المقدّمة

اشتملت نصوص زيارات الإمام الحسين× على مضامين عميقة وتعاليم مهمّة، ركّزت على عناوين أساسية في الدين، كالاصطفاء، والوصاية، والإمامة، ووراثة الأنبياء، والطواغيت والظلمة، والتبرّي والتولّي، ومن جملة أهمّ العناوين التي تناولتها زيارات الإمام الحسين× مفهوم الجهاد في سبيل الله تعالى، الذي عُدّ من أهمّ دعائم الدين، وقد ورد تأكيده والحثّ عليه في القرآن الكريم.

وعنوان الجهاد في سبيل الله بحاجة إلى دراسة في ضوء نصوص زيارة الإمام الحسين×، لا سيّما وأنّ قوام نهضة الإمام الحسين× وعمادها هو الجهاد في سبيل الله؛ لذا انعكس ذلك على نصوص الزيارة، فنلاحظ أنّ زياراته× تناولت ـ بكثرة ـ هذه المفردة في فقرات مختلفة ومتعدّدة.

قد يُتصوّر في بادئ النظر أنّ مفردة الجهاد تعني القتال في سبيل الله}، ولكنّ هذا الفهم السطحي لمفهوم الجهاد في سبيل الله يزول حينما نلاحظ استعمالات هذه المفردة في نصوص زيارات الإمام الحسين×، وحتى في آيات القرآن الكريم؛ فإنّ القتال في سبيل الله هو آخر مراحل الجهاد في سبيل الله؛ ومن هنا مسّت الحاجة إلى دراسة هذا المفهوم وتحليله في نصوص زيارات الإمام الحسين×، وكذا في الفقرات والمقاطع التي تناولت مفردة الجهاد في سبيل الله.

ويمكن في ضوء هذه الفقرات والمقاطع الواردة في زيارات الإمام الحسين× المشتملة على مفردة الجهاد، تحليل هذا المفهوم وتبيين معانيه ومراحله وأهدافه، ويمكن في ضوء نصوصها التعرّف على حقيقة جهاد الإمام الحسين× وأصحابه، وفي الوقت نفسه نستطيع أن نستلهم دروس الجهاد وتعاليمه من فقرات الزيارة التي وردت فيها هذه المفردة.

وهذا يعني أنّنا سندرس مفهوم الجهاد في زيارة الإمام الحسين× في ثلاثة محاور:

المحور الأوّل: تحليل معنى الجهاد، وبيان مراحله، وأهدافه، في ضوء نصوص الزيارة.

المحور الثاني: بيان نوعية جهاد الإمام الحسين× وأصحابه في ضوء نصوص الزيارة.

المحور الثالث: الدروس والتعاليم المستوحاة من نصوص زيارة الإمام الحسين× التي تناولت مفهوم الجهاد.

المحور الأوّل: تحليل مفهوم الجهاد، ومراحله، وأهدافه، في ضوء نصوص زيارته×

سنركّز في هذا المحور على تحليل مفهوم الجهاد ومراحله وأهدافه في ضوء نصوص زيارات الإمام الحسين×؛ لما في ذلك من فائدة في فهم جهاده× وأصحابه، وفي كيفية أخذ الدروس والعبر من ذلك الجهاد في حياة الإنسان الموالي والمتأسّي بالحسين×؛ وهذا ما يستدعي البحث في ثلاث نقاط:

النقطة الأُولى: تحليل معنى الجهاد في ضوء نصوص الزيارة

إذا لاحظنا نصوص زيارات الإمام الحسين× نجد أنّها تعرّضت لعدّة نماذج من الجهاد، وهذه النماذج متقاربة من حيث المعنى، وفيما يلي إشارة إجمالية إليها مع ذكر فقرات الزيارة التي تدلّ عليها:

النموذج الأوّل: الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته، بمعنى استخدام جميع الوسائل، وبذل كلّ الجهود من أجل نصرة دين الله تعالى وإعلاء كلمته، وهذا ما تُشير إليه بعض فقرات زيارات الحسين×، كقوله: «وجاهدتَ في سبيله حتّى أتاك اليقين»^{^[1]}. أي جاهدت بكلّ وسيلة من وسائل الجهاد في سبيل الله تعالى حتّى قُتلت شهيداً. وقد جاء بحقّ أصحاب الحسين×: «أشهد أنّكم‌ قد جاهدتم‌ في سبيل‌ الله»^{^[2]}.

النموذج الثاني: جهاد التبيين والدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة، فقد ورد في نصوص الزيارات ما يُشير إلى هذا النموذج من الجهاد، كقوله: «وجاهدت‌ في سبيل‌ ربّك‌ بالحكمة‌ و الموعظة‌ الحسنة»^{^[3]}.

ولم يرد هذا النموذج من الجهاد في الزيارات فحسب، بل ورد ما يدلّ عليه في القرآن الكريم أيضاً، كقوله تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)^{^[4]}، أي: جاهدهم ببيان القرآن.

النموذج الثالث: الجهاد في سبيل الله حقّ جهاده، كما ورد في زيارة الإمام الحسين× مخاطباً الأئمّة^ «وجاهدتم في الله حقّ جهاده، حتّى أتاكم اليقين»^{^[5]}.

وورد الخطاب بحقّ الإمام الحسين× فقط: «وجاهدت في الله حقّ جهاده... حتّى أتاك اليقين»^{^[6]}.

ولم يُخاطَب بهذا النوع من الجهاد إلّا الأئمّة المعصومون^، فهو يُعدّ من مختصّاتهم^، فلا يُخاطب به غيرهم.

ولم يرد هذا النوع من الجهاد في الزيارات فحسب، بل ورد في القرآن الكريم أيضاً؛ حيث قال الله: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ...)^{^[7]}، وقد ذكرت بعض التفاسير ـ استناداً لروايات أهل البيت^ ـ أنّ هذا النوع من الجهاد خاصّ بالأئمّة^^{^[8]}.

النموذج الرابع: الجهاد في ميدان الحرب والقتال بالسلاح في يوم عاشوراء؛ حيث إنّ الإمام الحسين× وأصحابه جاهدوا في ميدان الحرب، وقاتلوا الأعداء بالسيف، وإليه يُشير النصّ الوارد في زيارة الأربعين: «فجاهدهم فيك صابراً محتسباً حتّى سفك في طاعتك دمه»^{^[9]}.

كما يُشير إلى هذا النوع من الجهاد الفقرة التي وردت في إحدى زيارات الإمام الحسين×، وهي: «أشهد أنّه‌ قاتل‌ معك‌ ربّيّون‌ كثير»^{^[10]}. وهذا النوع من الجهاد هو الجهاد الاصطلاحي الذي يُبحث عنه في الفقه.

وهذا يعني أنّ نماذج الجهاد التي تعرّضت لها فقرات زيارات الإمام الحسين× هي عبارة عن: الجهاد في سبيل الله بالمعنى العامّ بشتّى وسائل الجهاد وأدواته. جهاد الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. الجهاد في الله حقّ جهاده، الذي هو مرتبة عالية منه تختصّ بالأئمّة المعصومين^. الجهاد بالمعنى الاصطلاحي له، وهو القتال بالسلاح في ميدان الحرب.

النقطة الثانية: أنواع الجهاد في ضوء نصوص الزيارة

إذا ألقينا نظرة على نصوص زيارة الإمام الحسين× لوجدنا أنّها تتعرّض إلى عدّة أنواع من الجهاد في سبيل الله، فهي تُشير إمّا تلويحاً وإمّا تصريحاً إلى تلك المراحل، وفيما يلي إشارة مختصرة إليها:

جهاد الشيطان: يُعرّف لنا القرآن الكريم أنّ الشيطان عدوّ للإنسان:
(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)^{^[11]}، فيجب مجاهدة الشيطان ومحاربته وعدم اتّباع خطواته، وأنّ من نتائج مجاهدة الشيطان وغلبته والانتصار عليه، الانتماءُ إلى صفّ الأولياء والأوصياء والدفاع عنهم، كما حصل لأصحاب الإمام الحسين×.

كما أنَّ من نتائج ترك جهاد الشيطان والاستسلام له الانتماء إلى أئمّة الكفر والطغاة وسلاطين الجور، فيُصبح في حزب الشيطان كما عبّر القرآن الكريم، ولذا جاء لعن الطغاة وسلاطين الجور وأعوانهم بلعنة الله التي لعن بها الشيطان الرجيم: «وافتح لهم وعليهم... لعناتك التي لعنت بها كلّ ظالم... وكلّ شيطان رجيم»^{^[12]}.

وورد في زيارة أُخرى لعنهم أيضاً بوصفهم شياطين الإنس وشرك الشيطان، كما في قوله: «وأعوذ بك من...‌ شرّ شياطين‌ الجنّ‌ و الإنس...ومن‌ شرّ كلّ‌ ذي شرّ وشرك‌ إبليس»^{^[13]}.

فالطغاة إنّما أقدموا على قتل الإمام الحسين×؛ لأنّهم اتّبعوا خطوات الشيطان، بل استحوذ عليهم كما قال الإمام الحسين×: «استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم»^{^[14]}.

إذاً؛ فهذه هي المرحلة الأُولى من مراحل الجهاد في سبيل الله المستفادة من نصوص الزيارة.

جهاد النفس والهوى: هذه المرحلة الثانية من الجهاد، ومن فوائد الانتصار على النفس والهوى هو الدخول في حزب الله، والانتماء إلى أوصياء الله وأوليائه، والدفاع عنهم بالقول والفعل والسلاح. وهذا ما صنعه أصحاب الإمام الحسين×؛ حيث جاهدوا أنفسهم وفازوا في هذا الجهاد، فأصبحوا في صفّ أنصار الله ورسوله وأهل بيته: «السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه... السلام عليكم يا أنصار أبي عبد الله»^{^[15]}.

ومن نتائج الخسارة في معركة النفس والهوى الانخراطُ في صفّ الظلمة وأعوانهم والدفاع عنهم قولاً وعملاً: «وقد توازر عليه مَن غرّته الدنيا... وتردّى في هواه، وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق، وحملة الأوزار المستوجبين النار»^{^[16]}.

وهاتان المرحلتان من الجهاد مهمّتان جدّاً ومصيريّتان؛ لأنّ الانتصار في هاتين المرحلتين من الجهاد يعني الانتماء إلى صفّ الأولياء والدفاع عنهم، والخسارة فيهما تعني الانخراط في صفّ الظلمة وأئمّة الجور.

وينفتح الطريق لمـَن فاز فيهما ويكون مستعدّاً لقطع المراحل الأُخرى من الجهاد، كجهاد الدعوة إلى الله والقتال في سبيل إعلاء كلمته، وهذا هو السرّ في وصف هاتين المرحلتين من الجهاد بالجهاد الأكبر، ووصف المرحلتين الآتيتين بالجهاد الأصغر، فقد ورد عن الإمام الصادق×: «إنّ النبي× بعث بسرية، فلمّا رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر. قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس»^{^[17]}.

جهاد الدعوة إلى الله: بعد أن يجتاز المجاهد مرحلة جهاد الشيطان ظافراً، ويخرج من مرحلة جهاد النفس منتصراً، سيكون مؤهّلاً ومستعداً لهذه المرحلة ـ الثالثة ـ
من الجهاد، وهي الدفاع عن الدين والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا يبدأ بالقتال حتّى يدعو الناس إلى دين الله والعمل بأوامره، ولذا ورد في القرآن الكريم: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)^{^[18]}.

من هذا المنطلق؛ تكون الدعوة إلى الله هي المرحلة الثالثة من مراحل الجهاد في سبيل الله، وقد ورد في نصوص الزيارة ما يدلّ على هذه المرحلة: «وجاهدت‌ في سبيل‌ ربّك‌ بالحكمة‌ والموعظة‌ الحسنة»^{^[19]}.

ونقرأ في نصّ آخر أنّ الإمام الحسين× جاهد: «ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة»^{^[20]}.

وجاء في حقّ الأصحاب: «أشهد أنّكم قُتلتم على الدعاء إلى الحقّ»^{^[21]}.

ومن الملاحظ أنّ هذه المرحلة من الجهاد لا يصحّ الانطلاق منها إلى مرحلة القتال إلّا بعد إحراز أنّ الطرف الآخر لا ينفع معه النصح والوعظ، وطبع الله على قلبه، وجعل على سمعه وبصره غشاوة، عند ذلك ينتقل المؤمن إلى المرحلة التالية والأخيرة من الجهاد في سبيل الله؛ ولهذا السبب كان الإمام الحسين× لا يبدأهم بالقتال حتّى يعظهم وينصحهم.

جهاد أئمّة الكفر وأعوانهم: إذا لم ينفع النصح والوعظ والدعوة إلى الله، وأصرّوا واستكبروا، ينتقل المجاهد في سبيل الله إلى المرحلة الأخيرة، والأُسلوب الأخير من الجهاد، وهو قتال العدوّ بالسيف، أو بشتّى أنواع السلاح التي ينتهي المجاهد منها إمّا بالظفر والانتصار على العدوّ، وإمّا بالشهادة في سبيل الله، اللذين عُبّر عنهما في القرآن الكريم بـ: (إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ)^{^[22]}. وبها تنتهي مراحل جهاد المجاهد
في سبيل الله.

ويدلّ على هذه المرحلة من الجهاد في سبيل الله عدّة فقرات من زيارة الإمام الحسين×، منها: «السلام على الحسين الذي سمحت نفسه بمهجته»^{^[23]}.

وفيما يخصّ الأصحاب: «أشهد أنّه‌ قاتل‌ معك‌ ربّيّون‌ كثير»^{^[24]}. وأيضاً: «وجاهدتم في سبيل الله، وقُتلتم على منهاج رسول الله»^{^[25]}.

وفي نصّ آخر: «وأصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين×»^{^[26]}.

فهذه النصوص تدلّ على أنّ هذه المرحلة هي المرحلة الأخيرة من الجهاد في سبيل الله، وهي القتال ولو استلزم ذلك بذل النفس والمهجة.

النقطة الثالثة: أهداف الجهاد في سبيل الله

يختلف هدف جهاد الأنبياء والأوصياء وأنصارهم عن الهدف الذي يُقاتل من أجله أئمّة الكفر الذين يدعون الناس إلى عبادة النفس والشيطان اختلافاً كلّياً، فهما على طرفي نقيض، فهدف الطائفة الأُولى نصرة الله وإقامة دينه، وردع الظالمين ونصرة المظلومين، وإقامة العدل ونشره. وهدف الطائفة الثانية وأعوانهم وأتباعهم وأشياعهم هو نصرة الشيطان والطاغوت واتّباع النفس والهوى، وطلب المال وزبارج الدنيا وملذّاتها، والسلطة والتسلّط على المستضعفين واستعبادهم.

فأهداف الأنبياء والأولياء من الجهاد في سبيل الله أهداف إلهية وأُخروية، مطابقة للعقل والفطرة والشريعة، وأهداف أئمّة الكفر وأتباعهم وأشياعهم من القتال أهداف شيطانية دنيوية غير مشروعة^{^[27]}.

ولا بأس في بيان أهداف الأنبياء والأوصياء وأنصارهم من الجهاد في سبيل الله، مستلهمين ذلك من نصوص زيارة الإمام الحسين× نفسها.

الهدف الأوّل: نصرة الله وإعلاء كلمته

الأنبياء والأوصياء وأنصارهم يُجاهدون من أجل نصرة الله، ونصرة دينه وإعلاء كلمته، ويدلّ على هذا الأمر من الزيارة عدّة فقرات:

منها: «حتّى لقيتم‌ الله على سبيل‌ الحقّ،‌ ونصرة‌ كلمة‌ الله التامّة»^{^[28]}.

ومنها: «ونصرتي لكم‌ معدّة»^{^[29]}.

ومنها: «اللّهمّ‌ اجعلنا ممّن‌ تنصره‌ وتنتصر به‌، وتمنّ‌ عليه‌ بنصرك‌ لدينك‌ في الدنيا والآخرة»^{^[30]}.

وغيرها من فقرات الزيارة الدالّة على نصرة الله تعالى.

الهدف الثاني: إقامة دين الله

ويدلّ على هذا الهدف من نصوص الزيارة قوله: «وكنت... لعماد الدين رافعاً»^{^[31]}.

وورد أيضاً: «وتنصر الدين وتُظهره»^{^[32]}.

وقوله: «السلام عليك يا عمود الدين»^{^[33]}.

فقد جاهد الإمام الحسين× في الله حقّ جهاده من أجل إقامة الدين والحكم بما أنزل الله.

الهدف الثالث: دحر الظالمين ونصرة المظلومين

يدلّ على قمع الظالمين ما ورد في زيارة الناحية، حيث يصف الإمام الحسين× بما نصّه: «وللطغيان قامعاً، وللطغاة مقارعاً... وتكفّ العابث وتزجره». وفيما يتعلّق بنصرته للمظلوم يقول: «وتأخذ للدني من الشريف، وتساوي في الحكم بين القوي والضعيف، كنت ربيع الأيتام، وعصمة الأنام»^{^[34]}، فكان يدافع عنهم، ويُطالب بحقوقهم، ويجاهد الظالم من أجل نصرتهم.

الهدف الرابع: تحقيق العدالة

من جملة أهداف الجهاد في سبيل الله هو تحقيق العدل في الأرض، ويدلّ على هذا الهدف جملة من فقرات الزيارة، نكتفي بذكر بعضها: «أشهد أنّك أمرت بالقسط والعدل، ودعوت إليهما»^{^[35]}.

وفي نصّ آخر: «وتبسط العدل وتنشره»^{^[36]}.

الهدف الخامس: الشهادة في سبيل الله

وهذا الهدف يتحقّق على تقدير عدم النصر الظاهري، فإذا لم ينتصر المجاهد في سبيل الله ظاهراً، فإنّه سينال الشهادة في سبيل الله، وهي إحدى الحسنيين اللتين وردتا في الآية الكريمة (إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ)^{^[37]}، إمّا الظفر، وإمّا الشهادة في سبيل الله.

ويدلّ على هذا الهدف من نصوص الزيارة عدّة فقرات نُشير إليها: «السلام على الحسين المظلوم الشهيد... أكرمته بالشهادة... فجاهدهم فيك صابراً محتسباً حتّى سفك في طاعتك دمه»^{^[38]}، بل ورد أنّه شهيد الشهداء، نال هذا الوسام بشهادته يوم عاشوراء: «السلام على شهيد الشهداء»^{^[39]}، وأنّ أصحابه سادة الشهداء أيضاً: «أنتم سادة الشهداء في الدنيا والآخرة»^{^[40]}.

المحور الثاني: جهاد الإمام الحسين× وأصحابه في ضوء نصوص الزيارة

تُشير بعض فقرات الزيارة ومقاطعها إلى جهاد الإمام الحسين× الطويل الواسع، كما تُشير إلى جهاد أصحابه المستمرّ حتّى شهادتهم في سبيل الله. ونُشير هنا إلى مفاصل هذا الجهاد بجميع مراحله، وبما أنّ سنخ جهاد الإمام الحسين× يختلف عن سنخ جهاد أصحابه، ينبغي أن نتكلّم أوّلاً عن جهاد الحسين×، ثمّ نتعرّض إلى جهاد أصحابه، وهذا ما يستدعي الحديث عنه في نقطتين:

النقطة الأُولى: جهاد الإمام الحسين× (حقّ الجهاد)

بعد تتبّع نصوص زيارات الإمام الحسين× نجد أنّ (حقّ الجهاد) لم يُطلق إلّا على أئمّة الهدى^، فقد ورد في إحدى الزيارات: «وجاهدتم في الله حقّ جهاده، حتّى أتاكم اليقين من وعده»^{^[41]}. ومنهم الإمام الحسين×، فلم تُطلق هذه اللفظة في الزيارات على أحد غيرهم.

وقد وردت فقرات متعدّدة في الزيارات تصف الإمام الحسين× بأنّه جاهد في الله حقّ الجهاد، من جملتها: «وجاهدت في الله حقّ جهاده، وصبرت على الأذى»^{^[42]}. فهذا اللقب في الجهاد لم يُطلق ـ في نصوص الزيارات، بل حتّى في غير الزيارات ـ إلّا على أهل البيت^، فهذه المرتبة العالية من الجهاد تصدق على الأئمّة المعصومين× دون غيرهم.

وإنّما اختصّ الإمام الحسين× وسائر الأئمّة^ بهذا اللقب وبهذا التكليف؛ بسبب اصطفائهم وانتجابهم من قبل الله} للإمامة، وقد أُشير في الزيارات إلى هذا الاصطفاء، فقد ورد في زيارة الأربعين: «السلام على صفي الله وابن صفيّه... اللهمّ إنّي أشهد أنّه وليّك وابن وليّك، وصفيّك وابن صفيّك... وجعلته سيّداً من السادة، وقائداً من القادة، وذائداً من الذادة، وأعطيته مواريث الأنبياء، وجعلته حجّة على خلقك من الأوصياء».

هذا ما يخصّ الإمام الحسين× من الاجتباء والاصطفاء، وأمّا ما يخصّ الأئمّة^ فقد ورد في الزيارة نفسها: «وأشهد أنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوى، وأعلام الهدى، والعروة الوثقى، والحجّة على أهل الدنيا»^{^[43]}.

فالمطلوب من أئمّة الهدى^ أن يُجاهدوا في الله حقّ جهاده؛ لأنّهم قد اجتباهم الله واصطفاهم، فالجهاد في الله حقّ الجهاد متفرّع على الاجتباء، وإذا لم يكن الإنسان مجتبى فمن الطبيعي لا يُطلب منه هذا المرتبة العالية جدّاً من الجهاد؛ لأنّه لا يتمكّن من أدائها، وإنّما يُطلب منه أن يُجاهد في سبيل الله تعالى فحسب، كما ورد هذا بشأن غير الأئمّة^ من دون التعبير: بحقّ الجهاد.

ويؤيّد هذا المعنى قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) ^{^[44]}.

قال القمّي في تفسير الآية: «فهذه خاصّة لآل محمد^، وقوله: (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ)، يعني يكون على آل محمد. (وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، أي: آل محمد يكونوا شهداء على الناس بعد النبي‘»^{^[45]}.

ومقتضى هذا التفسير أنَّ الأمر بالجهاد حقّ الجهاد متوجّه إلى الأئمّة^، ولذا اختصّ التعبير به في الزيارة بالأئمّة^، وهذا إن دلّ على شيء فيدلّ على أنّ هذه الزيارات لم ترد إلّا عن المعصومين^ العارفين بالقرآن الكريم.

وبناء على هذا؛ فالإمام في غنى عن المرحلة الأُولى والثانية من الجهاد، أعني جهاد الشيطان والنفس؛ لأنّ الإمام هو إمام هدىً من عباد الله المُخلَصين، وهم أولياء الله الذين لا سلطان للشيطان عليهم، ونفس الإمام طاهرة مطهّرة كما ورد: «أشهد أنّك طهر طاهر»^{^[46]}، بل جاء وصفه بأنّه كان نوراً من أنوار الله، كما ورد: «وأشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهّرة، لم تُنجّسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تُلبسك من مدلهمّات ثيابها»^{^[47]}.

فالإمام قد اجتاز مراحل عليا، واتّصفت نفسه الشريفة بصفات عالية جدّاً، وعلى أساسها تمّ اصطفاؤه وانتجابه من قبل الله تعالى: «السلام على صفي الله وابن صفيّه»^{^[48]}. ومن هنا؛ فالإمام في غنى عن هاتين المرحلتين من الجهاد.

المرحلة الأُولى: جهاد البيان والتبيين

يبدأ جهاد الإمام× ـ بحسب ما تُفيده نصوص الزيارة ـ بجهاد البيان بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذه المرحلة من الجهاد هي عبارة عن بذل كلّ الوسع والطاقة من أجل بيان الحقّ ورسالة النبي الأكرم‘ بكلّ ما تحمل من مبادئ وقيم إلى الناس، واستخدام جميع الطاقات والوسائل في إيصال هذه المبادئ والقيم إليهم، وتفهيمهم بذلك بشتّى وسائل التبيين والإيضاح.

ويؤيّد هذا المعنى قوله تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)^{^[49]}. فالله يأمر النبي‘ أن يُجاهد الكافرين بالقرآن الكريم من خلال بيانه وتلاوته، والاستدلال بآياته والبراهين الموجودة فيه.

وهذه المرحلة قام بها الإمام الحسين× خير قيام؛ فإنّه قد استخدم جميع أساليب الدعوة والنصيحة للناس من أجل اتّباع مبادئ وقيم الرسالة، فكان مجاهداً حقّ الجهاد في هذه المرحلة. ويُرشدنا إلى هذا الأمر ما ورد في فقرة من الزيارة الشريفة: «وجاهدت‌ في سبيل‌ ربّك‌ بالحكمة‌ والموعظة‌ الحسنة»^{^[50]}.

وورد في الزيارة أيضاً: «فاعذر في الدعاء، ومنح النصح»^{^[51]}.

ففي يوم عاشوراء كان يقول لهم: «أيّها الناس، اسمعوا قولي‏ ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتّى أُعذر إليكم»^{^[52]}.

فهو يرى أنّ مشروعه الجهادي ينبغي أن يكون على أتمّ وجه، ولا ينبغي إغفال الجهاد على مستوى الموعظة والحكمة.

وكان قبل يوم عاشوراء قد بيّن في خطبة له ـ خطبها في منى ـ طواغيت الأُمّة، وأئمّة الكفر، وعبدة الشيطان وحزبه، وأتباع الجبت والطاغوت، وحذّر العلماء والناس من اتّباعهم والانخراط في زمرتهم، وبيّن فيها أئمّة الهدى وعباد الله الصالحين، وحثّهم على اتّباعهم ونصرتهم.

وكان× يؤكّد هذا الأمر يوم عاشوراء بقوله: «فإنّما أنتم من طواغيت الأُمّة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب، ومطفئي السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيري عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين، وصراخ أئمّة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين»^{^[53]}.

كما كان يركّز طيلة حياته على ضرورة محاربة الشيطان، والنفس الأمّارة بالسوء والهوى، وترك الغرور بالدنيا، وهذا هو الجهاد الأكبر؛ فإنّ الفوز في هذا الجهاد هو مدعاة إلى اتّباع أئمّة الهدى، والابتعاد عن الانخراط في حزب الشيطان، والجبت والطاغوت، وأئمّة الكفر، وعبدة الشيطان.

والخسارة في هذا الجهاد تعني اتّباع الهوى والشيطان، وإطاعة أئمّة الكفر والطواغيت وإعانتهم ونصرتهم، وهو السبب في خذلان أئمّة الهدى، وترك نصرتهم، بل قتلهم وظلمهم، ولذا قال× فيما يتعلّق بالشيطان: «قد لزموا طاعة الشيطان، وترکوا طاعة الرحمن»^{^[54]}.

وقال أيضاً: «فالمغرور مَن غرّته، والشقي مَن فتنته، فلا تغرّنّكم هذه الدنيا؛ فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، وتُخيّب طمع من طمع فيها... لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم»^{^[55]}.

المرحلة الثانية: الجهاد بالمال والنفس

بالرغم من أنّ الإمام الحسين× كان محاصراً مالياً، لكنّه بذل كلّ ما عنده من أموال في سبيل الدفاع عن الدين، وفي سبيل السير بسيرة جدّه وأبيه أمير المؤمنين×، فجاهد بأمواله في سبيل الله حقّ جهاده، بل إنّ التاريخ يحدّث بإنّه كان يضطرّ إلى استرجاع الأموال المنهوبة التي يتمّ إرسالها إلى أئمّة الضلال ـ كمعاوية ويزيد ـ وينتزعها منهم بالقوّة والغلبة، ويصرفها في خدمة الدين وتقوية معالمه^{^[56]}.

وقد ورد في الزيارات بعض الإشارات إلى ما بذله من مال: «والعن اللهمّ الذين نهبوا ماله، وسبوا حريمه»^{^[57]}. وفي الحقيقة إنّ هؤلاء سلبوا أمواله الشخصية، وقبل ذلك سلبوا أمواله التي له ولاية عليها بما هو إمام يصرفها في خدمة الإسلام والمسلمين.

وأمّا جهاده ببذل مهجته الطاهرة، فهي المرحلة الأخيرة من جهاده في الله حقّ جهاده، وبها تنتهي مراحل حقّ الجهاد التي قطعها الإمام× خلال حياته، فعمره حافل بحقّ الجهاد في سبيل الله حتّى الانتصار أو الشهادة، فختم حياته بالشهادة، وبذل مهجته ودمه الطاهر في سبيل إعلاء كلمة الله}، ولذا ورد في زيارة الناحية مخاطباً الإمام الحسين×: «وجاهدت في الله حقّ الجهاد»^{^[58]}.

وفي فقرة من زيارة الأربعين: «وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة»^{^[59]}.

ونقرأ في نصّ آخر: «السلام على الحسين الذي سمحت نفسه بمهجته»^{^[60]}.

النقطة الثانية: جهاد أصحاب الإمام الحسين×

لو ألقينا نظرة إلى فقرات الزيارة التي تعرّضت إلى ذكر أصحاب الإمام الحسين×، نجد أنّها تُشير إلى مراحل الجهاد في سبيل الله تعالى التي مرّوا بها، بدءاً من الجهاد الأكبر ـ جهاد النفس والشيطان ـ وانتهاءً بجهاد الكفّار بالسلاح في ميدان الحرب. وفيما يلي إشارة إجمالية لمراحل جهادهم:

المرحلة الأُولى والثانية: جهاد الشيطان والنفس

إنّ المنتصر في هذه المعركة الكبرى ـ معركة الجهاد الأكبر ـ ينضمّ إلى زمرة أتباع أئمّة الهدى، ويكون في صفّهم، وقد كان أصحاب الإمام الحسين× ممّن انتصر فيها، ومن الطبيعي أن ينضمّوا إلى زمرة أتباع أئمّة الهدى^، فالله ولي الذين آمنوا يُخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يُخرجونهم من النور إلى الظلمات. ولذا جاء في الزيارة بشأن أصحاب الإمام الحسين×: «أشهد أنّكم جاهدتم في سبيل الله»^{^[61]}.

وهذه الفقرة تشمل جهاد النفس والشيطان، وإلّا ـ لو لم يكونوا قد جاهدوا النفس والشيطان ـ لما استطاعوا أن ينضمّوا إلى أئمّة الحقّ، ولما استطاعوا أن يكونوا أنصار الله وأنصار دينه، ولذا قال في الزيارة: «السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه، السلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه، السلام عليكم يا أنصار دين الله»^{^[62]}.

والخاسر في هذه المعركة الباطنية الكبرى سينخرط في زمرة أتباع أئمّة الظلال والطواغيت وحزب الشيطان.

ومن هنا؛ فإنّ أنصار الحسين× جاهدوا في سبيل الله على هذا المستوى، ومنهم مَن أنضمّ إلى أئمّة الهدى في آخر اللحظات ـ كزهير بن القين، والحرّ بن يزيد الرياحي، وغيرهما ـ فقد جاهدوا النفس والشيطان والهوى، وانتصروا في هذا الجهاد، فخرجوا بذلك من الظلمات إلى النور. ولذا قال الإمام الحسين×: «مَن کان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسه»^{^[63]}. وهذا يعني أنَّه لا يمكن أن يرحل معه أو ينضمّ إليه مَن لم يوطّن نفسه، وتوطين النفس بحاجة إلى جهاد الشيطان والنفس.

المرحلة الثالثة: الجهاد بالحكمة والموعظة الحسنة

لقد جاهد أنصار الإمام الحسين× في هذه المرحلة من الجهاد أيضاً، فكانوا يخاطبون العدوّ بالنصيحة والموعظة والبيان قبل القتال: «أشهد أنّكم قُتلتم على الدعاء إلى الحقّ»^{^[64]}.

فنلاحظ أنّهم قد أعذروا في النصح والدعاء، بالأدلّة والبراهين القاطعة حتّى شهادتهم، فكانوا يُبيّنون للناس مَن هو إمام الهدى، ومَن هو إمام الضلال، ومَن يجب طاعته، ومَن يجب محاربته، وكلّ ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة. وكان لهم في هذا الجهاد دور بارز، وقد بالغوا في النصح والوعظ.

وعلى سبيل المثال: إنّ الرسول الذي جاء إلى الحرّ بن يزيد بالكتاب الذي ورد فيه الأمر بمسايرة الإمام الحسين× ومحاصرته في مكان ليس فيه ماء ولا كلأ، قد عرفه يزيد بن المهاجر الكندي، الذي هو من أصحاب الإمام الحسين× وأنصاره، فقال له: «ثكلتك أُمّك، ماذا جئت فيه؟! قال: أطعت إمامي، ووفيت ببيعتي. فقال له ابن المهاجر: بل عصيت ربّك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك، وكسبت العار والنار، وبئس الإمام إمامك، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ)^{^[65]}، فإمامك منهم»^{^[66]}.

ونموذج آخر: برير بن خضير، حيث كان يُثبت للناس بشتّى الوسائل والطرق ـ وبالمباهلة أحياناً ـ مَن هم أئمّة الهدى، ومَن هم أئمّة الضلال، فلّما قال له يزيد بن
معقل: يا برير، إنّك ضالّ؛ لأنّك تعتقد بضلال معاوية، وبأنّ عليّاً× هو إمام الهدى. فقال له برير: إنّ هذا هو الحقّ، وإنّي مستعدّ لمباهلتك على أن يلعن الله الكاذب ويقتله، فخرج كلّ منهما يدعو الله أن يقتل الكاذب. فبرز كلّ واحد منهما لصاحبه، ونشب القتال بينهما، فقتل بريرُ بن خضير يزيدَ بن معقل، فلعن الله الكاذب وقتله^{^[67]}.

فقام برير بهذه العملية لإثبات أنّ إمام الهدى هو علي× وأبناؤه، وإمام الضلال هو معاوية وابنه يزيد، وهذا هو الجهاد التبييني على مستوى الأدلّة والبراهين والمباهلة.

وهناك الكثير من المشاهد الرائعة في الجهاد على مستوى النصيحة والموعظة والبيان والتوضيح بالأدلّة القاطعة التي رسمها الإمام الحسين× وأهل بيته وأصحابه، يطول المقام بذكرها.

المرحلة الرابعة: الجهاد بالمال والنفس

وهكذا بذل الأصحاب ما عندهم من مال وجاهدوا بأموالهم في سبيل الله: «أشهد أنّكم جاهدتم في سبيل الله»^{^[68]}. فكلّ ما لديهم من مال بذلوه في خدمة الدين ونصرة أئمّة الهدى^، بل إنّهم تركوا أموالهم ومساكنهم وأزواجهم وأولادهم من أجل نصرة دين الله تعالى، ولذا ورد في الزيارة: «أتيتك بأبي وأُمّي ونفسي ومالي وولدي زائراً»^{^[69]}، ومعنى ذلك أنّي أُقدّم أموالي من أجل نصرتك. وقبل ذلك كان أصحاب الحسين× قد قدّموا أموالهم وكلّ ما يملكون من أجل نصرة الإمام الحسين×.

وكذلك بذل هؤلاء الأصحاب أنفسهم ومهجهم دون إمامهم الحسين×، ونالوا الشهادة في سبيل الله تعالى، فقد جاء في الزيارة: «وجاهدتم في سبيل الله، وقتلتم على منهاج رسول الله»^{^[70]}.

وفي نصّ آخر: «وأصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين×»^{^[71]}.

وفي نصّ ثالث: «وعلى مَن ساعدك وعاونك وواساك بنفسه، وبذل مهجته في الذبّ عنك»^{^[72]}.

وفي نصّ رابع: «وبذلتم مهجكم مع ابن رسول الله»^{^[73]}.

المحور الثالث: التعاليم والدروس المستوحاة من زيارة الحسين× فيما يخصّ الجهاد

المتأمّل في نصوص زيارات الإمام الحسين× يلمس تعاليم ودروساً وعبراً يمكن استفادتها من خلال النظر في المواقف الجهادية التي سجّلها الإمام الحسين× وأهل بيته^ وأصحابه، كما يمكن أن يأخذ العبرة أيضاً ممّن حُرموا هذه المواقف الجهادية، واتّبعوا هوى النفس والشيطان، وغرّتهم زخارف الدنيا، وهذا ما سنحاول التركيز عليه ـ في المقام ـ آخذين بنظر الاعتبار نصوص زيارات الإمام الحسين×.

الدرس الأوّل: محاربة الشيطان

تُعلِّمُنا الزيارة أنّه يجب محاربة الشيطان وجهاده، وأنّ الشيطان هو من أوضح أعداء الإنسان؛ فإنّ نصوص الزيارة قد ذكرت الطواغيت وأئمّة الكفر وأتباعهم وأشياعهم وأعوانهم، وذكرت عاقبتهم المشينة، وهي نار جهنّم، ولعنتهم، ثمّ أردفت اللعنة على كلّ شيطان رجيم.

وهذا من عطف العامّ على الخاصّ، وهذا يعني أنّ هؤلاء الطغاة ينطبق عليهم عنوان الشيطان الرجيم؛ لأنّهم قد اتّبعوا خطوات الشيطان، بل أصبحوا من أعوانه إلى درجة يصحّ إطلاق لفظ الشيطان الرجيم عليهم، كما ورد في الزيارة: «وافتح لهم وعليهم، وعلى كلّ مَن رضي بذلك، لعناتك التي لعنت بها كلّ ظالم، وكلّ غاصب، وكلّ جاحد، وكلّ كافر، وكلّ مشرك، وكلّ شيطان رجيم»^{^[74]}.

وهذا يعني أنّ الشيطان زين لهم أعمالهم وخدعهم، حتّى انتهى الأمر بهم أن أصبحوا من حزبه وأعوانه، وقد وصفهم الإمام الحسين× في كلماته بأنّهم «نفثة الشيطان»^{^[75]}.

وفي نصّ آخر: «قد لزموا طاعة الشيطان، و ترکوا طاعة الرحمن»^{^[76]}.

وقال× أيضاً: «استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم»^{^[77]}.

ففي عملية الجهاد يجب على الإنسان أوّلاً محاربة الشيطان الرجيم، وعدم اتّباع خطواته، واتّخاذه عدوّاً، والانتصار عليه وغلبته.

وهذا يعني أنّ الزيارة تُعطينا درساً في ضرورة مجاهدة الشيطان، الذي زين لهؤلاء وأغواهم، واستحوذ عليهم، ونفث فيهم حتّى أصبحوا طغاة وظلمة، ومن شياطين الإنس وشركاء إبليس. وفي كيفية محاربته والابتعاد عنه، واللجوء إلى الله منه، ولذا ورد في بعض الزيارات: «وأعوذ بك‌ من‌ الحبس‌ واللّبس،‌ ومن‌ وسوسة‌ الشيطان‌، وطوارق‌ السوء،‌ وشرّ كلّ‌ ذي شرٍّ، ومن‌ شرّ شياطين‌ الجنّ‌ والإنس،‌ ومن‌ شرّ مَن‌ ينصب‌ لأولياء‌ الله‌ العداوة‌، ومن‌ أن‌ يفرطوا عليّ‌ أو أن‌ يطغوا، وأعوذ بك‌ من‌ شرّ عيون‌ الظلمة،‌ ومن‌ شرّ كلّ‌ ذي شرّ، وشرك‌ إبليس...»^{^[78]}.

إنّ في هذا الدعاء ـ الذي ورد في الزيارة ـ إشارة واضحة إلى أنَّ الطغاة والظلمة ينطبق عليهم عنوان شياطين الإنس، وينطبق عليهم أنّهم شرك الشيطان، فعلى الإنسان ألّا يقع في المصيدة نفسها التي وقعوا فيها.

ولذا نجد أنّ الزيارة توضّح لنا أبرز أمثلة أعوان الشيطان وأتباعه، وفي الوقت نفسه تُعلّمنا لعنهم والبراءة منهم، ومعنى البراءة من أتباع الشيطان وحزبه، هو عدم اتّباع خطوات الشيطان ومحاربته وجهاده.

ومن جملة الوسائل التي يمكن للإنسان السيطرة على الشيطان من خلالها والغلبة عليه، هي زيارة الإمام الحسين×، فقد ورد أنّ مَن زار الإمام الحسين×: «لا يجعل للشيطان ولأوليائه عليه، ولا على نسله إلى أربعة أعقاب سبيلاً»^{^[79]}.

وفي رواية أُخرى: «ولم يزل محفوظاً سنته من كلّ آفة أهونها الشيطان»^{^[80]}.

الدرس الثاني: جهاد النفس

ورد في زيارة الإمام الحسين× أنّ الزائر يشهد بأنّ أصحاب الإمام× جاهدوا في سبيل الله: «أشهد أنَّكم جاهدتم في سبيل الله»، ومن جملة مراحل جهادهم العظيمة هو جهاد أنفسهم والتغلّب على هواهم؛ فإنّ النفس تُحبّ العافية، ولا تُحبّ المكاره، ولكنّهم خالفوها وتوجّهوا مع الحسين× للجهاد معه وبين يديه، فكانوا موطّنين أنفسهم على لقاء الله تعالى، وترك زبارج الدنيا والغرور بها، ولذا قال الإمام الحسين×: مَن كان «موطّناً على لقاء الله‏ نفسه، فليرحل معنا»^{^[81]}.

وهذا يعني أنّ الرحيل مع الإمام الحسين× بحاجة إلى جهاد كبير وعظيم، وهو جهاد النفس وتوطينها وترويضها على لقاء الله تعالى.

فلو أنَّ أصحاب الإمام الحسين× لم يجاهدوا أنفسهم لما أمكنهم الوصول إلى هذا المقام العظيم، ولما استطاعوا أن يكونوا من أنصار الإمام الحسين×، ومنهم مَن انتصر على نفسه في آخر اللحظات كالحرّ بن يزيد الرياحي.

فالزيارة تركّز في ذهن الزائر أن يقتدي بهؤلاء الأنصار الذين وطّنوا أنفسهم على لقاء الله تعالى، واتّباع هؤلاء الأنصار الذين جاهدوا أنفسهم وحاربوها من أجل ذلك اللقاء: «أنتم لنا فرط وسلف، ونحن لكم أتباع وأنصار»^{^[82]}.

كما تحثّ الزيارةُ الزائرَ على البراءة ممّن اتّبع هواه ورغباته النفسية، ولم يجاهد نفسه، فأصبح أسيراً بيد الهوى وحبّ الدنيا، وهذه المصيدة قد وقع فيها الكثير في يوم عاشوراء، فقد تعاونوا على قتل الإمام الحسين× طمعاً في الدنيا، واتّباعاً لهوى النفس ورغباتها: «وقد توازر عليه مَن غرّته الدنيا... وتردّى في هواه»^{^[83]}. وهذا يعني أنّه ينبغي الحذر من هذه النفس والهوى الذي أوقع الكثير من الناس في المهالك.

الدرس الثالث: الجهاد بالحكمة و الموعظة الحسنة

يشهد الزائر في الزيارة بأنّ الإمام الحسين× وأصحابه قد جاهدوا على مستوى الجهاد بالحكمة والموعظة الحسنة، فيقول: «وأشهد أنّك قد... جاهدت في سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة»^{^[84]}. ويقول في نصّ آخر: «أشهد أنّكم قد جاهدتم في سبيل الله»^{^[85]}. ويشهد في نصّ ثالث: «أشهد أنّكم قتلتم على الدعاء إلى الحقّ»^{^[86]}.

ففي الوقت الذي يشهد الزائر فيه بهذه الشهادات، يتعهّد بالاقتداء بالإمام الحسين× وأصحابه، والتسليم لهم واتّباعهم: «وقلبي لقلبكم سلم، وأمري لأمركم متّبع»^{^[87]}. وفي نصّ آخر: «أنتم لنا فرط وسلف، ونحن لكم أتباع وأنصار»^{^[88]}.

وهذا يقتضي أن يكون الزائر مجاهداً في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وداعياً إلى الله تعالى وإلى دينه، وإلى المبادئ والقيم التي استشهد الإمام الحسين× من أجل تحقيقها، فيجلي الجهل والضلال بالحكمة والموعظة الحسنة، وينصر المظلوم ويردع الظالم بالحكمة والموعظة الحسنة.

والمستفاد من النصوص أنّ هذا الجهاد لا ينتهي، وإنّما هو مستمرّ حتّى آخر لحظات حياة الإنسان، فيجب أن يدعو إلى الله ويُجاهد الكفّار والمنافقين بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالبراهين الساطعة، وبالقرآن الكريم حتّى آخر لحظات حياته.

ونلاحظ أنّ الإمام الحسين× وأصحابه لم يتوقّفوا عن هذا الجهاد حتّى آخر لحظات حياتهم، بالرغم من أنّهم كانوا يواجهون قوماً ختم الله على قلوبهم وأسماعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، لكنّ جهاد البيان كان مستمرّاً.

والأمر نفسه نلاحظه في جهاد الأنبياء الطويل؛ حيث كانوا يُجاهدون في البيان والتبيين للطغاة والجبابرة بالحكمة والموعظة الحسنة حتّى آخر حياتهم، ومنهم خاتم الأنبياء والرسل؛ حيث قال الله تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا)^{^[89]}. وهذا يعني أنّه ينبغي للإنسان الزائر أن يتحلّى بهذه الخصلة العظيمة، وهي الجهاد بالحكمة والموعظة الحسنة.

الدرس الرابع: الجهاد ببذل المال والنفس

هناك نصوص وفقرات متعدّدة في الزيارة تُشير إلى بذل المال والنفس في سبيل إعلاء كلمة الله، ونصرة الحقّ، والدفاع عن القيم والمبادئ الحقّة، وقد تقدّمت ـ في طيّات البحث ـ نصوص الزيارة الدالّة على بذل الإمام الحسين× وأهل بيته وأصحابه أموالهم ومهجهم دفاعاً عن الدين، ولم يتمكّن أصحابه× من الوصول إلى هذه المرتبة إلّا بعد قطعهم مشوار الجهاد مع الشيطان والنفس والجهاد بالوعظ والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة، فأصبحوا مستعدّين لهذه المرتبة من الجهاد.

ومن الواضح أنّ من لم يتمكّن من جهاد الشيطان والنفس والهوى، لا يستطيع أن يصل إلى هذه المرحلة، ولا يتوقّع منه ذلك أبداً، بل سيكون في حزب الشياطين والطواغيت، ويقاتل معهم كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)^{^[90]}.

ففي الوقت الذي يعترف الزائر فيه بأنّ الإمام الحسين× وأهل بيته وأصحابه قد بذلوا مهجهم دون إعلاء كلمة الله، يلزم أن يكون مستعدّاً لهذه المرتبة من الجهاد، وهي بذل المال والنفس والمهجة من أجل إعلاء كلمة الله، ولذا يقول: «أتيتك بأبي وأُمّي ونفسي ومالي وولدي زائراً»^{^[91]}. وفي عدّة فقرات من زيارته×: «فيا ليتني كنت معكم فأفوز معكم»^{^[92]}.

وهذه هي المرتبة الأخيرة من الجهاد، فإذا نجح الإنسان في مسار الجهاد الطويل، من جهاد الشيطان والنفس والهوى، وروّض نفسه بالتقوى، أصبحت نفسه مستعدّةً للقاء الله} وبذل المال والمهجة في سبيله، كما قال الإمام الحسين×: «مَن كان باذلاً فينا مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا»^{^[93]}.

فالزائر حينما يقطع مشوار الجهاد الطويل سيحظى بهذا المرتبة العظيمة، بأن يكون مستعدّاً للقاء الله، ولذا ورد في الزيارة: «ونصرتي لكم معدّة»^{^[94]}، أي بعد مشوار الجهاد الطويل ـ من جهاد الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، ومجاهدة الهوى وحبّ الدنيا ـ فإنّ نصرتي لكم معدّة، وأنا حاضر لأُقدّم كلّ ما عندي من مال ونفس ونفيس من أجل إعلاء كلمة الحقّ.

ونقرأ في نصّ آخر «بأبي أنت وأُمّي ونفسي ومالي»^{^[95]}، وهذا يعني أنا مستعدّ لأن أُقدّم نفسي وأُضحّي بها وبجميع ولدي وبأموالي، فأبذل هذه المهجة وكلّ شيء في نصرة الإمام× وإعلاء كلمة الله تعالى: «ويرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من آل محمد‘»^{^[96]}.

الخاتمة

يُستفاد من المباحث المتقدّمة النتائج التالية:

ورد الجهاد في فقرات زيارة الإمام الحسين× بعدّة معانٍ:

منها: الجهاد اللغوي بالمعنى العامّ، وهو بذل الطاقة لتحقيق الهدف.

ومنها: الجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله حقّ الجهاد، والجهاد بمعنى القتال في سبيل الله.

وللجهاد مراحل أربع: جهاد الشيطان، وجهاد النفس، وهما الجهاد الأكبر. وجهاد البيان بالحكمة والموعظة الحسنة، والجهاد بالقتال، وهما الجهاد الأصغر.

إنّ الجهاد يرجع ـ في الحقيقة ـ إلى وجود طائفتين، طائفة محقّة، وطائفة باطلة متّبعة للشيطان والهوى، فأصحاب الطائفة المحقّة يدعون إلى الحقّ، بينما أصحاب الطائفة الباطلة يدعون إلى الباطل، فينتمي مجموعة من الناس إلى الطائفة الأُولى بعد الفوز في جهاد النفس والهوى، وتنخرط مجموعة أُخرى مع الطائفة الثانية بسبب اتّباعهم خطوات الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، ثمّ يقع الجهاد والقتال بين الطرفين.

إنّ أهداف الجهاد في سبيل الله هي: نصرة الله وإقامة الدين، وردّ الظالمين ونصرة المظلومين، وإقامة العدل، والشهادة في سبيل الله.

إنّ جهاد الإمام الحسين× يختلف عن جهاد غيره؛ لأنّه× من عباد الله المُخْلَصين والأوصياء وورثة الأنبياء، فليس للشيطان إليه سبيل كما أخبر الله تعالى بذلك في كتابه، وأمّا نفس الإمام× فهي طاهرة ومطمئنة، بل هو نور من أنوار الله} كما نصّت على ذلك زيارات الإمام× المتعدّدة، لذا يكون جهاده في سبيل الله حقّ الجهاد في مرحلتي الجهاد بالوعظ والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة، والجهاد بالقتال وببذل المال والمهجة الطاهرة. ويُعدّ جهاده في ذلك من أعلى أنواع الجهاد، وقد عُبّر عنه في القرآن الكريم والزيارات بالجهاد في سبيل الله حقّ جهاده.

وأمّا غير الإمام× ـ كأصحابه وأنصاره وشيعته وأتباعه ـ فيقطع جميع مراحل الجهاد، من جهاد الشيطان والنفس، والجهاد بالحكمة والموعظة الحسنة، والجهاد ببذل المال والمهجة في سبيل الله، كما دلّت على ذلك نصوص الزيارة.

الدروس التي يُمكن استفادتها من نصوص الزيارة فيما يخصّ الجهاد، هي عبارة عن ضرورة جهاد الشيطان ومحاربته؛ فإنّ الذين انخرطوا في زمرة أعوان الطغاة وأتباعهم وأشياعهم، إنّما استزلّهم الشيطان واستحوذ عليهم، فأصبحوا من حزبه، فعلى الإنسان المؤمن مجاهدة الشيطان وترك اتّباع خطواته؛ لكيلا يزلّه ويُصيّره في زمرة الطغاة والشياطين.

وينبغي للزائر أن يتعلّم جهاد النفس من أصحاب الإمام الحسين× الذين روَّضوا أنفسهم ووطَّنوها على نصرة الإمام×، ولقاء الله تعالى، وبذلوا مهجتهم دون الحسين× نصرةً لله؛ فإنّه إن لم يُجاهد الشيطان ونفسه لا يلتحق بهم أبداً. كما ينبغي له أخذ العبرة من الذين اتّبعوا أهواءهم وأنفسهم الأمّارة بالسوء، وانتموا إلى الطغاة طمعاً في الدنيا وزخارفها، فقاتلوا الحسين×، فقادهم الشيطان وأنفسهم إلى النار وبئس المصير.

وعليه؛ فإذا استطاع الإنسان أن يُجاهد الشيطان ونفسه وهواه فحينئذٍ يؤهّل ويكون مستعدّاً للجهاد بالحكمة والموعظة والإرشاد، وبعدها يكون مستعدّاً ـ أيضاً ـ
لبذل ماله وولده ونفسه ومهجته في سبيل نصرة إمامه، ودين الله وإعلاء كلمته.

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

1. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد (ت413هـ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية، 1414هـ / 1993م.

2. إقبال الأعمال، السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي (السيّد ابن طاووس) (ت664هـ)، تحقيق: جواد القيّومي الإصفهاني، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثانية، 1414هـ.

3. تاريخ الأُمم والملوك (تاريخ الطبري)، محمد بن جرير بن يزيد الطبري (ت310هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث، بيروت ـ لبنان، 1387هـ/1967م.

4. تحف العقول عن آل الرسول، الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (من أعلام القرن الرابع الهجري)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرّسين، قم المشرّفة ـ إيران، الطبعة الثانية، 1404هـ.

5. تفسير القمّي، أبو الحسن علي بن إبراهيم‌ القمّي (ت نحو 329هـ)، تحقيق: طيب الجزائري، الناشر: دار الكتاب‌، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1404هـ.

6. تهذيب الأحكام، أبو جعفر محمد بن الحسن الشيخ الطوسي (ت 460هـ)، تحقيق: السيّد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة، 1364ش.

7. شرح نهج البلاغة، عزّ الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد ابن أبي الحديد (ت656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأُولى، 1378هـ/1959م.

8. الكافي، محمد بن يعقوب الكليني الرازي (ت329هـ)، طهران ـ إيران، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365ش.

9. كامل الزيارات، جعفر بن محمد ابن قولويه القمّي (ت367هـ)، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، قم المقدّسة ـ إيران، 1417هـ.

10. كتاب المزار، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد (ت413هـ)، تحقيق: السيّد محمد باقر الموحّد الأبطحي، مؤتمر الشيخ المفيد، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1413هـ.

11. مثير الأحزان ومنير سبيل الأشجان، جعفر بن محمد بن نما الحلّي (ت645هـ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي#، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الثالثة، 1406هـ.

12. المزار الكبير، أبو عبد الله محمد بن جعفر المشهدي الحائري المعروف بابن المشهدي (ت610هـ)، تحقيق: جواد القيّومي الإصفهاني، مكتب النشر الإسلامي، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1419هـ.

13. المزار، محمد بن مكّي العاملي‌ الشهيد الأوّل (ت786هـ)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي×، قم المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى، 1410هـ.

14. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي (ت1320هـ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت× لإحياء التراث، قم
المقدّسة ـ إيران، الطبعة الأُولى،1408هـ/1987م.

15. مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، أبو جعفر محمد بن الحسن الشيخ الطوسي (ت460هـ)، الناشر: مؤسّسة الشيعة، بيروت ـ لبنان، 1411هـ.

16. المصباح المنير، أحمد بن محمد بن علي الفيّومي المقري (ت770هـ)، تحقيق: يوسف الشيخ محمد، الناشر: المكتبة العصرية، الطبعة الثانية، ١٤١٨ هـ.

17. مناقب آل أبي طالب، محمد بن علي ابن شهر آشوب السروي المازندراني (ت588هـ)، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الناشر: مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف ـ العراق، 1376هـ/1956م.

18. نهج البلاغة، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي الشريف الرضي (ت406هـ)، شرح الأُستاذ محمد عبدة، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشـر، بيروت ـ لبنان.

[1] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ج2، ص789.

[2] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص373. الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص575، الزيارة المروية عن الكناسي.

[3][3] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص391، وهي الزيارة المروية عن بيّاع السابري.

[4] الفرقان: الآية52.

[5] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص70.

[6] المفيد، محمد بن محمد، المزار: ص106.

[7] الحجّ: الآية78.

[8] القمّي، علي بن إبراهيم، تفسير القمّي: ج2، ص88.

[9] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ج2، ص789.

[10] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص387. الزيارة المروية عن أبي بصير، عن بعض أصحابنا، عن الصادق×.

[11] فاطر: الآية6.

[12] النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل: ج10، ص308.

[13] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص395 ـ 396.

[14] ابن شهر آشوب المازندراني، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص249.

[15] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص722.

[16] الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص113.

[17] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص12.

[18] الفرقان: الآية52.

[19] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص391، وهي الزيارة المروية عن بياع السابري.

[20] الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص113.

[21] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص346.

[22] التوبة: الآية52.

[23] ابن المشهدي، محمد، المزار: ص497.

[24] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص387.

[25] المفيد، محمد بن محمد، المزار: ص120.

[26] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص332.

[27] ويدلّ عليه قول الإمام الحسين× في خطبته: «اللّهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنُري المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويُعمل بفرائضك وسنّتك وأحكامك. فإنّكم إلّا تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم، وحسبنا الله وعليه توكّلنا، وإليه أنبنا، وإليه المصير». ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول: ص239.

ومثله قول أمير المؤمنين×: «لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألّا يقارّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم...». نهج البلاغة، خطب الإمام علي×: ج ١، ص٣٦.

[28] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص373. الكليني محمد بن يعقوب، الکافي: ج4، ص575.

[29] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص102.

[30] المصدر السابق: ص371.

[31] ابن المشهدي، محمد، المزار: ص501.

[32] المصدر السابق: ص502.

[33] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص341.

[34] ابن المشهدي، محمد، المزار: ص502.

[35] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص 342.

[36] ابن المشهدي، محمد، المزار: ص502.

[37] التوبة: الآية52.

[38] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص101ـ 102.

[39] ابن المشهدي، محمد، المزار: ص502، زيارة الناحية.

[40] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص360، الزيارة المروية عن الحسن بن عطية.

[41] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص70.

[42] المفيد، محمد بن محمد، المزار: ص106.

[43] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص789.

[44] الحجّ: الآية78.

[45] القمّي، علي بن إبراهيم، تفسير القمّي: ج ٢، ص٨٨.

[46] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص101.

[47] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ج2، ص789.

[48] المصدر السابق.

[49] الفرقان: الآية52.

[50] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص391، وهي الزيارة المروية عن بيّاع السابري.

[51] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ج2، ص788. الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام: ج6، ص113. بالطريق نفسه ومن دون اختلاف.

[52] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص97.

[53] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنور: ج 45، ص8. ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول: ص241.

[54] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص304.

[55] ابن شهر آشوب المازندراني، محمد بن علي، مناقب آل ابي طالب: ج3، ص249.

[56] اُنظر: ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج18، ص409.

[57] النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل: ج 10، ص414.

[58] ابن المشهدي، محمد، المزار: ص501.

[59] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص788.

[60] ابن المشهدي، محمد، المزار: ص497.

[61] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص575، الزيارة المروية عن الكناسي.

[62] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص722.

[63] ابن نما الحلّي، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص29.

[64] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص346.

[65] القصص: الآية41.

[66] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص309.

[67] المصدر السابق: ص328.

[68] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص575.

[69] المفيد، محمد بن محمد، المزار: ص113.

[70] المصدر السابق: ص120.

[71] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص332.

[72] النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل: ج10، ص414.

[73] العاملي (الشهيد الأوّل)، محمد بن مكّي، المزار: ص154.

[74] النوري، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل: ج10، ص308.

[75] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول: ص241.

[76] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص304.

[77] ابن شهر آشوب المازندراني، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص249.

[78] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص395 ـ 396.

[79] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص787.

[80] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: 271.

[81] ابن نما الحلّي، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص29.

[82] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص372.

[83] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص788.

[84] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص391، وهي الزيارة المروية عن بيّاع السابري.

[85] المصدر السابق: ص373.

[86] ابن طاووس، علي بن موسى، إقبال الأعمال: ج3، ص346.

[87] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص721.

[88] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص372.

[89] الفرقان: الآية52.

[90] النساء: الآية76.

[91] المفيد، محمد بن محمد، المزار: ص113.

[92] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص722.

[93] ابن نما الحلّي، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص29.

[94] الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد: ص789.

[95] المفيد، محمد بن محمد، المزار: ص113.

[96] ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص329.

مفهوم الجهاد في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) دراسة تحليلية