مقدّمة

تمتلك زيارة الناحية المقدّسة خصوصيات جعلت منها محطّ اهتمام العلماء ومبتغى أنظار النقّاد، بلحاظ كونها وثيقة تأريخية تنقل لنا أحداث الطفّ بطريقة مفجعة، تُثير إحساس الإنسان وشعوره، وتحرّك وجدانه وضميره، بَيدَ أنّ ألفاظها لم تخلُ من إشكالات أدّت بطائفة من الأعلام إلى إنكار نسبتها إلى المعصوم(عليه السلام)؛ وعليه يلزم البحث عنها سنداً ودلالةً، وذكر الوجوه الممكنة لدفع الإشكاليات الواردة حولها وردّها قدر الإمكان. فجدوى البحث متحقّقة، فلو ثبت صدورها أمكن الاستناد إليها في مقام البحث التاريخي لإثبات حدث، أو الفقهي لإثبات حكم، أو العقدي لإثبات قضية، على اختلافٍ في درجات الوثوق المطلوبة في كلّ مورد شدّةً وضعفاً، واختلاف المنهج المتبع في الاستدلال عليها.

ولا يخفى أنّها إحدى الزيارات التي يُزار بها الإمام الحسين(عليه السلام)، وإنّما سُمّيت بزيارة الناحية واشتُهرت بذلك من باب إطلاق السبب وإرادة المسبّب؛ إذ إنّها مروية عن الناحية المقدّسة.

الناحية المقدّسة

الناحية المقدّسة عبارة عن وصف وموصوف، ولأجل بيان حقيقتها يلزم البحث عن مقطعين:

الأوّل: (الناحية) وهي الجانبُ والجهة والمقصد^{^[1]}، تقول: اتّجه ناحية المدينة، أي: جانبها، وتقول: اذهب من هذه الناحية، أي: من هذه الوجهة، وتقول: بحثت الفقه من ناحية استدلالية، أي: قصدت بيان الدليل على الحكم الشرعي.

الثاني: (المقدّسة) وهي المباركة والمطهّرة والمنزَّهة عن المعايب والنقائص، يقول الفيروز آبادي: «القدس، بالضم وبضمتين: الطُّهر، اسم، ومصدر، وجبل عظيم بنجد، والبيت المقدّس، وجبريل، كروح القدس... والقدُّوس: من أسماء الله تعالى، ويُفتح، أي: الطاهر، أو المبارك... والتقديس: التطهير، ومنه الأرض المقدّسة، وبيت المقدِس، كمجلِس ومعظّم. وكمحدِّث: الراهب. وتقدَّس: تطهَّر»^{^[2]}.

فصفة القداسة للناحية يمكن أن تُحمل على الحقيقة، فيقال: المقصد المقدَّس بلحاظ أنَّ المعصوم(عليه السلام) هو الذي يقصده الناس ويتوجّهون إليه ليتعلّموا منه أحكام الدين وتعاليمه، أو على المجاز فيُراد منها الشخص الذي يكون في الجهة، فيأخذ المكان وصف القداسة بوجود المَكين.

والناحية المقدّسة اصطلاح مختصّ بالشيعة الإمامية(أعلى الله شأنهم)، يراد منه الإمام الحجّة بن الحسن(عجل الله فرجه الشريف)؛ لورود الأمر بعدم تسميته وتكنيته في نصوص متضافرة^{^[3]}،إذ يظهر منها حرمة التصريح باسمه(عجل الله فرجه الشريف)، وهي محمولة على وقت مخصوص بالغيبة الصغرى ـ جمعاً بينها وبين الأخبار المصرِّحة باسمه ـ بسبب الظرف الأمني الصعب الذي يقتضي التخفِّي والتستُّر عن السلطات العباسية، التي تحاول الظفر بأيِّ معلومةٍ توصل إلى الحجّة المنتظر(عجل الله فرجه الشريف)، فكان يُستعاض عن اسمه الشريف بالألقاب والأوصاف والعناوين العامّة، كالسيّد، والعالم، والصاحب، والغريم، وصاحب الدار، وولي الأمر، والناحية؛ لأجل إيهام السلطات وإبعاد الخطر عنه(عجل الله فرجه الشريف) وعن شيعته. وعليه؛ لا يكون للوصف إطلاق يسري إلى جميع الأزمان بعد انتهاء الغيبة الصغرى؛ ولذا لا تُوصف الرواية بالإضمار^{^[4]} لمعلومية شخص المراد بالناحية.

وقد قُسِّم البحث على مطالب أربعة تبعاً للإشكاليات المطروحة حول الزيارة الشريفة:

المطلب الأوّل: مصادر الزيارة وقيمتها العلمية

إنّ أوّل ما يلزم التعرُّض إليه في الأبحاث الفقهية هو معرفة مصدر الرواية وقيمتها العلمية؛ ليمكن بعدها دراسة الرواية على المستوى السندي والدلالي، وهي أُولى طرق تمييز المعتبر من المكذوب والمدسوس؛ ولأنَّ الزيارات تحتلُّ مكانة خاصّة عند الشيعة عموماً والإمامية خصوصاً، فقد كُتبت بعض الزيارات على يد بعض الأتقياء والصالحين؛ بُغية تحقيق الأهداف المنشودة من الزيارة، وأهمّها: تحصيل الأجر والثواب الأُخروي، أو الوصول إلى المعصوم والارتباط به، أو غير ذلك، ولعلّ(زيارة الناحية المقدّسة) من الزيارات التي وقع اللغط حولها؛ إذ نسبها بعض الأعلام إلى الإمام الحجّة(عجل الله فرجه الشريف)، في حين استبعد آخرون كالمجلسي^{^[5]} ذلك.

ومن هنا لا بدّ من عرض موجز وسريع لمصادر هذه الزيارة، وهي كالآتي:

الأوّل: نسبها المجلسي إلى الشيخ المفيد في مزاره

فقال المجلسي: «قال الشيخ المفيد(قدّس الله روحه) في كتاب المزار بعد إيراد الزيارة التي نقلناها من المصباح ما هذا لفظه:...»^{^[6]}، ثمّ أورد الزيارة.

وعند الرجوع إلى كتاب المزار المطبوع لا نجد للزيارة ذكراً، وهذا يرجع إلى أحد احتمالين: إمّا أن يكون قد حصل له الخطأ والاشتباه في النقل، أو يكون للمفيد كتاب آخر يحمل عنوان المزار لم يصل إلينا.

كما أنَّ العبارة المنسوبة إلى المفيد ليس فيها ما يدلّ على صدور الزيارة عن الإمام الحجّة(عجل الله فرجه الشريف) تصريحاً أو تلميحاً: ممّا يولِّد احتمال اختراع هذه الزيارة من المفيد أو أحد أعلامنا المتقدّمين(قدّس الله أسرارهم).

الثاني: نسبها ابن طاووس إلى السيّد المرتضى

قال السيّد ابن طاووس: «زيارة ثانية بألفاظ شافية نذكر منها بعض مصائب يوم الطفّ، يُزار بها الحسين(صلوات الله عليه وسلامه)، زار بها المرتضى علم الهدى(رضوان الله عليه)، وسأذكرها على الوصف الذي أشار هو إليه...»^{^[7]}.

بَيدَ أنّه ليس لها ذكر في مصنّفات السيّد المرتضى، ولعلَّ الأمر يرجع في واقعه إلى أنَّ المرتضى قد زار بها فنُقلت عنه شفاهاً أو كُتبت عنه، وهذه طريقة متداولة عند الأعلام؛ فإنَّهم ينقلون رواية أو خبر من كتاب آخر دون تدوينه في مصنّفاتهم؛ لعدم المناسبة، أو الغفلة أثناء التصنيف، أو غير ذلك من الأسباب.

ونلاحظ أيضاً عدم نسبتها إلى الإمام الحجّة(عجل الله فرجه الشريف)، فغاية ما يقال: إنَّ عدم وجود الدليل على النسبة يقف مانعاً أمام رفعها إلى المعصوم(عليه السلام).

الثالث: محمد بن جعفر المشهدي في مزاره

قال: «وممّا خرج من الناحية(عليه السلام) إلى أحد الأبواب، قال: تقف عليه(صلّى الله عليه) وتقول: السلام على آدم صفوة الله من خليقته، السلام على شيث ولي الله وخيرته...»^{^[8]}.

والظاهر أنَّه أوّل مَن نسبها إلى الناحية المقدّسة.

الرابع: رضي الدين بن طاووس

وقد تقدّم أنّه نقلها عن المرتضى في مصباحه دون نسبتها إلى الحجّة بن الحسن(عجل الله فرجه الشريف).

وعليه؛ يدور الأمر بين أن تكون صادرة عن المعصوم(عليه السلام) ولا يوجد مصدر يؤكّد ذلك ـ غير ابن المشهدي ـ وبين عدمه.

ولذا؛ لا بدَّ من بيان حال ابن المشهدي والقيمة العلمية لكتابه، فقد وقع الخلاف في شخصية المؤلِّف على أقوال عدَّة أهمّها:

القول الأول: إنَّه أبو البركات ناصح الدين محمد بن إسماعيل المشهدي الثقة الجليل، وهو ما استظهره المحدِّث المجلسي^{^[9]}.

وقال عنه الشيخ منتجب الدين: «فقيه محدِّث ثقة، قرأ على الشيخ الإمام محيي الدين الحسين بن المظفر الحمداني»^{^[10]}.

القول الثاني: انّه محمد بن جعفر المشهدي، وهو الذي ذهب إليه المحدِّث النوري^{^[11]}.

وهو من علمائنا الأجلّاء، فقد قال عنه الحرّ العاملي: «كان فاضلاً محدِّثاً صدُوقاً، له كُتب، يروي عن شاذان بن جبرئيل القمّي»^{^[12]}.

القول الثالث: إنّه مجهول الحال، فيسري الحكم إلى كتابه ورواياته بالجهالة، وقد ذهب إلى ذلك السيّد الخوئي(قدس سره) بقوله: «إنّه لم يظهر اعتبار هذا الكتاب في نفسه، فإنّ محمد بن المشهدي لم يظهر حاله، بل لم يُعلم شخصه وإن أصرَّ المحدِّث النوري على أنّه محمد بن جعفر بن علي بن جعفر... فإنّ ما ذكره في وجه ذلك لا يورث إلّا الظن»^{^[13]}.

ولكن القول الأوّل مستبعد لقرينتين، أحدهما أنَّه معروف بكنيته ولقبه، فيقال: حدّثنا أبو البركات المشهدي، بخلاف صاحب المزار، والأُخرى أنَّه لم يُذكر له كتاب بعنوان المزار.

فيدور الأمر حينئذٍ بين القولين الثاني والثالث، فالذي استدلّ به المحدِّث النوري هو اطّلاعه على نسخة عتيقة ومقارنته للأسانيد، واطّلاعه على الإجازات التي تُظهر أنّ صاحب المزار من طبقة الطبرسي صاحب الاحتجاج ومقارب لعصره، فإن تمَّ ما ذكره أمكن رفع الجهالة عن صاحب الكتاب والاعتماد عليه، وإلّا يكون رأي السيّد الخوئي(قدس سره) هو الراجح.

المطلب الثاني: البحث السندي

لا يخفى أنّ معرفة الإسناد من الجهات الضرورية في معرفة الحديث ودرجته؛ لتوقّف صحة الصدور عليه غالباً، فلا يمكن الاستناد عليه في إثبات قضية عقدية أو فقهية ما لم تُنقّح جهة الصدور. نعم، قد يُتساهل في أسانيد الأدعية والزيارات، فلا تُشترط صحة السند فيها وذلك لمجرّد التعبُّد بقراءتها، إمّا من جهة التسامح في أدلة السنن، وأمّا لعموم أدلة الأدعية والزيارات، لكن بشرط عدم قصد الورود؛ لأجل عدم حصول الكذب عند عدم صحة النسبة.

وهذا الأمر جارٍ في عموم الأدعية والزيارات، فهي إمّا أن ترد بسند صحيح أو معتبر، أو بسند ضعيف، فيكون احتمال صدورها أضعف، أو لا سند لها أصلاً وقد رُفعت إلى المعصوم(عليه السلام)، أو لم تؤثَر عن المعصوم(عليه السلام) أصلاً كدعاء العديلة الذي كتبه بعض العلماء^{^[14]}.

فأمّا ما رُويت بسند معتبر، فيُحكم بصحة صدورها وإن لم توجد ملازمة بين صحة السند وصحة المتن، فلربما يكون السند صحيحاً والمتن منكراً؛ لاشتماله على ما يُقطع بكذبه، أو ما كان مخالفاً للكتاب والسنّة وبديهي العقل.

وأمّا ما رُوي بسند ضعيف، فإنّ احتمال صدوره يكون أضعف، ويمكن الرجوع فيه إلى القرائن والشواهد التي تجبر ضعف سنده، فإن لم توجد يُرجع فيه إلى قاعدة التسامح في أدلة السنن على اختلاف في تفسير مؤدّاها بين الأعلام، فلا يخرج الدعاء أو الزيارة عن دائرة المقبولية.

وأمّا ما لم يؤثر عن المعصوم(عليه السلام)، فلا تصحّ قراءته بقصد الورود؛ لكون رفع الرواية إلى المعصوم(عليه السلام) وإسنادها إليه من دون دليل يعدُّ كذباً عليه، فتنقلب العبادة حينئذٍ إلى معصية، ولا يطاع الله من حيث يعصى.

نعم، يمكن قراءته لا بقصد الورود؛ ليحصل القارئ على الأجر والثواب، وإن كان التعبُّد بقراءة المأثور أولى وأفضل.

وبعد هذه المقدّمة الموجزة نرجع إلى البحث عن أسانيد(زيارة الناحية المقدّسة)؛ إذ إنّ تتبّع المصادر يُظهر أنَّه عنوان لزيارتين مختلفتين، أحدهما مشهورة ـ وهي مورد بحثنا ـ والأُخرى غير مشهورة وقد تُسمّى بزيارة الشهداء وهي تختلف عنها موضوعاً ومضموناً؛ ولذا سوف يُقسَّم البحث على نقطتين:

الأُولى: الزيارة المشهورة

وقد تقدّم أنّ مصادرها على قسمين:

1 ـ ما لم يسند نصّ الزيارة إلى المعصوم(عليه السلام)، بل نسب النصّ إلى الشيخ المفيد والسيد المرتضى، ويظهر من السيّد ابن طاووس ذلك.

ولأجل ذلك حكم العلّامة المجلسي بعدم صحة نسبتها إلى الناحية المقدّسة بقوله: «والظاهر أنّ هذه الزيارة من مؤلَّفات السيّد والمفيد*، ولعلّه وصل إليهما خبر في كيفية الصلاة؛ فإنَّ الاختراع فيها غير جائز»^{^[15]}، وتابعه على ذلك غير واحد.

ولا مانع من قراءتها وزيارة الإمام الحسين(عليه السلام) بها؛ لأنّ المنع الوارد في النصوص الشرعية إنّما يختصّ بالأدعية ولا قرينة لتعميمه على الزيارات.

2 ـ ما يرفع الزيارة إلى الناحية المقدّسة، وهو ما ذكره ابن المشهدي.

وعند مراجعة مزاره^{^[16]} نجده قد أرسل ذلك من دون ذكر سلسلة السند التي توصله بالناحية المقدّسة، فيحكم نتيجة لذلك بضعف الزيارة بالإرسال.

محاولات تصحيح السند

هناك محاولات عديدة لإثبات صحة الزيارة يمكن بيان أهمّها ومناقشتها:

المحاولة الأُولى: توثيق ابن المشهدي لرجال كتابه

قد يقال: بأنّ ابن المشهدي صرَّح في مقدّمة كتابه بأنّه قد نقل هذه الزيارات عن الثقات من أصحابنا بقوله: «فإنِّي قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد المشرَّفات، وما ورد في الترغيب في المساجد المباركات والأدعية المختارات، وما يُدعى به عقيب الصلوات، وما يُناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات في الخلوات، وما يُلجأ إليه من الأدعية عند المهمّات، ممّا اتّصلت به من ثقات الرواة إلى السادات»^{^[17]}، وبهذه العبارة تعهَّد المصنِّف في إيراد ما اتّصل سنده إلى المعصوم(عليه السلام) بنقل الثقات من الأصحاب دون غيرهم، فالسند وإن كان مجهولاً لدينا إلّا أنَّه معلوم لديه، وهم ثقات بشهادته، فيحكم نتيجة لذلك بصحة السند.

مناقشة المحاولة الأُولى

ويمكن مناقشة هذه المحاولة بأنّ الاعتماد على هذه الشهادة تتوقف على إثبات مقدِّمتين:

الأُولى: وثاقة المؤلِّف ومعرفة طريقته في التوثيق والتضعيف، وقد تقدّم أنّه غير معلوم الحال، إلّا إذا بنينا على ما استظهره المحدِّث النوري من كونه محمد بن جعفر المشهدي الثقة الجليل.

الثانية: أن تكون توثيقاته مبتنية على الحسّ لا الحدس والاجتهاد؛ ولذا صرَّح السيّد الخوئي(قدس سره) بقوله: «إنّ محمد ابن المشهدي من المتأخرين، وقد مرَّ أنّه لا عبرة بتوثيقاتهم لغير مَن يقرُب عصرهم من عصره، فإنّا قد ذكرنا أنّ هذه التوثيقات مبنية على النظر والحدس، فلا يترتّب عليها أثر»^{^[18]}. نعم، تكون حجّة فيما لو أفادت عبارته المتقدّمة الاطمئنان، وهو بعيد.

ولذا؛ تراه ينقل بعض الزيارات بإسناد متصل، وبعضها ينقلها عن المعصوم(عليه السلام) بدون سند، وأُخرى لا يرفعها إلى المعصوم أصلاً، وهذا الاختلاف يرفع الوثوق والاطمئنان حينئذٍ بنقل جميع الزيارات بطريقة واحدة؛ وبالتالي يُحكم بضعفها، إلّا أنّ هذا لا يمنع من قراءتها تمسُّكاً بالعمومات والاطلاقات القاضية بجواز قراءة جميع الأدعية والزيارات ما لم تتضمّن مضموناً مخالفاً للكتاب والسنّة.

المحاولة الثانية: دعوى تلقِّي العلماء لها بالقبول

فقد تقدّمت زيارة المفيد والمرتضى للإمام للحسين(عليه السلام) بها، مضافاً إلى عدم ورود الطعن عليها من أحد على طول التاريخ الإمامي؛ ممّا يكشف عن تلقّيها بالقبول يداً بيد عن المعصوم(عليه السلام).

مناقشة المحاولة الثانية

ويمكن مناقشتها ـ أيضاً ـ بأنَّها دعوى لم يقم عليها دليل واضح؛ إذ لم تُذكر الزيارة في أغلب كتب الزيارات حتّى يقال: بقبولهم لها؛ ولذا قد تُعكس الدعوى، فيقال: إنّ عدم ذكرهم لها كاشف عن رفضهم لها. وهذه الدعوى غير تامّة أيضاً؛ لأنَّ عدم الذكر لازم أعمّ من الرفض، فقد يكون منشأه الغفلة والذهول.

ثمّ إنّ التلقِّي بالقبول إن كان المراد منه هو جواز قراءتها ومشروعية الزيارة بألفاظها، فهو ممّا لا إشكال فيه، وإن كان المراد منه كونها دليلاً على مطلب فقهي أو عقدي، فهذا مما لا تفي الأدلة بإثباته؛ لاشتراط حصول الوثوق والاطمئنان بطريق الخبر وهو مفقود في المقام.

المحاولة الثالثة: التصحيح المضموني للزيارة

إذ إنّ المتتبّع لألفاظ الزيارة ومقاطعها يُدرك بوضوح صحتها ودقّة نقل مضامينها؛ لموافقتها لمحكمات الكتاب والسنّة والنقل التاريخي العام، وعدم مخالفتها لما هو معروف عند المذهب، فيحصل حينئذٍ الوثوق والاطمئنان بصدورها.

مناقشة المحاولة الثالثة

وقد تُناقش من جهة الصغرى والكبرى، فأمّا الصغرى، فإنَّه قد ورد في الزيارة ألفاظ مشكلة توجب التوقُّف في قبولها؛ ولذا فإن أمكن تأويلها فبها، وإلّا فالحمل على ظاهرها يوجب القطع بعدم صدورها لمخالفتها لنصوص صريحة من السنّة الشريفة.

وأمّا الكبرى، فلا دليل على أنَّ كلّ موافق للكتاب يحكم بصدوره عن المعصوم(عليه السلام)؛ إذ الموافقة أعمّ؛ إذ يمكن أن يخترع أحد العلماء نصّاً ويؤلِّفه من خلال معرفته بأخبار أهل البيت(عليهم السلام) تتبّع معانيها، فلا يخرج في فهمه عن دائرة القبول.

الثانية: الزيارة غير المشهورة

وتبتدأ بقوله: «السلام عليك يا أوّل قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل...».

وقد رُويت في أكثر من مصدر أهمّها:

الأوّل: ما رواه ابن طاووس

روى ابن طاووس بإسناده إلى جدّه أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي(رحمه الله) قال: «حدَّثنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عياش، قال: حدَّثني الشيخ الصالح أبو منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغدادي(رحمة الله عليه)، قال: خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين على يد الشيخ محمد بن غالب الأصفهاني حين وفاة أبي(رحمه الله)، وكنت حَدِيث السنِّ، وكتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد الله(عليه السلام) وزيارة الشهداء(رضوان الله عليهم)، فخرج إليَّ منه...»^{^[19]}.

الثاني: ما رواه ابن المشهدي

روى ابن المشهدي بقوله: «أخبرني الشريف الجليل العالم أبو الفتح محمد بن محمد الجعفرية(أدام الله عِزّه)، قال: أخبرني الشيخ الفقيه عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري، عن الشيخ أبي علي الحسن بن محمد الطوسي. وأخبرني عالياً الشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسين بن هبة الله بن رطبة(رضي الله عنه)، قال: أخبرني شيخي المفيد الحسن ابن محمد الطوسي، عن الشيخ أبي جعفر محمد الطوسي، قال: حدّثنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عياش(رحمه الله)، حدّثني الشيخ الصالح أبو ميسور بن عبد المنعم بن النعمان المعادي(رحمه الله)، قال: خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين إليّ على يد الشيخ محمد بن غالب الأصفهاني حين وفاة أبي(رحمه الله)، وكنت حَدَث السنِّ، فكنت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد الله(عليه السلام) وزيارة الشهداء(رضوان الله عليهم)...»^{^[20]}.

المناقشة السندية للمصدرين

إنّ في هذين السندين مواطن للضعف منها:

1ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عياش؛ إذ لم يُنصّ عليه سلباً أو إيجاباً سوى قول الطوسي والنجاشي في حقِّه: «كان سمع الحديث وأكثر، واختلَّ في آخر عمره»^{^[21]}، وقول الطوسي في رجاله: «أحمد بن محمد بن عيّاش، يكنّى أبا عبد الله، كثير الرواية، إلّا أنَّه أختلَّ في آخر عمره»^{^[22]}، فإنَّ كثرة الحديث قد تدلُّ على حسن روايته في زمان عدم اختلاله.

والشيخ لم يروِ عنه مباشرةً كما هو ظاهر السند، وإنَّما روى عنه بالواسطة كما ذكر ذلك بالفهرست بقوله: «أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا»^{^[23]}.

2ـ أبو منصور بن عبد المنعم بن النعمان، فإنّه مجهول الحال، وترحُّم الأعلام كابن المشهدي وابن طاووس لا يكشف عن حسنه فضلاً عن وثاقته.

3ـ محمد بن طالب الأصفهاني، فإنَّه مجهول الحال أيضاً.

4ـ إنّ الرواية تصرِّح بصدور الزيارة عن الناحية المقدّسة عام(252هـ)، أي: قبل مولد القائم المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) بثلاث أو أربع سنين، فيلزم حملها إمّا على الإمام الهادي أو العسكري(عليهما السلام)، وإمّا أن يقال: بوقوع التصحيف فيها وكون الصحيح هو(262هـ) أو نحوه، والحمل الثاني بعيد لا سيَّما بعد اتّفاق أكثر من مصدر على نقل التاريخ، وكون الخطأ منفي بأصالة العدم العقلائية.

وقد التفت إلى ذلك العلّامة المجلسي عند ذكره لهذه الزيارة بقوله: «واعلم أنّ في تاريخ الخبر إشكالاً لتقدُّمها على ولادة القائم(عليه السلام) بأربع سنين، لعلَّها كانت اثنتين وستين ومأتين، ويُحتمل أن يكون خروجه عن أبي محمد العسكري(عليه السلام)»^{^[24]}.

وعلى العموم فإنّ مورد بحثنا هو الزيارة المشهورة، وإنَّما أوردنا ذكرها وناقشنا سندها حتّى لا يشتبه الأمر على بعض القرَّاء فيتصوَّرهما زيارة واحدة.

المطلب الثالث: المضمون العام للزيارة

تبتدأ الزيارة كغيرها من الزيارات بالسلام على الأنبياء والمرسلين مع ذكر أبرز أوصافهم ومقاماتهم، ثمّ السلام على رسول الله(صلى الله عليه واله) وأهل بيته الكرام(عليهم السلام) وصولاً إلى الحسين(عليه السلام)، لتبدأ حينئذٍ ببيان بعض مقاماته وفضائله وخصائصه كمقدّمة لبيان بعض أحداث فاجعة الطفّ الأليمة، بأُسلوب بلاغي وسجعي منظّم، يغلب عليه الجانب العاطفي الذي يتناسب وعِظم المأساة والرزية التي حدثت لأهل البيت(عليهم السلام)، ثمّ تذكر تأثّر جميع الموجودات بهذا المصاب وبكاء أهل السماء والأرض عليه، وأخيراً التوسُّل إلى الله تعالى بأهل البيت(عليهم السلام) لقضاء الحوائج ورفع الهمِّ، والغمِّ، وغفران الذنب، بما لهم من المقام المحمود الذي ارتضاه لهم وخصّهم به.

فأغراض الزيارة ترجع إلى محاور ثلاثة:

الأول: ذكر الخصائص الذاتية للأنبياء والأئمّة(عليهم السلام) عموماً والحسين(عليه السلام) خصوصاً؛ لأجل تحقيق معرفة حقيقة المعصوم(عليه السلام) امتثالاً لحكم العقل بضرورة معرفة الطريق الموصل إلى المعارف الإلهية، الطريق الذي أرشد إليه النبي(صلى الله عليه واله) عبر قوله: «مَن مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية»^{^[25]}.

الثاني: ذكر السلوك العام للحسين(عليه السلام) في علاقته مع ربّه ومع الناس؛ لأجل اقتداء الناس به، أو من باب مخاطبة الحسين(عليه السلام) وإرادة الشيعة، أي: من باب(إيَّاكِ أعني واسمعي يا جارة)؛ إذ إنّ إقامة الصلاة ـ على سبيل المثال ـ فعل مفروغ منه عند المعصوم(عليه السلام)، فلا بدّ أن يكون الهدف من ذكرها في الزيارة هو تذكير الشيعة بهذه الواجبات وتربيتهم على ذلك، ومن أهمّ هذه الوسائل هي الأدعية والزيارات.

الثالث: ذكر المصائب التي جرت على الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته(عليهم السلام) بطريقة مُفجعة؛ لأجل استدرار العبرة وإثارة الشعور بالأسى والحزن عليهم، كونها أحد أهمّ طرق الجذب نحو تحقيق أهداف الدعوة الحسينية في كربلاء.

ومن هذا المنطلق يمكن بيان أهمّ هذه النقاط بشيء من التفصيل:

النقطة الأُولى: تصدير الزيارة بالسلام

هذه الزيارة كغيرها من الزيارات تتصدّر بالسلام على الأنبياء والأوصياء، فالسلام يمثِّل أساس الزيارة وعمادها؛ لأنّ الغرض من الزيارة هو الوصول إلى صاحب المقام ومخاطبته بما يحبّه ويرضاه، ولا يوجد أفضل من السلام؛ لكونه تحية الإسلام وأحد الشعارات التي يتميَّز بها المسلم عن غيره. ومعناه بشكل عام طلب الزائر من الله تعالى السلامة ـ للشخص الذي يزوره ـ من الآفات والعيوب، والأمان من الخطر وموجبات الذعر، وإنزال الرحمة والبركة عليه في الدنيا والآخرة، وأن يرزقه الجنَّة التي يتوفّر فيها جميع ذلك حقيقة؛ ولذا سُمِّيت(دار السلام).

فقد روى الصدوق: أنّ رجلاً سأل أمير المؤمنين(عليه السلام) عن معنى قول الإمام:(السلام عليكم)؟ فقال: «إنّ الإمام يُترجم عن الله(عز وجل) ويقول في ترجمته لأهل الجماعة: أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة»^{^[26]}.

والسلام اسم من أسماء الله تعالى كما في قوله تعالى:(هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ)^{^[27]}، أي: المنزَّه حقيقةً عن كلِّ العيوب والنقائص.

ومخاطبة أهل البيت(عليهم السلام) بالسلام مزيد تعظيم وتبجيل لهم، بمعنى الطلب من الله تعالى أن يحفظ لهم مقامهم ومنازلهم التي أنعم بها عليهم في الدنيا والآخرة.

وقد قدّم فيها السلام على الأنبياء والأوصياء للتنبيه على أنّ الحسين(عليه السلام) هو الامتداد الطبيعي لذلك النهج الإلهي، فقد اجتمع فيه وفي دعوته جميع الأوصاف والخصائص التي اختصَّ بها مَن سبقه؛ ولهذا استحق بجدارة أن يكون وارث الأنبياء.

إشكال ودفع

وهنا إشكال قد يقدح في الذهن بأنّ المخاطَبين في الزيارات موتى، والميِّت لا يسمع بنصّ القرآن الكريم:(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)^{^[28]}، وقوله تعالى:(وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ)^{^[29]}، فيكون السلام عليهم لغواً وعبثاً لعدم وجود أثر له، ويترتّب على ذلك أنّ السلام عليهم والتوسُّل بهم والاستغاثة وطلب الحوائج منهم شرك وضلال، كما ذهب إلى ذلك الوهابية تبعاً للمنهج الذي رسمه ابن تيمية في كتبه ورسائله.

والجواب عنه يكون بنقاط عدَّة:

الأُولى: إنّ الميت يسمع ويرى كلّ مَن حوله، وإنّ الموت عبارة عن حالة انتقال من حال إلى حال أخرى، فيكون المقتضي للخطاب بالسلام موجود، وهناك نصوص كثيرة تدلُّ على هذا المعنى، ومنها:

1ـ ما أخرجه البخاري بسنده عن نافع، أنّ ابن عمر أخبره، قال: «اطّلع النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم على أهل القليب، فقال: وجدتم ما وعد ربُّكم حقّاً؟ فقيل له: تدعو أمواتاً؟ فقال: ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون»^{^[30]}.

2ـ ما أخرجه مسلم النيسابوري بسنده عن أنس بن مالك أنَّه قال: «إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ترك قتلى بدر ثلاثاً، ثمّ أتاهم فقام عليهم فناداهم، فقال: يا أبا جهل بن هشام، يا أُميّة بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أَليس قد وجدتم ما وعد ربُّكم حقّاً؟ فإنِّي قد وجدت ما وعدني ربِّى حقّاً. فسمع عمر قول النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فقال: يا رسول الله، كيف يسمعوا وأنَّى يُجيبوا، وقد جيفوا؟! قال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنَّهم لا يقدرون أن يُجيبوا. ثمّ أمر بهم فسُحبوا فأُلقوا في قليب بدر»^{^[31]}.

ونحوها من النصوص الصريحة في إثبات سماع الميِّت لـمَن حوله، فينتفي إشكال لغوية الخطاب بالسلام في الأدعية والزيارات.

الثانية: إنّ الرسول(صلى الله عليه واله) قد اختُصَّ برد سلام كلِّ مَن يُسلِّم عليه، فقد روى أبو داوود بسنده عن أبي هريرة: أنّ رسول الله(صلى الله عليه واله) قال: «ما من أحدٍ يُسلِّم عليَّ إلّا ردَّ الله عليَّ روحي حتّى أردَّ عليه السلام»^{^[32]}.

وهذا المقام ثابت لأهل بيته بلحاظ كونهم نفساً واحدة والامتداد الطبيعي له، إلّا فيما اختصَّ به(صلى الله عليه واله) دون غيره بدليل خاص.

الثالثة:إنّ الأعمال تُعرَض على رسول الله(صلى الله عليه واله) وأهل بيته(عليهم السلام)، فيكونون مُطَّلعين على أحوال الناس وأفعالهم؛ لقوله تعالى(وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)^{^[33]}، فقد دلَّت على أنّ هناك مَن يطَّلع على الأعمال ويراقبها ممّا يوجِد الداعي إلى اتخاذ أفضل الطرق وأحسنها في إيقاع الأعمال وأداء الواجبات، فيُعطي الله تعالى القدرة للرسول(صلى الله عليه واله) والمؤمنين ـ الذي يمثِّل أهل البيت(عليهم السلام) المصداق الأبرز لهم ـ على الاطِّلاع على أعمال الناس ومراقبتها.

وقد أكّدت السنَّة ذلك بأخبار مستفيضة عند العامّة والخاصّة^{^[34]}. بل إنّ السنّة دلَّت على عرض أعمال أقارب الميِّت وعشيرته على الميِّت^{^[35]}.

ومجموع هذه الأخبار وأمثالها تُورث الاطمئنان، بل القطع بسماع الميِّت لـمَن حوله، واطِّلاع الرسول(صلى الله عليه واله) وأهل بيته(عليهم السلام) على أحوال الخلق وأفعالهم، فيحصل حينئذٍ التعارض البدوي بين الكتاب والسنّة.

وجوابه: إنّ النصّ القرآني ناظر إلى الأجساد، فهي ليس لها القابلية على السماع والردِّ؛ لكونها جماداً شأنها في ذلك شأن الأصنام والأوثان؛ ولذا شبَّهها القرآن بالموتى؛ إذ لا يمكنها السماع، أو النظر، أو الحركة، فيقول الله تعالى في حقِّهم:(أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ)^{^[36]}، بخلاف السنّة فإنّها ناظرة إلى الأرواح؛ إذ تُثبت لها السماع والردّ والحياة بعد موت الجسد وفنائه.

فالسلام ليس موجَّه إلى أجسادهم الطاهرة(عليهم السلام)، وإنَّما إلى الأرواح الزاكية، فإنَّها حيّة تُرزق عند ربِّها، تسمع السلام وتردّ الجواب، وتدعوا لـمَن يطلب منها.

ولذا؛ فإنّ قراءة الزيارة من أيِّ مكان يصل إلى صاحبها؛ لكونه يسمع ويرى، وإنَّما يُستحبّ قراءتها عند القبر الشريف؛ لكي يحصل الزائر على البركات والفيوضات الإلهية؛ لكون قبورهم(عليهم السلام) ـ لا سيَّما قبر الحسين(عليه السلام) ـ موضع للعناية الإلهية. مضافاً إلى استذكار مآثرهم وفضائلهم التي ينبغي على المؤمن الاقتداء والتأسي بها، فإنَّها الغاية من الولاية والإمامة الإلهية، قال تعالى(أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)^{^[37]}.

النقطة الثانية: المقامات الإلهية للحسين(عليه السلام)

عند إمعان النظر في الزيارة نجد أنَّها ذكرت مقامات وفضائل وخصائص كثيرة ومتعدّدة للإمام الحسين(عليه السلام)، بحيث يمكن تقسيمها إلى حيثيات كثيرة، إلّا أنَّنا نقتصر على قسمين:

الأوّل: المقامات الذاتية

وهي الخارجة عن الإرادة والاختيار، أي: لم يكن قد اختارها الحسين(عليه السلام) بإرادته، وإنَّما اصطفاه الله تعالى بها، من قبيل النسب الشريف لأبويه ولرسول الله(صلى الله عليه واله)، وهذا الشرف لم ينله إلّا هو وإخوته(عليهم السلام).

فإنَّ الله تعالى قد علم منذُ الأزل أنّ أشرف مَن في الوجود هو محمد(صلى الله عليه واله) بكلِّ خصائصه وشمائله؛ فاصطفاه لختم الرسالة، ويليه في الفضل علي(عليه السلام)، فاصطفاه ليكون وصياً وخليفة له من بعده، وكفؤاً لفاطمة(عليها السلام)، ولم يجد مَن يخلفهما أفضل من الحسنين(عليهما السلام) وسائر الأئمّة(عليهم السلام) الواحد تلو الآخر، فلو وجد مَن هو أفضل لعدل إليه؛ ولهذا شملتهم الإرادة التكوينية بالتطهير وإذهاب الرجس بقوله تعالى:(إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)^{^[38]}.

فإنَّ هذا الانتساب فضل وشرف قد علم الله تعالى بأهلية الحسين(عليه السلام) له؛ لما يمتلكه من قدرات ذاتية ومواهب خاصّة يفوق بها نظائره من بني البشر، اكتسبها بعلمه وتقواه وعبادته.

الثاني: المقامات المكتسبة

هي تلك المقامات التي حاز عليها باختياره، وهي كثيرة، بعضها يتّحد بها مع سائر الأئمّة(عليهم السلام): كالعلم، والعصمة، وأُخرى أُختصّ بها وهي ثلاثة، وقد وردت في هذه الزيارة: «السلام على مَن جُعل الشفاء في تربته، السلام على مَن الإجابة تحت قبته، السلام على مَن الأئمّة من ذريته».

فهذه خصائص ثلاثة:

1ـ استجابة الدعاء تحت قبته(عليه السلام)، وهذا من رحمة الله تعالى بالمؤمنين، فقد جعل بعض الأماكن والبقاع مورداً لهبوط الرحمة الإلهية واستجابة الدعاء، وأفضلها على الإطلاق هي قبّة الحسين(عليه السلام) فقد ورد أنّ الدعاء تحتها لا يُردُّ.

2ـ الشفاء في تربته، فمن المعلوم في الفقه الإسلامي أنَّ أكل التراب محرَّم، ولكن يُستثنى من ذلك أكل القليل من تربة الحسين(عليه السلام) بمقدار الحمصة؛ لأجل التبرُّك والاستشفاء.

3ـ إنَّ الأئمّة من ذريته، فقد جعل الله تسعة من ذريته أئمّة، وأمتاز بذلك عن سائر إخوته وأهل بيته(عليهم السلام).

كما ورد ذكر هذه الخصائص في نصوص أُخرى، نحو ما رواه الطوسي بسنده عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد(عليهما السلام) يقولان: «إنّ الله تعالى عوَّض الحسين(عليه السلام) من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره»^{^[39]}.

النقطة الثالثة: السلوك الطبيعي للحسين(عليه السلام) في حياته العامّة

لا شكّ في أنّ الحياة العامّة للمعصوم(عليه السلام) تختلف عن غيره بلحاظ علمه اللَّدُنِّي وعدم وقوعه في الخطأ والاشتباه؛ لمعرفته واطلاعه بحقائق الأشياء وعللها الواقعية بتسديد من الله تعالى؛ ولذا وجب الاقتداء به والأخذ بأقواله وأفعاله لكونها سنّة تمثِّل الأحكام الواقعية للدين الإسلامي.

وعند إجراء قراءة سريعة للزيارة الشريفة فإنَّها تُعطي تصوّراً عامّاً لسلوك الحسين(عليه السلام) وطبيعة علاقته مع ربِّه ومع الناس.

فأمّا ما يتعلَّق بعلاقته مع ربِّه، فقد كان مثالاً حقيقياً للعبد بين يدي ربِّه، بأداء العبادة، والتزامه بحدودها وشرائطها التامّة، وامتثاله للأحكام من قبيل إقامة الصلاة بخضوع مطلق، وإيتاء الزكاة، وتطبيقه لجميع أوامر الله تعالى، وإحيائها وإظهارها في المجتمع.

وأمّا ما يتعلَّق بعلاقته مع الناس، فإنَّه لم يترك مناسبة إلّا ودعاهم إلى الحقِّ، وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر، تبعاً لوظائف الإمامة المجعولة له من الله تعالى، من غير خوف ولا وجل، فلا يبغي بذلك إلّا وجه ربِّه الكريم؛ ولذا أثَّر في المجتمع الإسلامي بتعديل المسار بعد اعوجاجه، وتنبيه الأُمّة إلى خطر حاكمية الفساق على الأُمّة بانحرافهم عن الإسلام الرسالي الأصيل.

النقطة الرابعة: بيان أحداث واقعة الطف

تمثِّل هذه الزيارة مقتلاً مصغّراً متكاملاً قد حوى بين طيّاته أكثر الحوادث بأُسلوب سجعي بلاغي عالٍ، عبَّر عن واقع ما جرى بعبارات موجزة قد لا تجدها في سائر المقاتل، ومن هنا أخذت هذه الزيارة أهمّية كبيرة في الساحة الشيعية، وأثّرت بشكل كبير في التفكير الجمعي للعقل الشيعي، وأخذت عباراتها جهداً من الباحثين عند تفسيرها وبيان مدلولها.

ولذا؛ سوف أقتصر على ذكر نقاط أربعة ممّا ورد بنحو موجز:

1ـ ذكر الغاية من خروج الإمام الحسين(عليه السلام) في دعوته

إذ إنّ هذا ممّا امتازت به هذه الزيارة واختصَّت بذكر الهدف الصريح، فقد ورد فيها: «حتى إذا الجور مدّ باعه، وأسفر الظلم قناعه، ودعا الغي أتباعه... ثمّ اقتضاك العلم للإنكار، ولزمك أن تجاهد الفجَّار، فسرت في أولادك وأهاليك، وشيعتك ومواليك...»^{^[40]}.

فليس الهدف من هذا الخروج إلّا تصحيح المسار الذي وصلت إليه الأُمّة؛ بسبب السياسات الخاطئة ـ بعد رحيل النبي(صلى الله عليه واله) ـ التي تراكمت حتّى أنتجت حكماً يبتني على الظلم والجور وحاكماً مثل يزيد، فأدّى ذلك إلى انتقال الحسين(عليه السلام) من حالة التقية إلى حالة إعلان المعارضة بالوسائل المشروعة كافة؛ لأجل إعادة الحقّ إلى أهله ورفع الظلم عن الرعية.

2ـ سلوك الإمام الحسين(عليه السلام) مع أعدائه

لم يبدأ الإمام الحسين(عليه السلام) أحداً بحرب رغم إمكانية ذلك في بادئ الأمر، فقد كانت له من العدَّة والعدد ما يكفي لمواجهة جيش الأُمويين الذي كان يقوده الحرّ بن يزيد الرياحي، بل سار معهم بالنصح والوعظ والإرشاد عسى أن يرجعوا عن غيِّهم، ويعرفوا قبح أفعالهم، ونتيجة صنيعهم، إلّا أنَّهم واجهوه بآذان صمّاء وعيون عمياء لم ترَ نور الحقِّ وضياءه، واختارت الباطل عن علم وعمد، فقاتلوا الحسين(عليه السلام) ظلماً وعدواناً حتّى اُضطرَّ حينئذٍ إلى القتال والمواجهة، فورد في الزيارة: «فجاهدتهم بعد الإيعاظ لهم، وتأكيد الحجّة عليهم، فنكثوا ذمامك وبيعتك»^{^[41]}، وهذه صورة جليلة تُعطي درساً ينتفع منه العقلاء في التعامل النبيل مع العدو على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم الفكرية والعقدية.

3ـ سلوك العدو مع الإمام الحسين(عليه السلام)

فقد اجتمع لمواجهة الحسين(عليه السلام) جيشٌ عظيم العدد بآلاف مؤلّفة من بلدان متعددة وأقوام مختلفة، قاموا بمحاصرته(عليه السلام) في كربلاء، ومنعوا عنه الماء والغذاء، ونصبوا له جميع وجوه الغدر والأذى؛ لأجل أن يرضخ لغايتهم وينزل عند رغبة أميرهم، وهي بيعة يزيد، فواجههم برباطة جأش وثبات عزيمة، رغم علمه بأنّ نتيجة ذلك هي استشهاده وأهل بيته وأصحابه وسبي نسائه وذراريه.

وبقراءة سريعة للزيارة يظهر لنا بوضوح مدى خسَّة ونذالة أعداء الحسين(عليه السلام) في تعاملهم الوحشي الذي يذمّه جميع العقلاء؛ لكونه تعاملاً يولِّد العار والشنار لفاعله ومرتكبه، فقد منعوا الماء عن قافلة الحسين(عليه السلام)، وقتلوه بأبشع الوسائل والطرق، ثمّ نهبوا رحله، وسلبوا ثيابه، ومثَّلوا بجثته بقطع رأسه وبتر إصبعه، وداسوا على جسده الشريف بحوافر الخيل، وسبوا نساءه وأهل بيته.

وإنّ النتيجة الطبيعية بعد انقضاء أيِّ معركةٍ هي دفن الأجساد، فقد ورد عن النبي(صلى الله عليه واله) الدعوة إلى دفن أجساد القتلى من الطرفين، إلّا أنَّهم تركوا الحسين(عليه السلام) ومَن معه مطروحين على الأرض بلا دفن ولا تكفين لثلاثة أيّام، حتّى تمّ دفنهم على يد بني أسد في حادثة معروفة بأمر وتوجيه من الإمام السجاد(عليه السلام)، وقد أُشير إلى ذلك في متن الزيارة: «السلام على مَن تولّى دفنَه أهلُ القرى»^{^[42]}.

4ـ الآثار التكوينية المترتبة على مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)

إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) حجّة الله على أهل الأرض؛ إذ لولاه لساخت بأهلها، وببركة وجوده ينزل الله تعالى الغيث وينشر الخيرات، فهو خليفة الله على أرضه والمُبيِّن لكتابه وأحكامه؛ ولذا كان قتله هدماً للدين وأركانه، فلا قيمة للصلاة والصيام إذا لم تأتِ عن طريق صحيح؛ لأنَّ الاعتقاد مُقدَّم على العمل وهو الذي يرفعه، فلو قضى الإنسان أيّام حياته بالصلاة والصيام بغير إمامٍ حجّة يتَّبعه كان كمَن يمشي في الطريق الخاطئ، فلا تزيده كثرة المشي إلّا بُعداً، وهذا هو معنى: «لقد قتلوا بقتلك الإسلام، وعطَّلوا الصلاة والصيام، ونقضوا السنن والأحكام، وهدموا قواعد الإيمان»^{^[43]}، فإنَّ قتل المؤمن العادي يُوجب غضب الجبار، فكيف بقتل سيّد شباب أهل الجنَّة، بل الحجّة التي نصبَّها الله تعالى لعباده؟! فإنَّه من الطبيعي أن تموج الأرض بأهلها؛ ولذا ظهرت آثار غريبة كاحمرار السماء، وبكائها دماً، وكسوف الشمس، ونوح الجنِّ، وما رُفع حجر إلّا وُجِد تحته دمٌ عبيطٌ، وغيرها ممّا تناقلته العامّة والخاصّة.

وقد أُشير إلى ذكر بعضها في الزيارة بقوله: «فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول، وعزَّاه بك الملائكة والأنبياء، وفُجعت بك أُمّك الزهراء، واختلفت جنود الملائكة المقرَّبين، تعزِّي أباك أمير المؤمنين، وأُقيمت لك المآتم في أعلا علِّيين، ولطمت عليك الحور العين، وبكت السماء وسكّانها، والجنان وخزّانها، والهضاب وأقطارها، والأرض وأقطارها، والبحار وحيتانها، ومكة وبنيانها، والجنان وولدانها، والبيت والمقام، والمشعر الحرام، والحلُّ والإحرام»^{^[44]}.

النقطة الخامسة: فضل البكاء على الحسين(عليه السلام) والغرض منه

إنَّ نصرة المعصوم(عليه السلام) واجبة على كلِّ مؤمن، وهي تارةً تكون فعلية فيما إذا كان الإمام موجوداً حاضراً، وأُخرى تكون بتحقيق الأهداف التي خرج من أجلها.

والبكاء هو أحد السُّبل الناجعة لنصرة سيّد الشهداء(عليه السلام)؛ باعتباره يذكّر الناس وينبِّههم بعظم الأهداف التي ضحَّى الحسين(عليه السلام) بدمه وأهله وصحبه من أجلها؛ ولذا ورد في متن الزيارة: «فلئن أخَّرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لـمَن حاربك محارباً، ولـمَن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندُبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك، وتأسّفاً على ما دهاك وتلهّفاً، حتّى أموت بلوعة المصاب وغُصّة الاكتياب»^{^[45]}.

وهذا النصّ ظاهر في استمرار البكاء وكثرته على الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد تضمَّن النصّ مؤكدات عديدة من سبق الفعل باللام وإلحاقه بالنون، لعدم إمكان النصرة الفعلية له(عليه السلام) في واقعة الطفّ، فكان البكاء هو البديل لتحقيق ذلك؛ إذ يكون منبِّهاً ومرشداً ومذكِّراً بالأهداف الواقعية التي خرج الإمام الحسين(عليه السلام) من أجلها.

وفيه ـ أيضاً ـ كناية عن شدَّة ما يُصاب به(عجل الله فرجه الشريف) من الفاجعة والحزن عند ذكر مظلومية الحسين(عليه السلام) وما جرى عليه، فإنّ احمرار العين والموت بغُصّة الاكتئاب هي غاية ما يُصاب به الإنسان عندما تحلُّ به رزية عظيمة.

ولأجل ذلك لا ينقضي هذا الحزن حتّى يأخذ بثأره، ويحقّق الأهداف التي من أجلها خرج الإمام الحسين(عليه السلام).

المطلب الرابع: الإشكالات الواردة على متن الزيارة

إنّ مَن يقرأ بتفحُّص وتمعَّن الزيارة الشريفة يجد فيها أكثر من موطن يرد عليه الإشكال، سواء في قضية تاريخية أم عقدية؛ ممّا يوجب التشكيك في صدور أصل الزيارة أو بعضها، ويسلب الوثوق بنسبتها إلى المعصوم(عليه السلام)؛ ولذا لا بدَّ من دراسة هذه الفقرات وبيان الأوجه الراجحة في تفسيرها وتأويلها، ومن أهمّ هذه الإشكالات ما يلي:

الإشكال الأوّل: ذبح الحسين(عليه السلام) على يد الشمر(لعنه اللّه)

ورد في متن الزيارة: «والشمر جالس على صدرك، مُولغ سيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، وخفيت أنفاسك، ورفع على القنا رأسك»^{^[46]}، في حين أنَّ الثابت تاريخياً أنَّ مَن حزَّ رأس الحسين(عليه السلام) هو سنان بن أنس(لعنه الله).

جواب الإشكال

إنَّ تتبُّع كتب التاريخ والسِّير والمقاتل يظهر لنا أنَّ جريمة القتل كانت جماعية، واشترك فيها أكثر من شخص، فيصحّ حينئذٍ نسبة القتل إليهم جميعاً أو إلى بعضهم بالتحديد، بَيدَ أنَّ الخلاف في تحديد مَن قام بحزِّ النحر الشريف على أقوال ثلاثة:

القول الأول: خولي بن يزيد الأصبحي، وهو ما ذهب إليه القاضي النعمان المغربي^{^[47]}، وبعض مؤرّخي العامّة كابن عساكر^{^[48]} والبلاذري، وغيرهم^{^[49]}.

القول الثاني: الشمر بن ذي الجوشن الضبابي، ذكره المفيد^{^[50]}، وتابعه الطبرسي^{^[51]}.

وذكر القندوزي الحنفي رواية تدلُّ على ذلك^{^[52]}.

القول الثالث: سنان بن أنس النخعي، وهو ما رواه الطبري عن أبي مخنف^{^[53]}، واختاره المسعودي^{^[54]}، وابن عنبة^{^[55]} وغيرهم. وهو موافق لمِا رواه الصدوق بسنده عن عبد الله بن منصور، سأل الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين(عليهم السلام)، عن مقتل الإمام الحسين(عليه السلام): فقال: «... فنزل سنان بن أنس الأيادي(لعنه الله) وأخذ بلحية الحسين(عليه السلام)... وهو يقول: والله، إنِّي لأحتزُّ رأسك، وأنا أعلم أنَّك ابن رسول الله(صلى الله عليه واله) وخير الناس أباً وأُمّاً»^{^[56]}.

والذي يبدو من مجموع الأقوال أنَّ جريمة القتل كانت جماعية، اشترك فيها أكثر من شخص، وقد يتحقّق القتل من أحدهم وحزّ الرأس من آخر، فلا مانع من القول بأنَّ الشمر هو الذي قتل الحسين(عليه السلام) وباشر بحزّ رأسه، ثُمّ أكمل ذلك سنان أو خولي، وقد يكون عكس ذلك لاختلاف الروايات.

والظاهر أنَّ أغلب النقولات جاءت عن طريق جيش العدو، وهناك عوامل دفعت لوقوع الاختلاف، منها: اضطراب الجوّ الذي يمنع من التأكّد من تحديد الفاعل، وادِّعاء كلِّ شخص ذلك لتحصيل مغانم مادية ومعنوية، وأمّا الروايات الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) فمختلفة يدور الأمر فيها بين الشمر وسنان.

والذي يهمّنا أنَّ المسألة ليست محسومة، ليُحكم بمخالفة الزيارة لقضية تاريخية مسلَّمة، فتأمّل.

الإشكال الثاني: خروج نساء بيت النبوّة حاسرات بلا حجاب

ورد في الزيارة: «فلمّا رأين النساء جوادك مخزياً، ونظرن سرجك عليه ملوياً، برزنَ من الخدور، ناشرات الشعور على الخدود، لاطمات الوجوه، سافرات، وبالعويل داعيات، وبعد العزِّ مذللات، وإلى مصرعك مبادرات»^{^[57]}.

وهذه العبارة ظاهرة في خروج النساء من الخيام بعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) في حالة من الجزع والهلع، سافرات الوجوه، كاشفات عن شعر رأسهن، وهذا السلوك يتنافى مع وجوب الحجاب وحرمة كشف الشعر أمام الأجنبي، فلا تفعله عوام المؤمنات فكيف بنساء الرسالة وربيبات بيت الوحي؟!

فالإشكال يكمن في لفظين:

الأول:(ناشرات الشعور)، فقد نسبت هذا الفعل إلى نساء أهل البيت(عليهم السلام) بعد خروجهن من الخيام.

الثاني:(سافرات)، وهو ظاهر في كشف مفاتن المرأة وبروزها بلا حجاب.

جواب الإشكال

إنَّ التأمّل في ألفاظ الزيارة الشريفة وسياقها، يكشف عن دخول السجع البلاغي والمحسّنات البديعية وكثرة المجاز والاستعارة فيها، ممّا يمنع من الأخذ بظاهر العبارة بدواً وبدون فحص وتحقيق، لا سيَّما إذا كان ظاهر اللفظ مخالفاً للعقل والنصّ، ولأجل ذلك ظهرت محاولات عدَّة للتخلص من الإشكال:

المحاولة الأُولى

نشر الشعر بمعنى فكّه، أي: إرساله بعدما كان مربوطاً على شكل من أشكال الزينة كالضفائر مثلاً، فنشر الشعر لا يستلزم كشفه، فيمكن أن يُنشر الشعر تحت الحجاب؛ فيكون معنى العبارة:(برزن من الخيام ناشرات الشعر تحت الحجاب). فغاية ما يقال: إنَّ الثكلى من النساء كانت تفكّ ضفائر شعرها دلالة على عِظم المصاب وجلله، أو لا تقوم بتمشيطه وتعديله لكونها مذهولة عن نفسها بما جرى عليها، وهذا التصرُّف قد يحصل بلا حجاب وقد يحصل تحت الحجاب^{^[58]}.

إذاً؛ استفادة نشر الشعر بلا حجاب من النصّ المذكور بعيدة، لا سيَّما مع وجود القرينة القطعية على عدم مخالفة نساء أهل البيت(عليهم السلام) للأوامر الإلهية المعتضد بالنقل التاريخي على دوام عفّتهنّ ومحافظتهنّ على الحجاب.

المحاولة الثانية

خروج النساء من خيامهنّ بلا حجاب لا يلازم عقلاً أو عرفاً ظهورهنّ أمام الأجنبي؛ لأنّ الخيام كانت معزولة عن أرض المعركة ومحوطة بخندق، كما أنّ الخيام كانت فارغة من الرجال سوى الإمام زين العابدين(عليه السلام). وعليه؛ فخروجهنَّ بهذه الحالة لا يؤدي إلى الفعل المحرَّم؛ إذ العدو بعيد والحاجب موجود.

ومما يؤكّد هذا المعنى ما ذكره المفيد: «ثمّ خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرِّب بعضهم بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا بين البيوت، فيستقبلون القوم من وجه واحد، والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفَّت بهم، إلّا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم»^{^[59]}.

فلا شاهد على أنّهنَّ برزنَ أمام الأعداء في ساحة المعركة سوى التصوّر البدوي المرفوض.

المحاولة الثالثة

إنّ النساء قد خرجنَ بهذه الحالة بعدما أظلم الكون وكسفت الشمس، فيمنع العدو حينئذٍ من النظر والمشاهدة؛ إذ إنّ الظلام يكون ساتراً لهنّ، وبالتالي لا يكون في هذا الفعل أيُّ محرِّم.

وأمّا الحجّة التي استند عليها أصحاب هذا الرأي، فهو ما أخرجه البيهقي والطبراني بسند حسن عن أبي قبيل قال: «لمّا قُتل الحسين بن عليG انكسفت الشمس كسفةً [حتّى] بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظننا أنّها هي»^{^[60]}، أي: يوم القيامة.

المحاولة الرابعة

إنّ مفردة(الشعور) قد يُراد منها(شعر الرأس) وقد يراد منها(الإحساس)، وبحمل المفردة على المعنى الثاني ينتفي الإشكال، فقد يكون المعنى هو خروج النساء مظهرات للحزن ومبديات للأسى على مقتل الحسين(عليه السلام)، فالنشر يتواءم مع الإظهار والكشف والإذاعة والإعلان.

فالشعور مشترك لغوي بين أمر مادي وهو شعر الجسد وأمر معنوي وهو الإحساس والإدراك؛ ولذا تقول: شعرت بكذا، أي: أحسست به، وتقول: فلان عديم الشعور، أي: فاقد الإحساس.

المحاولة الخامسة

إنّ هذا اللفط لمّا كان مشكلاً في تفسيره، بل منكراً؛ لزم الوقوف عنده وتأويله بما يرفع الشبهة عنه؛ ومن هنا احتمل بعضهم وقوع التصحيف أو التحريف غير المتعمَّد من قِبل النّساخ في مفردات الزيارة؛ نتيجة للنقل بالمعنى أو الاشتباه في النقل أو الخطأ في التدوين أو غير ذلك، ويدلّ عليه الاختلاف بين نقل ابن طاووس وابن المشهدي في بعض ألفاظ الزيارة، فيحتمل أن يُراد منه(فاقدات)؛ ليتلائم حينئذٍ مع المحاولة السابقة في المعنى والمدلول.

المحاولة السادسة

إنّ استعمال هذه الألفاظ لا تدلُّ بالضرورة على معناها الحقيقي، بل قد يُراد منها الكناية عن معنى آخر، فكما تقول:(فلان طويل النجاد)، للدلالة عن طول قامته، أو(فلان كثير الرماد) للدلالة على شدَّة كرمه وأنَّ الضيف لا يفارق بيته. فكذلك الحال في المقام؛ إذ إنّ التعبير عن شدَّة المُصيبة وعِظم الرزية تارةً يكون بقول:(النساء حزنَّ على فقد الحسين(عليه السلام))، وأُخرى بذكر آثار الحزن من نشر الشعر ولطم الوجه والصراخ والعويل ونحو ذلك، بَيدَ أنَّه لا يراد منها إلّا حصول الحزن، أي: ذكر الأثر وإرادة السبب.

وخلاصة المطاف: إنَّ ثبوت أيِّ واحدةٍ من المحاولات المتقدّمة ـ وإن كان بعضها مستبعداً ـ ينفي الشبهة عن عفَّة نسوة أهل البيت(عليهم السلام) وطهارتهنَّ وكمال إيمانهنَّ والتزامهنَّ بالفرائض الشرعية، لا سيَّما السيّدة زينب وأُمّ كلثوم(عليهما السلام)؛ لجلالة قدرهنَّ وعلو مقامهنَّ وعلمهنَّ الذي لا يناسب هكذا تصرف، وممّا يؤكّد ذلك وصية الحسين(عليه السلام) لأُخته العقيلة قُبيل استشهاده بعدم شقِّ الجيب^{^[61]}. كما أنَّه لا مانع من انصراف العبارة عنهما(عليهما السلام)، فالجمع لا يُراد منه الشمول دائماً، بل قد يُقصد منه التغليب مع قيام القرينة على خروج بعض الأفراد منه، فتأمّل.

وأمّا لفظ(سافرات) فأضعف دلالة؛ إذ لم يقل: سافرات الشعر، أي: مظهرات شعر رأسهنَّ، فالسفور معناه الإظهار والإبراز، ومنه قول العرب: سفرت الشمس، أي: طلعت وأشرقت، وسفر وجهه، أي: أشرق، وسفرت المرأة، أي: أظهرت وجهها؛ وبذلك يمكن أن يُراد من لفظ(سافرات) إبراز النساء لوجههنَّ غير مُقنَّعات بنقاب، وهو ليس بمستقبح، أو يُراد منه خروجهنَّ من الخيام وبروزهنَّ أمام الأعداء، وهذا لا ينافي كمال حجابهنَّ، أو يُراد منه كناية عن عِظم الـمُصاب وجلل الرزية التي وقعت على نساء بيت النبوّة.

الإشكال الثالث: أكل السباع للأجساد الطاهرة

ورد في الزيارة: «السلام على الأجسام العارية في الفلوات، تنهشها الذئاب العاديات، وتختلف إليها السباع الضاريات»^{^[62]}.

جواب الإشكال

وهذا النصّ من المشكلات؛ إذ يُظهر للقارئ للوهلة الأُولى احتمالان من حصول نهش الذئاب للأجساد الطاهرة:

الاحتمال الأول: أن يُحمل على الحقيقة، وهو الأصل في الخطاب، فيُراد منه أكل الذئاب والوحوش المفترسة للأجساد المطروحة على صحراء كربلاء. والذي يساعد عليه السياق؛ إذ إنَّه وقع بعد استشهاد الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه وطرحت أجسادهم في الفلوات.

الاحتمال الثاني: أن يُحمل على المجاز، فيُراد من الذئاب في النصّ هم الأعداء؛ إذ وُصفوا بذلك لشدّة بعدهم عن المبادئ الإنسانية. ويدلّ عليه أمران:

الأمر الأول: امتناع الاحتمال الأول

فقد دلَّت عليه قرينتان خارجيتان:

القرينة الأُولى: إنّ لحومهم(عليهم السلام) محرَّمة على السباع؛ فقد ورد في خبر المرأة التي زعمت أنَّها زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) «فأحضرها المتوكِّل وقال:اُذكري نسبك؟ فقالت: أنا زينب بنت علي(عليه السلام)... فقال لها المتوكِّل: إنَّ زينب بنت علي قديمة، وأنت شابة؟ فقالت: لحقتني دعوة رسول الله بأن يردَّ شبابي في كلِّ خمسين سنة. فدعا المتوكِّل وجوه آل أبي طالب، فقال: كيف يعلم كذبها؟ فقال الفتح: لا يُخبرك بهذا إلّا ابن الرضا(عليه السلام). فأمر بإحضاره وسأله فقال(عليه السلام): إنَّ في ولد علي(عليه السلام) علامة. قال: وما هي؟ قال: لا تعرض لهم السباع، فألقها إلى السباع، فإن لم تعرض لها فهي صادقة. فقالت: يا أمير المؤمنين، الله الله فيَّ، فإنَّما أراد قتلي، وركبت الحمار وجعلت تنادي: أَلا إنَّني زينب الكذّابة... فقال علي بن الجهم: جرُّب هذا على قائله، فأجيعت السباع ثلاثة أيّام، ثمّ دعا بالإمام(عليه السلام) وأخرجت السباع، فلمّا رأته لاذت به وتبصبصت بآذانها، فلم يلتفت الإمام إليها، وصعد السقف وجلس عند المتوكِّل، ثمّ نزل من عنده، والسباع تلوذ به، وتبصبص حتّى خرج، وقال: قال النبي: حُرِّم لحوم أولادي على السباع»^{^[63]}.

القرينة الثانية: إنَّ المروي عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) هو بكاء الوحوش والحيوانات على الحسين(عليه السلام)، فكيف تقوم بنهش الأجساد؟! ومنها ما رواه ابن قولويه بسنده عن الحارث الأعور قال: قال علي(عليه السلام): «بأبي وأُمّي الحسين المقتول بظهر الكوفة، والله، كأنَّي أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره من أنواع الوحش، يبكونه ويرثونه ليلاً حتّى الصباح»^{^[64]}، وما رواه أيضاً بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «بكت الأنس والجنّ والطير والوحش على الحسين بن علي(عليهما السلام) حتّى ذرفت دموعها»^{^[65]}.

الأمر الثاني: النصوص الدالة على إرادة المجاز

وجود نصوص عدّة تقارب هذا المضمون واضحة في الحمل على المجاز؛ لتكون قرينة على إرادة المجاز، وأمّا السياق فإنَّه وإن كان ظاهراً في الحقيقة إلّا أنَّه ينبغي رفع اليد عنه بقيام القرينة الخارجية على امتناع وقوع ذلك، فيكون المراد منه تشبيهاً لأعداء الحسين(عليه السلام) من الجيش الأُموي بالذئاب والسباع من الوحوش، ولا يُراد منه حقيقة حصول النهش، وهو تعبير متداول عند العرف العربي، وله شواهد عديدة من الاستعمالات الواردة على لسان المعصوم^{^[66]}.

وخلاصة الكلام: إنَّ التعبير بنهش الذئاب ممتنع عن الأجساد الطاهرة، فيُحمل على أعدائهم تشبيهاً لهم بالذئاب، وأمّا اختلاف السباع في قوله: «وتختلف إليها السباع الضاريات»، فيمكن حمله على الحقيقة بلحاظ أنَّ الاختلاف هو القصد الذي قد يكون لأجل الزيارة والبكاء كما ورد في النصّ الشريف: «والله، كأنَّي أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره من أنواع الوحش، يبكونه ويرثونه ليلاً حتّى الصباح...»^{^[67]}، أو حمله على المجاز إذا كان المراد من الاختلاف هو الاعتداء على الأجسام والأكل منها.

الإشكال الرابع: رضّ الخيل لصدر الحسين(عليه السلام)

دلَّ نصّ الزيارة على حدوث هذه الفاجعة بقوله: «حتى نكّسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، تدير طرفاً خفياً إلى رحلك وبيتك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهلك، وأسرع فرسك شارداً، وإلى خيامك قاصداً»^{^[68]}.

وقد أُورد على هذا المقطع إشكالين:

الأوّل: إنَّ النقل التاريخي قد اتّفق على حصول الرضِّ بعد استشهاده(عليه السلام)، في حين أنَّ ظاهر الزيارة وقوع ذلك قبل مقتله(عليه السلام).

الثاني: إنكار وقوع الرضّ أصلاً والتشكيك في كلِّ النقولات الواردة في إثبات ذلك، فتكون هذه الزيارة صغرى لذلك التشكيك؛ إذ ذهب إلى منع وقوع الحادثة العلّامة المجلسي بقوله: «إنَّ ما ذكره الخاصّة والعامّة من وقوع هذا الأمر الفظيع لا أصل له»^{^[69]}.

جواب الإشكال

أمّا الإشكال الأوّل، فيرتفع بأحد وجهين:

الأوّل: إنَّ الزيارة قد نُقلت بالمعنى، فيمكن أن يحصل فيها التقديم والتأخير غير المتعمَّد، ممّا لا يؤثِّر على أصل وقوع حادثة الرضِّ على الجسد الشريف.

الثاني: لا مانع من حصول الرضِّ مرّتين، إحداهما قبل استشهاده(عليه السلام) وقد أشارت إليه الزيارة، والأُخرى بعد استشهاده(عليه السلام) وقد أشارت إليه بعض الأخبار؛ إذ إنِّ إمكان وقوع تلك الفاجعة على الجسد الشريف وامتناعها لا يختلف بين الحالين.

وأمّا الإشكال الثاني، فإنّ عمدة ما يُستدلُّ به على نفي حدوث الرضِّ للجسد الشريف روايتان:

الرواية الأُولى: ما رواه الكليني بسنده عن إدريس بن عبد الله الأودي قال: «لمّا قُتل الحسين(عليه السلام) أراد القوم أن يوطئوه الخيل، فقالت فضّة لزينب: يا سيدتي، إنَّ سفينة^{^[70]} كُسِرَ به في البحر فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد. فقال: يا أبا الحارث، أنا مولى رسول الله(صلى الله عليه واله)، فهمهم بين يديه حتّى وقفه على الطريق والأسد رابض في ناحية، فدعيني أمضي إليه وأعلمه ما هم صانعون غداً، قال: فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث. فرفع رأسه، ثمّ قالت: أَتدري ما يُريدون أن يعملوا غداً. بأبي عبد الله(عليه السلام)؟ يُريدون أن يوطئوا الخيل ظهره. قال: فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسين(عليه السلام)، فأقبلت الخيل، فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد ـ لعنه الله ـ: فتنة لا تُثيروها، انصرفوا. فانصرفوا»^{^[71]}.

ويمكن مناقشته: بأنَّ الخبر مخدوش سنداً ودلالة. فأمّا من جهة السند، فيحتوي على جملة من المجاهيل كأبي كريب، وأبي سعيد الأشج، وعبد الله بن إدريس، وأبيه، مضافاً إلى الإرسال بين إدريس بن عبد الله ـ وهو من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)^{^[72]} ـ
وفضّة، بل إنّ وجود فضّة ضمن نسوة كربلاء مستبعد؛ إذ لم يُذكر لها أثر في غير هذا الخبر، فالرواية ساقطة سنداً لأكثر من سبب، إضافة إلى أنَّ الرواية منقولة عن غير المعصوم(عليه السلام) ممّا لا يكون كلامه حجّة مطلقاً.

وأمّا دلالة، فهي ظاهرة بإطاعة الحيوانات لغير المعصوم(عليه السلام) وتحدُّثها معهم، ولا دليل عليه، ومثل هذه الدعوى لو وجدت لكثر نقلها واستفاض لكثرة الشهود عليها من الطرفين.

ثمّ إنّ هذا الخبر يشوبه الكثير من الاستفهامات المقلقة، منها: لماذا لم يعرف بوجود هذا الأسد سوى فضّة مع وجود الآلاف المؤلَّفة في ساحة المعركة؟ ولو كان موجوداً فعلاً فلماذا لم يدافع عن الحسين(عليه السلام) وهو الإمام المفترض الطاعة؟ ولماذا لم تعلم بوجوده زينب(عليها السلام)؟ وهل لفضّة القدرة على مخاطبة الحيوانات والتحدُّث معها؟ ونحوها ممّا يمتنع معها القبول بهذه القصة.

ولو سلَّمنا جدلاً بقبولها، فيحصل حينئذٍ التعارض بينها وبين ما اشتهر نقله وتسالم بين المؤرّخين، فلا بدَّ من الجمع بينهما بحمل الرضِّ على العاشر من محرَّم وحضور الأسد على الحادي عشر؛ بلحاظ ظهور الخبر المزبور في قصد العدو لتكرار الفعل الشنيع في اليوم التالي بعبارة فضّة: «وأعلمه ما هم صانعون غداً»، أو نحو ذلك من التوجيهات التي لا تؤدي إلى إنكار التسالم التاريخي بوقوع الرضِّ.

الرواية الثانية: ما رواه المجلسي عن المنتخب للطريحي، قال: «حُكي عن رجل أسدي، قال: كنت زارعاً على نهر العلقمي بعد ارتحال العسكر ـ عسكر بني أُميّة ـ فرأيت عجائب لا أقدر أحكي إلّا بعضها... وعند غروب الشمس يُقبل أسدٌ من القبلة فأولي عنه إلى منزلي، فإذا أصبح وطلعت الشمس وذهبت من منزلي أراه مستقبل القبلة ذاهباً، فقلت في نفسي: إنَّ هؤلاء خوارج قد خرجوا على عبيد الله بن زياد فأمر بقتلهم وأرى منهم ما لم أرَه من سائر القتلى، فوالله هذه الليلة لا بدَّ من المساهرة لأبصر هذا الأسد يأكل من هذه الجثث أم لا؟ فلمّا صار عند غروب الشمس وإذا به أقبل فحقّقته وإذا هو هائل المنظر فارتعدّت منه، وخطر ببالي: إن كان مراده لحوم بني آدم فهو يقصدني، وأنا أُحاكي نفسي بهذا فمثلته وهو يتخطى القتلى حتّى وقف على جسد كأنّه الشمس إذا طلعت فبرك عليه، فقلت: يأكل منه! وإذا به يمرِّغ وجهه عليه، وهو يُهمهم ويُدمدم، فقلت: الله أكبر، ما هذه إلّا أُعجوبة! فجعلت أحرسه حتّى اعتكر الظلام وإذا بشموع معلَّقة ملأت الأرض، وإذا ببكاء ونحيب ولطم مفجع، فقصدت تلك الأصوات فإذا هي تحت الأرض ففهمت من ناع فيهم يقول: وا حسيناه، وا إماماه. فاقشعر جلدي فقربت من الباكي وأقسمت عليه بالله وبرسوله مَن تكون؟ فقال: إنّا نساء من الجنِّ. فقلت: وما شأنكنَّ؟ فقلنَ: في كلّ يوم وليلة هذا عزاؤنا على الحسين الذبيح العطشان. فقلت: هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟ قلنَ: نعم، أَتعرف هذا الأسد؟ قلت: لا. قلنَ: هذا أبوه علي بن أبي طالب، فرجعت ودموعي تجري على خدي»^{^[73]}.

إنّ هذه القصة مجعولة موضوعة، وأمارات الكذب بادية عليها، مضافاً إلى تضمُّنها معانٍ منكرة، تتناسب وحكايات الفلكلور الشعبي والقبليات الثقافية والموروث الاجتماعي الخاطئ.

أمّا من حيث السند فهي مرسلة عن راوٍ مجهول، ولم تُنقل في أيِّ مصدرٍ قديمٍ يطمأنّ لصحّته، وأمّا كتاب المنتخب للطريحي فأقلّ ما يمكن أن يوصف بأنَّه متأخر ولا عبرة بنقله ما لم يوثَّق نقله عن أصل قديم يعتمد عليه.

وأمّا من حيث الدلالة فمضطربة وذات دلالة منكرة؛ إذ يشوبها الكثير من الاستفهامات والأسئلة المقلقة التي تحتاج إلى توضيح من قبيل:

1ـ لماذا لم يشاهد أحد غير هذا الأسدي هذا الموقف أو يسمع ما سمعه؟! فإذا كانت الزراعة متوافرة في تلك المناطق، فلا بدَّ من وجود جماعات كثيرة تقطن قربها، وبالتالي فإنَّ مثل هذا الموقف الغريب يكون بمرأى ومسمع منهم؛ ليُحفظ في أذهانهم ويتداول فيما بينهم، بينما لم ينقله لنا سوى راوٍ مجهول يُنسب إلى بني أسد.

2ـ ولو سلَّمنا بوجوده وحده فلماذا لم يتصدَّ لدفن الأجساد الشريفة بعدما عرف شخوصها ومقاماتها؟! أَو ليس هذا من واجبات الشريعة الغرّاء؟ لا سيّما بعد رحيل الجيش الأُموي وعدم وجود المانع من ذلك.

3ـ لماذا خُصّص البكاء بنساء الجنِّ دون رجالهم، مع أنَّ الأخبار والروايات تنقل نوح مطلق الجنِّ دون تخصيص أو تقييد؟!

4ـ إنّ تجسّد المعصوم(عليه السلام) بهيئة حيوان يوجب الإساءة له، فإذا أمكنه الرجوع إلى الدنيا، فما الذي يمنعه من الظهور بهيئته المعروفة؟! ولماذا لم يخرج لنصرة ولده في ساحة المعركة؟! كلّ هذه التساؤلات وغيرها توجب الجزم بكذب الحادثة.

إذاً؛ الروايتان لا تصلحان للاستدلال على نفي ما قام به الأعداء من رضِّ الجسد الشريف بحوافر الخيل، فهما ـ إضافة إلى ما تقدّم ـ لا تصمدان أمام ما تسالمت عليه كتب السيرة والتاريخ من حصول هذا الفعل الشنيع^{^[74]}.

الخاتمة

وقد تحصَّل ممّا تقدّم مجموعة من النتائج التي تمثِّل خلاصة البحث وأهمّ مضامينه وهي:

1ـ إنَّ هذه الزيارة لم ترد في المصادر القديمة، وعند التتبع والاستقراء نجد أنّ أقدم مَن رواها ابن طاووس، وأشار إلى وجودها في زمن السيّد المرتضى، وابن المشهدي في مزاره.

2ـ لم ينسب هذه الزيارة إلى المعصوم(عليه السلام) سوى ابن المشهدي، وقد رواها مرسلة من دون ذكر سلسلة السند التي توصله بالناحية المقدّسة(عجل الله فرجه الشريف)؛ فيحكم نتيجة لذلك بضعف الزيارة بالإرسال، وقد بُذلت محاولات عدَّة لتصحيح الزيارة إلّا أنَّ جميعها قابل للمناقشة.

3ـ إنّ عدم صحة السند لا يلازم عدم مشروعية قراءتها والتعبُّد بها، بل يمكن للزائر قراءتها وتحصيل الأجر بها، أمّا من جهة التسامح في أدلة السنن، أو من جهة رجاء المطلوبية أو غيرها.

4ـ قد أُورد على بعض عبارات الزيارة إشكالات، إلّا أنَّها جميعاً قابلة للدفع والمناقشة بتأويلها وفق ما يناسب العقيدة السليمة والأخبار الصحيحة، غاية ما يمكن قوله: إنَّ قراءة هذه المقاطع من الزيارة وإرادة معانيها السقيمة قد يؤدي إلى مخالفة عقدية أو إساءة إلى مقام أهل البيت(عليهم السلام)، وهو ممّا لا ينبغي للمؤمن الوقوع فيه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1. الإرشاد، محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد(ت413هـ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، منشورات دار المفيد.

2. الاستذكار، يوسف بن عبد البرّ(ت463هـ)، تحقيق: عبد المعطي أمين، دار قتيبة، دمشق ـ سوريا، الطبعة الأُولى، 1414هـ/1993م.

3. الأصول الستة عشر(دراسة وتحقيق)، ضياء الدين المحمودي، مكتبة أهل البيت(عليهم السلام)، قم المشرَّفة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1439هـ/2018م.

4. إعلام الورى بأعلام الهدى، الفضل بن الحسن الطبرسي(ت٥٤٨هـ)، تحقيق ونشـر: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، ١٤١٧هـ.

5. إقبال الأعمال، علي بن موسى المعروف بابن طاووس(ت 664هـ)، تحقيق: جواد القيومي، مكتب الإعلام الإسلامي، قم المشرَّفة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1414ه‍ـ.

6. الأمالي، محمد بن الحسن الطوسي(ت460هـ)، دار الثقافة، قم المشرَّفة ـ إيران، 1414هــ.

7. الأمالي، محمد بن علي الصدوق(ت381هـ)، مؤسّسة البعثة، قم المشـرَّفة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

8. أمل الآمل، محمد بن الحسن المعروف بالحرّ العاملي(ت1104هــ)، تحقيق: أحمد الحسيني، دار الكتاب الإسلامي، قم المشرَّفة ـ إيران.

9. أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى البلاذري(ت279هـ)، تحقيق: سهيل زكّار، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1417هـ/1996م.

10. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي(ت1111هـ)، مؤسّسة الوفاء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1983هـ.

11. البحر الزخار، أحمد بن عمرو البزار(ت292هــ)، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الأُولى، 2009م.

12. بلاغات النساء، أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور(ت380هـ)، مكتبة بصيرتي، قم المشـرَّفة ـ إيران.

13. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري(ت310هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى.

14. تاريخ مدينة دمشق، علي بن الحسن المعروف بابن عساكر(ت571هـ)، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، الطبعة الأُولى، 1418هـ/1997م.

15. الثاقب في المناقب، محمد بن حمزة الطوسي، تحقيق: نبيل رضا، مؤسّسة أنصاريان، قم المشـرَّفة ـ إيران، الطبعة الثانية، ١٤١٢هــ.

16. الجامع الصحيح، محمد بن إسماعيل البخاري(ت256هـ)، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1401هـ/1981م.

17. الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي(ت911هـ)، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1401هـ.

18. خاتمة مستدرك الوسائل، حسين النوري الطبرسي(ت1320هـ)، تحقيق ونشـر: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1429هـ/2008م.

19. خلفيات كتاب مأساة الزهراء(عليها السلام)، جعفر مرتضـى العاملي، دار السيرة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الخامسة، 1422هـ.

20. دعاء الفرج وشبهات المضلِّين، المقدَّس أبو الحسن حميد الغريفي، مكتب أنصار الحجّة(عليه السلام) الإسلامي، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثالثة، 1436هـ/2015م.

21. رجال الطوسي، محمد بن الحسن الطوسي(ت460هـ)، تحقيق: جواد القيومي، جماعة المدرسين، الطبعة الثالثة، 1427هـ.

22. رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي(ت450هـ)، تحقيق: موسى الشبيري، جماعة المدرسين، الطبعة الثامنة، 1427هـ.

23. سنن أبي داوود، سليمان بن الأشعث السجستاني(ت275هـ)، تخريج: محمد ناصر الألباني، تحقيق: مصطفى أبو المعاطي، دار الغد الجديد، الطبعة الأُولى، القاهرة ـ مصـر، 1438هـ/2017م.

24. السنن الكبرى، أحمد بن الحسين الخراساني البيهقي(ت458هــ)، مجلس دائرة المعارف، الطبعة الأُولى، 1344هـ.

25. شرح الأخبار، القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد المغربي(ت363هـ)، تحقيق: محمد الجلالي، جماعة المدرسين، قم المشرَّفة ـ إيران.

26. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار السلام، الرياض ـ السعودية، الطبعة الثانية، 1421ﻫـ.

27. عمدة الطالب، أحمد بن علي المعروف بابن عنبة(ت828هـ)، مؤسّسة أنصاريان، قم المشرَّفة ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1427هـ/2006م.

28. العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت175هـ)، تحقيق: د. مهدي المخزومي، دار الهجرة، الطبعة الثانية، 1409هـ.

29. فهرست أسماء مصنفي الإمامية، منتجب الدين ابن بابويه الرازي الطوسي(ت585هـ)، مكتبة المرعشـي، قم المشرَّفة ـ إيران، 1366هـ.

30. الفهرست، محمد بن الحسن الطوسي(ت460هـ)، تحقيق: جواد القيومي، مؤسّسة نشـر الفقاهة، قم المشرَّفة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1422هـ.

31. القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي(ت817هـ)، تحقيق ونشـر: مؤسّسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثامنة، 1426هـ/2005م.

32. الكافي، محمد بن يعقوب الكليني(ت329هـ)، تعليق: علي أكبر الغفاري، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان.

33. كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن بابويه القمّي(ت368هـ)، تحقيق: جواد القيومي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم المشرَّفة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

34. كشف الغمَّة، علي بن عيسى الإربلي(ت693هـ)، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان.

35. كمال الدين، محمد بن علي الصدوق(ت381هـ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، جماعة المدرسين، قم المشرَّفة ـ إيران، 1405هـ.

36. اللهوف على قتلى الطفوف، علي بن موسى المعروف بابن طاووس(ت664هـ)، الأنوار، قم المشرَّفة ـ إيران.

37. مجمع الزوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي(ت807هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1408هـ/1988م.

38. مرآة العقول، محمد باقر المجلسي، تحقيق: مصطفى صبحي خضر، مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، بيروت ـ لبنان، 1433هـ/2012م.

39. مروج الذهب ومعادن الجوهر، علي بن الحسين المسعودي(ت345هـ)، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأُولى، 1412هـ/2000م.

40. المزار، محمد بن جعفر المشهدي(ت594هـ)، تحقيق: جواد القيومي، مؤسّسة النشـر الإسلامي، قم المشـرَّفة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1419هـ.

41. المستدرك على الصحيحين، الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري(ت405هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1411هـ/1999م.

42. مسند أحمد، أحمد بن حنبل الشيباني(ت241هـ)، دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

43. مصباح الزائر، علي بن موسى المعروف بابن طاووس(ت664هـ)، تحقيق ونشـر: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرَّفة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1417هـ.

44. المعجم الكبير، سليمان بن أحمد الطبراني(ت360هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد، مكتبة ابن تيمية، القاهرة ـ مصر.

45. معجم رجال الحديث، أبو القاسم الخوئي(ت1413هـ)، مطبعة الآداب، الطبعة الأُولى.

46. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس(ت395هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد، دار الفكر، 1399هـ/1979م.

47. مقباس الهداية، عبد الله المامقاني(ت1351هـ)، تحقيق: محمد رضا المامقاني، دليل ما، قم المشرَّفة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1435هـ.

48. مَن لا يحضره الفقيه، محمد بن علي الصدوق(ت381هـ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، قم المشرَّفة ـ إيران، 1404هـ.

49. مناقب آل أبي طالب، محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني(ت588هـ)، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376هـ/1956م.

50. نظم درر السمطين، محمد بن يوسف الزرندي(ت750هــ)، مخطوطات أمير المؤمنين(عليه السلام)، الطبعة الأُولى، 1377هـ/1958م.

51. ينابيع المودّة، سليمان بن إبراهيم القندوزي(ت1294هـ)، تحقيق: علي جمال، منشورات دار الأُسوة، الطبعة الأُولى، 1416ه‍ـ.

[1] اُنظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين: ج3، ص303.

[2] الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط: ج2، ص239.

[3] اُنظر: الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين: ج2، ص334.

[4] الحديث المضمر: «وهو ما يُطوى فيه ذكر المعصوم(عليه السلام) عند انتهاء السند إليه، بأن يُعبَّر عنه(عليه السلام) في ذلك المقام بالضمير الغائب، إمّا لتقية أو سبق ذكر في اللفظ أو الكتابة، ثمّ عرض القطع لداعٍ، وذلك كما لو قال: (سألته)، أو (سمعته يقول)، أو عنه، أو نحو ذلك». المامقاني، عبد الله، مقباس الهداية: ج1، ص252.

[5] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص251.

[6] المصدر السابق: ص317.

[7] ابن طاووس، علي بن موسى، مصباح الزائر: ص221.

[8] ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار: ص496.

[9] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج1، ص27، وص40.

[10] منتجب الدين، علي بن بابويه، فهرست منتجب الدين: ص106.

[11] اُنظر: النوري، حسين، خاتمة مستدرك الوسائل: ج1، ص360.

[12] الحرّ العاملي، محمد بن الحسن، أمل الآمل: ج2، ص253.

[13] الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج1، ص48.

[14] اُنظر: المقدّس الغريفي، أبو الحسن حميد، دعاء الفرج وشبهات المضلّين: ص111ـ112.

[15] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج98، ص251.

[16] اُنظر: ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار: ص496.

[17] المصدر السابق: ص27.

[18] الخوئي، أبو القاسم، معجم رجال الحديث: ج1، ص48.

[19] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ص573.

[20] ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار: ص485 ـ 486.

[21] الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص79. النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي: ص85.

[22] الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الطوسي: ص413.

[23] الطوسي، محمد بن الحسن، الفهرست: ص80.

[24] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ص98، ص274.

[25] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص376.

[26] الصدوق، محمد بن علي، مَن لا يحضره الفقيه: ج1، ص320.

[27] الحشر: آية23.

[28] النمل: آية80.

[29] فاطر: آية22.

[30] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج٢، ص١٠١.

[31] النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج٨، ص١٦٣.

[32] أبو داوود السجستاني، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داوود: ج1، ص453.

[33] التوبة: آية105.

[34] اُنظر: البزار، أحمد، البحر الزخار: ج5، ص309. الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد: ج9، ص24. باب ما يحصل لأُمّته(صلى الله عليه واله) من استغفاره بعد وفاته، ح14250، ثمّ قال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح. السيوطي، جلال الدين، الجامع الصغير: ج1، ص582.

[35] اُنظر: ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج3، ص165. النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين: ج4، ص307، ثمّ قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[36] الأعراف: آية195.

[37] الأنعام: آية90.

[38] الأحزاب: آية33.

[39] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي: ص317.

[40] ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار: ص502 ـ 503.

[41] المصدر السابق: ص503.

[42] المصدر السابق: ص499.

[43] المصدر السابق: ص505.

[44] المصدر السابق: ص506.

[45] المصدر السابق: ص501.

[46] المصدر السابق: ص505.

[47] اُنظر: القاضي المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار: ج3، ص155.

[48] اُنظر: ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص252.

[49] اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص418. الزرندي الحنفي، محمد بن يوسف، نظم درر السمطين: ص217.

[50] اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص112.

[51] اُنظر: الطبرسي، الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى: ص469.

[52] اُنظر: القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودّة: ج3، ص83 ـ 84.

[53] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص346.

[54] اُنظر: المسعودي، علي بن الحسين،مروج الذهب: ج1، ص375.

[55] اُنظر: ابن عنبة، أحمد الحسيني، عمدة الطالب: ص192.

[56] الصدوق، محمد بن علي، الأمالي: ص215، وص226.

[57] ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار: ص504 ـ 505.

[58] اُنظر: العاملي، جعفر مرتضى، خلفيات كتاب مأساة الزهراء’: ج2، ص182.

[59] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ص97.

[60] البيهقي، أحمد بن الحسين، السّنن الكبرى: ج3، ص337. الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير: ج3، ص114. الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد: ج9، ص197. وقال: «إسناده حسن».

[61] اُنظر، المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ص97.

[62] ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار: ص500.

[63] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج4، ص416. ابن حمزة الطوسي، محمد، الثاقب في المناقب: ص546.

[64] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص166.

[65] المصدر السابق.

[66] اُنظر: ابن طيفور، أحمد بن أبي طاهر، بلاغات النساء: ص13. ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف: ص61. ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ص296. الإربلي، علي بن عيسى، كشف الغمّة: ج2، ص29. ابن المشهدي، محمد بن جعفر، المزار: ص577.

[67] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص166.

[68] المصدر السابق: ص504.

[69] المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول: ص5، وص371(الهامش).

[70] سفينة: هو لقب لمولى رسول الله(صلى الله عليه واله)، اسمه قيس، ويكنى أبا ريحانة.

[71] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص465 ـ 466.

[72] ذكر الطوسي إدريسَ بن عبد الله الأزدي ضمن أصحاب الصادق(عليه السلام) في رجاله: ص163، رقم1852؛ وذكر ابنه عبد الله في رجاله ضمن أصحاب الصادق(عليه السلام) أيضاً: ص233، رقم3148.

[73] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص193 ـ 194.

[74] للاطلاع على النصوص التي ذكرت الحادثة. اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص347. المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص88، وص113. ابن شهر آشوب، محمد ابن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص259. البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص183. ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف: ص183.

البُعد السنديّ والدلاليّ في زيارة الناحية المقدّسة