرته على تكوين الصورة الذهنية ـ أسبق من فاعليته المنطقية^{^[17]}، فأهمّية الخيال السمعي في أنّه نوع من الإحساس يتغلغل إلى ما وراء الفكر والشعور^{^[18]}، ولا يتمّ ذلك الخيال بموسيقى الألفاظ وحسب، فإنّ دلالات الألفاظ تكوّن إلى حدٍّ بعيد هذا الخيال، بل ويتجاوز ذلك إلى ما يضيفه عليها الشاعر^{^[19]}، لذا فإنّ الإمكانية التأثيرية للشعر واردة في القوّة المتخيّلة عند المتلقي، فتحدث الإثارة المتوخاة، ممّا يهيّئ للمتلقي حالة نفسية هي بمثابة الاستجابة التخييليّة للقصيدة^{^[20]}، لتكتمل عملية التأثير والتأثّر، ومعرفة مدى الاستجابة بين الشاعر والمستمع، ولا يَفي ما لهذه الحاسة من أهمّية في إدراك الجمال، فهي عماد كلّ نمو عقلي وأساس كلّ ثقافة ذهنية^{^[21]}.

وجاء اختيار الصور السمعية، نظراً لأهمّية حاسّة السمع في إدراك عناصر الإثارة الصوتية المختلفة، وأثر الصورة الذهنية في إنتاج مثل هكذا صور.

الصورة الذهنية وتشكيل الصورة السمعية في المشهد الحسيني

يقصد البحث متابعة الأنماط الصورية التي تناولها الخبر، والنصّ الأدبي لكلّ ما له علاقة بمسيرة الحسين(عليه السلام) يوم العاشر من محرم، وما تلاه من أحداث، فاخترنا مصطلح المشهد لأنّه الأشمل والأقدر على التعبير عن المنقول من تلك الواقعة على مستوى الأدب وعلى مستوى الخبر، فوقع اختيار البحث على مجموعة من المشاهد التي سردها الرواة في قصصهم وأخبارهم، وتلك التي اختارها الشعراء للتعبير عن النهضة الحسينية، ونرمي في ذلك إلى دراسة الصور السمعية المتولِّدة عِبر المؤثِّر الذهني، الذي يستحضر في كلّ مشهدٍ دلالة معينة تقترب من بعضها أو تبتعد بحسب الموقف والزمان والمكان، ومدى تأثير (المقاتل الحسينية) كنصٍ سردي متكرر يُردّد على أسماع الناس في كلّ عام صور تلك المأساة الهائلة، وما تحمل من العِبر والمواقف المؤثرة في حياة الجمهور، ولعلّه في باب الشعر واضح من الناحية الأدبية، إلّا أنّ تكرار قراءة المقاتل على اختلاف رواتها وقصصهم، تجعلنا أمام نصّ سردي متكامل الأبعاد، يؤدِّي دوره كمؤثّر ناجع في نفوس المتلقين، شأنه شأن أيِّ نصّ سردي آخر، يحضر فيه الراوي والنصّ كعاملين محركَين لطاقة الجمهور الإيجابية إزاء المواقف والشخصيات، والسلبية إزاء ما يخالفها.

وما يهمنا هو البحث في أدبية النصّ، وموضوعها الخطاب، وليس الأدب كمفهوم عائم^{^[22]}، وقد حملت الصور التي أفرزها البحث في المشهد الحسيني أربعة أنماط هي: (الصورة التخييلية، والصورة الوهمية، والصورة الحقيقية، والصورة الميثولوجية)، نحاول البحث في كلّ نمط منها عن الصور السمعية، ودلالتها في النصّ، ونبيِّن ذلك بالآتي:

أوّلاً: على مستوى الأدب

واخترنا تحت هذا القسم مجموعة من الأبيات الشعرية التي تميّزت بأبعادها التخييلية في تصوير مشاهد الطفّ، وما تعلّق بها من مفاهيم ترتبط بالواقعة، وقدرة الشعراء على التعبير عنها، ووصف وقعها في النفوس والأحداث:

أ- الصورة التخييلية

هي الصورة التي يثبت فيها مُنشئ النصّ أمراً هو غير ثابت أصلاً، ويدّعي ما لا طريق إلى تحصيله، فيقول قولاً يُري به نفسه ما لا ترى^{^[23]}، وتعمل الصورة الذهنية على تزويد العقل بما يهيئ لتشكيل صورة سمعية، عبر ما يثيره التخييل الذي يثبته النصّ، فتختلف الصور السمعية فيما تؤديه من الغايات باختلاف الصور المخيلة. ونستطيع استحضار ذلك على سبيل المثال في:

1 ـ رسالةُ الرِّياح

ما قاله عقبة بن عمرو العبسي في رثاء الحسين:^{^[24]}

سلامٌ على أهل القبور بكربلا		وقلّ لها منّي سلام يزورها
سلامٌ بآصال العشيّ وبالضحى		تؤدّيه نكباء الرّياح ومورها⁽²⁾

فأدّى حضور (الرّياح) وهي تحمل السلام، إلى استحضار صوت هبوبها، حيث يُنفث الهواء عِبر ارتحاله بين القبور، فمن صفيره تارةً بين المساحات الخاوية، واشتداده في طبقات الأجواء، ما يهيئ لصورة سمعية تبثّ ما ينسجم مع الهيئة الموحشة لمثل هذا المكان.

2 ـ القُمْرِيُّ النائح

قول دعبل الخزاعي: ^{^[25]}

سأبكيهم ما حجّ لله راكبٌ

وما ناحَ قُمْريٌّ على الشجراتِ⁽¹⁾

والنوح صوت بشري يدلّ على الفقد، كفقد الحبيب من الآباء والأبناء والأزواج، أو صوت الطير^{^[26]}، والقمري صوته (السجع)، ونسبة النوح إليه هنا من باب الصور المخيلة التي تستجلب صور الحزن والفراق، ويُظهر صوت القُمري النائح الصورة السمعية الحزينة التي تستحضر مشاركة الطبيعة في إبداء الحزن على فقد تلك الثُّلّة المؤمنة، التي لامست بتضحيتها قلوب الناس جميعاً، بل وحتّى أغصان الشجر وما عليها من الطير.

3 ـ مَلائكُ باكية

قال دعبل الخزاعي:^{^[27]}

هلّا بكيت الحسينَ وأهله		هلّا بكيت لـمَن بكاه محمد
ولقد بكته في السماء ملائك		زهر كرام راكعون وسُجَّد⁽³⁾

وليس للملائكة صوت مسموع على وجه الحقيقة، وإن كان صوتها يمثِّل وجوداً ميتافيزيقياً، أو وجوداً مرتبطاً بمنحىً عقائدي يؤمن بوجودها، مخلوقاً كونياً فاعلاً في حركة الخلق، له لغته وأبعاده الجسمانية التي تميّزه. والصوت الملائكي الباكي، يجعل الذهن أمام صورة سمعية مهيبة، تجمع بين عظمة الحزن، وطهارة المشهد؛ لما هو شائع من طهر الملائكة وعفّتهم عن الخطيئة. فهم عبادٌ موكّلون من الله (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)^{^[28]}.

4 ـ التَّكبير والتَّهليل

أخذ التكبير بعداً عكسياً في ما صوّره قول خالد بن عفران لمشاهد الطّف:^{^[29]}

وكأنّما بكَ يا ابن بنت محمّد		قتلوا جهاراً عامدين رسولا
ويكبِّرون بأن قُتِلتَ وإنّما		قتلوا بك التكبير والتهليلا⁽¹⁾

والتكبير سنّة المؤمنين عند النصر على أعداء الله، أمّا مع هذه الفئة الضّالة التي قاتلت ابن بنت النبيّ(صلى الله عليه واله) فأخذ التكبير أعظم المغالطات في هذا الموقف، فهم يقاتلون في جبهة شارب الخمر، ملاعب القردة يزيد بن معاوية، فأنّى لهم التكبير والتهليل وهم في جيش الضلال؟! الذي لا يعرف ديناً ولا معبوداً إلّا الثأر من أولياء الله وذراريهم، ونزوة المال والشهوات التي وُعِدوا بها عند قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، فكان التكبير والتهليل على ألسنتهم، أشبه بقتل المعنى السامي لتلك الكلمات العظيمة التي تعترف بالعبودية لله تعالى، وهذه صورة مخيلة، تستجمع مزيجاً من التناقض بين العقيدة والفعل، فإذا كانت عقيدتهم التوحيد والإيمان بالله لآمنوا بمحمد(صلى الله عليه واله) نبيّاً، ولو آمنوا بمحمد نبيّاً لهم لآمنوا بولاية علي(عليه السلام)، ولو أنّهم آمنوا بولاية علي(عليه السلام)، لآمنوا بولاية الحسين(عليه السلام) عليهم، ومع انتفاء ذلك بقتلهم الحسين(عليه السلام) فلا يصدق فعل التكبير والتهليل على ألسنتهم إلّا في باب المغالطات العجيبة. فيكون القارئ أمام مشهد يستحضر صوت الجموع الهاتفة بالتكبير والتهليل، وهي صورة تستنهض الاستغراب والتعجب في نفس المتلقي، فنكون أمام صورة سمعية يُقطع فيها صوت التكبير والتهليل كمعنى عقائدي أصيل، ليعلو بدلاً عنه تكبير وتهليل باطل.

5 ـ الحَسَرات

قال الناشئ:

مصائبُ نسلِ فاطمة البتول		نكت حسراتُها كبدَ الرسول
ألا بأبي البدور لقين كسفاً		وأسلمها الطلوع إلى الأفول⁽¹⁾

وفي قوله (نكت حسراتها كبدَ الرسول)، صورة مخيّلة؛ لأنّ الحسرة لا تنكأ الكبد على نحو صادق، إنّما ما ينتج عن الألم الذي يؤثِّر في أعضاء الإنسان، ومنها الكبد، وتهيئُ الصور الذهنية عبر الصورة المخيّلة للحسرات التي تنكأ الكبد، صورةً سمعيةً يلفّها ما يثير الحزن والألم؛ بالنظر إلى ما في الحسرة من صوت انسحاب الهواء إلى الرئتين، ثمّ رجوعه زفيراً إلى خارجها، مصحوباً بصوت الأنين. وتدلّ الصورة السمعية تلك إلى تحقيق ما ينسجم مع شدّة المصيبة، ووقعها العميق في النفوس.

6 ـ كَسَائِرُ لا تُجْبَر

قال المرتضى: ^{^[30]}

لقد كُسِرَت للدّين في يوم كربلا

كسائِرُ لا تؤسَ ولا هي تُجْبَرُ⁽²⁾

والكسر لكلّ ما يقع في المادّة من الأجسام الصلبة أو شبه الصلبة، وإضافة الكسر إلى الدين جاء في مجاله التخييلي، ولا يَصْدُق الكسرُ على الدِّين، كون الأخير مفهوماً معنوياً، يعبِّر عن اعتناق فكرة تؤمن بالإله الواحد، وضرورة العبودية له بلا شريك، على وفق شروط خاصّة. وتُحدِثُ الصورةُ السمعية المتشكلة ـ بفعل ما استحضره الذهن من عملية الكسر ـ ما يشير إلى خسارة عظيمة، فصوت الكسر يستدعي صورة الضرر، وانتفاء عودة المكسور إلى ما كان عليه قبل وقوع الكسر، ممّا يدلّ على فقدانٍ لا يُعوَّض، أو ذهابٍ ليس بَعدَه إياب.

ب ـ الصورة الوهميّة

هي الصورة الناتجة من تناول المدرَك وغير المدرَك، بما يجري مجرى الظنون، من قبيل التجويز^{^[31]}؛ لذا فإنّ تشكيل صورة ما في الذهن يرتبط بالحاسّة التي أدّت قبل لحظة تكوينها الوسيط الناقل لذلك المؤثِّر، الذي يسبح في فضاء من المؤثرات المختلفة، وتمثل لحظةُ التقاط الصورة عبر تلك الحاسة اللحظةَ الزمنية المحدّدة لطبيعة الصورة الماثلة في مخيّلة المتلقّي.

وهنا لا بدّ من النظر إلى طبيعة الحاسّة المرتبطة بها وهي حاسة السمع، فعندما تلتقط (الأذن) ـ وهي تمثِّل عضو التلقّي والاستقبال في عملية السمع ـ مثلاً: صوت الأذان وقت الظهيرة يعطي إشعاراً منبِّهاً للسامع بحلول وقت الصلاة، ممّا يقوم على واقع صوتي ماثل أمام تلك الحاسّة، تؤكِّد للمستمع ـ الذي يمثِّل (المتلقّي) لذلك الإشعار ـ حقيقة دخول وقت الصلاة، هذا مع الأخذ بعين الحسبان، تثبّت المتلقي من دخول الوقت، بناء على معرفة مسبقة بالمواقيت، ولكن متى ما التقط الذهن إشعاراً بدخول وقت الصلاة في غير أوانه المعلوم، يعني أنّ ما وقع على حاسّة السمع من مؤثِّر لم يكن المنبّه الصوتي الذي يعطيه إشعاراً بدخول الوقت، بالنظر إلى وقوع الصوت في مخيّلة المستمع في غير الأوان المعلوم، فنسمّي الصورة السمعية المتولدة نتيجة لذلك بالصورة الوهمية؛ لحدوثها نتيجة توّهم المستمع سماع صوت الأذان. ويحدث الوهم عادة في هذا؛ نتيجة قلق السامع من دخول الوقت، في لحظة انشغال، فيفوّت عليه فرصة أداء الفريضة في وقتها مثلاً. وقد يكون الخوف والرهبة سبباً في حدوث الوهم، كتلك الحالة التي تصاحب الإنسان في صحراء بعيدة خاوية؛ إذ إنّ إحساسه بالمخاطر الكثيرة يجعله أسيراً للوهم، فيخال صوت الريح عزيفاً للجنّ فيُصاب بالفزع وتأخذه الظنون. وهذا ما عبّر عنه الجاحظ بقوله: «يكون في النهار ساعات ترى الشخص الصغير في تلك المهامة عظيماً، ويوجَد الصوت الخافض رفيعاً، ويُسمع الصوت الذي ليس بالرفيع مع انبساط الشمس غدوة من المكان البعيد، ويوجَد لأوساط الفيافي والقفار والرمال والحرار، في أنصاف النهار، مثل الدوي، من طبع ذلك الوقت وذلك المكان عندما يعرض له»^{^[32]}. وإنّما تحصل الوحشة للإنسان نتيجة انفراده في الأماكن الخالية أو البعيدة عن الحضور البشري، فليس من أحدٍ يؤنس وحشته، وليس من شيء يملأ تلك الساعات الطويلة من النهار والليل، فتُداخل فكره ظنون غير صادقة وأوهام تصوّر له ما لا وجود له من الأشخاص والأصوات، فتُمثّل الصغير في صورة الكبير وتُشتّت ذهنه، فيرى ما لا يُرى، ويسمع ما لا يُسمع، حتّى تنال منه الأوهام^{^[33]}، فيأخذ الذهن في تصوّر أشياء لا وجود لها.

ومن هنا يعلق التوهّم بالذّهن بعد تصوره وسماعه، فإنّ الصوت المُدَوِّي في الفلوات يحسبه السامع صوت الجنّ، ولا ينبعث ذلك الخوف ليلاً وحسب وإنّما ينبعث الخوف من صوت الجنّ ظهراً أيضاً وفي الهاجرة^{^[34]}، حيث الأرض المقفرة البعيدة الخاوية من الماء والأنيس، فتستوحش الأنفس، ويتضاعف الخوف.

وفي القرآن الكريم ارتبط الظنّ بمؤدّاه الوَاهِم من ادعاء شركاء لله، ما يؤكّد على أهمّية السمع وأثر المسموع في النفوس: (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ الله شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)^{^[35]}، أي: الذين يسمعون هذه الحجج ويتفكّرون فيها، فيعتبرون بها ويتّعظون. ولم يرد به: الذين يسمعون بآذانهم، ثمّ يعرضون عن عِبَره وعظاته^{^[36]}. فلو أنّهم كانوا يسمعون لما أخذتهم أوهامهم ـ تلك ـ المبنية على الظنّ، فارتبطت الصورة الذهنية المتأتّية من التفكّر بالسماع، ولولا وقوع السماع لتلك الحجج، لما حصل التفكّر، ولعلّ هذا النصّ هو أوضح النصوص القرآنية، التي يُفاد منها في الارتباط بين الصورة الذهنية والصورة السمعية، فيما بُني بالمقابل علاقة بين الوهم وانتفاء تكوين الصورة السمعية القائمة على الحقيقة.

ويمكن توضيح ذلك بالآتي:

السماع (الحاسّة)، الاستماع (الإصغاء)، التفكّر، الفهم (الصورة الذهنية).

وفي الشعر قد أفصح ذو الرّمة عن بعض التفاصيل التي تكشف الجانب النفسيّ، في صورة (الرّمل)، التي يُسمَع فيها عزيف الجنّ، كضرب الطبول، على وقعها طرب المغنون، فملأوا الأجواء بصوت غنائهم، والصورة على غرابتها تكشف عن حالة الخوف وسط ذلك السكون:^{^[37]}

ورملِ عزيفُ الجنّ في عقداته

هزيزٌ كتضراب المغّنِّين بالطَّبْلِ⁽²⁾

ومنهم مَن يتوهّم جنّاً تتوعده بالثأر، وهي ذات أعناق غليظة، يسمع تهديدها ووعيدها:^{^[38]}

غُلْبٌ تَشَذَّرُ بالذُّحُولِ كأنّها

جِنٌّ البِديِّ رواسياً أقدامها⁽³⁾

ومن صور الخوف، القائمة على الوهم، سماع صوت الحراب وهي تُسَنّ، وصوت جلبة المحاربين وهم يستعدّون، إيذاناً بالحرب:^{^[39]}

في كُلِّ يومٍ يَسنّون الحِرابَ لكم

لا يهجعون إذا ما غافلٌ هَجَعا⁽⁴⁾

وكلّها صور أنتجها خيال الشاعر، ولا تقوم على أساس واقعي، بل حدثت نتيجة الوهم، لتكون محصلة استحضارها في الذهن خلق حالة من الرهبة والرعب من شيء لا وجود له. كتلك الصور التي استحضرها أطفال واقعة الطفّ في كربلاء، فهي أيضاً من باب الوهم المرتبط بالصورة البصرية والصورة السمعية في آن، ولنا هنا أن نذكر ما سجّله الشاعر في نقله لصورة من صور ذلك الخوف المرتهن إلى الوهم:

عمّتي لا أستطيع النوم إنّي خائف

ذاك مَن ذاك الذي عند الخباء واقف

هو مَن سبّ أبي والنحرُ منه نازف

كيف أغفو إنّ جفني من دموعي ذارف

يا حبيب قلبي نم إذن بقربي

زينب تراني أنا لا أنام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمّتي مدّي يديك إن ظهري موجعُ

كلّما حاولتُ نوماً من منامي أفزعُ

إنّه شمرٌ أتاني في منامي يتبعُ

إنّه خلفي أمامي ما تُراني أصنعُ

يا ابنتي الحبيبة إننّي قريبة

يا ابنة الحسين إنّها أحلامُ^{^[40]}

فتبدأ الصورة الوهميّة من حيثيّة بصريّة، تتوهّم رؤية شاخصٍ مجهول خلف الخباء: «ذاك مَن ذاك الذي عند الخباء واقف»، ثمّ تتطوّر إلى سماع كلامٍ يصدر عن ذلك الشاخص الوهميّ: «هو مَن سبّ أبي»، وترجع الصورتان الوهميّتان إلى صور حقيقية مماثلة أو على شاكلتها، رآها الأطفال مسبقاً، وانتهت كحدثٍ وقع وانتهى في يومه، ولكنّ حالة الخوف تسببت في ارتجاع تلك الصورة بهيئة مماثلة قائمة على الوهم، الأُولى ماثلة في حالة اليقظة كما في المقطع الأوّل من الأبيات، والثانية في حالة النوم كما في المقطع الثاني منها. وهذا ما يُنهِي به الشاعر المشهد من إقرار بوهمها في الحالتين، في قوله: «إنّها أحلام».

أمّا وقوع الصوت على مستوى الحقيقة فلا يختلف عن توهّم وقوعه من حيث التأثير وقراءة الدلالة؛ لأنّ ما يحرِّك المؤثِّر النفسي هو الصورة الذهنية التي يولِّدها العقل في لحظة سماع الصوت، وهنا تكون الصورتان الحقيقية والوهمية متساويتين؛ إذ إنّ التأثير الناتج عن الحالتين واحد، فإذا توهّم السامع صوتاً مخيفاً حفّزت الصورة الذهنية صوراً ذات دلالات مخيفة، وهو بالضبط ما تحفِّزه في حال وجود الصوت حقيقة، وهذا ما يؤكّد دور الصورة الذهنية في تشكيل الصورة السمعية بدلالاتها المختلفة.

وإذا اتّسع نطاق البحث في التفاصيل التي تنجزها الصور الذهنية، سنكون أمام معطيّات مشابهة لكلِّ ما ينتجه الذهن على صعيد المرئي المباشر والمسموع المباشر، وحتّى المنقول بالوسيط الكتابي الذي تؤدِّي فيه الصورة الذهنية وظيفتها عبر تحفيز المخيّلة، كما في الصور الشعرية. وتبقى قراءة الدلالات وعلاقتها بالتأثير في المتلقي، تابعة لطبيعة الموقف، والغاية المتوخاة للنص عموماً.

ثانياً: على مستوى الخبر

ورصدنا فيه ما يمكن رصده من سرد الروايات، والأخبار المدوّنة في المقاتل الحسينية، والموسوعات وكتب السيرة الحسينية، واخترنا منها مجموعة من الصور، التي حملت في طيّاتها صوراً سمعية ذات دلالات مختلفة، ورصدنا على هذا المستوى نمطين:

أ ـ الصورة الحقيقية

يمكن تعريفها بأنّها الصورة الناتجة من تجمّع الأشعة الضوئية المنعكسة عن جسمٍ ما^{^[41]}. ولا شكّ في أنّها تختلف عن الصورة الافتراضية التي تتشكّل عند ظهور أشعة الصورة في نقطة محدّدة، والتي تفهم على أنّها صورة بصرية تتكون نتيجة اختلاف في أشعة الضوء المنبثقة من نقطة على كائن معين. بينما يرتكز تكوين الصور الحقيقية على إعادة إنتاج كائن حقيقي يتشكّل عند نقطة تلاقي الأشعة الضوئية الصادرة من كائن ما. وليس هناك مثال أقرب إلى ذلك من الصورة المتشكلة على شاشة السينما والمسرح بوساطة أجهزة العرض^{^[42]}، فالصورة الحقيقية هي الصورة الماثلة بكلّ تفاصيلها الصادقة، من دون إضافات مخيّلة أو وهميّة، سواء عِبر المعاينة المباشرة أو المنقولة عبر النصوص، وتشمل أيضاً كلّ خبر وقع وسجّلته المشاهدة الفعلية، أو دوّنته الكتب، على نحو ما نقرأ في كتب التاريخ والسيرة.

وتمثل الواقعة التاريخية بسردها المطابق لحقيقة وقوعها في زمان ومكان محددين، الصورة الحقيقية التي تعبر عن مشهد ما في زمكانية بعينها. وفي ما تنقله المصادر المعتبرة عن مشاهد يوم العاشر من محرّم وما تلاه الكثير من الصور الحقيقية التي نُقلت لنا بالتواتر، ما كان من أمر أهل البيت(عليهم السلام)، واستحضرت على المستويين المشاهد والمسموع، فيظهر المستوى السمعي في حد ذاته معبِّراً عن نفسه، أو ينفذ القارئ إليه عِبر المستوى البصري، الذي سجّل الوقائع في الذاكرة، وأعاد صياغتها ضمن نصّ مكتوبٍ، أو مقروء، أو مسموع. وما يهمنا في هذا البحث النظر في المستوى الثاني ومدى تأثيره وتأثِّره بالصور الذهنية المتشكِّلة في مخيّلة الراوي والقارئ على حدٍّ سواء؛ لأنّ الصورة النهائية الحاضرة في ذهن القارئ، إنّما هي إحدى انعكاسات تلك الصور، الثابتة في ذهن الراوي عِبر النصّ المقروء.

ومن الصور السمعية التي أفرزت مكوناتها عِبر ما نقله الراوي:

1 ـ اجتماع الكتائب للقاء الحسين(عليه السلام)

اجتمعت الكتائب العسكريّة تأهباً للحرب، يقول الراوي: «ثمّ أخذ ابن زياد يجمع الكتائب خارج الكوفة ليعرضهم وينفرهم إلى حرب الحسين»^{^[43]}، وقال الطرماح للحسين(عليه السلام) حينما التقى به قريباً من كربلاء: «وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهرَ الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه، فسألت عنهم، فقيل: اجتمعوا ليعرضوا، ثمّ يسرحون إلى الحسين»^{^[44]}. ممّا يستدعيه الذهن في هذا المشهد هو صوت الجموع المتأهبة للحرب، من حركة الخيول والفرسان، وتجهيز السلاح وجلبة الحوافر والأرجل، ما يهيئ الذهن إلى موقف هائل من الصور المتراكمة للقتل والدماء، المنتظرين إبان هذا التهيؤ استعداداً للقتال، ما يحرِّك الخوف في نفوس الجمهور الذي عاش في زمن الواقعة، والجمهور العابر لحدود الزمان والمكان، وهو يستحضر تلك الصور الحقيقية، عِبر مخيلته النافذة إلى المشهد بوساطة النصّ المقروء والمسموع.

2 ـ الأنين والعويل

وفي ذلك المشهد المرعب ـ حيث تتكدّس أشلاء القتلى في كلّ زاوية من زوايا النظر ـ الذي لم يرحم الأعداءُ فيه شيخاً ولا طفلاً رضيعاً، يزحف السرد إلى مشهد (الخربة) بوصفه التحوّل الأهم من حالة العزّ والمنعة إلى حالة الهتك والترويع، فيظهر صوت النساء الباكيات وأنينهن بعد يوم دامٍ، فقدن فيه الابن والزوج والأب والأخ. ولعل صوت الرباب كان الصوت الأكثر إيغالاً في عمق التأثير الذهني؛ لارتباطه بصورة الطفل الرضيع الذي قُتِل في ذلك اليوم، ومن هنا يبدأ الذهن في تشكيل صورةٍ سمعيةٍ لامرأة ثُكِلت بابنها بعد أن جفَّ لبنها؛ لـمّا منع جيش الأعداء الماء عنهم، فقد ورد في أحد المصادر لـمّا قُتِل الطفل الرضيع «فإنّ أُمّه الرباب واقفة عليه تنظر إليه»^{^[45]}، وهذا مشهد حزين ومؤلم للأُمّ فلا تكاد تهدأ ليلها ولا نهارها وهي تذكر ما رأت بأم عينها؛ مما يجلب لها الأنين والحنين على ولدها^{^[46]}؛ ولذا فالمشهد يحرك الوجع الإنساني إزاء الطفولة المهدورة ـ الطفلُ الذي قُتل عطشاناً ـ وصوت الأنين، الذي رافق استحضار المشهد السابق لمشهد الخربة، حيث كان الطفل مغمى عليه من العطش والجوع، بينما جاءه سهم نافذ وهو بين يدي أبيه، «فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينب: ناوليني ولدي الصغير حتّى أودِّعه. فأخذه وأومأ إليه ليقبِّله فرماه حرملة بن الكاهل الأسدي (لع) بسهم فوقع في نحره فذبحه، فقال لزينب: خذيه. ثمّ تلقى الدم بكفيه فلمّا امتلأتا رمى بالدم نحو السماء، ثمّ قال: هوّن عليّ ما نزل بي أنَّه بعين الله»^{^[47]}.

وفيما جاء من الخبر: «ولـمّا فجع الحسين(عليه السلام) بأهل بيته وولده، ولم يبقَ غيره وغير النساء والذّراري، نادى هل من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ وارتفعت أصوات النساء بالعويل»^{^[48]}، فكان لصوت الأنين والحنين اللذين مَثُلا في نصّ الخبر، ما هيّأ الذهن لاستحضار صوت الأُمّ المفجوعة بولدها، من جهة وصورة الرضيع المذبوح من جهة أُخرى، وصوت عويل النساء الذي يستدعي الإيذان برحيل الحسين(عليه السلام)، فكان ذلك الصوت الباعث على الألم والتفجّع.

3 ـ صوت الأطفال

ومن ذلك صوت الأطفال من آل الرسول(صلى الله عليه واله) فقد أمسوا ليلتهم وحماتهم صرعى على وجه الأرض، روي: «أنّ فاطمة الصغرى قالت: كنت واقفة بباب الخيمة وأنا أنظر إلى أبي وأصحابي مجزّرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أُميّة، أيقتلوننا أو يأسروننا؟»^{^[49]} فأمسوا تلك الليلة وهم بأيدي عدو تجرّد قلبه من الرحمة؛ فإذا بكت طفلة من أطفال الحسين(عليه السلام) أسكتوها بكعب الرمح وبالسياط، وهي تستغيث، فتقول أحداهن: «فإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه وهن يلذن بعضهن ببعض، وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة، وهن يصحن... فطار فؤادي وارتعدت فرائصي، فجعلت أجيل بطرفي يميناً وشمالاً... وإذا به قد قصدني ففررت منهزمة، وأنا أظن أنّي أسلم منه، وإذا به قد تبعني، فذهلت خشية منه وإذا بكعب الرمح بين كتفي، فسقطت على وجهي، فخرم أذني وأخذ قرطي ومقنعتي، وترك الدماء تسيل على خدي ورأسي تصهره الشمس»^{^[50]}، وهنا تبرز مجموعة من الأصوات المتداخلة مع بعضها، كفعلٍ وردّ فعل، صوت الأطفال الباكين مشفوعاً بصوت كعب الرمح الذي يغرز في أجسادهم الصغيرة، فيبدي عمقاً في الأداء الصوتي، قياساً بصوت السياط الذي يستحضر أداء صوتياً أكثر حدّة؛ نتيجة خفّة الوتر وضآلة سمكه، فيحدث ارتطاماً هوائياً حادّاً لحظة نزوله على تلك الأجساد الضعيفة، ويكون صوت الاستغاثة، هو ردّ الفعل الناجم عن فعل الضرب المحرِّك للألم الجسدي والمعنوي.

وكان بكاء النساء والأطفال، الصورة السمعية المهيمنة في العديد من زوايا المشهد الحسيني، تلك التي أدلف إليها النص، عبر الصور الذهنية المتكوّنة كنتيجةٍ فعلية في النصّ المقروء أو المسموع.

4 ـ صوت المنادي

ونكون أمام صورتين سمعيتين مرتبطتين ببعضهما، فيما نقله الراوي من حال الإمام السجاد(عليه السلام) الذي حضر واقعة الطفّ، وكان يومها مريضاً لم يستطع أن يشارك في القتال. فكلّما دخلوا عليه وجدوه غارقاً بدموعه، غاصّاً بعبرته وهو يشهق بالبكاء، مستعيداً ذكريات عاشوراء فيما رآه وسمعه بنفسه، في حالة من الاسترجاع الزماني والمكاني للحدث، عبر الصور الذهنية الماثلة في ذاكرته عن ذلك اليوم؛ وصوت المنادي «يا خيل الله، اركبي...»^{^[51]}، الذي ارتهن إلى أحقاده وبغضه الأعمى، صورة سمعية استرسلت تبثّ صداها في ذاكرته: «إنّي لم أذكر مصرع بَني فاطمة إلّا خنقتني لذلك عَبرة»^{^[52]}، وإنّي إذا نظرت إلى عمّاتي وأخواتي ذكرت فرارهن يوم الطفّ من خيمة إلى خيمة، ومنادي القوم ينادي أحرقوا بيوت الظالمين. وهكذا نكون أمام صورة سمعية تحمل حالة التفجّع، مثّلتها صورة (الصوت الباكي)، والصورة الثانية تحمل إذكاءً لمشاعر الحقد في نفوس الجند في جيش يزيد، مثّلتها صورة (المنادي)، فضلاً عمّا تثيره من تعجبٍ لدى المستمع لما ينقله الراوي؛ لأنّ أهل بيت الرسول(عليهم السلام) ليسوا من أهل الظلم.

5 ـ صوت الحسين(عليه السلام)

ومن ذلك ما جاء في الخبر: «ثمّ حمل على القوم وصرخ في أوسطهم، ثمّ دار فيهم وجعل يحصد الأبدان حصداً، ويضرب فيهم ذات الطول والعرض، وذات اليمين والشمال، حتّى ترك الرجال تحت سنابك الخيل ودماؤهم كالأنهار، ثمّ ولّى النهار فرجع إلى الخيمة وجراحاته تشخب دماً»^{^[53]}. ما تستحضره الصورة الذهنية، هو هيبة الصوت، وشجاعة صاحبه الذي استبسل في الدفاع عن حَرَمه وخِيَمه حتّى الرّمق الأخير، إذ يجلجل صوت الحسين الثائر، فيهزّ أركان المعسكر، ويهرب بين يديه الشجعان منهم، حتّى إذا هوى بسيفه على أجسادهم تناهت إلى أذهاننا لحظة النفوذ الخاطفة، بما تشكل من اختراق حادٍّ لسيفه المصلت، وهو يشق طريقه في أجسادهم بعمق، محدثاً ذلك الارتطام العميق المصحوب بأزيز المشق، يمزّقُ لحومهم. ويغيب صوت الصليل بحضور السيف المغمد في الأجساد، فلا مجال لمقارعةٍ، إنّما نزل فيهم ضرباً، فكان ارتطام سيفه بأجسادهم، هو الصورة السمعية المهيمنة على الموقف. ويبرز إلى جوراها صوت السنابك وهي توغل في أجسادهم، وتظهر أيضاً مستوىً صوتياً عميقاً، بحضور تكرار الارتطام (طبطبةً)، بين حافر الخيل والجسوم الهاوية تحت سنابكها.

ب ـ الصورة الميثولوجيّة

وهي الصورة التي تعبِّر عن أحوالٍ خارقةٍ للمألوف العلمي أو المنطقي، لا تفرض التصديق بها، إنّما تتيح للمتلقي حرّية الاعتقاد بوجودها من عدمه في حدود أدبية، وربّما تتعدّى ذلك إلى قناعات خاصّة عند فئة من البشر. ومن هنا فإنّنا لن نتحدّث عن الصورة (الميثولوجية) في المشهد الحسيني إلّا في باب أدبي، ونترك للمتلقّي حرّية الاعتقاد بإمكانية حصولها من عدمه؛ لأنّ هذا بالنتيجة يعتمد على ما يعتقده القارئ حقّاً واقعاً أو غير ذلك.

1 ـ حديث الرأس

المتابع يلاحظ انتقال رأس الإمام الحسين(عليه السلام) من مكان إلى آخر، وقد ارتبط في كلّ موقف من المواقف بحادثة يسردها الراوي. وها هو ينقل إلينا حديث الراهب مع الرأس: «يا رأس من رؤوس بني آدم، ويا كريم ويا عظيم جميع مَن في العالم، أظنّك من الذين مدحهم الله في التوراة والإنجيل، وأنت الذي أعطاك فضل التأويل، لأنّ خواتين السّادات بني آدم في الدنيا والآخرة يبكون عليك ويندبونك. أنا أريد أعْرِفَك باسمك ونعتك. فنطق الرأس بقدرة الله تعالى، وقال: أنا المظلوم، أنا المهموم، أنا المغموم، أنا الذي بسيف العدوان والظلم قُتِلت، أنا الذي بحرب أهل البغي ظُلمت، أنا الذي على غير جرم نُهبت، أنا الذي من الماء مُنعت، أنا الذي عن الأهل والأوطان بعدت. فقال صاحب الدير: بالله عليك أيّها الرأس، زدني. فقال: إن كنت تسأل عن حسبي ونسبي: أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن عليٍّ المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن العروة الوثقى، أنا شهيد كربلاء...»^{^[54]}.

تأخذنا صورة الرأس الناطق إلى صورة (خارقة)، تقرُّ بإمكانية وقوع الكلام لرأس مقطوع؛ على أنّ هذا يقع فيما يعتقده الإنسان حقّاً واقعاً في باب الإيمان بما خلف الطبيعة؛ فإنّ القوة الهائلة التي فرضت قوانينها على الكون من دون تدخّل بشري، وعلى وفقها يتحتّم النفي جزماً بانعدام الحياة لرأس مقطوع، ممّا يعني قطعاً انتفاء القدرة الكلامية، إلّا أنّ ما تفرضه قوانينها في الوقت نفسه، إمكانية حصول ذلك التأثير من قوى خلف الطبيعة في مسار الحياة البشرية بالشكل الذي يغير من الاتجاهات والمآلات، وهذا ما يطلق عليه (الإيمان) المرتبط في بعض جوانبه، بما يغيب عن المدركات الحسيّة للإنسان، ويؤول تدخّلها المباشر في حياته إلى إحداث معجزة، أي: إحداث ما لا يمكن وقوعه في باب التصديق؛ لاستحالته من الناحية العلمية والمنطقية، أما علمياً فقد ثبت أنّ قطع الأوداج وانفصال الرأس عن الجسد، يعني انتهاء الحياة لذلك الإنسان، بفعل انقطاع السبب المباشر لبقائه حيّاً، وهو (الدم) السّاري في ذلك الجسد. وأمّا منطقيّاً فإنّ انفصال الرأس عن الجسد يعني الموت، والموت يفقد الإنسان القدرة على الكلام؛ لأنّ كلّ حيٍّ قادرٌ على الكلام مع تحقّق الأسباب الدّاعية إلى ذلك، وكلّ ميتٍ غير قادر على الكلام مع تحقّق الأسباب الداعية إلى ذلك. وحضور الرأس المقطوع في المشهد الحسيني، يشير إلى انقطاع الحياة؛ لما يمثِّله هذا الرأس مجملاً من أفكار ومعتقدات، تزول الحياة بذهابها. لكن نطقه مع تحقّق القطع، يشير إلى ديمومتها على الرّغم من انقطاع الأسباب العلمية والمنطقية، فهو حيٌّ نافذ في عمق الفكر الإنساني بما يمثّل من فورة الأفكار الناهضة بأسباب الحياة، رغم انقطاع السبب المباشر لديمومتها، وهو بحدّ ذاته يمثّل تحدياً لفكرة الموت التي يلجأ إليها الطغاة لإسكات ما لا يتّفق مع سياساتهم، وقمع حرّية الفكر والتعبير، إذا تعارضت مع مصالحهم. وهكذا فإنّ استمراريّة النطق للرّأس المقطوع تشير إلى استمراريّة الفكر الرافض للقمع والاستبداد السُّلطَوي، حتّى بعد فناء الجسد. وهي تشكل صورة سمعية، تستحضر معاني الإصرار على الحياة ورفض الموت.

2 ـ مطرٌ دامٍ

ورد في بعض المصادر أنّه: «لـمّا قُتِل الحسين بن عليّ مطرت السّماء دماً فأصبحت وكلّ شيءٍ ملآن دماً»^{^[55]}، «وتزلزلت الأرض لمصرع الحسين(عليه السلام)، وأظلم الشرق والغرب، وأخذت الناس الرّجفة والصواعق، وأمطرت السماء دماً عبيطاً^{^[56]}... ولم تمطر السماء دماً إلّا ذلك اليوم، ويوم شرح فيه يحيى بن زكريا(عليه السلام)»^{^[57]}. سقوط المطر يأخذ منحيين في الموروث الأدبي، أحدهما يحمل صورة الخير وتسميه العرب غيثاً، وآخر يحمل صورة الشّرّ وتسميه العرب مطراً، ومن هنا جاء في الكتاب الكريم قوله تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ)^{^[58]} في مشهد يصور فيه حالة العقاب واستحقاق العذاب الأليم. ولعلّ المشهد المرئي في صورة المطر الدامي يُعدّ المهيمن على الصورة بفعل سلطة اللون؛ لأنّها جاءت مخالفة للمألوف ممّا استدعى لفت النظر إليها بشكل أكبر. إلّا أنّ الصورة السمعية التي يستحثّها الذهن تبقى حافزة، فسقوط القطرات المائية في مثل هذا المشهد الحافل بالقتل والألم والأهوال، يشير إلى انقضاء كلّ شيء وانتهائه بعد تلك المعركة، كما تنتهي جلبة الرعد وأصواته المدوية بهطول المطر، وإنّه يُعمِّقُ من لحظات السكون التي تلت كلّ تلك الجلبة على قِصر مدّتها، فالأجساد مضرّجة بالدماء مقطوعة الرؤوس، مقطعة الأوصال، يجيء المطر الدامي ليزيد من عمق المأساة لتلك اللوحة العظيمة، وكأنّ تلك الدماء تبخرت كتبخر مياه النهر، وهطلت مطراً على هذه الأرض. وتأتي الصورة السمعية مستكملة لمعاني الحزن والألم، بالنظر إلى سكون جميع الأشياء إلى صوت تلك القطرات المتساقطة، وما يصحب المطر من خفوت الضوء؛ واختفاء مظاهر الاشراق بغياب الشمس، يجعل الصورة الذهنية تلقي في مخيلة المتلقي صورة سمعية يستشعر فيها ركود الأشياء وسكونها.

3 ـ نوح الجنّ

«عن صفوان الجمّال عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: سألته في طريق المدينة ونحن نريد مكّة، فقلت: يابن رسول الله، مالي أراك كئيباً حزيناً منكسراً؟ فقال: لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مسألتي. قلت: فما الذي تسمع؟ قال: ابتهال الملائكة إلى الله(عز وجل)، على قتلة أمير المؤمنين وقتلة الحسين(عليه السلام)، ونوح الجنّ وبكاء الملائكة الذين حوله، وشدّة جزعهم. فمَن يتهنّأ مع هذا بطعام أو بشراب أو نوم؟!»^{^[59]}، تنتقل الصورة السمعية عبر المؤثِّر الذي يشكِّله الذهن من العالم الظاهر إلى عالم مخفيّ مجهول الأبعاد، وتستثير في ذاكرة القارئ نصاً إثرائياً لإمكانية تصوّر المشهد، فلم تبتعد كثيراً عن دائرة الفهم السائد للعلاقة الوطيدة بين الحادثة العظيمة، وحدوث الخوارق، كالتي شهد بها القرآن الكريم في سورة الجنّ: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)^{^[60]}، وهذا ما تمثِّله عظمة الحدث بإعجاب الجنّ لما استمعوا إليه، وإذا حاولنا إيجاد علاقة بين الصورتين فإنّ إعجاب الجنّ بما جاء به القرآن، يشير إلى اعتقادهم بنبوة محمد(صلى الله عليه واله)، ولا تضادّ بين ذلك العجب الذي أوقع الإيمان في نفوسهم، وبين حالة (النوح) التي عبّرت عن الحزن العظيم الذي عبر بعالم المادّة إلى عالم لا مرئي، والذي أثار ألماً عميقاً في الخلق بمختلف مستوياته وأعماقه؛ لأنّ الحسين(عليه السلام) إنّما هو امتداد لذلك القرآن الذي عجب منه الجنّ، فكان حزنهم بمقدار تعجبّهم وتعلّقهم بكلّ نصّ من نصوصه.

4 ـ سقف الدير

يروى أنّ نصر الخزاعي قد جمع عسكراً وأراد أن يهجم على جيش عبيد الله بن زياد نصف الليل، ويقتل الأبطال، ويجندل الشجعان، ويأخذ الرؤوس والسبايا، فقال رؤساء العسكر من عظم اضطرابهم: نلجأ الليلة إلى الدير ونجعله كهفاً لنا؛ لأنّ الدير كان محكماً لا يقدر أن يتسلّط عليه العدو، فصاح الشمر بأعلى صوته: يا أهل الدير. فجاءه القسيس الكبير، فسألهم ما يريدون، فأخبروه بما كان من أمرهم^{^[61]}، «قال: فلمّا نظر القسيس إلى رأس الحسين(عليه السلام) وإذا بالنور ساطع منه إلى عنان السماء فوقع في قلبه هيبة منه، فقال القسيس: ديرنا ما يسعكم، بل ادخلوا الرؤوس والسبايا إلى الدير وأحيطوا بالدير من خارج، فإذا دهمكم عدو قاتلوه ولا تكونوا مضطربين على الرؤوس والسبايا. فاستحسنوا كلام القسيس وقالوا: هذا هو الرأي. فحطوا رأس الحسين(عليه السلام) في صندوق وقفلوه وأدخلوه إلى الدير والنساء وزين العابدين، وجعلوهم في مكان يليق بهم. قال: ثمّ إنّ صاحب الدير أراد أن يرى الرأس الشريف، وجعل ينظر حول البيت الذي فيه الصندوق، وكان له (رازونة)، فحطّ رأسه فيها، فرأى البيت يشرق نوراً، ورأى أنّ سقف البيت قد انشقّ ونزل من السماء تخت عظيم، وإذا بامرأة أحسن من الحور جالسة على التخت، وإذا بشخص يصيح: أطرقوا ولا تنظروا. وإذا قد خرج من ذلك البيت نساء، وإذا هن حواء وصفية وأُمّ إسماعيل وراحيل وأُمّ يوسف وأُمّ موسى وآسية ومريم ونساء النبيّ صلى الله عليه وآله»^{^[62]}.

وتنكشف قداسة الأمكنة بالإنسان العظيم الذي يمنحها صفة القدسية، وهذا ما نراه في كلّ ما يحيط به التراث الديني على الإطلاق، فتشرّفت أرض السواد بإبراهيم(عليه السلام) أبي الأنبياء، ومن ذرّيته تشرّفت بعليّ بن أبي طالب، والحسين بن عليّ، والعباس بن عليّ، وموسى الكاظم، ومحمد الجواد، وعليّ الهادي، والحسن العسكري(عليهم السلام)، وغيرهم، كما تشرّفت أورشليم بزكريا ويحيى والمسيح(عليهم السلام)، وغيرهم، كما تشرّفت مكّة بإسماعيل من ذرّية إبراهيم(عليه السلام) ومن بعده بمحمد(صلى الله عليه واله) وآله(عليهم السلام). وهكذا فإنّ كلّ مكان مقدّس، إنّما يكتسب قداسته من الإنسان الذي يولد فيه أو يعيش، أو يدفن فيه.

ويظهر (الدير) ـ في سرد المقاتل الحسينية وغيرها من الأخبار ـ المعلم الديني الأظهر، بعد كل ما مرّ به الراوي من نقل الأخبار لكل مدينة، ومكان دخله رأس الحسين(عليه السلام) أو أهله وصحبه. فظهر أنّه الملاذَ الآمن لأهل بيت النبي(صلى الله عليه واله) بعد كلّ ما مرّوا به، واحتفاء الراهب بهم بعد كلّ تلك المعاناة، والسفر المضني وما لاقوه من أذى وترويع، وانشقاق السقف الذي رآه صاحب الدير، يستثير عبر المؤثِّر الذهني صورة سمعية، فضلاً عمّا يمكن أن يقع في التصور من مشهد مرئي لصورة الانشقاق، فإنّ لهذا التصدّع المتواتر على السمع، ما يستحثّ على الترقّب من جهة لما يمكن أن يكون سبب حدوثه، وعلى التهيب من جهة أُخرى، بالنظر إلى ما يحمل المكان ومن فيه من قداسة عظيمة.

5 ـ المحراث

روى الشيخ الطوسي في (الأمالي) عن: «عبد الله بن دانية الطوري، قال: حججت سنة سبع وأربعين ومائتين، فلمّا صدرت من الحجّ صرت إلى العراق فزرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) على حال خيفة من السلطان، وزرته ثمّ توجهت إلى زيارة الحسين(عليه السلام)، فإذا هو قد حُرثت أرضه ومخر فيها الماء، وأُرسلت الثيران العوامل في الأرض، فبعيني وبصري كنت أرى الثيران تُساق في الأرض فتنساق لهم حتّى إذا حاذت مكان القبر حادت عنه يميناً وشمالاً، فتُضرب بالعصي الضرب الشديد فلا ينفع ذلك فيها، ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب، فما أمكنني الزيارة»^{^[63]}. يستنهض مشهد الحراثة، صورة سمعية تشير إلى الحركة البطيئة المتواترة، وهي تحمل إشارات الحياة، ومواصلة العمل على الرغم من كلّ الأحداث التي مرّت على تلك الأرض، وما وقع فيها من مصائب عظيمة، وهي تصاحب صورة (حاثّة- رادعة) في مشهد الثيران العاملة في تلك الأرض، بعد عصيانها رغبة سيدها في حراثة ما فوق القبر. ويفرز صوت الضرب بالعصيّ، صورة حاثّة على العمل بالوجهة التي يحددها المالك، وأُخرى رادعة عن انحراف المسار الذي يحدّده صاحبها، في مشهد يحمل دلالة على قدسية المكان وصاحبه، فامتناع الثيران عن حراثة قبر الحسين(عليه السلام)، يعمّق المفهوم المقدّس الذي يحمله المكان.

خاتمة

أدّت الصور الذهنية دوراً فاعلاً في تحريك الصورة السمعية واستنطاق دلالتها في أنماط المشهد الحسيني على صعيد الخبر والشعر، منها ما دلّ على الخوف، ومنها ما دلّ على الحزن والألم، ومنها ما دلّ على الهيبة، ومنها ما دلّ على الترويع، ومنها ما دلّ على السكون، ومنها ما دلّ على الجلبة، وغير ذلك ممّا عرضه البحث، وكان لكلّ ذلك أثره النفسي ومنافذه السمعية التي تسمح للباحث باستجلاء الصور المتفاوتة فيما تعرض من الدلالات المختلفة، تخليداً للمثل العليا والقيم الإنسانية التي زرعتها واقعة الطفّ، والمسيرة الحسينية عموماً. وكان لاستثارة الصور السمعية منبثقة ممّا يستدعيه الغرض الأدبي، وما يفرضه المستوى اللفظي على صعيد السياق، حثّاً للحواس وإنعاشاً لاستشعار أغراضه. وكان الحزن والألم ومعاني الأسى عموماً، الدلالات الأكثر سطوة في النسيج العام للصور السمعية انسجاماً مع الطابع العام للمشهد الذي اكتظّ بصور الفقد والظلم والترويع والقتل.

ورصد البحث أربعة أنماط للصورة الذهنية: الأُولى جاءت عِبر المستوى المتخيّل، الذي يعتمد على تراكم الصور عِبر تكثيف المعنى. والثانية جاءت عِبر الخيال المحرِّك للوهم. والثالثة جاءت عِبر المستوى المرئي المباشر والمنقول تواتراً خبرياً. والرابعة عِبر المستوى الميثولوجي، الذي يعتمد على خرق المألوف المنطقي والعلمي. أمّا الصورة السمعية فقد تكون حقيقية، تهيؤها الصورة الذهنية، بعد حصول عملية السماع، أو دخول الصوت إلى الأذن، ومن ثَمّ ترجمته عبر الذهن إلى صورة لها دلالتها النفسية والتأثيرية، وقد تكون غير حقيقية، وإنّما يستحثّها الذهن عِبر الخيال كما في النصوص الأدبية، أو عبر الوهم، بافتراض وجود الصوت وهو غير موجود حقيقة.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1. إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام)، محمد السماوي (ت1370هـ)، تحقيق: الشيخ محمد جعفر الطبسي، مركز الدراسات الإسلامية لممثلية الولي الفقيه في حرس الثورة الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1419هـ/1999م.

2. الأدب المقارن، مناهج جامعة المدينة العالمية، جامعة المدينة العالمية للنشر، د.ط، د.ت.

3. الإرشاد، محمد بن محمد المعروف بالشيخ (ت413هـ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ/1993م.

4. أساس البلاغة، جار الله محمود بن عمر الزمخشري، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الأُولى، 2001م.

5. أساسيات البصريات، فرانسيس جينكينز، ترجمة: أ.د. عبد الفتاح أحمد الشاذلي، ود. سعيد بسيوني الجزيري، دارما كجروهيل، طوكيو- اليابان، الطبعة الرابعة، 1981م.

6. أمالي الصدوق، الشيخ الصدوق، تقديم: محمد مهدي حسن الخرسان، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1970م.

7. الأمالي، الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: بهراد الجعفري، وعلي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الأُولى، 1381هـ.

8. الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه، فضل علي القزويني، تحقيق: أحمد الحسيني، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، الطبعة الأُولى، 2015م.

9. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، دار إحياء التراث العربي، تحقيق: لجنة من العلماء، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة، 1385هـ.

10. تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي، شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، 1960م.

11. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، دار التراث، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية، 1387هـ.

12. تاريخ النقد الأدبي عند العرب، د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الرابعة، 1983م.

13. التعريفات، الشريف الجرجاني، ضبط وتصحيح جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1403هـ/1983م.

14. التفسير النفسي للأدب، عز الدين إسماعيل، دار غريب، القاهرة، الطبعة الرابعة، د.ت.

15. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بم جرير الطبري، تحقيق: محمود محمد شاكر واحمد محمد شاكر، مؤسّسة الرسالة، القاهرة، الطبعة الأُولى، 2000م.

16. الحماسة البصرية، صدر الدين البصري، تحقيق: مختار الدين أحمد، عالم الكتب، بيروت، د.ت.

17. حياة الإمام محمد الباقر.. دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، دار البلاغة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1993م.

18. الحيوان، الجاحظ، محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 1424هـ.

19. دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأُولى، بيروت ـ لبنان، 1405هـ.

20. الدمعة الساكبة في أحوال النبي(صلى الله عليه واله) والعترة الطاهرة، محمد باقر عبد الكريم، البهبهاني، تصحيح وتعليق: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، بيروت- لبنان، 1989م.

21. ديوان أوس بن حجر، تحقيق وشرح: د. محمد يوسف نجم، دار بيروت، بيروت ـ لبنان، 1980م.

22. ديوان دعبل الخزاعي، صنعه عبد الكريم الأشتر، مجمع اللغة العربية، دمشق، الطبعة الثانية، 1983م.

23. ديوان ذو الرّمة، شرح أبي نصر الباهلي رواية ثعلب، أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي، تحقيق: عبد القدوس أبو صالح، مؤسّسة الإيمان، الطبعة الأُولى، جدّة، 1982م.

24. ديوان لبيد بن ربيعة العامري، تحقيق: د. إحسان عباس، الكويت، 1962م.

25. ديوان لقيط بن يعمر الإيادي، تحقيق: خليل إبراهيم العطية، وزارة الإعلام، 1970م.

26. سلسلة مجمع مصائب أهل البيت من الليلة العاشرة ويوم عاشوراء إلى الليلة الحادية والعشرين من المحرم، محمد الهنداوي، دار المحجّة البيضاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 2004م.

27. الشاعر الناقد، ت.س. إليوت، ترجمة: د. إحسان عباس، مؤسّسة فرنكلين للطباعة، بيروت/ونيويورك، 1965م.

28. الصورة ـ الحركة أو فلسفة الصورة، جيل دولوز، ترجمة: حسن عودة، منشورات وزارة الثقافة المؤسّسة العامة للسينما، دمشق، 1997م.

29. الصورة الأدبية تاريخ ونقد، علي علي صبح، دار إحياء الكتب العربية، د.ت، وفن التحرير العربي، محمد صالح الشنطي، دار الأندلس، السعودية، الطبعة الخامسة، 2001م.

30. الصورة، جاك أومون، ترجمة: ريتا الخوري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت – لبنان، الطبعة الأُولى، 2013م.

31. العوالم الإمام الحسين(عليه السلام)، عبد الله البحراني، تحقيق مدرسة الإمام المهدي، بإشراف محمد باقر الموحد الأبطحي، مطبعة أمير، قم، الطبعة الأُولى، 1407هـ.

32. عيون المسائل، الفارابي، منشور ضمن الثمرة المرضية في بعض الرسالات الفارابية، LEDEN.- E.J. BRILL، 1890م.

33. فن الإلقاء، طه عبد الفتاح مقلد، مكتبة الفيصلية، د.ط، د.ت.

34. في الميزان الجديد، محمد مندور، نهضة مصر للطباعة والنشر، 2004م.

35. قصص المنبر الحسيني من محاضرات د. أحمد الوائلي، والشيخ عبد الحميد المهاجر، إبراهيم سرور، دار المتقين، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، د.ت.

36. كامل الزيارات، ابن قولويه، تحقيق: الشيخ جواد الفيومي، الطبعة الأُولى، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1417هـ.

37. كتاب الاختيارين المفضليات والأصمعيات، علي بن سليمان بن الفضل، أبو المحاسن المعروف بالأخفش الأصغر، تحقيق: فخر الدين قباوة، دار الفكر المعاصر، بيروت- لبنان، الطبعة الأُولى، 1999م.

38. اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي، أحمد بن عبَد الله بن سُلَيمان القضاعي التَنوخي (أبو العلاء المعري)، تحقيق: محمد سعيد، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأُولى، 2008م.

39. مبادئ النقد الأدبي والعلم والشعر، أ.أ. ريتشاردز، ترجمة: محمد مصطفى بدوي، مراجعة لويس عوض وسهير القلماوي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأُولى، 2005م.

40. المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ابن الأثير، تحقيق: أحمد الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر، القاهرة.

41. المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة، عبد الحسين شرف الدين الموسوي، تحقيق: محمود البدري، مؤسّسة المعارف الاسلامية، قم، الطبعة الأُولى، 1421هـ.

42. مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، يوسف بن قِزْأُوغلي بن عبد الله، المعروف بـسبط ابن الجوزي، تحقيق: محمد بركات، كامل الخراط، عمار ريحاوي، دار الرسالة العالمية، دمشق ـ سوريا، الطبعة الأُولى، 2013م.

43. معجم العين، الفراهيدي، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 2003م.

44. معجم الفروق اللغوية، الحسن بن عبد الله (أبو هلال العسكري)، تحقيق: الشيخ بيت الله بيات، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، قم، 1412هـ.

45. مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دار القلم، الطبعة الرابعة، دمشق، 2009م.

46. مقتل الإمام الحسين أو واقعة الطفّ، محمد تقي بحر العلوم، تعليق: الحسين بن التقي آل بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، الطبعة الأُولى، 1426- 1384.

47. مقتل الحسين المسمى باللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، الطبعة الأُولى، 1993م.

48. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب السروي المازندراني، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1991م.

49. منهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجني، تحقيق: محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الكتب الشرقية، 1964م.

50. نظرية الأدب، رينيه ويليك وأوستن وآرن، تعريب: د. عادل سلامة، دار المريخ، الرياض ـ السعودية، الطبعة الثالثة، 1992م.

51. نور العين في مشهد الحسين، إبراهيم بن محمد الإسفراييني، مطبعة الشيخ عثمان عبد الرازق، د.ط، القاهرة ـ مصر، 1302هـ.

52. وظيفة الصورة الفنية في القرآن، عبد السلام أحمد الراغب، فصلت للدراسات والترجمة والنشر، الطبعة الأُولى، حلب- سوريا، 2001م.

المواقع الإلكترونية والموسوعات

1. صوت شيعة الحسين العالمية، موقع إلكتروني، قصيدة هذه الحكاية، من إصدار (هذه الحكاية)، للشاعر أحمد العلياوي، 1435هـ.

2. موسوعة المصطلح النقدي، ترجمة عبد الواحد لؤلؤة، المؤسّسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1977م.

3. موسوعة كربلاء.. عرض شامل لأحداث نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) ومعركة كربلاء منذ خروج الحسين(عليه السلام) من المدينة المنورة وحتّى رجوع السبايا إليها مأخوذة من أشهر كتب التاريخ والمقاتل، تأليف: الدكتور لبيب بيضون، دار النشر: طليعة النور، قم ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1437هـ.

4. موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام)، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم، منظمة الإعلام الإسلامي، دار المعروف، قم، الطبعة الثالثة، 1995م.

5. Encyclopaedia Britannica 'Real image inareal image' britannica.com.

[1] الفارابي، محمد بن محمد، عيون المسائل، منشور ضمن الثمرة المرضية في بعض الرسالات الفارابية، LEDEN.- E.J. BRILL.، 1890م: ص56

[2] اُنظر: المصدر السابق.

[3] اُنظر: الراغب، عبد السلام أحمد، وظيفة الصورة الفنية في القرآن: ص429.

[4] الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة: مادّة: (ذ، هـ، ن).

[5] اُنظر: الشريف الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات: ص108.

[6] اُنظر: الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد بن المفضل، مفردات ألفاظ القرآن: ص560.

[7] اُنظر: أبو هلال العسكري، الحسن بن عبد الله، معجم الفروق اللغوية: ص500-501.

[8] القرطاجني، حازم بن محمد، منهاج البلغاء وسراج الأدباء: ص18-19.

[9] اُنظر: المصدر السابق: ص38.

[10] اُنظر: رينيه ويليك، وأوستن وآرن، نظرية الأدب: ص254-255.

[11] اُنظر: عبد الواحد لؤلؤة، موسوعة المصطلح النقدي: ص187-189، وأيضاً: جاك أومون، الصورة، ترجمة: ريتا الخوري: ص17-18، وص 58-59

[12] اُنظر: عز الدين إسماعيل، التفسير النفسي للأدب: ص61-63، وأيضاً: الشريف الجرجاني، علي ابن محمد، التعريفات: ص14.

[13] اُنظر: د. إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب: ص554.

[14] اُنظر: مناهج جامعة المدينة العالمية، الأدب المقارن: ص522.

[15] ابن الأثير، ضياء الدين، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: ج1، ص173.

[16] اُنظر: أ. أ. ريتشاردز، مبادئ النقد الأدبي والعلم والشعر: ص170.

[17] اُنظر: محمد مندور، في الميزان الجديد: ص149.

[18] اُنظر: ت.س. إليوت، الشاعر الناقد: ص173- 174.

[19] اُنظر: علي علي صبح، الصورة الأدبية تاريخ ونقد: ص131. وأيضاً: الشنطي، محمد صالح، فنّ التحرير العربي: ص289.

[20] اُنظر: القرطاجني، حازم بن محمد، منهاج البلغاء وسراج الأدباء: ص208-209.

[21] اُنظر: مقلد، طه عبد الفتاح، فن الإلقاء: ص170.

[22] اُنظر: سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي (الزمن ـ السرد ـ التبئير): ص13-14.

[23] اُنظر: الجرجاني، عبد القاهر، أسرار البلاغة: ص275.

[24] سبط ابن الجوزي، يوسف بن قِزْأُوغلي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: ج8، ص179.

[25] شرف الدين الموسوي، عبد الحسين، المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة: ص147.

[26] اُنظر: الزمخشري، محمود بن عمر، أساس البلاغة: مادّة (ن، و، ح).

[27] الأشتر، عبد الكريم، ديوان دعبل الخزاعي: ص324-325.

[28] النحل: آية50.

[29] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص273.

[30] البحراني، عبد الله، العوالم الإمام الحسين(عليه السلام) :ص553.

[31] اُنظر: أبو هلال العسكري، الحسن بن عبد الله، الفروق اللغوية: ص126.

[32] الجاحظ، عمرو بن بحر، الحيوان: ج6، ص445.

[33] اُنظر: المصدر السابق: ص446.

[34] اُنظر: الأخفش الأصغر، علي بن سليمان، الاختيارين المفضليات والأصمعيات: ج1، ص533. وأيضاً: أبو العلاء المعري، أحمد بن عبد الله، اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي: ص1471. وأيضاً: شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي (العصر الجاهلي): ص353.

[35] يونس: آية66-67.

[36] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ج15، ص143.

[37] الباهلي، أبو نصر أحمد بن حاتم، ديوان ذو الرّمة (شرح أبي نصر الباهلي رواية ثعلب): ج1، ص148-149.

[38] إحسان عباس، ديوان لبيد بن ربيعة العامري: ص317.

[39] العطية، خليل إبراهيم، ديوان لقيط بن يعمر الإيادي: ص37. البصري، صدر الدين، الحماسة البصرية: ج1، ص90.

[40] قصيدة هذه الحكاية، من إصدار (هذه الحكاية)، للشاعر أحمد العلياوي، 1435هـ، الموقع الإلكتروني (صوت شيعة الحسين العالمية).

[41] اُنظر: فرانسيس جينكينز، أساسيات البصريات: ص30، وص85. وأيضاً: Encyclopaedia Britannica‘ Real image inareal image.

النصّ الأصلي: inareal image the light rays actually are brought to focus at the image position.

[42] اُنظر: جيل دولوز، الصورة ـالحركة أو فلسفة الصورة، : ص83 وص86. وأيضاً: وفرانسيس جينكينز، أساسيات البصريات: ص84 وص85.

[43] بحر العلوم، محمد تقي، مقتل الإمام الحسين أو واقعة الطف: ص267.

[44] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص406.

[45] السماوي، محمد، إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام) :ص223.

[46] اُنظر: الهنداوي، محمد، سلسلة مجمع مصائب أهل البيت: ج2، ص250.

[47] ابن طاووس، مقتل الحسين المسمى باللهوف في قتلى الطفوف: ص69.

[48] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج1، ص320 . وفضل القزويني، الإمام الحسين وأصحابه: ج1، ص320.

[49] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص61.

[50] المصدر السابق.

[51] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص89.

[52] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص125. واُنظر: القرشي، باقر شريف، حياة الإمام محمد الباقر.. دراسة وتحليل: ص46.

[53] الإسفراييني، إبراهيم بن محمد، نور العين في مشهد الحسين: ص41. القزويني، فضل علي، الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه: ج1، ص325.

[54] البهبهاني، محمد باقر، الدمعة الساكبة في أحوال النبي(صلى الله عليه واله) والعترة الطاهرة: ج5، ص72.

[55] البيهقي، أحمد بن الحسين، دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: ج6، ص471.

[56] العبيط: الطريّ الرَطِب. اُنظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين: ج3، ص86، مادّة (عبط).

[57] بيضون، لبيب، موسوعة كربلاء: ج2، ص203.

[58] الشعراء: آية173.

[59] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص187. وبيضون، لبيب، موسوعة كربلاء: ج2، ص207.

[60] الجن: آية1-2.

[61] اُنظر: البهبهاني، محمد باقر، الدمعة الساكبة في أحوال النبي(صلى الله عليه واله) والعترة الطاهرة: ج5، ص70- 71.

[62] المصدر السابق: ج5، ص71.

[63] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ج11، ص489.

أنماط الصورة الذهنية في المشهد الحسيني - وأثرها في تشكيل الصورة السمعيّة